لبنان.. مواقف متباينة حول قرار يسمح للفلسطينيين بمزاولة مهن حُظرت عليهم سابقاً

مشاركة المقال

مدار: 11 كانون الأول/ ديسمبر 2021

كاترين ضاهر

عدّلت وزارة العمل اللبنانية القانون اللبناني للأجانب… وفي خطوة متأخرة لإنصاف اللاجئين الفلسطينيين في لبنان إلى حدٍّ ما، وتأمين حقوقهم المدنية الأساسية، لاسيما “حق العمل”، أصدر وزير العمل اللبناني، مصطفى بيرم، قراراً من 13 مادة، يستثني اللاجئين الفلسطينيين من المنع المفروض عليهم من مزاولة المهن المحصور مزاولتها للبنانيين فقط، ومن بينها المهن الحرة كالطب والصيدلة والهندسة، مشيراً إلى أن “القرار جاء بناء على مقتضيات المصلحة العامة، ومراعاة للظروف الاقتصادية التي استدعت إعادة النظر بلائحة المهن الواجب حصر ممارستها باللبنانيين”.

وحسب المادة الثانية من القرار الصادر بتاريخ 25 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وجرى تعميمها الأربعاء على كافة الجهات التنفيذية؛ “يستثنى من أحكام المادة الأولى الفلسطينيون المولودون على الأراضي اللبنانية والمسجلون بشكل رسمي في سجلات وزارة الداخلية والبلديات اللبنانية، والأجنبي الذي تكون والدته لبنانية أو متزوجاً من لبنانية، والمولودون في لبنان من حملة بطاقة مكتومي القيد، مع التقيد بالشروط الخاصة بالمهن المنظمة بقانون”.

مواقف مؤيدة

ورغم أن هذا القرار يقتضي إصدار مرسوم ضامن لاستمراريته، إلّا أن الفصائل الفلسطينية ثمنت في لقاء قياداتها مع وزير العمل اللبناني القرار، واعتبرته “خطوة في الاتجاه الصحيح، في ظل الأزمة الاقتصادية والمعيشية الخانقة التي يعيشها أهلنا في لبنان”.

بدوره، أشاد مسؤول الجبهة الشعبية في لبنان، مروان عبد العال، في تصريح لـ “مدار”، بقرار الوزير بيرم، قائلاً: “هو قرار شجاع، وخطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح، نابع من خلفية أخلاقية وإنسانية من شأنها ترفع ظلماً عن الشعب الفلسطيني”، مشدّداً على أن “استثناءهم السابق عن حق العمل هو المخالف للقانون، فقد كان قراراً تعسفياً اتخذ في مرحلة سابقة نتيجة مناخات سلبية”. 

وأكّد عبد العال أن “المطلوب تدعيم قرار وزارة العمل اليوم رفع الحظر عن عمل اللاجئين الفلسطينيين بمرسوم، حتى لا يتم التراجع عنه لاحقاً حسب مفهوم الاستنسابية، كما جرى مع مذكرة وزير العمل الدكتور طراد حمادة! وهذا ما تفرضه المصداقية السياسية، وتعزيزاً لروح العلاقات الأخوية بين الشعبين الشقيقين في مواجهة التوطين، وليس العكس، باعتبار الفلسطيني لاجئاً في لبنان وليس وافداً أجنبياً”، شارحاً أن “قرار الوزير لا يتناقض مع حق العودة، وخاصة القرار الدولي 194″، وزاد: “لا نعتبر أن تجويع الفلسطيني في لبنان يُقرّب موعد العودة، فهذا موضوع سياسي ليست له علاقة بالحق الأساسي لحفظ كرامة الإنسان، سواء كان المواطن اللبناني أو اللاجئ الفلسطيني”.

وفي السياق، أكّدت نقابة أطباء لبنان في طرابلس أن الحقوق المدنية للفلسطينيين في لبنان منصوص عليها في المواثيق الدولية والقوانين الرعاية لحقوق اللاجئين، وهي موقعة من لبنان، معتبرةً أن قرار وزير العمل “جاء ليصحح خطأً تاريخياً ارتكب في حق الأطباء الفلسطينيين والمولودين لأم لبنانية أو مكتومي القيد”.

وطالبت النقابة، في بيان توصل “مدار” بنسخة منه، وزير العمل بعدم التراجع عن هذا القرار، لاعتباره يعيد الروح الإنسانية في التعاطي مع زملائهم الأطباء الفلسطينيين، موضحة أنّ “مشاكل لبنان الاقتصادية، وخاصة أصحاب المهن الحرة، وبالأخص الأطباء، هي نتيجة لسياسات فاشلة في الاقتصاد والاجتماع والإدارة؛ أدت إلى ما وصل إليه الحال”.

قرارات المنع

رغم أهمية هذا القرار إلّا أنه يبقى مرتبطاً بالوزير الذي أقره، ما يهدد بإمكانية التراجع عنه ووقفه لاحقاً، خاصة في بلد كلبنان يضم مختلف التجاذبات السياسية، وهذا ما ظهر فعلياً بمواقف رسمية لبنانية مستنكرة لهذا القرار العادل، تحت ذريعة التخوف من التوطين، ما اضطر وزير العمل إلى عقد مؤتمر صحافي اليوم لشرح تفاصيل قرار حصرية المهن، الذي يعتبره البعض جاء بخلفية اقتصادية وليست إنسانية وأخلاقية، خاصة بسبب هجرة الآلاف من اللبنانيين من مختلف القطاعات جرّاء تفاقم الأزمة الاقتصادية والنقدية في البلد؛ والدليل قول الوزير بيرم: “لم أخالف القانون والدستور، والقرار يحمي العامل اللبناني ويعزز الدورة الاقتصادية. ولن أدخل في السجالات، فنحن من دفع الدماء منعاً للتوطين”.

وحسب المادة الأولى، تُحصر مزاولة معظم المهن باللبنانيين فقط. وقد جرى استثناء الفلسطينيين من حرمان مزاولتها، وهي “المهن المنظمة بقانون، والتي يحصر حق ممارستها للمنتسبين لنقابة المهنة، وبعد الاستحصال على إجازة من السلطة المختصّة، كالطب والهندسة والمحاماة والصيدلة…”؛ كما يستثنيهم القرار من منع مزاولة الأعمال في الوزارات والإدارات العامة، أياً كانت طبيعتها، إضافة إلى الأعمال التجارية كالاستيراد والتصدير، والأعمال المتصلة بالسياحة والقطاع المصرفي والمالي والمحاسبي والتأمين، وكذلك الأعمال الإدارية وفي قطاعات الصحة والتربية والإعلام، وكافة أعمال التجارة والصناعة والحرف والخدمات، وسواها من المهن المنصوص عليها في أحكام المادة الأولى من القرار.

 يميّز قانون العمل اللبناني بين اللبنانيين وغير اللبنانيين منذ عام 1964، ويُطبق أيضاً على اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان، حتى من يحملون بطاقة هوية صادرة عن المديرية العامة للشؤون السياسية واللاجئين، وكذلك وثيقة سفر صادرة عن دائرة الأمن العام اللبناني.

 ووفقاً لقرار 17561 من قانون تنظيم عمل المقيمين غير اللبنانيين، يُحرم اللاجئين الفلسطينيين من العمل في أكثر من 70 مهنة؛ كما يُفرض عليهم الاستحصال على إجازة عمل في المهن المسموحة، ذات شروط معقّدة، وتقديم مستندات ودفع الرسوم المتوجبة، دون الاستفادة من صندوق الضمان الاجتماعي.

 يُذكر أن وزير العمل والشؤون الاجتماعية، عدنان مروة، أصدر يوم 28/2/1982 قراراً (رقم 289/1) منع بموجبه اللاجئ الفلسطيني من مزاولة 24 مهنة. ثم حظر الرئيس أمين الجميل على الفلسطينيين العمل في 37 مهنة؛ أما الوزير عبد الله الأمين فقرر مضاعفة عدد المهن الممنوع مزاولتها إلى 73 مهنة.

 تجدر الإشارة إلى أن المناطق اللبنانية والمخيمات الفلسطينيّة شهدت تحركات احتجاجية واسعة لبنانية وفلسطينية، رفضاً لقرار وزير العمل اللبناني الأسبق كميل أبو سليمان، تفعيل قوانين المنع بحقّ اللاجئين الفلسطينيّين، في منتصف شهر تموز/ يوليو 2019، وإلزامهم الحصول على إجازات عمل أسوة بباقي العمّال الأجانب المقيمين على الأراضي اللبنانية.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة