مدار + وكالات: 28 نيسان/ أبريل 2021
الشركات والمختبرات الغربية المصنعة للأدوية متوجسة من المقترحات التي تم تقديمها لرفع حقوق الملكية عن اللقاحات المضادة لفيروس كورونا، وبينما تقدم الكثير من المبررات، تبقى الأرباح والصراعات الجيو-استراتيجية شجرة تخفي وراءها حرمان الملايين من البشر من الحق في الحياة..
كشف تقرير حديث لصحيفة “الفاينانشل تايمز” أن الشركات الغربية المصنعة للقاحات المضادة للفيروس التاجي ترفض بشدة رفع حقوق الملكية الفكرية عن اللقاحات، تحت ذريعة أن هذه التكنولوجيا “ستصبح بيد روسيا والصين”؛ إذ “حذر صانعو اللقاحات الولايات المتحدة من أن إلغاء براءات الاختراع مؤقتًا المتعلقة بكوفيد19 يهدد بتسليم تكنولوجيا جديدة إلى الصين وروسيا”.
وأضافت الصحيفة الأمريكية أنه “مع تصاعد نفوذ جماعات الضغط الصناعية في واشنطن، حذرت الشركات في اجتماعات خاصة مع وزارة التجارة الأمريكية ومسؤولي البيت الأبيض من أن التخلي عن حقوق الملكية الفكرية قد يسمح للصين وروسيا باستغلال تكنولوجيا الحمض النووي الريبي المرسال ‘mRNA’، التي يمكن استخدامها في لقاحات أخرى أو حتى علاجات، لحالات مثل السرطان ومشاكل القلب في المستقبل”.
ويتم إنتاج اللقاحات الصينية والروسية بطرق مختلفة عن طريقة الحمض النووي الريبي المرسال، وهي التكنولوجيا التي تم استخدامها لأول مرة في لقاح معتمد لفيروس كوفيد – 19. وفي حين أظهر لقاح سبوتنيك الروسي فعالية قوية في ورقة راجعها الأقران، منشورة في مجلة ذا لانسيت الطبية؛ تأمل شركات تصنيع اللقاحات فايزر وبايونتيك وموديرنا جميعا استخدام تكنولوجيا الحمض النووي الريبي المرسال في مجموعة واسعة من اللقاحات والأدوية الأخرى، بعد أن أثبتت فعاليتها في لقاحات كوفيد – 19. وقال ألبرت بورلا، الرئيس التنفيذي لشركة فايزر، لصحيفة وول ستريت جورنال، الشهر الماضي، إن التكنولوجيا لها “تأثير هائل وإمكانات هائلة”، وفق المصدر ذاته.
وسابقا، تم اقتراح السماح للبلدان بتجاوز حقوق براءات الاختراع الخاصة بالمنتجات الطبية المرتبطة بالجوائح في منظمة التجارة العالمية في أكتوبر/ تشرين الأول، من قبل الهند وجنوب إفريقيا، ومنذ ذلك الحين تم دعمه من قبل ما يقرب من 60 دولة. ويبدو من خلال ما كشفته “الفاينانشل تايمز” أن الشركات المصنعة للقاحات أصيبت بالذعر جراء هذا الاقتراح، الذي من شأنه أن يخفض من التداعيات الصحية والاقتصادية لجائحة كورونا، خصوصا لدى البلدان النامية والفقيرة.
ومن الواضح أن الشركات الغربية، من قبيل جونوسون إند جونسون، فايزر، موديرنا ونوفافاكس، تعارض المقترح بشكل كبير، ولهذا الغرض لم تكتف بتحريك جماعات الضغط، بل بررت احتكارها للقاح بغياب الإمكانيات لدى باقي البلدان لإنتاج اللقاحات بالطريقة المناسبة.
وسابقا، عارضت إدارة دونالد ترامب بشدة التنازل عن حقوق الملكية الفكرية في منظمة التجارة العالمية، إلى جانب المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي وسويسرا. وأثارت كاثرين تاي، المسؤولة التجارية الكبرى في إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، الرعب في صفوف شركات الأدوية الأمريكية من خلال الظهور وكأنها “تضع هذا الموقف قيد المراجعة”، توضح الصحيفة الأمريكية.
وناقشت تاي وموظفوها في الأسابيع الأخيرة قواعد الملكية الفكرية لمنظمة التجارة العالمية مع شركات الأدوية والنقابات العمالية ومجموعات المناصرة. وسيث بيركلي، الرئيس التنفيذي لتحالف اللقاحات Gavi المدعوم من الأمم المتحدة، قال مكتبها إن الوكالة كانت “تستكشف كل السبل” و”تقيم فعالية” الإعفاء، حسب المصدر ذاته.
وقالت تاي في اجتماع لمنظمة التجارة العالمية: “نأمل أن نسمع المزيد اليوم حول فشل السوق مرة أخرى في تلبية الاحتياجات الصحية للبلدان النامية؛ وكجزء من ذلك، علينا النظر في التعديلات والإصلاحات التي قد تكون ضرورية لقواعد التجارة لدينا لتعكس ما تعلمناه”، الأمر الذي زاد التوتر بين شركات الأدوية والممثل التجاري للولايات المتحدة (USTR)، ما دفع أحد مصنعي اللقاحات إلى تقديم شكوى لمسؤولي البيت الأبيض بشأن تصريحات تاي في منظمة التجارة العالمية، وفق المصدر الأمريكي.
وسبق لـ “مدار” أن سلط الضوء على نموذج بارز للأبرتهايد الصحي، الذي أصبح يخترق العالم، إذ صرح المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تدروس أنون غربيسوس، بأن العالم يقف على شفا “فشل أخلاقي تاريخي”؛ وقد كان يقصد النزعة المنغلقة والمنطوية على نفسها بخصوص اللقاحات واحتكارها من طرف بلدان المشروع الرأسمالي؛ إذ تجاهلت بلدان شمال المحيط الأطلسي (كندا، الولايات المتحدة، المملكة المتحدة والعديد من الدول الأوروبية) نداء الهند وجنوب إفريقيا لإلغاء قوانين الملكية الفكرية المتعلقة باللقاح. وقد تلكأت هذه الدول في تمويل مشروع COVAX، ما قد يعرضه لفشل كبير ويحرم الملايين من الناس في البلدان النامية من اللقاح قبل 2024. كما تدخر اللقاحات، مثل حال كندا التي تعمل على إنشاء احتياطي يبلغ خمس جرعات من اللقاح لكل كندي، سحبتها من المشروع الموجه للبلدان الفقيرة، والمدعوم من طرف منظمة الصحة العالمية.
ويأتي الجدل وسط منظمة التجارة العالمية حول ما إذا كان سيتم التنازل مؤقتًا عن الملكية الفكرية وسط مخاوف من قيام الدول الغنية بتلقيح سكانها بشكل أسرع من الاقتصاديات النامية، التي تكافح للحصول على الجرعات المطلوبة. وتظهر المؤشرات أن العديد من بلدان العالم تئن بصمت، دون أن يكترث العالم بالشكل المطلوب.
وفي سياق متصل، في خطوة من أجل تجنب الاستغلال اللاإنساني لما يطلق عليه قانون الحماية الفكرية التجاري، قامت عشرات المنظمات والشخصيات الأوربية بإطلاق حملة تهدف إلى جمع التوقيعات من مختلف دول الاتحاد الأوروبي، قصد التقدم بطلب للمجمع الأوروبي من أجل التصويت على تقييد الحماية الفكرية في ما يخص اللقاحات. واعتمدت الحملة في رؤيتها لإمكانية تحقيق هذا الهدف على القانون 168، الذي ينص على أن الوضع الصحي هو أولوية كل الدول الأعضاء، كما يجب على الدول أن تقف بجانب بعضها؛ بالإضافة إلى المادتين 114 و118 اللتين تنصان على أن الاتحاد الأوروبي يحمي الملكية الفكرية في إطار لا تكون فيه هذه الأخيرة تؤثر على المثل الإنسانية، وأنه يمكن الدعوة إلى تصويت تكون محوره النقطة المتعلقة بالملكية الفكرية، وفق ما أشرنا إليه في تغطية سابقة.
وتعتبر شبكة المنظمات المذكورة أنه لا ينبغي لشركات الأدوية الكبيرة متعددة الجنسيات أن تستفيد من هذا الوباء على حساب صحة الناس، لأنه في مواجهة تهديد جماعي مثل كوفيد-19 نحتاج إلى التضامن وليس الأرباح الخاصة، ويجب أن يتضمن التمويل العام دائمًا ضمانات بشأن توافر الأدوية وتكلفتها، كما أنه لا ينبغي أن يتم السماح لشركات الأدوية متعددة الجنسيات بنهب أنظمة الضمان الاجتماعي.
وأفادت وكالة الصحافة الفرنسية بأن الولايات المتحدة كشفت يوم الإثنين 26 نيسان/ أبريل 2021 أنها ستمكن دولا أخرى من 60 مليون جرعة من لقاح أسترازينيكا المضاد لفيروس كورونا. وكان قرار واشنطن عدم تصدير هذا النوع من اللقاحات، الذي لم يحظ حتى الآن بالموافقة على أراضيها، وراء انتقادات بشأن تخزينها للقاحات. وقد أجازت الولايات المتحدة حتى الآن استخدام ثلاث لقاحات فقط على أراضيها، وهي فايزر-بايونتيك وموديرنا وجونسون أند جونسون، في حين تنتج الملايين من جرعات لقاح أسترازينيكا دون استخدامها، في سلوك مثير للاستغراب.
وتعرّض بايدن لضغوط سياسية من أجل التنازل المؤقت عن براءات الاختراع والسماح للدول النامية بعمل نسخ خاصة بها من اللقاحات التي طورتها شركات الأدوية، دون خوف من مقاضاتها بسبب انتهاكات حقوق الملكية الفكرية. وحث بعض من المشرعين الديمقراطيين في الولايات المتحدة، بمن فيهم إيرل بلوميناور وروزا ديلورو ويانشاكوسكي وبيرني ساندرز وتامي بالدوين وتشوي جارسيا، إدارة بايدن على دعم التنازل المؤقت عن حقوق الملكية الفكرية. كما دعمت التنازل أيضا مجموعة من 175 من قادة العالم السابقين والحائزين على جائزة نوبل، الذين دعوا الولايات المتحدة إلى اتخاذ “إجراء عاجل” لتعليق الملكية الفكرية. ويوم الجمعة الماضي، قالت مجموعة غلوبال تريد ووتش وجماعات دعم ومناصرة أخرى إن مليوني شخص وقعوا على عريضة لدعم التنازل، توضح “الفايسنانشل تايمز”.
وعلى الطرف النقيض، تدافع شركات الأدوية عن براءات الاختراع ولا تحبذ نقل التكنولوجيا التي تقول إنها لن تتيح إنتاج جرعة واحدة إضافية من اللقاحات المضادة لكوفيد19، لا بل قد يكون لها تأثير معاكس، وفق ما أفادت به وكالة الصحافة الفرنسية.
ويرى مؤيدو التعليق المؤقت لحقوق الملكية الفكرية أنه أفضل طريقة لزيادة مواقع الإنتاج ووضع حد للتفاوت الصارخ في الحصول على اللقاح الذي يتيح للدول الغنية تحصين نسبة كبيرة من سكانها، في حين لا تحصل بعض البلدان الفقيرة سوى على جرعات قليلة منه، يضيف المصدر ذاته.
وأكد رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا الجمعة أن اللقاحات “منفعة عامة”، إذ تقف بريتوريا والهند وراء الاقتراح المتصل بتعليق براءات الاختراع في منظمة التجارة العالمية، وتحظيان بدعم العديد من البلدان والمنظمات غير الحكومية والشخصيات. لكن الملف وصل إلى طريق مسدود. وقال رامافوزا خلال فعالية نظمتها منظمة الصحة العالمية: “فلنكافح معًا ضد قومية اللقاحات ونظهر أن حماية الملكية الفكرية ليست على حساب حياة البشر”.
وأوردت “أ ف ب” أنه، في وقت لنفسه تقريبًا كان ممثلو شركات الأدوية في جميع أنحاء العالم يقولون لوسائل الإعلام إن هذا ليس الطريق الذي ينبغي اتباعه ويكررون التزامهم بإنتاج أكبر عدد ممكن من اللقاحات في أقصر وقت.
وقال سايبراساد، رئيس شبكة مصنعي اللقاحات في البلدان النامية التي تجمع مختبرات الإنتاج في البلدان النامية، “إن صناعة اللقاحات ليست مجرد مسألة براءات اختراع.. إنه قطاع معقد جدًا، وعمليات التصنيع معقدة للغاية … علينا أن نكون حريصين جدًا إلى من ننقل المعرفة”، وذلك حرصًا على ضمان السلامة والجودة، نقلا عن المصدر ذاته.
وكانت الهند إلى جانب جنوب إفريقيا من بين البلدان التي تقدمت باقتراح تقييد قواعد الملكية الفكرية لإنتاج اللقاحات، غير أن شبه القارة الهندية تشهد انفجارا مهولا في أعداد الإصابات بالفيروس التاجي، رغم توفرها بالفعل على ترخيص لإنتاج لقاح أسترازينيكا في معهد سيروم الهندي، الذي أوقف سابقا تصدير جرعات اللقاح إلى باقي البلدان بسبب الضغط الداخلي.
وفي آخر معطيات حتى اليوم 27 نيسان/ أبريل 2021، تراهن نيوديلهي على المساعدات الدولية لتجنب كارثة حقيقية. وتدفقت الإمدادات الطبية على الهند يوم الثلاثاء مع تجاوز الوضع فيها طاقة المستشفيات على الاستيعاب، حتى إنها رفضت استقبال المرضى بسبب نقص في الأسرة وإمدادات الأكسجين. كما دفعت زيادة عدد الإصابات حصيلة الوفيات بالمرض إلى الاقتراب من حاجز 200 ألف وفاة، وفق ما نقلته وكالة رويتزر. ووصلت شحنة إمدادات طبية من بريطانيا إلى دلهي في ساعة مبكرة من صباح يوم الثلاثاء حسبما قالت وكالة أنباء آسيا الدولية التي تربطها شراكة برويترز. وتضمنت الشحنة مائة جهاز للتنفس الصناعي و95 مولدا للأكسجين. وقالت السفارة الفرنسية إن باريس سترسل أيضا مولدات للأكسجين يمكنها توفير ما يكفي 250 سريرا لمدة عام.
ووصل إلى العاصمة دلهي صباح يوم الثلاثاء أيضا أول “قطار سريع للأكسجين” وعلى متنه نحو 70 طنا من الغاز قادما من ولاية تشهاتيسجاره بشرق الهند. وأعلنت الهند تسجيل 323144 إصابة جديدة على مدى الأربع والعشرين ساعة الماضية، وهو ما يقل قليلا عن ذروة عالمية سجلتها البلاد يوم الإثنين عندما أعلنت عن 352991 حالة. وزادت الوفيات بـ 2771 لتصل إلى 197894. وقال ريجو إم جون، الأستاذ والخبير الاقتصادي في مجال الصحة بالمعهد الهندي للإدارة بولاية كيرالا الجنوبية، على “تويتر”، إن انخفاض عدد الإصابات يرجع إلى حد بعيد إلى تراجع الفحوص. واستدعت البلاد قواتها المسلحة للمساعدة في مكافحة الأزمة المدمرة، يضيف المصدر ذاته.
وفي تصريح لموقع “مدار”، أخبرنا الناشط الإعلامي آرون كومار بأن الوضع سيء جدا، خصوصا بنيوديلهي والولايات المجاورة لها، مشيرا إلى أن المئات من الناس يموتون يوميا، بسبب نقص الأوكسجين والأسرّة، وقال إن “النظام الصحي قد انهار بالفعل”، وزاد: “يبدو أن الوضع سيبقى مأزوما لأسبوعين أو ثلاثة على الأقل”.
وأوضح آرون لـ “مدار” أن “الحكومة الهندية لا تقوم بشيء يذكر، إذ تحاول حفظ ماء وجهها لا غير”، وذكر أن “الخطط من أجل مواجهة النقص في الأوكسجين قد وضعت منذ سبعة أشهر، لكن لم يتم تنفيذها، والآن وقعت الكارثة”.
وبخصوص الأوضاع الاجتماعية للفقراء في ظل الجائحة، أضاف مخاطبنا أنه “مثل الحجر في العام الماضي فإنهم هم أكبر المتضررين، نظرًا لأن جميع المستشفيات الحكومية ممتلئة، ولا يمكنهم نقل أنفسهم أو أقاربهم إلى المستشفى عند الحاجة؛ أما الذهاب إلى مستشفى خاص فهو مستحيل بسبب التكلفة الباهظة”.
وعلاقة بالعمال المهاجرين بالهند، أخبرنا آرون كومار بأن قسما كبيرا منهم يتقاضون أجورهم بناء على عملهم اليومي، وهم عاطلون عن العمل خلال الأسبوع الماضي بسبب الإغلاق، ورويدا رويدا يستنفدون ما بقي لديهم من مدخرات، وزاد: “سيواجهون الجوع في الأيام القليلة المقبلة إذا لم تتدخل الحكومة لتوزيع الطعام عليهم”.
وعودة إلى موضوع اللقاحات، قال مصدرنا إن “التطعيم حاليًا مجاني للأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 45 عامًا، ولكن في العديد من الأماكن هناك نقص في جرعات اللقاحات”، مشيرا إلى أن “الحكومة الهندية فتحت باب التلقيح أمام الجميع فوق سن 18 عامًا اعتبارًا من 1 مايو/ أيار، ولكنه لن يكون مجانيًا”.
ووسط تمسك الشركات والمختبرات العالمية بحقوق الملكية الفكرية، وعدم اتخاذ الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية خطوات حاسمة، في اتجاه تمكين البلدان النامية من إنتاج اللقاحات التي تكفيها لحماية مواطنيها، فإن الفيروس التاجي سيستمر في الفتك بحياة الملايين من الناس، خصوصا بإفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية.