لا يتعلق أمر “فيسبوك” فقط بتحويل الاسم إلى “ميتا”

مشاركة المقال

آجيا تايمز/ مدار: 19 تشرين الثاني/ نونبر 2021

برابير بوركاياشا

أطلق الرئيس التنفيذي لشركة “فيسبوك”، مارك زوكربرغ، العلامة التجارية الجديدة للشركة، التي تمت تسميتها Meta، في حدث Facebook Connect السنوي الذي يقام في 28 من أكتوبر/ تشرين الأول من كل عام. ووفقا للمبررات التي تم تقديمها حول هذا التغيير فإن “Meta تجمع تطبيقاتنا وتقنياتنا معا تحت علامة تجارية واحدة وجديدة للشركة، وسينصب تركيزها على إدخال الميتافيرس إلى الحياة ومساعدة الأشخاص على التواصل والتعاطي مع مختلف المجتمعات، بالإضافة إلى تنمية الأعمال التجارية”.

هذه الخطوة جعلتنا نتساءل إذا ما كان إطلاق Meta مجرد محاولة لإعادة تسمية “فيسبوك” بعد الانتكاسة التي تعرضت لها جراء التبليغ عن مجموعة من المخالفات والأخطاء التي كشفت عنها كل من فرانسيس هوغن وصوفي زهانغ؟ وهل هي محاولة للابتعاد عن ماضي وحاضر الشركة الملطخ إلى وضع بديل قائم على الميتافيرس الذي ترغب “فيسبوك” في تنزيله مستقبلا؟.

هل تحاول الشركة دفع مستخدميها إلى نسيان صفحاتها المليئة بالكراهية على “فيسبوك”، التي تعزز إمبراطورية الشركة التجارية التي تحركها الإعلانات من خلال إبعاد التركيز عن علامة “فيسبوك”؟ أم إن هذه الخطوة تهدف إلى استعادة الفئات الشابة التي لم تعد ترى في المنصة ذات جاذبية؟.

أظهرت المستندات الداخلية لـ”فيسبوك”، التي قامت هوغن بنشرها للعموم، الاستماتة التي أظهرتها المنصة من أجل استعادة المستخدمين الشباب، بل إن الوثائق أشارت إلى تركيز المنصة الانتباه على الأطفال قبل سن المراهقة – الفئة العمرية بين 10 و12 عاما – الذين ينظر إليهم على أنهم “جمهور قيم ولكن غير مستغل إلى حد الآن”.

من المهم الإشارة إلى أن “فيسبوك” أصبحت تتبع نفس المنطق الذي تتبعه شركات السجائر من خلال استهداف الأطفال ودفعهم إلى الإدمان. من الواضح أن كلا من فيسبوك وشركات السجائر ترى أنه بمجرد ربط هؤلاء الأطفال بمنتجاتهم فإنهم سيظلون مدمنين مدى الحياة، ما يوفر لها عملاء مضمونين.

هذا الأمر يعني لفيسبوك بيع بيانات مستخدميها المتعلقين بالمنصة للمعلنين طوال عمرهم.

مفهوم غريب؟

تعددت ردود الفعل من الجفاء إلى الحيرة حول Meta على منصة فيسبوك، والتحول المفترض في اتجاه الميتافيرس الذي وصف بأنه “مزيج من التجارب الاجتماعية عبر الإنترنت، والذي من المتوقع أن يأخذ أشكالا ثلاثية الأبعاد ويعرض في العالم الواقعي”.

بالنسبة لمعظم مستخدمي فيسبوك فإن معرفتهم بالخيال العلمي تعتبر ضئيلة، لذا قد تكون فكرة أن الكون باعتباره صورة ميتافيرسية يمكن أن تنتقل بسلاسة من العالم الحقيقي إلى العالم الافتراضي مفهوما غريبا لغالبية الناس. على الرغم من أن أبسط تجل لهذه الفكرة هي الاجتماعات التي تمت في خضم الجائحة، وكانت عبر منصات مختلفة.

في الوقت نفسه فإن مفهوم Meta بالنسبة لأولئك الذين لديهم عقل أكثر جدية ومعرفة بالأدب، والذين يرون عالم فيسبوك الحالي مجرد عالم بائس، قد يربطونه في بادئ الأمر برواية Metamorphosis (التحول) لفرانز كافكا. في هذه الرواية المليئة بالبؤس، يستيقظ البطل ذات صباح كصرصور بحجم إنسان، بطريقة أخرى فقد تغيرت صورته الرمزية إلى صرصور ضمن خطة معينة.

هذا الواقع البديل من المحتمل أن تكون رواية كافكا قد وفرت بعض “الميمزات” التي تسخر من فكرة Meta منذ أن تم الإعلان عنها من قبل فيسبوك، لكن يبقى أن الفكرة الرئيسية من هذا المولود الجديد حسب أصحابها هي إنشاء مساحات افتراضية يتمكن المستخدمون من خلالها من “الاجتماع مع الأصدقاء والعائلة والعمل واللعب والتعلم والتسوق والإبداع”.

لقد أصبحت هذه التجارب ممكنة، لاسيما في ظل الأدوات المختلفة التي أصبحت متوفرة، وبالخصوص أجهزة الواقع المعزز (AR) والواقع الافتراضي (VR). في ظل كل هذا وعلى الرغم من عزم فيسبوك على إثبات “روعة” العامل الجديد Meta، إلا أنه استقبل بنوع من الفتور.

قبل رفض Meta أو الابتعاد عن الحديث عنها، وجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن فيسبوك تحصلت على تدفق مالي بعد الإعلان عن Meta، بحيث أصبحت تبلغ قيمة المنتج الجديد 1 تريليون دولار أمريكي.

كشركة، أصبحت Meta عبارة عن غوريلا في ميتافيرس وول ستريت. تمتلك فيسبوك لوحدها قاعدة بيانات قرابة ثلاثة مليارات مستخدم مع مليارات المستخدمين في الشركات الأخرى المملوكة لها، مثل واتساب وإنستغرام. وبغض النظر عن العدد الحقيقي للمستخدمين، تبقى الأعداد هائلة ومعها الكم الهائل من الأموال المتمخضة عن ذلك، لذا لا يمكن فقط شطب فيسبوك.

ميتافيرس زوكربيرغ

هناك أسئلة تتبادر إلى الأذهان يجب على فيسبوك- ونعم سأسميها فيسبوك الآن وليس Meta- أن تجيب عليها.. ما هو ميتافيرس الذي يخططون لبنائه؟ وهل له نموذج عمل؟ بمعنى آخر هل يعملون على استرجاع الجمهور الشاب الذي فقدوه، ومدى إمكانية ذلك؟ وهل يمكن أن تبيع فيسبوك خصائص افتراضية أو حتى سلعا في ميتافيرس مقابل أموال حقيقية، بصرف النظر عن أجهزة AR/ VR، مثل Oculus التي أطلقتها الشركة في غشت؟.

دعونا نلقي نظرة على ما يعنيه ميتافيرس. وفق الشرح الذي أعطاه زوكربرغ فإن الفرق بين لعب ألعاب الفيديو بواسطة لوحة المفاتيح أو وحدة تحكم والميتافيرس هو التجربة الغامرة.

باستخدام الميتافيرس، يمكن للأشخاص استخدام أجهزة متنوعة، بما في ذلك النظارات الخاصة والقفازات أو البدلات اللمسية، كما يمكنهم رؤية الأشياء ولمسها في العالم الافتراضي، بالإضافة إلى أنهم “قادرون على الانغماس في المحتوى الرقمي بدلا من مجرد المشاهدة”، باستخدام أجهزة الواقع الافتراضي أو المعزز.

هذا النقاش ليس وليد اليوم، بل تم التطرق له في العديد من الكتب والأفلام التي تم إنتاجها عن مثل هذه المواضيع. ويمكن للمهتمين الاطلاع على سلسلة Robot لـ Isaac Asimov، التي تركز على الروبوتات، وفي الآن نفسه تعتبر أن الواقع الافتراضي/ المعزز أمر واقع مفروغ منه. ولعل أبرز مثال عن مفهوم الميتافيرس باعتباره واقعا افتراضيا يعتمد على توسع الإنترنت هو رواية الخيال العلمي Snow Crash لصاحبها Neal Stephenson في عام 1992.

هناك احتمالان لما يمثله الميتافيرس: الأول هو الانطلاق من رؤيته كنسخة من العالم الحقيقي، حيث يمكن للناس الالتقاء والعمل أو اللعب في العالم الحقيقي بالاستعانة بالواقع الافتراضي/ المعزز الذي يتم من خلال استخدام أجهزة مختلفة، ما سيعني أن بإمكان الأشخاص زيارة أماكن متعددة من العالم رفقة أصدقائهم والالتقاء في مكاتبهم أو حتى زيارة أطبائهم، كل هذا وهم جالسين في منازلهم..والثاني هو أنه يمكن لأي كان أن يعيش كشخصية رمزية في عالم افتراضي على الإنترنت، له قواعد مشابهة أو مختلفة عن العالم الحقيقي، نسخة متطورة من Second Life، وفي الآن نفسه سيكون هذا الفعل داعما للأرباح الضخمة لفيسبوك وقوتها داخل السوق.

Second Life التي تم تطويرها في 2003، كانت لها العديد من الأهداف المماثلة لـ Meta، ومازالت تحظي بشعبية بين مجموعة من المستخدمين، الذين يبلغ عددهم حوالي المليون مستخدم. إنه عالم مواز – يعزز التفاعل بين مختلف تجسدات المستخدم – بإمكانه الاحتواء على عديد العوالم بقواعد وثقافات متفرعة مختلفة، حتى إنه يحتوي على عملة تسمى Linden dollar يمكن استخدامها فقط في الداخل وليس في العالم الحقيقي.

اعمل والعب

مازال النقاش مستمرا حول الطبيعة والغرض الأساسي من Second Life هل هي منصة تفاعلية أم عالم مخصص للألعاب؟.

كلا الاحتمالين موجودان في Meta، لكن يبقى الدافع الواضح هو أنها منصة تفاعلية تتيح إمكانية العمل من المنزل.

أيقنت الشركات التكنولوجية أن العمل من المنزل خيار جذاب لموظفيها، لكن الشركات التي تطبق ذلك تفقد الإبداع الذي توفره البيئة الجماعية والمراقبة التي توفرها المساحات المكتبية حيث يلتقي الموظفون ويتحدثون عن عملهم.

بإمكان Meta أن تبيع الممتلكات المكتبية التي تتيح للأشخاص “القدوم للعمل”، لكن من خلال مساحات افتراضية مستأجرة أو مملوكة من قبل الشركة، مثل مكتب في Meta، وهذا من شأنه أن يجبر الأشخاص على التواجد في ” المساحة نفسها” مع زملائهم، مع الأخذ بعين الاعتبار توفير “رفاهية” تجنب التنقل الطويل أو الانتقال إلى حيث مكاتب الشركة.

سيمكن لزوكربرغ بيع أو حتى استئجار مساحة من Meta الخاصة به وإنشاء نماذج لأعمال من خلالها، أو يمكن للأشخاص بأنفسهم استئجار مثل هذه المساحات واختيار مكان من أجل أن يكون الصالة القابلة لمقابلة أصدقائهم، بنفس الطريقة التي يستأجر بها الأشخاص غرفا في زووم.

نموذج العمل الآخر الذي يمكن لزوكربرغ أن يفرضه، والمتعلق بـ Meta، هو امتلاك خصائص وأدوات ورموز ومجموعة من الدعائم التي يمكن بيعها مقابل ما يمكن أن نسميه حاليا Meta cash، التي يمكن استخدامها داخل عوالم Meta وفي الآن نفسه لديها قيمة في العالم الحقيقي بالدولار (مثل عملة فيسبوك: ليبرا)، عكس Linden dollar الذي يمكن استخدامه فقط داخل Second Life.

يمكن أن تقع المساحتان، سواء الخاصة بالعمل أو العب، فريسة للإعلانات الكثيرة، التي تعتبر الشريان الرئيسي ونموذج العمل الأساسي لفيسبوك، وفي هذه الحالة ستصبح ميتافيرس عبارة عن مساحة تفاعلية لجلب الأشخاص في المقام الأول من أجل الإعلانات.

نظرا للطبيعة التفاعلية للميتافيرس، فستكون هناك إمكانية لفيسبوك لبناء عالم أكثر “ديستوبيا” مليئا بالإعلانات الزائفة، بحيث يمكن الاستحواذ على عقول وخصوصيات الناس وبيعها باستمرار للمعلنين.

خطة الألعاب

يصعب على زوكربرغ الاستيلاء على عالم الألعاب، لاسيما أنه عبارة عن صناعة وجدت وتكونت على مر العقود الماضية، وشهدت خلال الوباء انطلاقة جديدة نحو القمة، مثل ما حدث مع منصات مثل زووم ونتفلكس وخدمات الإنترنت.

هناك أكثر من 3 مليارات لاعب في العالم، يقضون معظم وقتهم على أجهزة الألعاب الخاصة بهم، وهؤلاء اللاعبين هم الذين دفعوا شركات التكنولوجية إلى تطوير أجهزة الكمبيوتر بمختلف أنواعها لتساير الوضع الجديد، ما أدى بعد ذلك إلى تطور تكنولوجي جديد متعلق بلوحات الرسوميات، بما في ذلك تحرير الفيديو.

هذا هو الأمر الذي كان يقود مجموعات مثل وحدات معالجة الرسوميات في Nvidia وتطبيقات الذكاء الاصطناعي (AI) إلى تطوير منتجاتها. من خلال هذا المعطى فإن جيل اللاعبين لا يمكن أن ينظروا بشكل من الروعة إلى فكرة زوكربرغ وفيسبوك، فمن غير المحتمل أن ينجذبوا إلى نسخة زوكربرغ من الميتافيرس.

بالطبع من خلال الأموال الطائلة التي يملكها زوكربرغ يمكنه جذب الشركات التي يمكنها صنع هذه الألعاب لعلامته التجارية. إذا افترضنا أن بإمكان Meta جذب مجموعة من شركات الألعاب المعروفة إلى نظامها الأساسي، فهل سيعزز ذلك من نسخة زوكربرغ للميتافيرس؟ وهل ستتخلى شركات الألعاب هذه عن استقلاليتها أمام فيسبوك؟ هذا ليس بالسؤال بالسهل، على الرغم من أن الأموال لها جاذبية في جميع الأحوال.

قد كان الهدف قصير المدى الأساس لفكرة فيسبوك هذه هو الابتعاد عن صورتها الحديثة باعتبارها شركة دون أخلاقيات وتروج للكراهية والأخبار المزيفة، لكنه يركز في الآن نفسه على وضع تصور لعصر جديد من الاتصال والذكاء الاصطناعي الذي أصبح يدق أبوابنا، والذي بإمكانه أن يساعد في تشغيل أكوان بديلة تشبه عالم الألعاب تتقاطع مع العالم الحقيقي.

لكن على الرغم من كل هذه الأفكار هناك كعب أخيل الذي يؤرق الشركات الأمريكية على العموم، فالولايات المتحدة مازالت متخلفة بشكل كبير عن كل من الصين وكوريا الجنوبية في سباق 5G (الجيل الخامس للاتصالات)، كما مازالت قدراتها ضئيلة في التغلغل داخل العديد من البلدان الأوروبية. فهل تستطيع الولايات المتحدة التغلب على هذا العجز من خلال إنفاق الدولة على مثل هذه البنيات التحتية؟.

هل تستطيع فيسبوك التغلب على صورتها كشركة وسائط اجتماعية تذر السموم وبناء حياة جديدة لنفسها على أساس المسمى الجديد Meta؟ مازال بإمكان فيسبوك ممارسة الكثير من القوة والتأثير، لكن ومع ارتفاع أعمار قاعدة المستخدمين قد تتضاءل أهميته ببطء. قد يعاقب المجتمع فيسبوك نظير بيعه ونشره الأخبار الكاذبة والمزيفة، ولكن بالطبع، فقط بعد أن ألحق أضرارا جسيمة بالنسيج الاجتماعي في العالم بأكمله.

التحذير هنا هو أن الواقع الافتراضي بإمكانه أن يكون أيضا مساحة سامة، مثلما يبرزه لنا كم الكراهية للنساء الذي يعرفه قسم كبير من مجتمع الألعاب. فهل سيضاف إلى ذلك فيسبوك بتاريخه الأسود ويبني Meta البائس؟.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة

أمريكا

كيف عاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض؟

مدار: 07 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 أعطى الناخبون الأمريكيون أصواتهم لصالح مرشح الحزب الجمهوري، دونالد ترامب، المعروف بتوجهاته اليمينية المعادية للمهاجرين والعرب والمسلمين. بهذا، يضمن