هل سيصبح أطفالنا متعلمين؟ وهل سيتطلعون إلى المستقبل بكرامة؟: (عدد 28. 2022)

مشاركة المقال

معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي/ مدار: 22 شتنبر/ أيلول 2022

فيجاي براشاد*

نو باريتو (غينيا بيساو)، انتظار، 2019.

 

يسير العالم على غير هدى في ظل موجات الجوع والخراب التي تجتاحه، وهو الأمر الذي جعل من الصعب على الناس التفكير في التعليم أو أي شيء آخر، وخصوصاً إذا كان أطفالهم غير قادرين على تناول الطعام. ورغم ذلك فإن الهجوم الحاد على التعليم خلال العقد الماضي يجبرنا على التفكير في نوع المستقبل الذي سيرثه الشباب، لاسيما أنه خلال 2018، قبل انتشار الوباء، كشفت الأمم المتحدة أن 528 مليون طفل، أي واحد من بين كل ستة أطفال، ممن هم في السن القانونية للتعليم المدرسي، هم خارج المدرسة. وبحلول مارس/ آذار 2020، أي في بداية الوباء، قدرت اليونسكو أن 1.5 مليار طفل وشاب قد تضرروا من إغلاق المدارس وأن حوالي 91% من الطلاب من جميع أنحاء العالم قد تعطل تعليمهم بسبب عمليات الإغلاق.

وفي دراسة صدرت مؤخراً عن الأمم المتحدة في يونيو/ حزيران 2022، وجدت المنظمة أن عدد الأطفال الذين يعانون من مشاكل في مسيرتهم التعليمية تضاعف ثلاث مرات تقريبا منذ 2016، إذ ارتفع العدد من 75 مليون إلى 222 مليون في الوقت الحالي. هذا ولاحظ برنامج الأمم المتحدة للتعليم أن الوضع لا يقبل أي تأخير في التعاطي مع “هؤلاء الـ222 مليون طفل”، مضيفا أنهم “في حاجة إلى مجموعة من المتطلبات التعليمية”: حوالي 78.2 مليون (54% إناث، 17% يعانون من صعوبات وظيفية و16% هم من النازحين قسرا) خارج المدرسة، بينما 119.6 مليون شخص غير قادرين إلى تحقيق الحد الأدنى من الكفاءة في القراءة أو الرياضيات في الصفوف الأولى، رغم التحاقهم بالمدرسة. ولا يتم إيلاء الاهتمام الكافي للكارثة التي تتربص بالأجيال القادمة.

أشار البنك الدولي، بالتعاون مع اليونسكو، إلى أن تمويل التعليم قد انخفض في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، حيث “قلصت 41% من هذه البلدان إنفاقها على التعليم مع بداية الوباء في عام 2020، مع تسجيل متوسط انخفاض الإنفاق العالمي بمعدل 13.5%”. وفي الوقت الذي عادت فيه البلدان الأكثر ثراءاً إلى مستويات التمويل التي كانت سائدة ما قبل الجائحة، فإن التمويل في البلدان الأشد فقراً قد بلغ مستويات أقل من المتوسط الذي كان قبل الجائحة. سيؤدي التراجع في تمويل التعليم إلى خسارة ما يقرب من 21 تريليون دولار من الأرباح على مدى الحياة، وهي أعلى بكثير من 17 تريليون دولار المقدرة في 2021. بينما يتفكك الاقتصاد وتتوحد رؤى أصحب رأس المال في أنهم ببساطة لن يقوموا بتوظيف مليارات الأشخاص الذين أصبحوا بالنسبة لهم “فائضا من السكان”، فلا عجب أن يكون التركيز على التعليم هامشيا للغاية.

مدرس يكتب على السبورة في إحدى مدارس PAIGC في المناطق المحررة من غابات غينيا، 1974.
المصدر: صور رويل كوتينهو حول غينيا بيساو والسنغال (1973-1974)

من خلال النظر إلى تجارب التحرر الوطني التي كانت في حقبة سابقة، تتكشف لنا مجموعة مختلفة من القيم والتي أعطت الأولوية لإنهاء الجوع وزيادة المعارف الخاصة بالقراءة والكتابة وضمان الوصول إلى الإنجازات الاجتماعية الأخرى التي أتاحت تعزيز كرامة الإنسان. انطلاقاً من هذا المعطى، أصدر معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي سلسلة جديدة تحت مسمى دراسات في التحرر الوطني، وتم تخصيص الدراسة الأولي من هذه السلسلة إلى التعليم السياسي من أجل التحرير في غينيا بيساو 1963-1974، وهي عبارة عن نص رائع يعتمد على البحث الأرشيفي لسونيا فاز بورجيس، مؤرخة ومؤلفة كتاب التعليم النضالي ونضال التحرر والوعي: تعليم PAIGC (الحزب الإفريقي من أجل استقلال غينيا والرأس الأخضر) في غينيا بيساو 1963-1978 (بيتر لانج، 2019).

تأسس الحزب الإفريقي من أجل استقلال غينيا والرأس الأخضر في عام 1956، والذي يدعى اختصارا بـPAIGC. على غرار العديد من المشاريع التحررية، بدأ عمل الحزب في الإطار السياسي الذي أنشأته الدولة الاستعمارية البرتغالية. وفي عام 1956، أضرب عمال أرصفة موانئ بيدجيكيتي في سبيل المطالبة بالزيادة في الأجور وتحسين ظروف العمل، لكنهم قوبلوا بعدم تقبل البرتغاليين التفاوض ولجوء المستعمر للبندقية، ليسقط ما يقرب من 50 عاملًا ويصاب العديد منهم. كانت هذه المجزرة سبباً في إقناع الحزب الإفريقي من أجل استقلال غينيا والرأس الأخضر بمواصلة الكفاح المسلح وإنشاء مناطق محررة من الحكم البرتغالي في غينيا آنذاك (هي ما يطلق عليها حاليا غينيا بيساو).

أقام الحزب في هذه المناطق المحررة مشروعاً اشتراكياً تضمن نظاماً تعليمياً يهدف إلى محو الأمية وخلق حياة ثقافية كريمة للسكان. إن هذا السعي وراء مشروع تعليمي قائم على المساواة هو الذي لفت انتباهنا، لأنه حتى في بلد فقير يواجه القمع المسلح للدولة الاستعمارية، إلا أن الحزب الإفريقي من أجل استقلال غينيا والرأس الأخضر قد استمر في نقل الموارد الثمينة بعيداً عن الكفاح المسلح في سبيل بناء حياة كريمة. لقد نالت البلاد استقلالها عن البرتغال في العام 1974، لكن ما زالت قيم مشروع التحرر الوطني يتردد صداها في آذاننا إلى غاية يومنا هذا.

طلاب داخل فصل دراسي تابع لـ PAIGCفي مدرسة ابتدائية في المناطق المحررة، 1974.
المصدر: صور رويل كوتينهو حول غينيا بيساو والسنغال (1973-1974)

لقد كان لمشروع التحرر الوطني الذي بدأه الحزب الإفريقي من أجل استقلال غينيا والرأس الأخضر هدفان متزامنان:

1. إسقاط مؤسسات الاستعمار القائمة على القهر والاستغلال.

2. إنشاء مشروع لإعادة الإعمار الوطني بقصد متابعة مسيرة الشعب في التحرر الاقتصادي والسياسي والاجتماعي من أجل تدمير ما تبقى من المخلفات السامة التي تركتها الهياكل الاستعمارية في أجساد وعقول الناس.

لم تكن هناك مدارس ثانوية في غينيا الاستوائية إلى غاية عام 1959، تلك البلد التي سيطرت عليها الملكية البرتغالية منذ 1588. لكن وفي عام 1964 قام المؤتمر الأول للحزب الإفريقي من أجل استقلال غينيا والرأس الأخضر، بقيادة أميلكار كابرال، بتبني الوعد التالي:

إنشاء المدارس وتطوير التدريس في جميع المناطق المحررة… تحسين العمل في المدارس الحالية وتجنب الاكتظاظ في عدد التلاميذ والذي سيضر بمدى استفادة الجميع على السواء. افتتاح مدارس جديدة، لكن مع الوضع في الاعتبار توفير الموارد اللازمة لكي لا يتم الاضطرار إلى إغلاقها فيما بعد بسبب نقص هذه الموارد… تعزيز التكوين السياسي للمعلمين بشكل مستمر… تنظيم دورات لتعليم الكبار القراءة والكتابة، سواء كانوا مقاتلين أو من السكان العاديين… العمل بشكل متدرج على إنشاء مكتبات في المناطق المحررة مع إعارة الكتب التي نملكها إلى الآخرين ومساعدة الآخرين على تعلم قراءة الكتب والصحف وفهم ما يُقرأ.

عبر قادة الحزب الإفريقي من أجل استقلال غينيا والرأس الأخضر على أنه يجب على كل من يعرف أن يعلم أولئك الذين لا يعرفون، وذلك في خضم الجهود الكبيرة التي يبذلونها في تعليم محو الأمية الأساسية واطلاع الناس على تاريخ أرضهم وأهمية نضالهم من أجل التحرر الوطني.

طالب يستخدم المجهر خلال استشارة طبية PAIGC في كلية في كامبادا، 1973.
المصدر: صور رويل كوتينهو حول غينيا بيساو والسنغال (1973-1974)

تتناول دراستنا مختلف جوانب النظام التعليم الذي أنشأه PAIGC، بما ذلك تقييم الأشكال والممارسات التعليمية. إن محور الدراسة هو إلقاء نظرة فاحصة على أصول التدريس التي أرساها PAIGC ومناهجها المناهضة للاستعمار والتي تركز على أفريقيا. ومن ضمن النقاط التي تحويها دراستنا:

يجب أن تكون تجارب الشعوب الإفريقية وماضيها وحاضرها ومستقبلها في قلب هذا التعليم الجديد. لقد كانت التجارب التعليمية في حاجة إلى التعامل مع أشكال المعرفة الموجودة في المجتمعات المحلية وإعادة تشكيلها، ومن خلال الأساليب الجديدة للمعرفة، زرع الحزب الإفريقي من أجل استقلال غينيا والرأس الأخضر لدى المتعلمين إحساساً شخصياً بالالتزام تجاه أنفسهم وأقرانهم ومجتمعاتهم. لقد دعا كابرال في وقت مبكر من عام 1949 إلى إنتاج المعرفة للتركيز على الحقائق الإفريقية الحالية من خلال الخبرات البحثية للظروف الزراعية في البرتغال والأراضي الإفريقية، وأكد على أن واحدة من أفضل الطرق للدفاع عن الأرض تكمن في تعلم وفهم كيفية استخدام التربة بشكل مستدام والعمل على التحسين الواعي للفوائد التي نحصدها منها. كانت معرفة وفهم الأرض شكلاً من أشكال الدفاع عن الناس وحقهم في تحسين ظروفهم المعيشية.

تعتبر الدراسة بمثابة نافذة على عالم هزمه التقشف الهيكلي لصندوق النقد الدولي الذي دفع غينيا بيساو إلى حالة من الاضطراب منذ العام 1995، مع تسجيل تراجع معدل من يعرفون القراءة والكتابة إلى ما يقرب من 50% – وهو أمر صادم بالنسبة لبلد يتمتع بهذا النوع من إمكانيات التحرر الوطني التي أرساها الحزب الإفريقي من أجل استقلال غينيا والرأس الأخضر. إن قراءة الدراسة يفتح نوافذ سابقة، وآمالاً تبقى حية طالما بقيت حركاتنا منتبهة وقادرة على العودة إلى الأصل لبناء مستقبل أفضل.

تعرض زعيم الحزب الإفريقي من أجل استقلال غينيا والرأس الأخضر، أميلكار كابرال، للاغتيال في 20 يناير/ كانون الثاني من عام 1973، أي قبل عام من تكبد المستعمر البرتغالي لهزيمة تاريخية. ونظرا للدور الذي كان يقوم به أميلكار فقد كافح الحزب من أجل تجاوز فقدان زعيمه. كتب أميلكار كابرال في عام 1946 قصيدة غنائية تحت عنوان “ريجرسو” (عودة)، والتي تناولت أخلاقيات الحركة التي ضحى بحياته من أجلها. كان مصطلح “العودة” من المفردات المهمة في قاموس كابرال، كما أن عبارة “العودة إلى المصدر” كانت من بين الأمور المركزية في وجهة نظره المتعلقة بالتحرير الوطني والتي تقوم على أن الماضي يجب أن يعامل كمورد وليس كوجهة. فلتستمعوا إلى المغنية الرائعة من الرأس الأخضر سيزاريا إيفورا وهي تغني قصيدة كابرال، وفي نفس الوقت اطلعوا على كلمات القصيدة أدناه، فهي بمثابة باب لآمالنا في التعليم التحرري:

أمي العجوز، تعالي، لنستمع

لدقات المطر على الباب.

إنها دقات ودية

هذا الخفقان في قلبي.

صديقنا المطر، أمي العجوز، المطر

الذي لم يتهاطل بهذه الطريقة منذ وقت طويل …

استمعت إلى سيداد فيلها

– الجزيرة بأكملها –

تصبح حديقة في غضون أيام قليلة …

يقولون أن الريف مغطى باللون الأخضر،

في أجمل لون، لأنه لون الأمل.

الآن، تبدو الأرض حقا مثل الرأس الأخضر –

ها قد حل الهدوء محل العاصفة …

تعالي، أمي العجوز، تعالي

استعيدي قوتك وتعالي إلى البوابة.

لقد علّق أخيرا صديقنا المطر،

ويمكن أن ينبض في قلبي.

* نشرت هذه المراسلة في موقع معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي في 14 يوليوز/ تموز 2022.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة