“قانون حضانة” يثير جدلا حول الإجحاف في حق النساء والأطفال بالعراق

مشاركة المقال

مدار: 07 تموز/ يوليو 2021

تتذكر حنين أن قرار انفصال والديها وهي بعمر العاشرة أعفاها من معاناة يومية كانت تعيشها بعد أن تحولت حياتهما الزوجية إلى جحيم لا يطاق، لتنتقل إلى العيش في كنف أمها بحكم قانون الحضانة الذي يخول لها ذلك بعد صراع دام سنتين.

لم تطل تلك السكينة كثيرا، فما إن بلغت حنين سن 15 سنة حتى عاد الأب ليطالب بحق الحضانة من جديد، ليبدأ فصل جديد من المعاناة، ووجدت الطفلة نفسها مضطرة للوقوف أمام والديها لتختار واحدا منهما.

وبعد استشارات قانونية عرفت حنين أنها في حال اختارت العيش مع أمها ستعد “متمردة” على والدها وفق القانون، كما أنها ستحرم من حقها في النفقة؛ وبنبرة صوت بريئة يملؤها الحزن تتساءل الفتاة: لماذا أعطاني القانون حق الاختيار؟ ولماذا أصبح خيار العيش مع أمي عقوبة لي؟.

إن قصة حنين وغيرها من القصص تضع قانون الأحوال الشخصية في شقه المتعلق بحضانة الأطفال بعد الانفصال في مواجهة تناقضات صارخة تفضح نواقص عدة تشوب قوانين الأحوال الشخصية في مختلف الدول العربية والمغاربية.

ولعل الجدل الواسع الذي أثارته القراءة الأولى لمشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 المعمول به منذ سنة 1959 بالعراق مؤخرا، خاصة الفقرات المتعلقة بالحضانة بالنسبة للأزواج المنفصلين، خير دليل على ذلك.

ومن بين أهم المواد التي فتحت نقاشا واسعا تلك التعديلات المرتبطة بالمادة 57 من القانون، والمتعلقة بأحقية الأم بالحضانة بعد انفصالها عن زوجها. وجاء في النص المعدل: “الأم أحق بحضانة الولد وتربيته حال قيام الزوجية والفرقة حتى يتم السابعة من عمره ما لم يتضرر المحضون من ذلك”، محددا سنوات الحضانة في سبع سنوات على عكس النص الأصلي الذي لم ترد فيه أي عبارة تشير إلى السن. كما تعطي المادة المعدلة نفسها الحق في الحضانة للجد الصحيح أولا في حال بلوغ الطفل سن السابعة وتوفي والده أو فقد أحد شروط الحضانة، ثم إلى الأم شريطة عدم زواجها؛ وهو التحدي الآخر الذي يواجه النساء الحاضنات بحرمانهن من الزواج مرة أخرى على عكس الآباء، الذين لا يقترن حقهم في الحضانة بزواجهم مرة أخرى.

وخلفت القراءة الأولى من مجلس النواب العراقي لمشروع التعديل جدلا واسعا داخل قبة البرلمان بين النواب والنائبات. ولم يتحقق التوافق المطلوب وسط المجتمع المدني والهيئات الحقوقية، وكذا مواقع التواصل الاجتماعي؛ إذ أجمع كل المعارضين لهاته التعديلات على أنها تعد تراجعات خطيرة عن مكتسبات الحركة الحقوقية، وسابقة في التشريعات العراقية، ووصفها البعض بأنها “رصاصة غدر في جسد الحقوق والحريات”.

في السياق نفسه أورد موقع “العربي الجديد” على لسان الصحافي ‘سيف الهيتي’: “المادة الجديدة المقترحة لتعديل قانون الأحوال الشخصية متحيّزة تماماً، بشكل لا يصدق! وإلا كيف يمكن أن ينازع الجد الأم في تربيتها ابنها؟ وكيف يسمح للأب بالحضانة في حال زواجه بينما تُمنع الأم من هذا الحق؟! هذا القانون يعيدنا إلى القرون الوسطى”.

وأصدر تجمع النساء المدنيات بالعراق في الأول من يوليوز، في هذا الصدد، بيانا يوضح حيثيات التعديل المقترح وبعضا من بنوده، كما أدان المقترحات المطروحة للتعديل؛ وعرف توقيع أزيد من 600 منظمة وشخصية مدنية وسياسية.

وبخصوص مسألة استرداد الأطفال من الأم في حالة زواجها بآخر مخافة “تحرش زوج أمهم بهم”، أعرب تجمع النساء المدنيات عن استغرابه الشديد من مخاوف أصحاب مقترح التعديل من تعرض الإناث للتحرش من قبل زوج الأم، مردفا: “جوابا عن تلك الترهات نقول: إن هذه العقلية ذكورية بحتة غير مرتبطة بالشريعة الإسلامية بتاتا، ونحن نشدد على استغرابنا من موافقة لجنة المرأة والطفل على تعديل هذه المادة والفقرات الثماني بالصيغة الحالية”.

وأشارت الوثيقة ذاتها إلى مخاوف النساء من تعامل زوجات الآباء مع أطفالهن، وتساءلت عن ضمانات عدم تعرضهم للأذى وتمتيعهم بتربية جيدة من قبلهن، ما اعتبرته “استهدافا للمرأة العراقية وتضحياتها في ظل الحروب والحصار والاحتلال والطائفية ومعاناتها من الفساد الذي ينخر الدولة…”.

كما استنكرت الهيئة نفسها “المساعي الحثيثة للنائب حسين العقابي (عضو كتلة الفضيلة النيابية) واللجنة القانونية النيابية التي أرجأت تقديم هذا التعديل من قبل، إلى حين أخذ رأي القضاء والمراجع الدينية بمختلف توجهاتها، وعادت دون حياء ودون مشورة القضاء والمراجع الدينية بمختلف مشاربها وطرحته ووافقت على صيغته الحالية”، وفق تعبيرها.

وبعد صدور البيان المذكور والتأييد الذي عرفه، انطلقت قبل ثلاثة أيام حملة إلكترونية لجمع مليون توقيع إلكتروني تعبيرا عن رفض انتزاع حق الحضانة من الأم، وانتشر وسما: “أطفالها من حقها”، و”لا لتعديل المادة 57″، على نطاق واسع بالعراق.

وفي السياق ذاته دعت “رابطة المرأة العراقية” الشعب العراقي والمنظمات المدنية إلى الخروج للشارع والتظاهر ضد هاته التعديلات المجحفة في حق النساء العراقيات، وذلك اليوم الأربعاء 7 يوليوز بكل من بغداد والناصرية، و8 يوليوز بالنجف و9 يوليوز بكل من كوت، كركوك والبصرة.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة