هل تتجه إثيوبيا نحو السلام؟

مشاركة المقال

نيو فرايم/ مدار: 28 كانون الثاني/ يناير 2022

مازال الغموض يلف الوضع في إثيوبيا، في وقت تشهد المساعي في الدولة الواقعة في الشرق الإفريقي، التي مزقتها الحرب طيلة الفترة الماضية، نحو التوصل إلى اتفاق بين السلطات الرسمية والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بعض التعثر.

ويعول الإثيوبيون على تحركات رئيس الوزراء، آبي أحمد، من أجل الوصول إلى مصالحة تضع حدا للحرب التي مزقت البلاد، وإنجاز اتفاق يتم من خلاله تحقيق السلام؛ لكن في الوقت نفسه يشعر الكثير من المواطنين بعدم اليقين في ما يخص الأوضاع بعد الصراع الذي استمر لفترة ليست بالقصيرة.

ومر ما يقرب من 15 شهرا منذ أن انطلقت الشرارة الأولى للصراع، الذي بدأ بعد أن هاجمت في نونبر/ تشرين الثاني 2020 الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي المنطقة الشمالية لقيادة قوات الدفاع الوطني الإثيوبية في تيغراي، وهو الأمر الذي ردت عليه قوات الدفاع من خلال عمليات مركزة؛ لكن ما كان من المفترض أن يكون عملية قصيرة تحول إلى صراع مستمر بين الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي وقوات الدفاع.

وفي محاولة من الرئيس آبي لوقف الصراع الذي أدى في بؤس شديد، أفرج عن عدد من السجناء السياسيين البارزين، بمن فيهم مسؤولون من الجبهة، لكن أحزاب المعارضة اعتبرت في الوقت نفسه أنه من السابق لأوانه البدء في القيام بمصالحة بينما مازالت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي تهاجم مناطق مختلفة من البلاد. كما أن أحد هذه الأحزاب، وهو الحركة الوطنية في أمهرة، قال “إن موقف آبي بعد الصراع الطويل يعتبر خطأ تاريخيا يقلل من قيمة التضحيات التي قدمها الإثيوبيون”.

وتأسست الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي (TPLF) عام 1975، وقادت حينها ائتلافا سياسيا حارب وأطاح بنظام الديرغ في 1991. وفي ظل هذا التحالف احتفظت الجبهة بالسلطة لعقود، وغالبا ما كانت توزع السلطة على أساس الانتماءات العرقية؛ لكن عندما تولى آبي أحمد السلطة في 2018 اتهم عديد المسؤولين بالفساد وانتهاك حقوق الإنسان، كما ألغى الكثيرين من المناصب التي كانوا يحوزونها، بالإضافة إلى إعادة توحيد الائتلاف من خلال تشكيل حزب الازدهار، وهو اندماج لم تشارك فيه الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي. وعندما قامت الحكومة الفيدرالية بتأجيل الانتخابات بسبب كوفيد-19، أجرت منطقة تيغراي تصويتها الخاص، الذي اعتبرته الحكومة غير قانوني.

وعندما تم تشكيل الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، كان طموحها السياسي الأولي هو تحقيق الاستقلال لإقليم تيغراي الذي لا يطل على أي منفذ بحري في الشمال، وهو الأمر الذي تجدد حاليا، حيث تحاول المنطقة الانفصال مرة أخرى، ما أدى إلى إزهاق مئات الأرواح وارتكاب فضائع من الجانبين المتصارعين. كما أن الغارات الجوية الأخيرة التي نفذتها الحكومة الإثيوبية تسببت في مقتل وإصابة العديد من الأشخاص منذ بداية العام الجديد؛ ويعاني من ذلك كل من التيغرايين وكذلك سكان المناطق المجاورة.

وفي دجنبر/ كانون الأول الماضي، قامت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بسحب قواتها من عفار وأمهرة اللتين احتلت منهما جزءا مهما منذ يوليوز/ تموز الماضي، وقال رئيسها، ديبريتسيون جبريمايكل، في مقابلة مع شبكة سي إن إن في أوائل يناير/ كانون الثاني: “إن على الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي أن تفكر في التفاهم السياسي وليس التقدم العسكري فقط”، مردفا بأنها تبحث عن تسوية تفاوضية لجميع القضايا السياسية، ومضيفا أن استقلال تيغراي عن إثيوبيا لن يتحقق على الفور.

الفرار من العنف

ورغم أن الأمور تبدو مفعمة بالأمل، إلا أنه بالنسبة لبعض الإثيوبيين في الشتات فإن السلام ليس مرادفا للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، التي أعلنت الحكومة الفيدرالية الإثيوبية أنها جماعة إرهابية في مايو 2021. جون تسفاي، 35 عاما، يقول إنه في ظل حكم الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي على مدار ثلاثة عقود تقريبا فر العديد من الإثيوبيين من البلاد.

 كان تسفاي في التاسعة عشرة من عمره عندما غادر إثيوبيا مع الكثير من أمثاله، بعد الاحتجاجات التي رافقت إعلان نتائج انتخابات عام 2005، التي مازال الكثيرون يعتقدون أنها كانت مزورة. ولد تسفاي في هوسينا جنوب إثيوبيا، ونشأ في أديس أبابا، ويعمل الآن لحسابه الخاص في جنوب إفريقيا.

ويقول تسفاي: “بعد الانتخابات بدؤوا في قتلنا. الكثير من أصدقائي ماتوا كما أنني هربت أولا إلى كينيا ثم إلى جنوب إفريقيا للبقاء على قيد الحياة”، مضيفا أنه فقد عائلته في الوطن أيضا.

ويؤكد المتحدث ذاته أنه لا يريد عودة الجبهة الشعبية لتحرير تيغري إلى السلطة، لأنه حسبه لطالما كان الحزب قمعيا خلال فترة حكمه، كما انتشرت في وقته أعمال السرقة والرشوة والفساد والقتل على نطاق واسع. وفقا لتقرير النزاهة المالية العالمي، خسرت إثيوبيا بين عامي 2000 و2009 ما يعادل 11.7 مليار دولار بسبب الفساد، وهو رقم قدر عام 2017 أنه ارتفع إلى 30 مليار دولار.

ويقول تسفاي إنه لا يريد العودة إلى الفيدرالية العرقية في إثيوبيا، لكنه في الوقت نفسه يدعم جهود رئيس الوزراء، مضيفا أنه يريد وحدة إفريقيا والإثيوبيين، “لأن هؤلاء الناس [جبهة التحرير] يقسموننا على أساس العرق”، ويسترسل: “نحن نقاتل بعضنا البعض، أخ يقاتل شقيقه، لأنهم [الجبهة الشعبية لتحرير تيغري] يريدون أن تبقى قوتهم موجودة لفترة طويلة”.

ويمتلك تيدي واكجيرا، من منطقة أمهرة وموجود في جنوب إفريقيا منذ 20 عاما، العديد من المحلات التجارية في سبازا – جنوب إفريقيا -، وهو يعتقد أن الجبهة الشعبية لتحرير تيغري تحصل على مساعدة من قوى خارجية تريد أن تحل محل زعيم إثيوبيا المنتخب ديمقراطيا من أجل أجندتها الخاصة.

كما يعتبر واكجيرا أنه يجب على الولايات المتحدة أن تدعم الشعب وليس الإرهابيين، مضيفا: “نحن متحدون. نحن الإثيوبيين لا نريد أن نموت، نريد حريتنا، فشعب إثيوبيا لا يريد الجبهة”، معبرا أيضا عن أن “أمريكا يجب أن تتوقف عن دعم الإرهابيين”، وزاد: “إذا كنت تدعم الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي فأنت تدعم داعش وتدعم حركة الشباب..يجب أن تحترم أمريكا إرادة الإثيوبيين”.

ومن خلال كلام المتحدث ذاته يشير إلى شائعة مفادها أن الولايات المتحدة إلى جانب مصر يزودان الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بمعلومات استخباراتية عبر الأقمار الصناعية، وهو ما يعطي الانطباع بأن هذا الدعم من المفترض أن تكون له علاقة بسد النهضة الإثيوبي الكبير، وهو مشروع لتوليد الطاقة الكهرومائية قيد الإنشاء على الحدود مع السودان.

يقول تسفاي: “إنه لا ينبغي مقايضة الاستقلال الإفريقي بالمساعدات، كما لا يمكننا بيع حريتنا مقابل الخبز، فإفريقيا شعب مستقل وفخور، كما أن أمريكا لا تحترم سيادتنا … إنها تدعم المتمردين على حساب الشعب، وبذلك فإنها تزهق أرواح الأبرياء”.

نيبييو إجيتا، وهو في الأصل من منطقة الحسينة، انتقل إلى جنوب إفريقيا منذ 10 سنوات، ويقول إن الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي “تجبر الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات على خوض حرب لا يعرفون عنها شيئا، كما أن العديد من سكان تيغراي في جنوب إفريقيا يخشون التحدث، حتى وإن كان ذلك من دون الكشف عن هويتهم”، مضيفا أن “معظمهم فروا من ديارهم لتجنب التجنيد الإجباري في الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي”.

 وأورد المتحدث في الآن نفسه عن أن “الفارين لا يخافون من الإثيوبيين الآخرين، بل إنهم خائفون من شعوبهم”، وزاد: “إنهم (الجبهة) يهاجمون شعبهم في الوطن”، مضيفا أن “غالبية تيغراي لا تدعم الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي”؛ ويوافقه الرأي تسفاي، مشددا على أن الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي لا تمثل جميع سكان تيغراي، مضيفا: “قلة من السياسيين هم من يدمرون بلادنا”.

التضامن

اعتبارا من هذا الشهر، تم إسقاط اسم إثيوبيا من قانون النمو والفرص في إفريقيا، ما حد من قدرتها على التجارة بدون رسوم جمركية مع الولايات المتحدة. لقد حققت العقوبات أحادية الجانب نجاحا محدودا، وفي غالبية الأحيان غير موجود، في إحلال الاستقرار والسلام، وكان لها في كثير من الأحيان عواقب وخيمة على اقتصاديات وحياة المتضررين؛ ومع ذلك فقد تم استخدامها ضد إثيوبيا وإريتريا المجاورة، وفي الوقت نفسه لم تفرض أي عقوبات على جبهة تحرير تيغراي.

ويتواجد مقر الاتحاد الإفريقي في إثيوبيا، مع ما له من أهمية إستراتيجية لاستقرار القرن الإفريقي، كما أن لدى إثيوبيا الكثير من القوة في المنطقة، وهي جزء حيوي من مبادرة الحزام والطريق في بكين، وهي إستراتيجية لتطوير البنية التحتية اعتمدتها الحكومة الصينية؛ بالإضافة إلى أن دولا مثل الولايات المتحدة لديها مصلحة أمنية قومية في مكافحة “الإرهاب” في القرن الإفريقي، وتحديدا في الصومال المجاورة، حيث ترى حركة الشباب كتهديد. وهناك أيضا اهتمام كبير بممر البحر الأحمر.

وقد أصدرت هيئة الإعلام الإثيوبية تحذيرا لعدد من وسائل الإعلام الدولية بسبب وصفها الصراع، بما في ذلك الإبلاغ عن عمليات إنفاذ القانون الحكومية في الشمال، بأنها إبادة جماعية، واتهامها باستخدام الاغتصاب والمجاعة كأسلحة. كما خرجت عدة مظاهرات على المستوى العالمي ضد التحيز الإعلامي المزعوم.

وفي جنوب إفريقيا، نُظمت مظاهرات تضامنا مع الحكومة الإثيوبية، بينما ينتظر الإثيوبيون في الداخل وفي جميع أنحاء الشتات ليروا ما إذا كان هذا السلام الهش سيصمد.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة