لبنان: مواطن يطلق انتفاضة على المصارف

مشاركة المقال

مدار: 21 كانون الثاني/ يناير 2022

كاترين ضاهر

“عم بنكتب بكل كتاب، تسلم إيدك علي شعيب”، هتاف ردده المنتفضون في لبنان خلال الوقفات الاحتجاجية أمام المصارف، منذ “انتفاضة 17 أكتوبر” أواخر العام 2019، وأعاد ذاكرة اللبنانيين إلى 48 عاماً، عندما نفذّ علي شعيب ومجموعته في 18 تشرين الأول / أكتوبر 1973 اقتحاماً على مصرف “بنك أوف أميركا” في وسط بيروت لتحرير أموال الناس ومواجهة حكم المصارف، ليستشهد علي شعيب (سعيد) في اليوم الثاني عن عمر ناهز الـ 27 عاماً. وكتب على ضريحه “نحن الحياة وتاريخ الحياة وهم في كل ثانية من عمرهم عدمُ/ شاؤوا لنا أن نرى فيهم مصائرنا / لكنهم خسئوا…. إنّا مصيرهم”، وهو بيتٌ من الأبيات الشعرية التي وجدت في ورقة مكتوبة في جيبه يوم استشهاده.

أما عبدالله الساعي، فهو مواطن لبناني، ابن بلدة كفريا البقاعية، تمكّن من أخذ حقه بيده، مطبقاً شعار “ما أخذ بالقوة لا يُسترد إلّا بالقوة”، بعد أن ضاقت به السبل القانونية والإنسانية، كسائر المودعين في لبنان، لاسترداد أمواله المحتجزة داخل المصارف أو جزء منها؛ إذ أقدم المودع على احتجاز العشرات من المراجعين والموظفين في “بنك بيروت والبلاد العربية” فرع جب جنين، مهدداً بـ “حرق البنك”، يوم الثلاثاء الماضي.

وفي السياق حضر الساعي إلى المصرف، وطالب بسحب مبلغ 50 ألف دولار من وديعته، وبعد رفض طلبه قام بسكب مادة البنزين داخل المصرف وهدد بإشعال الفرع بمن فيه في حال عدم التجاوب وتسليمه أمواله. وعلى إثر هذا التهديد انتزع المبلغ وأودعه لدى زوجته قبل أن يسلم نفسه للقوى الأمنية. بالمقابل، تحرّك المدّعي العام في منطقة البقاع القاضي منيف بركات، فأصدر قراراً بضبط المبلغ، الذي استحصل عليه الساعي.

وفي تفاصيل الحادثة “طالب عبد الله المصرف، خلال الأسبوع الماضي، بتسليمه شيكاً مصرفياً بقيمة وديعته البالغة خمسين ألف دولار ونيّف، ليستوفيها من السوق السوداء بنحو خمس قيمتها بهدف تسديد ديونه التي ناهزت 200 مليون ليرة، فرفض المصرف”، وفق ما جاء في بيان المحامين المتطوعين الدفاع عن عبد الله في اللجنة القانونية لرابطة المودعين.

بدورها، أوضحت فاطمة الساعي، شقيقة عبدالله، لمواقع إعلامية محلية؛ بأن “شقيقها يملك محلّاً للخضراوات وآخر “للإكسبرس”، ومنذ شهرين تعرّض المحل لسرقة بقيمة 10 آلاف دولار، ممّا اضطره إلى الاستدانة بهدف شراء بضائع بدل تلك التي سُرقت، وحاول مراراً وتكراراً التوجّه إلى المصرف طالباً الحصول على وديعته حتى ولو بطريقة شيك بنكي، إلّا أن المصرف امتنع عن ذلك”.

حكم المصرف…

مرّ عامان وثلاثة أشهر على تلك السياسات النقدية التي أعطت للمصارف اللبنانية سلطة “السطو” على حسابات المودعين فيها، ولاسيما صغار المودعين منهم.

وفي بداية تلك الأزمة، نجح بعض المودعين في تحرير رواتبهم بالدولار عبر الاحتجاج المدعوم بمساندة عدد من المنتفضين ومجموعات الحراك الشعبي في المناطق، رافعين شعار “يسقط … يسقط حكم المصرف”، ولم يغب عن ذاكرة اللبنانيين مقطع فيديو لمواطن لبناني دخل المصرف حاملاً فأساً مطالباً بأمواله المحتجزة، في أواخر شهر ديسمبر/ كانون الأول 2019.

ومنذ يوم الثلاثاء الماضي، لا تزال قضية عبدالله الساعي تتفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي تضامناً معه ومع حقوق كافة المودعين باسترداد أموالهم من المصارف. وقد أعادت خطوة الساعي اسم الشهيد “علي شعيب” للتداول مجدداً، وعلى الرغم من خطورتها، لاقت تعاطفاً كبيراً لدى العديد من اللبنانيين ولاسيما المودعين، الذين يذلون يومياً على أبواب المصارف التي “سرقت” أموالهم ولم ينصفهم القضاء.

وبهذا الصدد، أعلنت جمعية المودعين اللبنانيين، يوم الأربعاء الماضي، أن المودع الموقوف عبدالله الساعي، بدأ إضراباً عن الطعام إلى حين الإفراج عنه. وقالت الجمعية عبر حسابها الرسمي على موقع تويتر: “يخوض عبدالله معركة الأمعاء الخاوية دفاعاً عن جميع اللبنانيين”.

يُشار أن رابطة المودعين أفادت، أن عبدالله الساعي أوقف في مخفر بيادر العدس لمصلحة فصيلة جب جنين. ثمّ جرى الاستماع إلى أقواله وأقوال بعض الموظفين في المصرف في المفرزة القضائية في تحرّي زحلة الخميس الماضي، وهو لا يزال موقوفاً في نظارة قصر عدل زحلة، موضحة أنها تتابع قضيته عبر لجنتها القانونية والمحامين المتطوعين في الملف بعد أن استلامها توكيل رسمي من عبدالله.

في المقابل، علقت جمعية مصارف لبنان على الحادثة، رافضة “الاعتداءات المتكررة التي طالت مؤخراً عدداً من الفروع مهددة حياة الموظفين”، وأسفت “لاضطرارها مجبرة ولحماية أرواح موظفيها والممتلكات من التعديات والتهديدات إلى إغلاق الفروع التي يتم التعدي عليها، وقد أغلقت بالفعل كل فروع المصارف العاملة في جب جنين تضامناً مع الزملاء الذين روعهم الحادث”، كما جاء.

وتحت شعارات “#إلى_الشارع استكمالاً للمواجهة مع حكومة المصارف والإفقار وسياسات الإنهيار!”، “مواجهة #حتى_استعادة_الحقوق”و”#ليلرة_الودائع_مرفوضة”…، يستعد اللبنانيون لتنفيذ مسيرة شعبية، عشية جلسة مجلس الوزراء لمناقشة موازنة العام 2022، رفضاً لأي خطة تحمّل المودعين خسائر إضافية، والتي ستنطلق بعد ظهر يوم الأحد 23 كانون الثاني/ يناير الجاري، من أمام جمعية المصارف إلى مصرف لبنان مروراً بالسراي الحكومي.

وتعقيباً على إصدار النيابة العامة في البقاع قراراً بضبط مبلغ الـ 50 ألف دولار، الذي استحصل عليه المواطن عبدالله الساعي، انتشرت تصريحات على موقع “الفيسبوك”، كخطوة تضامنية من قبل العديد من المنتفضين أو باسم مجموعات من الحراك توجّهت إلى النيابة العامة الاستئنافية بتبليغات أن مبلغ الـ 50 ألف دولار أصبح بعهدتها “بعد أن سلمتنا إياه عائلة البطل عبدالله الساعي…”.

من جهتها، أوضحت النيابة العامة الاستئنافية في البقاع أن الإشارة التي صدرت عن النائب العام الاستئنافي في قضية استحصال المواطن عبد الله الساعي، بأن المبلغ المذكور سيتم ضمه كمضبوطات إلى ملف القضية، وحفظه بعهدة المحكمة لحين بتّها بالقضية، عملاً بالإجراءات القانونية، وليس لاستعادته من قبل المصرف كما تردد. وقد توجّهت دورية من الدرك إلى منزل الساعي لضبط المبلغ الذي تسلمته زوجته، إنفاذاً لأوامر النيابة العامة، إلّا أن الزوجة الأجنبية توارت مع المبلغ فصدر بحقها بلاغ بحث وتحرٍ.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة