الهند..ويستمر الاستهتار بحياة الهنود

مشاركة المقال

مدار + مواقع: 28 نيسان/ أبريل 2021

أثار مشهد الحجاج الذين تجمعوا في ‘كومبه ميلا’ إحساسا لدى المشاهد غير المطلع على الوضع الحقيقي للحالة الصحية في الهند بأن البلاد في طريقها للتغلب على الوباء، خصوصا أن الحدث عرف حضور الملايين دون تدخل أو توصيات من السلطات الهندية، الأمر الذي دفع بالكثيرين إلى وصف حالة التسيب التي تتعامل بها الحكومة الهندية مع الجائحة بـ”اللامبالاة بصحة المواطنين”.

وشهدت الهند طوال هذا الشهر أرقاما قياسية في أعداد المصابين والوفيات بسبب كوفيد-19، فوفق الأعداد التي يتم رصدها بشكل يومي فقد تخطت البلاد خلال الفترة الأخيرة عدد الحالات التي تم تسجيلها طيلة العام الذي عرف ظهور الوباء.

ورغم أن الهند والصين لا تفصل بينهما مسافة كبيرة، كما أن إجمالي السكان هو نفسه، إلا أن التعامل والإجراءات والجدية التي تم التعامل بها مع الوباء مختلفة بشكل كبير، لاسيما أن الصين تعرف في الفترة الأخيرة انخفاضا كبيرا في الإصابات في مقابل الانفجار الذي عرفته الحالات في الهند؛ ومن هنا يظهر بشكل لا يدع مجالا للشك الفرق الكبير في إعطاء الأولوية للمواطن و للرعاية الصحية العامة بشكل أدق.

وقائع بصمت التعامل المتهور مع ظهور الوباء

كشفت الوقائع التي صاحبت الوباء أن بعض الدول، رغم التوصيات التي أصدرتها منظمة الصحة العالمية حول ضرورة تبني الإجراءات الوقائية والرفع من الإجراءات الهادفة إلى محاصرة الوباء من خلال التوصيات الصحية، وتبني خطوات عملية ترتكز على إغلاق المجالات التي لا تعتبر أساسية في سبيل كسر سلسلة انتشار العدوى، لم تقم بالتعاطي الجدي مع هذه التوصيات؛ والهند أبرز مثال على ذلك، عكس دول في نفس المجال الجغرافي كالصين وفيتنام.

شهدت اللحظات الأولى للوباء في الهند عدم مبالاة وتسيبا في التعامل مع الوضع الصحي المتدهور في البلاد. ولعل تجاهل الحكومة الهندية توصيات منظمة الصحة العالمية أحد العوامل التي زادت من معاناة البلاد. كما أنه في وقت كانت الدول التي تعبأ بحياة مواطنيها تتبنى خطوات معقولة ولا تزيد تعميق أزمة المواطنين، كان تصرف الحكومة الهندية السبب في وفاة العديد من السكان وإرهاب الكثيرين؛ ففي صباح 22 من مارس/ آذار صدر قرار بإغلاق لمدة 14 ساعة، وأعلن 4 ساعات قبل تطبيقه، ما أدى إلى وقف كل المواصلات ووسائل النقل في ما سمي “إغلاق جناتا” (دلالة على الحزب الحاكم)، الذي تسبب في مشاهد مأساوية لأناس مرضى يموتون على جنبات الطريق وعائلات وجدت نفسها في العراء.

استخف رئيس الوزراء مودي بالوباء من خلال حث الناس على إشعال الشموع وفرقعة الأواني لإحداث ضوضاء قصد إبعاد الفيروس. وفي وقت استمر تمديد الإغلاق، لم يكن هناك أي تدبير منهجي أو سياسة وطنية يمكن للمرء أن يطلع عليها في أي من المواقع الحكومية قصد معرفة خطة الحكومة لمواجهة الوضع. في الفترة بين ماي/ أيار ويونيو/ حزيران من عام 2020، استمر الإغلاق في التوسع، رغم أن هذا لم يكن له معنى لملايين الهنود من الطبقة العاملة الذين اضطروا للذهاب إلى العمل من أجل تحصين أجورهم اليومية للعيش. بعد مرور عام على انتشار الوباء، تشير الإحصائيات الحالية إلى إصابة أكثر من 16 مليون شخص في الهند بالعدوى، مع تأكيد وفاة 185000 شخص بسبب الوباء. وتبقى هذه الأرقام أكثر في الواقع، لاسيما أن البعض يعتبر أنه لم تكن هناك تغطية لمعظم المناطق، خصوصا أن كلمات مثل “تم الكشف عنه” و”مؤكد” كانت ملازمة للبيانات الواردة من الهند، ما جعلها غير موثوقة.

بنية صحية متهالكة

أبانت الجائحة عن العجز الكبير الذي تعاني منه الهند في مجال الرعاية، وقد نتج ذلك عن تفويض الميدان الصحي بشكل عام للقطاع الخاص، وهو ما لاقى مطالب من أجل إصلاح الوضع، ووجهت بآذان صماء.

في اطلاع سريع على الإنفاق الصحي، سيمكننا من معرفة سبب التدهور الحالي، فقد بلغت مخصصات الحكومة الهندية للصحة 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2018، وهو الوضع الذي كان مستمرا لعقود سابقة، وضع لا يتناسب مع دولة بقدرة صناعية وثروة كالهند، خصوصا إذا ما قارناها مع دول كميانمار وسيراليون.

واعترفت الحكومة الهندية في أواخر عام 2020 بعد الضغط الذي شهده النظام الصحي المتهالك أن الميدان الصحي يشهد ضعفا في التركيبة البشرية، وأن هناك فقط 0.8 طبيب لكل 1000 مواطن و1.7 ممرض لنفس العدد، كما لا توجد سوى 5.3 أسرّة لكل 10000 شخص، في وقت تعرف بلدان مجاورة كالصين توفر 43.1 سرير لنفس العدد، هذا بالإضافة إلى أن هناك 2.3 أسرة للرعاية المركزة لكل 100000 هندي…هذه الأرقام تبرز هول الوضع الصحي في الهند.

ويعتبر هذا الوضع الكارثي في الأنظمة الصحية راجعا إلى الخوصصة التي عرفها القطاع، والتي جعلت من هذا الميدان مجالا للاغتناء أكثر منه لحفظ الصحة العامة؛ ففي وقت عرفت كل المستشفيات اكتظاظا، لم يكن باستطاعة القطاع الخاص تدبير هذا العدد المتزايد من المرضى، لاسيما أن القطاع الخاص قائم على السعة القصوى، ولا يولي أي اهتمام للفائض، نظرا للرؤية التجارية الضيقة التي يتعامل بها. ويعتبر هذا المسبب الأساس لتأزم الوضع، لأنه لم تكن هناك أسرة ولا موارد طبية لتدبير الفائض.

رحلة حج في نهر كوفيد-19

يعتبر التعامل مع التجمع الهائل الذي تم في كومبه بمناسبة موسم الحج في هاريدوار بولاية أوتارانتشال واحدة من أخطر العثرات التي تتعارض مع توجيهات الحكومة الخاصة، فوفقا للأرقام المتداولة شهد الحدث تجمع حوالي 30 مليون شخص، ونظمته بشكل أساسي حكومة الولاية التي يقودها حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم.

لقد تمت وفق المشاهد التي تم تشاركها والتقارير التي وثقت الحدث ملاحظة أن جميع الاحتياطات لم يلق لها أي بال، في استهتار بحياة الملايين. وحسب التصاريح الصادرة عن رئيس وزراء الولاية فإنه “لا ينبغي أن يكون هناك خوف لأن مياه نهر جانجا ستمنع العدوى”. والتزمت الحكومة المركزية، التي كانت سريعة في الضغط بشدة على منتهكي القيود في أي مكان آخر، الصمت بشأن القضية برمتها، ما يجعلها داعمة لتصرفات حكومة الولاية.

وبعد انقضاء الحدث تم الإبلاغ عن إصابة كبار العرافين من الطوائف الهندوسية، ووفاة واحد من بينهم جراء الوباء. وفي تعاط مع هذا المستجد غرد رئيس الوزراء مودي بشكل مفاجئ في الـ 16 من أبريل/ نيسان بأنه سيكون من الأفضل إذا تمت احتفالات كومبه بشكل رمزي فقط! وفي تطور ما بعد الحدث تم أيضا رصد أكثر من 2000 هندي مصاب كانوا مشاركين في التجمع، لكن المتخصصين يتوقعون أن الأعداد أكثر من ذلك بكثير، وأنه من المتوقع انتشار الفيروس بشكل أسرع، لاسيما أن الحجاج انتقلوا من كافة مناطق الهند.

ويعتبر هذا المثال نبذة صغيرة عن الأخطاء الكارثية التي ميزت تعامل الحكومة الهندية مع الوباء.

أزمة لقاحات

تعتبر الهند دولة ذات صيت كبير في قطاع صناعة الأدوية، وبالأخص في الهندسة العكسية لمجموعة من الأدوية الجنيسة؛ فهي تمثل ثالث أكبر مصنع للأدوية في العالم، بحيث تمثل 60 في المائة من إنتاج اللقاحات العالمي، بما في ذلك 90 في المائة من استخدام منظمة الصحة العالمية للقاح الحصبة؛ كما أصبحت البلاد أكبر منتج للحبوب في سوق الولايات المتحدة. لكن لم يساعد أي من هذا خلال الأزمة.

لم يستطع الهنود الحصول على اللقاحات الخاصة بكوفيد-19، كما لن تكتمل التطعيمات قبل نونبر/ تشرين الثاني 2022 رغم المستجدات الذي تشير إلى تزايد إنتاج اللقاحات في الهند. ولا تضع السياسة الجديدة للحكومة الهندية أي قواعد في ما يخص رفع أسعار اللقاح، كما ليست لها أي توصيات بالنسبة لتسريع وتيرة الإنتاج. ويأتي هذا في ظل سيطرة القطاع الخاص على مختلف دواليب إنتاج اللقاحات، لاسيما أن القطاع العام يعيش في وضع من الخمول.

 إن هذا الاستهتار الذي يواكب توفير اللقاحات للهنود ليس بالأمر الجديد، ففي عز الأزمة حينما كانت الهند تعاني من خصاص مهول في الأكسجين، كانت الشركات تصدره بوتيرة كثيفة وبأثمان باهظة.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة