المراسلة 24: كومونة كيسان للمزارعين في الهند

مشاركة المقال

معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي/ مدار: 10 أغسطس/ غشت 2021

فيجاي براشاد

احتجاج مزارعات من البنجاب وهاريانا على حدود تيكري في الهند،24 يناير/ كانون الثاني 2021.

من المرتقب أن يجتمع عشرات الآلاف من المزارعين الهنود في 26 يونيو/ حزيران 2021 أمام المكاتب الحكومية في مختلف ولايات الهند، البالغ تعدادها 28 ولاية. سيأتي هؤلاء لإحياء ذكرى مرور سبعة أشهر على احتجاجاتهم ضد حكومة حزب بهاراتيا جاناتا اليمينية المتطرفة التي يقودها رئيس الوزراء ناريندرا مودي. إن هذا التجمع يأتي باعتباره جزءاً من سلسلة طويلة من الاحتجاجات، التي بدأت في 26 نونبر/ كانون الثاني 2020 من خلال إضراب عام لمدة يوم واحد شارك فيه 250 مليون فلاح وعامل هندي.

 منذ ذلك الحين حاصر عشرات الآلاف من المزارعين (كيسان) العاصمة نيودلهي، مشكلين بذلك كومونة كيسان (للمزارعين). وقد أعادت هذه الكومونة إلى الأذهان كومونة باريس التي مر على تاريخ إنشائها 150 عاماً، وكتب عنها ماركس أنها سوف تكون محدٌدا في التجارب المستقبلية القائمة على الديمقراطية الاشتراكية.

 وتعد كومونة كيسان، كما الكومونة الفنزويلية والحركة الجنوب إفريقية من أجل الأراضي، إحدى هذه التجارب التي تحدث عنها ماركس.

لقد استمر المزارعون الهنود في نضالهم متحدّين شتاء الهند القاسي، ودفعهم لذلك في سبتمبر/ أيلول الماضي  إقرار ثلاثة قوانين تضع الزراعة الهندية في أيادي مجموعة صغيرة من الشركات العملاقة. ودعت في المقابل ساميوتكا كيسان مورشا (الجبهة المتحدة للمزارعين) والمكونة من أكثر من أربعين نقابة مزارعين وعمال زراعيين، إلى الاحتجاج في يونيو/ حزيران تحت شعار “أنقذوا المزارعين، أنقذوا الديمقراطية”. إن شعارهم هذا يختصر صراع المزارعين بأكمله.

يقضي زوجان مزارعان ليلة شتوية في عربتهم على حدود سينغهو في الهند، 28 ديسمبر/ كانون الأول 2020.

يقضي زوجان مزارعان ليلة شتوية في عربتهم على حدود سينغهو في الهند، 28 ديسمبر/ كانون الأول 2020.

كان المزارعون والعمال الزراعيون على يقين منذ اللحظة الأولى التي أقرت فيها الحكومة القوانين الثلاثة بأن الشركات العملاقة ستسيطر على أمانديس (سوق المنتجات الزراعية). إن هذه القوانين أضعفت من دور الدولة وسلمت زمام التحكم في الأسعار للشركات الاحتكارية القوية ذات العلاقة الوثيقة بمودي وحزبه. إن هذا يضع مستقبل الحياة الزراعية على المحك. ليس هذا مبالغة على الإطلاق، إذ إن العمال الزراعيين يعيشون منذ عام 1991 تأثيرات السياسات النيوليبرالية، وهي الفترة التي تبنت فيها الهند هذه السياسات في مختلف جوانب الحياة الاقتصادية، بما في ذلك الزراعة؛ ونتيجة لذلك انتحر أكثر من 300.000 مزارع. إن الحركة الاحتجاجية الحالية هي صرخة ضد الانتحار.

أفرز إحصاء عام 2011 أن 833.1 مليون من أصل 1.2 مليار هندي يعيشون في المناطق الريفية، ما يعني أن كل اثنين من بين ثلاثة هنود يعيشون في الريف.. لا يعني ذلك أنهم جميعاً مزارعون أو عمال زراعيون، ولكنهم جميعاً مرتبطون بطريقة أو أخرى بالاقتصاد الريفي، فهناك الحرفيون والنساجون وعمال الغابات والنجارون وعمال المناجم والعمال الصناعيون. إنه عالم اجتماعي يقوم بأكمله على اقتصاد زراعي مستدام وصحي معرض الآن لخطر الزوال. هنالك أمر يعرفه المزارعون جيداً، وهو أن الهجوم الرأسمالي سيقوّض وجود العمال الريفيين في الهند، وسيضرب قدرتهم على توفير الغذاء لسكان المناطق الحضرية المتزايدين في البلاد.

تقتحم قوافل الجرارات الزراعية حواجز على طريق جي تي كارنال وتدخل دلهي، وتبدأ مواجهة بين المتظاهرين والشرطة في دلهي، 26 يناير/ كانون الثاني 2021 .

تقتحم قوافل الجرارات الزراعية حواجز على طريق جي تي كارنال وتدخل دلهي، وتبدأ مواجهة بين المتظاهرين والشرطة في دلهي، 26 يناير/ كانون الثاني 2021 .

تدفق المزارعون إلى دلهي بعد مرور شهرين من الاحتجاجات، وقد اختاروا لذلك يوم 26 يناير/ كانون الثاني الذي يصادف يوم الجمهورية؛ وهو اليوم الذي اعتمدت فيه الهند عام 1950 دستورها بعد استقلالها. قدم المزارعون إلى قلب العاصمة مستعملين جراراتهم التي بلغ تعدادها حوالي 200.000، فيما اختار آخرون الخيول أو المشي على الأقدام. حاولت الشرطة كسر هذه التحركات من خلال وضع متاريس على طول الطرق السريعة الرئيسية.

إن هذا الصدام بين من يطعم الناس ومن يتغذى على قوت الناس ألهم الشاعر ساهر لوديانفي خلال تأملاته ليوم الجمهورية عام 1971:

ما الذي حدث لأحلامنا الجميلة؟

في وقت تزايدت ثروات البلاد، لماذا هذا الفقر المتزايد؟

ما الذي حدث لمسارات الازدهار العادية؟

أولئك الذين ساروا معنا في فترة ما نحو المشنقة،

أين أولئك الأصدقاء، أولئك الرفاق، أولئك الأحبة؟

كل الشوارع تحترق، المدينة بأكملها أصبحت ساحة قتال.

ما الذي حدث لتضامننا؟

الحياة تجرنا نحو صحاري من الكآبة.

أين ذهب القمر الذي كان يلوح في الأفق؟

إذا كنتُ مذنباً، فأنت كذلك أيضاً.

قادة بلادنا، أنتم كذلك مذنبون.

يحتج مزارع من البنجاب خلال مسيرة الجرارات في يوم الجمهورية على طريق جي تي كارنال الاجتنابي في دلهي، 26 يناير/ كانون الثاني 2021.

يمكنكم الاطلاع من خلال معهد البحوث الاجتماعية على ملف مهم جداً تحت عنوان “ثورة المزارعين في الهند” (ملف رقم 41، يونيو/ حزيران 2021)، يطرح أسئلة بسيطة: ما الذي حدث للزراعة في الهند ولماذا تمرد المزارعون؟ ستجدون في قلب الملف بحثاً في الأزمة الزراعية التي تعتبر حالةً مزمنةً تتنوع أعراضها بين: تقلبات الزراعة، بما في ذلك فشل المحاصيل، التي أدت إلى انخفاض كبير في المداخيل، المديونية ونقص العمالة، بالإضافة إلى نزع الملكية والانتحار. إن جذور هذه الأزمة ليست بالحتمية، فهي ناتجة عن الهياكل المتبقية من الحكم الاستعماري البريطاني وعن إخفاقات الدولة الهندية بعد عام 1947 (دولة استسلمت لملاك الأراضي والطبقة البرجوازية) وعن الإخفاقات المتسارعة للفترة النيوليبرالية منذ عام 1991 حتى وقتنا الحالي.

لا يمكن  تجاهل تمرد الفلاحين الحالي وتواجدهم النشط في ضواحي نيودلهي. يجب أيضاً العمل على فهم سبب هذا الحضور لفهم الجذور العميقة لهذه الأزمة، التي تجعلهم يتعاطون معها بهذا القدر من الثبات. يقدم الملف الذي تم ذكره مسبقاً تقويةً لوجهات نظر نقابات الفلاحين، بالإضافة إلى تقييم مركز للعملية التي قامت من خلالها حكومة مودي بتسليم الاقتصاد الهندي إلى طبقة المليارديرات المقربة لها، لاسيما عائلتا أدانيس وأمبانيس.

أفادت منظمة أوكسفام في تقرير لها في يناير/ كانون الثاني 2020 بأن 1% من سكان الهند يملكون أربعة أضعاف ما يملكه 953 مليون هندي، أي حوالي 70% من السكان الذين يعيش معظمهم في المناطق الريفية.

إن انعدام المساواة هذا عرف تزايداً في خضم الجائحة، وبالأخص في الفترة بين مارس/ آذار وأكتوبر/ تشرين الأول 2020، حيث شهدت ثروة موكيش أمباني تضاعفاً لتصل إلى 78.3 مليارات دولار، ما جعله سادس أغنى رجل في العالم.

في ظرف أربعة أيام تمكن أمباني من تحصيل ما يوازي إجمالي رواتب موظفيه البالغ تعدادهم 195 ألف موظف. خلال فترة الجائحة لم تخصص حكومة مودي سوى 0.8 إلى 1.2% من الناتج المحلي الإجمالي كدعم من أجل إغاثة السكان المتضررين. إن المزارعين ردوا على هذه الحرب الطبقية من خلال تشكيل كومونة كيسان، التي لن تلين.

تزين النساء صهيب بالكي (دار الله)، وهو هيكل ديني للسيخ على حدود سينغو في دلهي، 31 ديسمبر/ كانون الأول 2020.

تزين النساء صهيب بالكي (دار الله)، وهو هيكل ديني للسيخ على حدود سينغو في دلهي، 31 ديسمبر/ كانون الأول 2020.

ليس بمقدور مودي التراجع بسهولة عن التزامه تجاه الشركات الكبرى، كما لا يستطيع المزارعون والعمال الزراعيون التخلي عن حياتهم، لذا لن يكون هناك مخرج سهل من هذه المواجهة. لقد شهدت الاحتجاجات تعاطفاً كبيرا أبداه سكان المدن مع أولئك الذين يطعمونهم. لقد حاولت السلطات قمع الاحتجاجات بالقوة، غالباً تحت ذريعة فرض الإغلاق، لكنها بالرغم من ذلك فشلت. يجعلنا هذا نتساءل ما إذا كانت  ستخاطر حكومة مودي باستخدام قوة أكبر؟ وإذا ما حدث ذلك، فهل سيتسامح الجمهور معها؟ لا توجد إجابة سهلة عن هذه الأسئلة.

أسواث (مجموعة الفنانين الاشتراكيين الشباب، الهند)، يتظاهرون مع الفلاحين،2021.

أسواث (مجموعة الفنانين الاشتراكيين الشباب، الهند)، يتظاهرون مع الفلاحين،2021.

تظهر دراسة مهمة قامت بها جمعية البحوث الاجتماعية والاقتصادية بواسطة كل من فيكاس راوال وفايشالي بانسال أن الزراعة الهندية أصبحت تعاني من التعرض للتدمير المتواصل بسبب الكم الهائل من عدم المساواة الاقتصادية. إن أكثر من نصف الأسر في المناطق الريفية الهندية لا تمتلك الأرض، في حين أن عدداً قليلاً من الملاك يمتلكون المساحات الأكبر، بل وأفضل الأراضي. يقول راوال وبانسال إنه انعدام ملكية الأراضي وعدم المساواة في الحصول عليها تضاعف خلال العقود القليلة الماضية، كما تطرقا إلى أن علاقات الحيازة غير الآمنة أصبحت الأكثر شيوعا؛ بالإضافة إلى ذلك أبرزا من خلال دراستهما أن الريف الهندي أصبح يشهد أكثر فأكثر أعداداً هائلة من الفلاحين والعاملين الريفيين الذين يعانون من الفقر المدقع ومن عدم استفادتهم من التعليم والرعاية الصحية اللائقين، وعدم قدرتهم على الوصول إلى المرافق الأساسية التي تضمن لهم عيش حياة كريمة.. هذه هي أسباب  احتجاجهم، ولهذا يقول كل من راوال وبانسال إن إصلاح الأراضي شرط مسبق يجب توافره من أجل أن ينالوا حريتهم.

إن الصور التي تم استعمالها في هذه النشرة هي من ذلك الملف، وقد التقطها فيكاس ثاكورو، عضو الفريق الفني لمعهد القارات الثلاث للبحوث الاجتماعية. كتب فيكاس حول هذه الصور: “إن هذه الصور تعود لأناس لديهم أسماء، نضالات، تطلعات، وأسلوب حياة. هذه الصور تمثل طبقة بأكملها. هذه صور لاحتجاج تاريخي”.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة