مدار: 10غشت/ آب 2021
عاشت تونس في الأيام الأخيرة على وقع أحداث سياسية متسارعة استحوذت على النقاش العام على المستويات المحلية، الإقليمية والدولية، أبرزها الإجراءات المزلزلة التي اعتمدها الرئيس قيس سعيد، واعتبرها البعض انقلابا على الديمقراطية، فيما عدها آخرون استكمالا لمسار “ثورة الياسمين”؛ وذلك في حين تعمل العديد من الأنظمة العالمية على أن يكون لها دور في المشهد الداخلي التونسي، سواء من خلال الزيارات الرسمية أو المباحثات التي تتم في الخفاء.
وفي ظل هذه المستجدات السياسية المتواترة مع تصاعد التوتر السياسي في تونس، لاحت مجموعات من المعطيات والتحليلات التي تنم عن كون الإجراءات المتخذة من الرئيس أو حتى تلك التي يتم الحديث عن إمكانية تبنيها من المرجح أن يكون مصدرها المتدخلون الخارجيون.
قيس سعيد يمدح الدستور الأمريكي
أجرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقابلة مع الرئيس التونسي في القصر الرئاسي اعتبرته في تقرير لها أقرب إلى المحاضرة منه إلى لقاء صحفي، إذ لم تعط الكلمة لطرح الأسئلة، بل لم تتم ترجمة محتوى ما كان يقوله الرئيس.
واعتبر كثيرون أن هذا اللقاء جاء رضوخا لمطالبات الجانب الأمريكي، الذي عبر غير ما مرة عن قلقه من الضبابية التي تحيط بالإجراءات التي اتخذها قيس سعيد، من دون أن تكون هناك خريطة طريق لما يمكن أن يتم اللجوء إليه من بعد.
كما أن ما أثار الكثيرين، وجعلهم يرون أن اللقاء أتى في وقت لم تكن للرئيس أي فكرة عما يمكن أن يتم اتخاذه، هو لجوء سعيد إلى اقتباسات قام بإسقاطها حرفيا على الوضع التونسي؛ فمرة استعان بالجنرال الفرنسي شارل ديغول من خلال تكرار تساؤله: “لماذا تعتقدين أنني في هذه السن سأبدأ مسيرتي المهنية كدكتاتور؟”، ومرة أخرى – وهو حامل بعض الأوراق التي تمثل الدستور الأمريكي – مدح الدستور الأمريكي، معتبرا إياه هدفا في حد ذاته، إذ قال: “مثلما اضطر القادة الأميركيون مثل أبراهام لنكولن إلى اتخاذ إجراءات متطرفة للحفاظ على النظام، يجب علينا في تونس القيام بنفس الأمر من أجل الدفع بالبلاد إلى الأمام”.
لقد كان اللقاء بمثابة إقرار بأن الرئيس يرى في الجانب الأمريكي صورة المنقذ، خصوصا أن استعانته بالدستور الأمريكي جعلت الكثيرين يعتبرونها إشارة إلى تغييرات دستورية يمكن أن تكون بتدخل مباشر من الجانب الأمريكي.
تخطيط في الكواليس لتونس الغد
تناول مقال نشر في جريدة “جون أفريك” الوضع التونسي، موردا أنه بعد قرار الرئيس التونسي قيس سعيد تولي جميع الصلاحيات وتجميد نشاط مجلس نواب الشعب وإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي، كانت هناك مجموعة من الاجتماعات في الكواليس بين الشركاء الدوليين للبلاد، خصوصا بين الجانب الفرنسي ووزارة الخارجية الأمريكية، حيث راهنا في البداية على توخي الحذر، ثم عملا على تطوير حل من إحدى عشرة نقطة للأزمة.
أولى هذه النقاط حسب الصحيفة إخراج حكومة إلى الوجود دون حركة النهضة. وحسب المصدر ذاته فإن جميع الأطراف ترغب في الحفاظ على السياسة من أي تأثير للجيش أو قوات الأمن، وأن يظل قيس سعيد في مهامه حتى نهاية ولايته عام 2024.
كما اقتُرح رفع التجميد عن البرلمان بحلول 28 غشت/ آب على أبعد تقدير من أجل الموافقة على اقتراح الرئيس في ما يخص رئيس الوزراء والحكومة التي ستقود البلاد، والتي لن يكون لحزب النهضة دور فيها، على أن يظل راشد الغنوشي رئيسا للدورة البرلمانية الحالية إلى غاية اعتماد المحكمة الدستورية.
بعد ذلك – حسب الصحيفة – ووفقا للاقتراح الفرنسي الأمريكي، سيحتفظ رئيس الدولة بصلاحياته في مسائل الدبلوماسية والدفاع، على أن يكون لوزارتي السيادة (الداخلية والعدل) نوع من الحيادية.
وعبرت الصحيفة عن أنه سيواكب هذه الإجراءات – من أجل ألا تتم إعاقتها – تنازل على مقاضاة النواب ورجال الأعمال؛ كما ستتم حماية الحريات والديمقراطية وضمانها، لاسيما من خلال استكمال إنشاء المؤسسات الدستورية.
ترحيل تقرير مصير تونس
يعتبر حزب العمال التونسي من الأطراف السياسية في تونس التي قالت إن ما قام به قيس سعيد مخالف للمبادئ الديمقراطية والدستورية، معبرا في الآن نفسه عن أن المنظومة الحاكمة في البلاد، بما فيها قيس سعيد وحركة النهضة، كانت سببا في تردي الأوضاع.
وأورد حزب العمال أن الحل للأزمة الحالية يجب أن يكون نابعا من الداخل التونسي، منددا بالاصطفافات التي تعرفها الأطراف الحاكمة في البلاد، والتي من شأنها أن تقود تونس إلى إدامة الوضع الحالي دون أن يكون هناك مخرج على المدى القريب.
كما قال حمة الهمامي، الأمين العام للحزب اليساري المعارض، في حوار مصور، إن المصير التونسي لا تتم مناقشته في الداخل التونسي، بل تم ترحيله إلى الخارج، معبرا في الآن نفسه عن أن هناك مجموعة من الأنظمة التي أصبحت تسير البلاد، من بينها الإمارات، وقطر، وتركيا، والجزائر، والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي.
وفي السياق ذاته قال الهمامي في اللقاء إن التدخل الخارجي أمر واقع وليس مجرد تأويلات حسب بعض الأطراف، موردا أن من أبرز الأمثلة على ذلك “التغريدة” الغامضة التي نشرها “ضاحي خلفان”، أحد قادة الجهاز الأمني في دبي بالإمارات، قبل أن تتسارع الأحداث في تونس.