نيوفرايم/ مدار: 02 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021
شهدت إسواتيني على مدار العام الماضي احتجاجات غير مسبوقة، قوبلت بقمع وترهيب وصل إلى حد سقوط عدد من الضحايا والعديد من الاعتقالات التي طالت المحتجين، وبعد وعود بالحوار، اتحد الأسبوع الماضي النشطاء المؤيدون للديمقراطية في إسواتيني ضد اعتبار ما يسمى “برلمان الشعب” مكانا لإجراء محادثات وطنية من أجل إنقاذ البلاد، معتبرين أنه لا يمكن اعتباره محايدا.
وأصدر الرئيس سيريل رامافوزا، بصفته رئيسا لمجموعة التنمية بإفريقيا الجنوبية (SADC) المعنية بالسياسة والدفاع والتعاون الأمني، بيانا في 23 أكتوبر دعا فيه إلى ضبط النفس، مذكرا بأن “الملك مسواتي الثالث قبل بضرورة اللجوء إلى حوار وطني”.
وقبيل أن يخرج هذا البيان للعلن، أعلنت الحكومة في مؤتمر صحافي أن الملك قرر إجراء حوار وطني من خلال “سيبايا”؛ وذلك عقب “حفل إنكوالا”، هذا الحفل المقرر عقده في أواخر دجنبر/ كانون الأول وعادة ما ينتهي في يناير/ كانون الثاني.
سيبايا هو اجتماع سنوي للأمة، تطلق عليه الحكومة “برلمان الشعب”، ويعقد بشكل دوري في الكرال الملكي، أحد مساكن الملك مسواتي. من ناحية أخرى يعتبر إنكوالا مهرجانا يقوده الملك ويشهد تواجد مجموعة من الطقوس والرقصات والأنشطة الأخرى التي تميز البلاد.
وفي مقابل ذلك أبدى المحتجون المؤيدون للديمقراطية – من خلال أحزابهم السياسية ومنتدى أصحاب المصلحة المتعددين (هيئة تمثل الأحزاب السياسية والشركات والكنيسة والطلاب ومجموعات الشباب وغيرها)، والمنظمات المدنية – رفضهم اعتبار السيبايا مكانا للحوار، معتبرين أن الحدث لا يمكن أن يكون منصة للحوار، وأن الملك مسواتي من خلال تأخيره المحادثات إلى ما بعد حفل إنكوالا يعطي صورة واضحة بأنه لا يتعامل مع مطالب الناس بالإلحاح والاحترام الذي يستحقونه.
إن الدعوة إلى الاحتكام إلى سيبايا من أجل الحوار ليست بالأمر الجديد، لاسيما أن الحكومة مباشرة بعد أن تسببت قواتها المسلحة في قتل حوالي 80 شخصا وجرح مئات آخرين دعت إلى إطلاق سيبايا كمنصة للحوار. في مقابل ذلك رحبت القوى العالمية مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وغيرهما بفكرة سيبايا، لأنها حسبها “تسمح للملك مسواتي الثالث بمخاطبة شعبه، وتمثل فرصة أولية للمواطنين للتعبير عن آرائهم”.
ألقى مسواتي في سيبايا سابقا خطابا سخر فيه من المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية، واصفا إياهم بمدخني الماريجوانا، ومعلنا أنه قام بتعيين كليوباس دلاميني كرئيسة جديدة للوزراء. لم يُمنح أي شخص آخر الفرصة للتحدث. لم يكن هناك حوار.
محاولة غير مجدية
في وقت أعلنت مختلف الأحزاب السياسية عن رفضها الإعلان عن “سيبايا” جديدة، سارعت “الحركة الشعبية الديمقراطية المتحدة” (بوديمو) إلى توضيح الأسباب الكامنة وراء هذا الرفض من خلال مؤتمر صحفي عقد في 24 أكتوبر/ تشرين الأول، عبر فيه رئيس بوديمو، ملونغيسي ماخانيا، عن أن مجرد ذكر سيبايا يعيد إلى الأذهان الذكريات السيئة.
وسبق للحركة السياسية، التي تم تشكيلها عام 1983 والمحظورة الآن بموجب قانون مكافحة الإرهاب، أن شاركت في الماضي في المبادرات السياسية تحت قيادة مجموعة تنمية إفريقيا الجنوبية في إسواتيني، ولاقت جميعها فشلا ذريعا.
وقال مخانيا: “سيتذكر الشعب أن أول زعيم جنوب إفريقي حاول كبح جماح مسواتي للحوار معنا بصفتنا إيماسواتي كان الرئيس الراحل نيلسون مانديلا في عام 1996”.
ودعمت حركة بوديمو في العام 1996 الاعتصام الذي نظمه اتحاد نقابات العمال في سوازيلاند، وبصرف النظر عن المطالب التي حملها، والمتمثلة في حقوق أفضل ودفع أجور العمال، فقد طالبت بإلغاء مرسوم الملك شبوزا الثاني لعام 1973 الذي يحظر الديمقراطية التعددية الحزبية، ووضع حد لاعتبار الملك بمثابة رأس لجميع فروع الحكومة.
“إذا لم أكن مخطئا، أعتقد أن الرئيس ماسير من بوتسوانا هو الذي نزل بناء على طلب الرئيس مانديلا عندما كان يترأس مجموعة تنمية إفريقيا الجنوبية في ذلك الوقت مطالبا بالحوار. لقد انخرطنا في هذه العملية ولم يتمخض عنها أي شيء”، يورد مخانيا.
وأضاف المتحدث ذاته: “مرة أخرى، في عام 2001، كانت هناك محاولة أخرى للانخراط من خلال تلك المنصة، ومرة أخرى أثبت أنها مجرد فصل آخر من فصول الفشل الذريع”.
علاوة على ذلك، على الرغم من أن حكومة مسواتي وصفت سيبايا بأنها منصة للحوار، وتم إدراجها في دستور عام 2005 على أنها “اجتماع عام سنوي للأمة”، إلا أنها غالبا ما تكون بدون أجندة، كما أن الحكومة تقرر بشكل انفرادي من يمكنه تقديم الطلبات. على سبيل المثال في سيبايا التي كانت في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، سُمح بشكل حصري لأعضاء مجلس الشيوخ وأعضاء البرلمان وقلة مختارة من الأفراد المقربين من الملك بالتحدث.
الانتقام ممن تجرأوا على الاحتجاج
في الماضي القريب، تعرض الأشخاص الذين قدموا مذكرات، تم تصنيفها على أنها تحمل هجوما على شخص الملك، للمضايقة، بل تعدى الأمر ذلك وتم القبض عليهم.
يقول مخانيا: “لذا، لم تكن سبايا منصة للحوار في يوم من الأيام”، مضيفا: “بالإضافة إلى أنها غير مفيدة، وفرت منبرا أساسيا لمسواتي لإطلاق العنان لقواته الأمنية على أولئك الذين يتحدثون ضد ما يريد سماعه في سيبايا”.
“لن ننسى وسوف نتذكر الرجل العجوز، السيد مخاليفي، الذي بعد أن قدم رأيه في سيبايا، هاجمته الشرطة هو وعائلته، ومازال حتى الآن يعيش في خوف في فوفولان، بعد أن أخذت قوات الملك كل متعلقاته، بما في ذلك الماشية”، يردف مخانيا.
في جلسة سيبايا لعام 2016، وقف مخاليفي وانتقد الملك لأنه انتزع أراضي المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة في فوفولان، ما أجبرهم على ترك منازلهم وحقولهم التي عمل فيها البعض وامتلكها منذ عام 1962.
كما تحدث مخانيا عن موضوع التمثيلية في سيبايا قائلا: “لا بد من التذكير بأنه عندما يحضر المرء إلى سيبايا فإنه سيحضر بصفته الفردية، أي ليسواتي، وليس بأي صفة تمثيلية. لذلك، عندما يتحدث الناس في سيبايا، فإنهم يمثلون آراءهم الفردية”.
وتحدثت حركة بوديمو عن أنه من المهم أن يعرف مواطنو إسواتيني من سيمثل الملك في هذا الحوار إذا ما تم، معتبرين أنه إذا ما خرجت أي اتفاقات من هذا الحوار من دون أن يكون هناك ممثل رسمي عن الملك فبإمكانه وقتما شاء التعرض للمخرجات.
كما اعتبرت الحركة أنه إذا كان هناك قرار بضرورة تواجد تمثيلية للعائلة المالكة فسيترك الأمر لها لتقرير من يجب أن يمثلها أو تشكل وفدها؛ فأكبر خطأ يرتكبه الكثير من الناس حسب الحركة هو “الاعتقاد بأن الملك يمتلك هذا البلد، أو حتى أنه يمتلكنا كمواطنين في هذا البلد، إلى درجة أننا إذا أردنا [إجراء] حوار في ما بيننا لإيجاد أفضل طريقة للمضي قدما فإن ذلك يجب أن يكون حوارا مع الملك”.
وتلح الحركة على أن الملك لا يملك البلاد، موضحة أنه سيتم تحديد دوره كملك – إذا كان مازال هناك دور له في التدبير المستقبلي – من قبل شعب إسواتيني في هذا الحوار الملزم. وقال مخانيا: “لن يكون هذا نتيجة لما كنا سنناقشه معه”.
وقال سيبونجيل مازيبوكو، رئيس المؤتمر التحرري الوطني لنغواني، وهو حزب سياسي تأسس عام 1963، إن سيبايا ليست منتدى ديمقراطيا، مضيفا: “لقد تم استخدامه من قبل، لكنه لم ينجح أبدا مع الشعب إلا لإيذائه”، مسترسلا في الوقت نفسه: “إن العواقب محزنة للغاية لكثير من الناس، وخاصة أولئك الذين سيتحدثون ضد الملك. بالإضافة إلى ذلك، لا يوجد تقرير تم تجميعه، وإذا ما طالبت بتنفيذ القرارات المتخذة فمصيرك سيكون محسوما بالسجن أو الاستهداف”.
وقال مازيبوكو: “على سبيل المثال، أحد أعضاء البرلمان ممن قدموا اقتراحا في سيبايا عام 2012 دفع غرامة على شكل خمس بقرات”.
إهمال أصوات المواطنين
عندما التقى مبعوث الرئيس رامافوزا الخاص إلى إسواتيني، جيف راديبي، وبقية وفد SADC مع مسواتي ليلة 22 أكتوبر/ تشرين الأول، وردت أخبار بأن الملك أخبرهم بأنه سيعقد سيبايا، وسيطلق حوارا وطنيا؛ ومع ذلك، لن يحضر هذا الحوار إلا بعد حفل إنكوالا.
وقال مخانيا: “أوضحنا مرة أخرى أن إنكوالا ليست سوى طقوس عائلية”، مضيفا: “لا علاقة له على الإطلاق ببقية الأمة، إنه شيء يمارسه الملك والعائلة المالكة هناك في قصورهم. عندما يتعلق الأمر بالأمة فإن الحياة والعمل هما المحدد”، واسترسل: “لذلك، لا يمكننا إيقاف قضية الاهتمام بهذه الأمور الملحة التي تجتاحنا كدولة لأن عائلة واحدة مازالت تمارس طقوسها الخاصة”.
في 25 أكتوبر، أصدر مناصرو الحرية الاقتصادية في سوازيلاند بيانا يرفضون فيه خطط مسواتي لعقد سيبايا كموقع للحوار، موردين: “هو (الملك) لن يتعامل مع أي أمر يثيره الشعب بشكل عاجل وبالكرامة التي يستحقها، لهذا السبب يفضل طقوسه المسماة إنكوالا على الحوار مع الشعب”.
التخطيط للديمقراطية
كانت لدى المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية خطة واضحة للحوار طالما كانوا يحتجون ويناضلون. وقدم منتدى أصحاب المصلحة المتعددين خطة استقرار طويلة الأجل للبعثة الثلاثية لـSADC في يوليو. كما سلط الضوء رئيس المنتدى، تولاني ماسيكو، متحدثا في 19 أكتوبر، قبل يوم واحد من المسيرة المخطط لها للعمال في مباباني، على خطة من خمس نقاط من شأنها “ضمان الانتقال العادل إلى الديمقراطية”.
وأضاف ماسيكو: “في خطة النقاط الخمس، قلنا واتفقنا على أن حكومة هذا البلد يجب أن تقبل وتوافق على طاولة مفاوضات مكونة من: أولا، نبدأ عملية تشمل المفاوضات، حيث يمكننا جميعا الجلوس معا ورسم الطريق إلى الأمام في سوازيلاند. ثانيا، يجب أن يكون هناك رفع كلي للأحزاب السياسية من قوائم الإرهاب حتى تتمكن من تقديم طلباتهم أثناء المفاوضات”، وزاد: “ثالثا، نؤكد أن الوقت حان لتشكيل حكومة مؤقتة تضم عناصر من الحكومة الحالية وممثلين من منتدى أصحاب المصلحة المتعددين. يجب أن تكون حكومة تحظى بدعم الأمة السوازيلاندية. نقول هذا لأن يدي الحكومة الحالية ملطخة بالدماء بحيث لا يمكنها الاستمرار في حكم هذا الشعب … فقدنا بالفعل حوالي 80 سوازيلاندي أو أكثر حتى، فعلى الرغم من براءتهم، تم إطلاق النار عليهم وقتلهم بأمر من جلالته. لذلك، لم تعد هذه الحكومة ذات مصداقية، ولم تعد شرعية، ولم تعد صالحة لحكم هذه الأمة البريئة …”.
واسترسل المتحدث ذاته: “رابعا، مع استمرار المحادثات، يجب أن يكون الهدف النهائي هو التوصل إلى دستور ديمقراطي جديد لا يكون فيه أحد في البلاد فوق القانون … يجب علينا جميعا أن نكون خاضعين للقانون وخاضعين للمساءلة أمامه كشعب”.
وفي النقطة الخامسة قال ماسيكو: “يجب أن يؤدي الدستور الجديد إلى إنشاء نظام جديد في ظل نظام متعدد الأحزاب”.