في ذكراها التاسعة..الثورة الليبية تأكل أبناءها في حرب نفوذ دولية

مشاركة المقال

مدار: 10 كانون الثاني/ يناير 2020

أدت السيرورة الثورية الليبية إلى إسقاط رأس النظام في 23 أكتوبر تشرين الأول 2011 ، وذلك بعد أداء تكلفة باهظة كانت عملتها الدم الليبي، إذ قتل أكثر من ثلاثة آلاف مواطن، إلا أن تأسيس الدولة الديمقراطية المنشودة من حشود الثوار لم يتحقق بعد ما يقارب تسع سنوات، إذ لازلت البلاد تعيش على وقع الحرب الأهلية، التي تؤجج نيرانها أطراف خارجية يسيل لعابها على النفط الليبي خاصة.

إذن لازال حلم بناء الدولة الحديثة الذي راود الليبيين، وشرعوا في تنزيله على أرض الواقع قبل فتور أفراح نجاح ثورة 17 فبراير/شباط، وذلك بانتخابهم برلمانا مؤقتا ليتسلم السلطة من المجلس الوطني الانتقالي في 7 يوليو/تموز 2012، (لازال) متعثرا، خاصة بعد إعلان العقيد المتقاعد خليفة حفتر بدء ما سماها “عملية الكرامة”، والسيطرة على أحياء في مدينة بنغازي، مؤكدا أنها تهدف إلى إنقاذ البلاد مما وصفه بـ”الإرهاب”، وإنهاء هيمنة “المتشددين الإسلاميين” على مفاصل الدولة؛ وفي المقابل يقول خصومه إنه يقود محاولة انقلاب وثورة مضادة لإلغاء مكتسبات ثورة 17 فبراير، التي حملت إجراء أول انتخابات تشريعية في تاريخ البلاد. وكانت هذه البداية فقط لوضع لا يزيد إلا تعقيدا وتشرذما.

على ثفال رحى الحرب

في جرد سريع للأضرار التي خلفتها الحرب فقط من شهر فبراير/شباط عام 2015، جاء في موسوعة ويكيبيديا أن الضرر تمثل في الانقطاع المتكرر للكهرباء، وانخفاض كبير في النشاط التجاري والصناعي، وخسارة في عائدات النفط بنسبة تقدر بــ 90٪؛ فضلاً عن أكثر من 3000 شخص لقوا حتفهم في القتال. وتزعم بعض المصادر أنه فرّ نتيجة المعارك والاشتباكات نحو ما يقرب من ثلث سكان البلاد بشكل أساسي إلى كل من تونس ومصر كلاجئين.

في أغسطس 2016، تضمن تقرير للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أن المصدر الأول لانتشار العنف في البلاد هو فوضى السلاح بين المدنين، إذ أدى إلى إضعاف فرص الحل السلمي للخروج من هذه الأزمة.

وبسبب هذه الأعمال العدائية المسلحة نزح حوالي 350 ألف شخص داخليا، بينما هاجر 270 ألفا إلى أوروبا في الفترة ذاتها. ويعاني أكثر من 1.3 مليون من انعدام الأمن الغذائي. و2.5 مليون شخص يحتاجون إلى مساعدات إنسانية. وذكر التقرير أنه تم تعطيل 60% من المراكز الصحية، بالإضافة إلى أن 9% يعانون من الأمية، وأشار إلى أن هنالك 95% من النازحين فروا بسبب النزاع المسلح.

صراع دولي على أرض ليبية

أواخر نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي تم توقيع اتفاقيتين بين حكومة الوفاق الوطني وتركيا، ينص الأول على إمكان تقديم مساعدة عسكرية تركية للتصدي لقوات حفتر، في حين ينص الثاني على ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا؛ وهذا بينما تسعى حكومات السعودية والإمارات ومصر، الداعمة لحفتر، إلى جانب روسيا التي دخلت قواتها على الخط مؤخرا، إلى عرقلة هذا التدخل، مطالبة الأمم المتحدة بالتدخل لمنع التدخل التركي.

وقال موفد الأمم المتحدة إلى ليبيا، غسان سلامة، في تصريح صحافي، إن “هناك مرتزقة من جنسيات عدة -بينهم روس- وصلوا لدعم قوات حفتر في طرابلس”.

وفي رسالة عرض نواب “فرنسا غير الخاضعة” في مجلس النواب، الأسباب التي دفعتهم إلى طلب تحقيق بخصوص حضور وعمل فرنسا في ليبيا، موردة أن “حقيقة عمل فرنسا تظلّ غير شفافة؛ وهكذا في 14 أبريل/نيسان 2019 تم اعتراض موكب فرنسي ينقل ترسانة أسلحة هامة على الحدود الليبية التونسية”. وبررت الحكومة الفرنسية هذه الأسلحة بأنها للسفارة الفرنسية في طرابلس، “حيث لا تسمح الوضعية المتردية بالحفاظ عليه”.

هذا العرض المختصر، الذي ساق بعض الدول التي تتورط في الصراع الليبي، ومنها إيطاليا أيضا التي تدعم حكومة الوفاق الوطني وتتهم فرنسا بزعزعة الاستقرار في ليبيا، يبين إذن حجم التهافت الدولي على بسط النفوذ على الشأن الداخلي الليبي، والذي تفوح منه رائحة النفط، أهم ثروات الشعب الليبي الطبيعية؛ ما يفسر طول مدة الحرب التي أجهضت أهداف الثورة الليبية.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة