كرونولوجيا حراك الشعب الجزائري لإسقاط “الحكم العسكري”

مشاركة المقال

مدار+ وكالات: 22 شباط/ فبراير 2020

كانت نسخة الجزائر من “الربيع العربي” سنة 2011 مثقلة بما اصطلح عليها بعشرية الدم التي عرفتها البلاد منذ عام 1992، والتي قتل فيها نحو 200 ألف شخص، فظل شبحها يسكن الكثير من الجزائريين، بعد صراع مرير بين الجيش وحركات الإسلام السياسي؛ تفاصيلها (النسخة) خروج شبان جزائريين مدعومين بأحزاب المعارضة في احتجاجات للمطالبة بتغييرات سياسية واقتصادية واجتماعية جذرية، لم تخل من مواجهات واعتقالات، لكنها ظلت محدودة؛ إلى أن هلت الموجة الثانية الأقوى سنة 2019، التي اصطلح عليها بـ”الحراك الشعبي”، وكان وقودها الترشح المهين  للرئيس بوتفليقة لولاية خامسة.

اندلاع “الحراك الحضاري”

اندلع الحراك الشعبي الجزائري بالضبط يوم 22 شباط/ فبراير 2019 بمظاهرات ضخمة في معظم مدن الجزائر، وكان المطلب في مستهله عدم قبول ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لفترة رئاسية خامسة؛ خاصة بعدما لم تتورع العديد من الأحزاب والنقابات عن دعمها لإعادة انتخابه رغم مرضه البين الذي أقعده في كرسي متحرك وأعجزه حتى عن الكلام، منذ أُصيب بجلطة دماغية سنة 2013.

وبعد الأسبوع الأول على انطلاق الحراك الشعبي الجزائري أشاد كل المتتبعين بمستواه الحضاري الراقي رغم الغضب الكبير الذي ما انفك يعبر عنه المتظاهرون، الذين خرجوا بأعداد هائلة وبشكل منظم، ليستقر التنظيم على الخروج بمسيرات شعبية كبرى في المدن الرئيسية الجزائرية وبعض مدن المهجر، حيث تتواجد جالية جزائرية كل يوم جمعة.

وبعد الأسبوع الثالث من الاحتجاجات، أعلنَ بوتفليقة في الحادي عشر من آذار/مارس عدم عزمه على الترشح في السباق الرئاسي، وتأجيل الانتخابات التي كان من المقرر إجراؤها في 18 من أبريل/نيسان 2019، داعيا إلى تشكيل حكومة من التكنوقراط وإجراء حوار شامل قبل الانتخابات، ما اعتبروه المحتجون مكسبا منقوصا، وواجهوه بالتصعيد عبر الدعوة إلى مواصلة الاحتجاج من أجلِ إسقاط النظام وكل رموزه، بعدما قالوا إنه لا يريد من خلال قراراته إلا كسب الوقت للالتفاف على مطالب الحراك.

العصيان المدني واستقالة الرئيس

العاشر من مارس/آذار 2019 سيعرف مبادرة مهمة كان المراد منها الضغط على الحزب الحاكم للانسحاب، إذ تم إغلاق معظم المحلات والمكاتب والمؤسسات الحكومية، إلى جانبِ المؤسسات التعليمية بسببِ العطلة المبكّرة، كما انطلقت مسيرات في مناطق متفرقة في العاصمة الجزائر ومدن أخرى، وذلك استجابة للدعوة إلى إضراب عام يشلُ كل القطاعات لمدة 5 أيّام.

وتحت الضغط الهائل الذي فرضه الحراك الشعبي، خرج، في السادس والعشرين من مارس/آذار، قائد أركان الجيش الجزائري، أحمد قايد صالح، مطالبا بضرورة تطبيق المادة 102 من الدستور الجزائري، التي تنصّ على ضرورة اجتماع المجلس الدستوري وجوباً في حالة ما استحال على رئيس الجمهورية أن يمارس مهامه بسبب مرض خطير ومزمن، واختيار رئيس مجلس الأمّة للقيام بمهام رئيس الدولة لمدة أقصاها تسعون يوما؛ تنظم خلالها انتخابات رئاسية ولا يَحق لرئيس الدولة المعين بهذه الطريقة أن يترشح لرئاسة الجمهورية. وبعد يومين من ذلك، عرفا لغطا إعلاميا كبيرا، انتهت الجمعة السادسة من الحراك بتقديم عبد العزيز بوتفليقة استقالته مُرغما، وتسليم السلطات لرئيس المجلس الدستوري.

متابعة الفلول ورفض الانتخابات

تم احتجاز عدد من رجال الأعمال الأثرياء ومنع آخرين من رجال السلطة في عهد بوتفليقة من السفر؛ لينتهي مسلسل الشد والجذب على هذا المستوى بحكم القضاء العسكري يوم 25 سبتمبر/أيلول بالسجن 15 عاما على سعيد بوتفليقة، أخ الرئيس المستقيل، ورئيسين سابقين للمخابرات، ومسؤول سياسي، بتهمة “التآمر ضد سلطة الدولة”.

كما قضت المحكمة بالسجن 15 سنة في حق رئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى، وبـ12 سنة في حق سلفه عبد المالك سلال، بعد إدانتهما بالفساد، وذلك في العاشر من ديسمبر/كانون الأول؛ كما قضت بسجن عدد من المسؤولين السابقين بعد إدانتهم بالفساد.

وبسبب عدم وجود مرشحين، تحت ضغط الحراك الذي ظل يناهض الانتخابات التي دعا إليها القايد صالح، متشبثا بمطلب رحيل كل رموز النظام السابق، ألغى المجلس الدستوري في الثاني من يونيو/حزيران الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في الرابع من يوليو/تموز.

وفي منتصف سبتمبر/أيلول، أقر البرلمان الجزائري بشكل طارئ قانونا لتشكيل سلطة انتخابية “مستقلة”، وآخر لمراجعة القانون الانتخابي، ليعلن عبد القادر بن صالح، بعد ذلك، أن الانتخابات الرئاسية ستجرى يوم 12 ديسمبر/كانون الأول، وهو ما جاء به “مقترح” قائد أركان الجيش، ما ظل المتظاهرون يرفضونه قبل تطهير المشهد السياسي من فلول النظام، الأمر الذي دفع قيادة الجيش إلى تشديد لهجتها، متوعدة بمنع المحتجين من ولايات أخرى من المشاركة في تظاهرات العاصمة.

وأجريت الانتخابات الرئاسية رغم الرفض الشعبي الكبير لها، ما ظهر جليا في نسب المشاركة التي لم تصل إلى أربعين في المائة، ليتم إعلان فوز عبد المجيد تبون بها، يوم 12 ديسمبر/كانون الأول، وهو الذي سبق أن تولى مناصب رسمية في عهد بوتفليقة.

ويستمر الحراك..

وبعد وفاة الفريق أحمد قايد صالح إثر تعرضه لأزمة قلبية عن عمر 79 عاما، يوم 23 ديسمبر/كانون الأول، وبعد دعوة الرئيس الجديد المرفوضة التي وجهها إلى قادة الحراك من أجل الحوار، أعلن عبد المجيد تبون، يوم 19 فبراير/شباط 2020، تاريخ 22 فبراير/شباط الذي يصادف الذكرى الأولى لبدء الحراك “يوما وطنيا للأخوة والتلاحم بين الشعب وجيشه” تقام فيه الاحتفالات الرسمية.

غير أنه يوم 21 فبراير/شباط 2020، بعثت حشود شعبية غفيرة، بمشاركها في الجمعة الـ53 من الحراك بالعاصمة الجزائرية، في الذكرى الأولى من عمر الحراك، رسالة قوية إلى النظام العسكري، بأنها ماضية في انتفاضتها السلمية حتى تحقيق مطالبها، منطلقة في عامها الثاني من الاحتجاج.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة