معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي/ مدار: 09 حزيران/ يونيو 2021
فيجاي براشاد
شهدت ولاية كيرالا الهندية، التي يسكنها 35 مليون نسمة، إعادة انتخاب جبهة اليسار الديمقراطي للمرة الثانية على التوالي، معبدةً بذلك الطريق نحو قيادة الحكومة لخمس سنوات مقبلة. وعرف المواطنون في كيرالا منذ 1980 التصويت بالتناوب بين اليمين واليسار، ولم يشهدوا من قبل إعادة انتخاب التيار نفسه طيلة هذه الفترة. لكن شهد هذا العام الاستثناء، فقد فضّل المواطنون تجديد الثقة في اليسار ممثلاً في زعيم الحزب الشيوعي الهندي (الماركسي) بيناراي فيجايان. كما حققت وزيرة الصحة ك.ك.شيلاجا، الملقبة بالمعلّمة شيلاجا، فوزاً هائلاً من خلال حصولها على 60000 صوت بفارق شاسع عن أقرب منافسيها.
من الواضح أن الشعب قام بالتصويت للحكومة اليسارية مرة أخرى لثلاثة اعتبارات:
- التعامل الإيجابي والفعال الذي طبع تعاطي جبهة اليسار الديمقراطي مع مختلف الأزمات التي واجهتها، بدءا من إعصار أوكخي عام 2017 مرورا بفيضانات 2018-2019 ووصولاً إلى الأزمات المرتبطة بالفيروسات المستجدة (نيباه 2018 وكوفيد-19 في 2020-2021)
- رغم الأزمات المتلاحقة إلا أن الحكومة واصلت مساعيها الهادفة إلى النهوض باحتياجات الشعب وتوفير مساكن بأثمان في متناول الجميع، والرفع من جودة المدرسة العمومية وتعزيز البنية التحتية اللازمة.
- ناضلت الحكومة والأحزاب اليسارية دفاعا عن الوضع العلماني والفدرالي للهند، وضد الفاشية الجديدة المتنامية المتمثلة في حزب بهاراتيا جاناتا (BJP) تحت قيادة زعيمه ناريندرا مودي، رئيس وزراء الهند.
إذا كان الحاضر في أجزاء من العالم يسيطر عليه الماضي، فإن حاضر كيرالا يستشرف ويضع نصب أعينه أفضل مستقبل ممكن.
بدأ المؤتمر الصحافي للرئيس فيجايان يوم الأحد بالتحديات الخاصة بكوفيد-19 بدلاً من تناول الوضع الانتخابي كما جرت العادة؛ لقد قام بتحية الفوز الانتخابي، الذي سمّاه الانتصار الشعبي فقط بعد الانتهاء من نقاش التحديات الصحية، مضيفاً في الآن نفسه أن هذا الانتصار يجب “أن يجعلنا أكثر تواضعاً والتزاماً”. وتميزت اللقاءات الصحافية العامة التي عقدها الرئيس منذ إعصار 2017 وحتى الجائحة الحالية بالهدوء والعقلانية في التعاطي مع مختلف هذه الأزمات، مستحضراً في ذلك تقديم تقييمات علمية للمشاكل ورفع مستوى الأمل لدى المواطنين الذين أحسوا باليأس جراء الوضع المفروض عليهم.
قام مخرج الأفلام المالايالامية والفائز بجائزة المطبخ الهندي العظيم، جيو بيبي، بتقديم محاكاة ساخرة ومحببة للمؤتمر الصحافي؛ ففي العام الماضي غيّر صوته في مقطع “فيديو” على “فيسبوك” من أجل تحقيق مسعاه في أن يقوم ابنه ذو السنوات الأربع بتنظيف أسنانه قبل تناول شاي الصباح! المؤتمر الصحافي في 2 ماي/ أيار – بعد ظهور نتائج الاستحقاقات الانتخابية – مازال محافظاً على تقليده الهادئ والعقلاني.
لقد بدا واضحاً لسكان كيرالا أن المقاربة التي اتبعها رئيس الوزراء ناريندرا مودي كانت صارخة، ففي 28 من يناير أفصح مودي في خطاب ألقاه أثناء المؤتمر الاقتصادي العالمي بمدينة دافوس بسويسرا، بتبجح وافتخار، عن أن الهند تغلبت على فيروس كورونا، وزاد: “لن يكون من المستحسن مقارنة النجاح الذي حققته الهند بأي دولة أخرى، فقد نجحت وهي البلد الذي يحوي 18% من سكان العالم، في إنقاذ البشرية من كارثة كبيرة من خلال احتواء الفيروس”. وفي ذلك اليوم نفسه أعلن وزير الصحة الهندي هارش فاردهان أن “الهند سيطرت على ارتفاع عدد الإصابات بعد أن تم الانتهاء من مبيان يقوم بإحصاء مصابي كوفيد-19”. لقد كانت الحصيلة اليومية آنذاك 18855 حالة جديدة، وهو الأمر الذي حذّر منه المراقبون الذين اعتبروا أن الأرقام بدت ضئيلة مقارنة بالواقع، وأن الفيروس من خلال التغيرات التي طرأت عليه يمكن أن يعيد تأكيد نفسه بسرعة كبيرة نظراً لقلة الاحتياطات المتخذة في المجتمع.
وقبل بضع أيام من خروج مودي وفاردهان بهذين التصريحين، قام عضو الحزب الحاكم وحاكم ولاية أوتاراخند، تريفندرا سينغ راوات، بالسماح بتجمع 7 ملايين شخص في أبريل ضمن ما يعرف بكومبه ميلا، وهو حفل ديني يقام كل 12 سنة احتفالاً بدوران كوكب المشتري (بريهاسباتي). ورغم الجائحة تم السماح بالتجمعات في تناقض مع التصريحات السابقة التي أكدت الحكومة من خلالها أن تجمع كومبه والفعاليات الأخرى ستؤدي إلى تفاقم انتشار الفيروس.
وزارة الصحة نفت صحة هذه التصريحات، معبرةً عن أنها “غير صحيحة ومزيفة”. وشهد كومبه ميلا حضوراً قوياً ومسيرات قام بها القائمون على الحملة الانتخابية لمودي من أجل الانتخابات البرلمانية.
لاقت تصريحات مودي في المنتدى الاقتصادي العالمي سخرية رغم قسوتها، خصوصا أن الهند شهدت تسجيل 400000 حالة إصابة بفيروس كورونا في اليوم الأخير من أبريل/ نيسان. هذا دليل على هول الضرر والدمار الذي أصاب المنظومة الصحية. ويعتبر الإنفاق الصحي في الهند ضعيفا بشكل مهول، ممثلاً 1.3% من الناتج المحلي القومي سنة 2018. كما اعترفت الحكومة الهندية عام 2020 بأن هنالك 0.8 طبيب/ ة لكل 1000 هندي، وبأن هنالك 1.7% ممرض/ ة لكل 1000…لا يوجد أي بلد بحجم وثروة الهند لديه مثل هذا العدد المنخفض في ما يخص الأطقم الطبية.
إن الأمور تزداد سوءاً في الهند، حيث تتوفر 5.3 أسرة لكل 10000 مواطن، في وقت تعرف الصين مثلاً 43.1 سرير لنفس العدد من المواطنين. كما تتوفر في الهند 2.3 أسرة فقط للرعاية المركزة لكل 100000 (مقارنة مع 3.6 في الصين) بالإضافة إلى 48000 جهاز تنفس (يوجد في الصين 70000 جهاز في ووهان لوحدها).
يعتبر هذا الضعف في البنية التحتية الطبية نتيجة للخصخصة التي يشهدها القطاع الصحي، إذ تعمل مستشفيات القطاع الخاص وفقاً لمبدأ القدرة الاستيعابية القصوى، وليست لها القدرة على التعامل مع الأمور عند وصولها إلى الذروة. بالإضافة إلى ذلك لا تساعد نظرية الاستخدام الأمثل هذه على معالجة الزيادات المفاجئة في أعداد المرضى، لأن ذلك سيعني توفير فائض من الأسرّة وأجهزة التهوية، وهو الأمر الذي لن يقبل به أي قطاع خاص، وهذا هو السبب الحتمي لأزمة الوباء. هذا سبب آخر حتميّ لتفاقم الوباء. إن الانخفاض في الإنفاق الحكومي على الرعاية الصحية يعني إنفاقاً منخفضاً على البنية التحتية الطبية وفي أجور العاملين في الميدان الصحي. هذه طريقة سيئة لإدارة أي مجتمع حديث، سواء كان ذلك في الأوقات العادية أو غير العادية.
فيديو:كزافييه تشيتيلاميلي، الحزب الشيوعي الهندي (الماركسي) يغني نشيد الأممية باللغة الماليالامية؛ فاز بمقعده عن منطقة واداكنشيري، كيرالا.
إن حزب مودي خسر بالتأكيد الانتخابات في كيرالا (دون الحصول على أي مقعد)، كما خسر تحالفه في ولايات تاميل نادو (وعدد سكانها 68 مليون نسمة) وغرب البنغال (وسكانه 91 مليون نسمة). إن التفويض في هذه الولايات هو ضد الكارثة التي تخلفها الأنظمة الطبية التي يحركها السوق والحكومة التي تفتقر للكفاءة. يتوجب القول هنا إن هذه ليست الولايات الأساسية لقاعدة مودي الانتخابية، إذ إن تلك القاعدة تتركز أساساً شمال الهند وشرقها، ولن تحتكم لصناديق الاقتراع حتى عام آخر. لكن استمرار ثورة الفلاحين التي بدأت في نوفمبر 2020 سيؤدي حتماً إلى خلق توازن قوى في العديد من ولايات الهند الشمالية والغربية تلك، بدءاً من هاريانا ووصولاً إلى غوجارات.
ليس هناك دليل أقوى على عدم كفاءة الحكومة من الفشل الذي صاحب تدبير وضع اللقاحات، فعلى الرغم من إنتاج الهند ما يقارب 60% من اللقاحات في العالم إلا أنه حسب الأستاذ في المعهد الوطني للدراسات المتقدمة تيجال كانيكار فإنه بالمعدل الحالي للتلقيح لن تكون البلاد قادرة على توفيره للجميع إلا بحلول نوفمبر 2022. هذا يزيد من الغموض الذي يواكب الوضع الحالي… ولتخطي هذه الأزمة قدم كانيتكار ثلاثةَ مقترحات سياسية يجب اعتمادها بشكل فوري:
- اقتناء الحكومة لقاحات بشكل وافر وبأثمان معقولة ومنظمة.
- مخطط شفاف لتوزيع اللقاحات على نطاق ولايات الهند الثماني والعشرين وأقاليمها الاتحادية الثمانية؛ وذلك بتعميق النقاش بين خبراء الصحة العامة وحكام الولايات من أجل تحديد الخصاص وتدبير معدل التوريد من أجل عدالة أكبر في مختلف بقاع البلاد.
- إستراتيجيات تقودها الحكومات المحلية في سبيل الرفع من استفادة الجماهير العاملة من اللقاحات بشكل عادل، بعيداً عن التقسيمات المعتمدة على الطبقات الاقتصادية.
يعتبر هذا البرنامج منطقيا ليس فقط للهند، ولكن لمختلف بقاع العالم.
تعيش ولاية كيرالا على وقع مزاج متفائل، ما جعل الشعب الهندي يتطلع بفضول إلى الطريقة التي أدارت بها الحكومة اليسارية في الولاية الجائحة، والتي قامت من خلالها بتنزيل أجندة الشعب.
عكست كلمات الشاعر الشاب م. جيفيش روح الانتصار:
مرحبا أيتها الوردة،
لماذا أنتِ حمراء جداً؟
لقد نمت الجذور عميقاً،
ملامسة القاعدة.
هذا ما هنالك.
قبيل بضعة أيام من الانتخابات، سُئلت وزيرة الصحة بكيرالا ك. ك. شيلاجا عن وضع الوباء في الولاية، كانت إجابتها على الشكل التالي، والتي سنختم بها هذه النشرة: “أعتقد أن هناك درسين يجب أن نستشفهما من هذه الجائحة؛ الأول أن هذه البلاد في حاجة إلى تخطيط سليم وآليات لامركزية للتنفيذ من أجل الرقي بالمنظومة الصحية للبلاد، والدرس الثاني يتمثل في بروز الحاجة إلى تعزيز الاستثمار العام في الرعاية الصحية، فنحن لا ننفق سوى 1% من ناتجنا المحلي الإجمالي على قطاع الصحة، لذا وجب على الأقل رفعه إلى 10%. إن دولاً مثل كوبا تستثمر بشكل أكبر على القطاع الصحي، وقد ألهمني النظام الصحي الكوبي القائم على أطباء الأسرة عندما بدأنا مراكز صحة الأسرة هنا في كيرالا. يجب أن تكون الرعاية الصحية شاملة مع اعتماد لوائح في القطاعات الصحية، كما يجب أن يتم إيلاء اهتمام أكبر للاستثمارات الصحية على المستويات الأولية والثانوية والعالية، مع توفير تخطيط لا مركزي قائم على لوائح محددة. لقد حققت كوبا الكثير بسبب التخطيط المركزي والتنفيذ اللامركزي.. إن نظام الرعاية الصحية الخاص بها يعتبر محور اهتمامه هو الشعب والمريض، ومن خلال هذا النظام يمكن محاكاة مفهوم المساواة واللامركزية.
أنا يسارية، لكن ليس لدي تدخل في السياسة الصحية لهذا البلد في الوقت الحالي. لو كان اليسار يمسك زمام الأمور في السلطة المركزية لهذا البلد لوضعنا نصب أعيننا تأميم الرعاية الصحية والتعليم. يجب أن تتحكم الحكومة بالرعاية الصحية بحيث يحصل الجميع – فقراء وأغنياء -على معاملة عادلة”.