مدار + وكالات: 05 أغسطس/ غشت 2021
تعيش مالي منذ ما يقارب السنة في ظل وضع سياسي متأزم، بدأ صيف 2020 من خلال إسقاط الرئيس آنذاك، بوبكر كيتا، من قبل المؤسسة العسكرية، لتليه مجموعة من القرارات، آخرها إزاحة الرئيس الانتقالي، ولتدخل البلاد في نوع من عدم اليقين والتسويات والقرارات التي توحي باستمرار الأزمة الحالية.
وعرفت مالي مباشرة بعد إسقاط كيتا إعلان الجيش إطلاق مشاورات مكثفة من خلال ما سميت “المشاورة الوطنية”، التي عُقدت في الفترة من 10 إلى 12 شتنبر/ أيلول، وأفضت إلى وضع “ميثاق انتقالي” يعمل كإطار قانوني لدستور مالي، كخريطة طريق وخطاب تكليف للحكومة المؤقتة التي سيتم تعيينها. لكن أثناء تقديم الميثاق من قبل المؤسسة العسكرية، تم استنكاره على الفور من قبل القوى السياسية الرئيسية، معللة موقفها بأنه لم تتم مناقشة هذه الوثيقة النهائية مطلقا، بل تمت إضافتها بشكل غامض بعد المداولات، بالإضافة إلى أن النصوص التوافقية التي كان من المقرر أن تحملها تم حذفها بأياد غير مرئية، معتبرة الأمر ممارسة سياسية خادعة وغير ديمقراطية.
وبعد هذه المشاورات التي كانت تعتمد عليها المؤسسة العسكرية من أجل تلميع صورتها، ولم يكتب لها النجاح من خلال الرفض الذي قابلته من القوى السياسية، لاسيما حركة 5 يونيو – تجمع القوى الوطنية (M5-RFP)، التي قالت إن الميثاق لا يعبر عما تم الاتفاق حوله، مبدية أن عملية صنع القرار لا بد أن تعرف مشاركة المواطنين فيها، بحيث لا يمكن لنظام انتقالي، بدون شرعية مؤسسية أو سياسية، يمتلك فقط احتكار القوة واستخدام السلاح، ويتألف من جنود وتكنوقراط وقادة المجتمع، بما يشمل المتمردين الانفصاليين السابقين، وبعض السياسيين من الحرس القديم، أن يضمن خروج البلاد من الوضع الذي تشهده؛ فمالي حسب الحركة تحتاج إلى قاعدة صلبة لإعادة بناء نفسها، الآن وليس في غضون ثمانية عشر شهرا.
انقلاب على الانقلاب
بعد الفترة التي تلت انقلاب الـ18 من غشت، وما واكبه من حماس، نظرا للأزمة التي عاشتها البلاد في ظل الأنظمة السابقة، تلاشى هذا الحماس بعد أن طالت فترة انتظار التغيرات التي أطلقها المجلس العسكري، خصوصا في ظل إبداء القوى السياسية أن هنالك رغبة في إدامة الوضع الحالي.
لكن، وبعد تشكيل الحكومة الانتقالية من قبل المجلس العسكري، لم تمر سوى فترة قليلة قبل أن تستدعي المؤسسة العسكرية مكونات الحكومة المؤقتة إلى لقاء في إحدى الثكنات العسكرية، لتليها سلسلة استقالات، في مشهد اعتبر انقلابا وسط الانقلاب؛ وجرى بذلك تعديل جذري في 14 من ماي/ أيار، في وقت نددت حركة M5-RFP بسير الانتقال ودعت إلى “تصحيحه”، فضلا عن حل المجلس الوطني الانتقالي، منادية في الآن نفسه باحتجاجات في الشارع.
ومن الأمور التي جلبت الكثير من اللغط والتصريحات إدراج بند في الميثاق الانتقالي، الذي تم نشره من قبل المجلس العسكري، يمكن نائب الرئيس أن يحل محل رئيس المرحلة الانتقالية، وهو المنصب الذي تم إنشاؤه خصيصا لكي يتولاه أحد أعضاء المؤسسة العسكرية.
وفي مقابل هذا الوضع، قامت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) بتسليط عقوبات على مالي، راهنة رفعها بتحديد خريطة طريق واضحة ووضع أجل معقول للانتخابات (المجلس العسكري وضع مارس من العام المقبل توقيتا للانتخابات) وأيضا حذف إمكانية أن يحل نائب الرئيس محل رئيس المرحلة الانتقالية.
الحراك في الشارع ومخاوف المجلس العسكري
في ما يتعلق بالشارع المالي، فمنذ اعتقال الرئيس ورئيس وزرائه عرف المشهد العام تشكل رأي معين ينقله أنصار المجلس العسكري، يشير إلى أن الوضع الحالي تعبير جذري عن مواجهة نقاط الاختلاف في وجهات النظر بين مكونات السلطة التنفيذية، خصوصا أن المجلس العسكري يبرر موقفه بأن الرئيس المؤقت، باه نداو، يعاب عليه أنه نشر قائمة الحكومة الجديدة مباشرة بعد 48 ساعة فقط من عودته من باريس، حيث قابل الرئيس الفرنسي خلال قمة تمويل الاقتصاديات الإفريقية، حسب وكالات أخبار فرنسية.
وفي مقابل ذلك مازالت القوى المعارضة مستمرة في الدعوات الاحتجاجية والخروج إلى الشارع تنديدا بالوضع السياسي المبهم حسبها، الذي يقف وراءه المجلس العسكري.
هذه التحركات زادت من قلق المجلس العسكري، خصوصا في ظل الضغوط الخارجية التي تطالبه بتحديد خارطة طريق تعيد العمل إلى المؤسسات التي سيطر عليها.
لكن هذه المطالب تقابل بتوجس من المؤسسة العسكرية، فبعيدا عن خسارة بعض المناصب الوزارية، ينظر المجلس العسكري إلى الوضع باعتباره بداية لعملية تهميشه الكامل والنهائي في الشؤون السياسية، وسيعني ذلك أيضا بالنسبة له بداية المشاكل القانونية، عندما نعلم أن دستور مالي يجعل الانقلاب جريمة لا تسقط بالتقادم.