في الطابع الأممي للنضال من أجل الحقوق الإنجابية

مشاركة المقال

القمة العالمية للشعوب*/ مدار: 01 تشرين الأول/ أكتوبر 2021

ملاحظة: نشرت هذه الورقة لأول مرة يوم 28 أيلول/ سبتمبر 2021.

تمت مأسسة حاجة الرأسمالية إلى إعادة إنتاج القوى العاملة ورعايتها أثناء إنشاء الدولة الحديث، التي شرعنت للحتمية البيولوجية للمرأة تجاه المنزل، الأمومة، والمجال الخاص لإعادة الإنتاج الاجتماعي؛ ومنذ ذلك الحين، تنظمت نساء العالم، ويناضلن من أجل مفهوم المواطنة الذي لا يستبعد النساء أو المهاجرين أو الـ LGBTQ (المثليات والمثليين ومزدوجي التوجه الجنسي والمتحولين جنسيا أو من ليسوا من الجنسين: ndlr) أو اللواتي والذين يعانين من العنصرية؛ وفي خضم هذا النضال، سرن على درب الديمقراطية وأنجزن ثورات، وبالإضافة إلى ذلك يطوّرن النظرية والممارسة اللتين تغيران العالم.

لقد عرف هذا المسار منعطفات وتعرجات وسط دروب النضال والمقاومة. وبمناسبة اليوم الأممي للنضال من أجل الحق في الإجهاض الآمن، المجاني والقانوني، تشارك النساء من مختلف أنحاء العالم أفكارهن حول هذه القضية المحورية.

وجاء هذا اليوم النضالي الأممي، مثل العديد من المناسبات الأخرى، من القسم الجنوبي للكرة الأرضية؛ ففي سنة 1990، انعقد اللقاء النسوي الخامس لبلدان أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي في الأرجنتين، وتم توجيه الدعوة أيضا إلى فعاليات من جميع أنحاء العالم، بغرض الاشتغال الأممي المشترك على مشروع تحرير النساء ومختلف ذوي التوجهات الجندرية/النوع، ولمكافحة الوفيات نتيجة العمليات السرية وتجريم الإجهاض والفقر اللذين يدفعان العديد من النساء إلى حمل غير مرغوب فيه.

 اليوم 28 أيلول/ سبتمبر هو يوم للعمل على مستوى العالم على أن توضع في مركز النقاش قضايا استقلالية النساء وحقهن في التصرف في أجسادهن، والوصول إلى الرعاية اللازمة للتصرف بناء على إرادتهن الخاصة.

هناك فروق هائلة على المستوى العالمي حين يتعلق الأمر بالحقوق الجنسية والإنجابية، إذ تسمح التشريعات في بعض الدول بالإجهاض خلال فترة قانونية محددة (تصل إلى 14 أو 22 أسبوعا.. إلخ)، وهناك قوانين أخرى تسمح بهذا الإجراء الطبي في حالات محددة فقط (إمكانية بقاء الجنين على قيد الحياة، الاغتصاب، أو خطر يهدد حياة الأم)؛ وفي مناطق أخرى فإن القانون يجرم إجراء أو المساعدة على القيام بالإجهاض، ويمكن أن يؤدي الأمر بهؤلاء النساء إلى السجن. إن ثلث دول أمريكا اللاتينية تجرّم الإجهاض بشكل قاطع، ففي السلفادور، هندوراس، نيكاراغوا، جمهورية الدومينيكان وهاييتي، تواجه النساء السجن حتى حين يحدث لديهن الإجهاض بشكل عفوي. وتعبر حالة ماريا تيريزا ريفيرا، وهي امرأة سلفادورية تعيش في السويد، وهي أول حالة لجوء معروفة مرتبطة بحقوق الإجهاض، (تعبر) عن حالة اضطهاد شديدة وكيف يتم تجريم أجساد النساء.

وعلى الرغم من كل الفروق، يبقى الإجهاض والعدالة الإنجابية من القضايا الطبقية التي تحمل في طياتها قدرًا هائلاً من الوصم الاجتماعي، ويظلان في قلب الصراع ضد التقاليد الرجعية والمحافظة الدينية واليمين المتطرف.

وفي العديد من البلدان، تمحور النضال من أجل العدالة الإنجابية حول إقرار القوانين التي تشرعن لهذا الإجراء الطبي، ومع ذلك تصر المناضلات والمناضلون عبر العالم على نضال أوسع وأشمل. وأبرزت نالو فارياس، من المسيرة العالمية للنساء، أن الأمر “لا يتعلق بقانون الإجهاض فقط، هناك صورة أكبر: تأثير النيوليبرالية على حقوق النساء”.

ويأتي هذا النضال تزامنا مع التراجع اليومي الحاصل في ولوجية الرعاية الصحية، الخدمات العامة، برامج دور الحضانة، الشغل والسكن اللائق، ما يؤثر بشكل مباشر على النساء اللواتي يتولين الرعاية اليومية للأسرة.

 وأوضحت باربرا تاسوني، من منظمة “بوتيري أل بوبولو” (السلطة للشعب) اليسارية الإيطالية: “قد يضمن القانون الرعاية الصحية للجميع، لكن الخصخصة المستمرة للنظام الصحي تجعل توفير الرعاية الأساسية أمرا بعيد المنال، وهذا الوضع هو الذي يحدد واقعنا كنساء شابات ويحول بيننا وبين أن نتمتع بالأمومة الحرة والمرغوب فيها والخالية من المخاطر”.

النضال من أجل الاستقلالية

يناضل كل جيل من النساء ضد الدولة ويضغط من أجل إقرار قوانين تضمن للنساء حقهن في الاستقلالية، بغية تعزيز حقوقهن، لكن التاريخ أثبت أن كل هذه الإنجازات تصبح على المحك كلما أصابت الأزمات الرأسمالية، مثل تلك التي تسارعت مع وباء كوفيد 19، ما يظهر مدى هشاشة انتصاراتنا.

إن الهجوم العالمي والمنسق من طرف جماعات يمينية ويمينية متطرفة ودينية، تعارض صراحة الحق في الاختيار، قد استهدف وأضعف الحقوق التي تم تحقيقها سابقا. وفي العديد من البلدان يقومون بعرقلة تطبيق القوانين القائمة، ويمنعون أو يعرقلون الوصول إلى وسائل منع الحمل والإجهاض المتوفرة، ويعيقون التربية الجنسية في المدارس؛ كما يعتبر خطاب التوجه اليميني أن النساء أدوات للتحولات الديموغرافية، ما يؤجج المخاوف من التزايد السكاني للأقليات غير المرغوب فيها، وهي أفكار تخترق أجندة التوجهات اليمينية، المنظمات الدينية والأحزاب المحافظة في بلد مثل بولندا. إن الفصل بين الدولة والدين يعد أحد القضايا الرئيسية التي تمكننا من تحليل أوضاع الحقوق الإنجابية للمرأة. وسنة 1965، أصبحت تونس أول بلد إسلامي يسن قانونا للإجهاض.

وحاليا، تقع ولاية تكساس في الولايات المتحدة في مركز سياسات الإجهاض مع قانون SB8، الذي يحظر جميع عمليات الإجهاض بعد 6 أسابيع من حدوث الحمل، وفي الواقع، يعني هذا حظرًا شبه كامل على الإجهاض نظرا لأن معظم النساء لا يعرفن أنهن حوامل إلا بعد الأسابيع الستة الأولى من حدوث الحمل. وأوضحت ليان فليحان، عن منتدى الشعب في نيويورك، أن “شرعنة الإجهاض جاءت على أساس مفهوم الخصوصية، والتعامل مع حقوق النساء كقضايا شخصية، لهذا، من الناحية النظرية لدينا الحق الخاص لاختيار مستقبل حملنا”. وفي الولايات المتحدة، الأساس القانوني الوحيد الموجود لإثبات الوصول إلى الإجهاض هو حكم جين رو في مواجهة هنري وايد الذي صدر سنة 1973.

 وأبرزت فليحان أن هذا الوضع “إشكالي جدا،  لأنه يسمح بأن يتم تأويله بشكل متباين من قبل حكومات الولايات المختلفة، ما يؤدي إلى وصول متباين جدا بين مختلف مناطق البلاد بناء على الحزب الحاكم”. وعلى سبيل المثال، عندما يتم تفسير القانون بطريقة محافظة ويسمح بالإجهاض فقط في حالات محددة جدًا أو لا يُسمح به على الإطلاق، يتم إغلاق أو إلغاء تمويل المنظمات والعيادات التي تقدم الخدمات الصحية للمجتمعات المهمشة والنساء المعوزات.

وحتى في الأماكن التي توجد فيها قوانين تضمن الحق في الاختيار، تواجه الكثير من اللائي يرغبن في القيام بعملية الإجهاض بالأبواب الموصدة من طرف المسؤولين الإداريين المحليين أو الأطباء. وحسب أدا دونّو، عن الاتحاد النسائي العالمي الديمقراطي، فإنه في إيطاليا “تسمى إمكانية رفض إجراء الإجهاض بـ ‘الاستنكاف الضميري’، الذي يستخدمه 70 إلى 80 بالمائة من أطباء أمراض النساء”. الوضع مشابه كذلك بإسبانيا، حيث قالت نورة غارسيا: “ليست لدينا حتى الأعداد الفعلية لهؤلاء الأطباء المستنكفين في منطقة مدريد على سبيل المثال، التي تم حكمها من طرف الجناح اليميني لأكثر من 25 سنة. ما نعلمه أنه تم إجراء ما يناهز 16330 عملية إجهاض سنة 2019، لم يجر أي منها في المنظومة الصحية العامة”. هذا يدل على أن تفعيل حقوقنا هو مسألة إرادة سياسية، لأنه من المفترض أن إسبانيا لديها واحدة من أكثر السياسات تقدمًا في أوروبا. وفي ألمانيا، يجب الحصول على موافقة الطبيب من أجل إجراء عملية الإجهاض بعد الخضوع لفحص عقلي.

إن حراس المعبد ليسوا أطباء النساء المتدينين، والحكومات الإقليمية، والأطباء النفسانيين فقط، بل يمكن أن يكونوا ملوكا أيضا، ففي المغرب، الملك محمد السادس هو الحكم بنفسه في كل الحقوق والقرارات المتعلقة بالنساء في البلد. وفي العديد من البلدان فإن “المواطنين المهتمين” والجمعيات المحلية “المؤيدة للحياة” يمارسون الضغط والعنف أمام العيادات النسائية على المستخدمين والمرضى دون أن تتم معاقبتهم، وفي الآن نفسه يتلقون تمويلا من المال العام للتصرف ضد أحكام القانون.

عندما يتم توظيف مصطلح “حمل المراهقات” على الفتيات الأصغر من 14 عامًا، ويصبح الوصول إلى الإجهاض صراعًا بعد فوات الأوان، إضافة إلى غياب التربية الجنسية، والاختلال الشديد في ميزان القوى بين الجنسين (ما يجعل مفهوم الموافقة موضع نقاش)، ووصم العار الاجتماعي حول أجساد النساء بشكل عام والفعل الجنسي بشكل خاص، فإن ذلك يثبت أن النضال من أجل استقلاليتنا هو الكفاح من أجل اتخاذ قرارات مستنيرة.

 إن هذا واضح جدًا في سياق العديد من البلدان الإفريقية، حيث توضح زيكونا من الأفريقانية اليوم أن “التربية الجنسية هي معرفة أساسية جدً، تحتاجها النساء المنتميات إلى الطبقة العاملة، وكذلك جميع الفئات العمرية”، مضيفة: “نحتاج إلى التحدث إلى المراهقات حول الدورة الشهرية، وإلى النساء البالغات حول الأمراض المنقولة جنسياً، وأيضًا عن انقطاع الطمث. لا يمكن لجسمنا أن يكون لغزا لا نتحدث عنه علنا. يجب أن يكون هذا من أولويات الحكومة مع وجود سياسات ملموسة في جميع البلدان الإفريقية”.

وفي أمريكا اللاتينية، كان هناك رد يميني واضح ومناهض للحقوق في جميع أنحاء القارة بعد الانتصارات التي كرست عمليات الإجهاض الآمن في أوروغواي (2012) وتشيلي (2017) والأرجنتين (2020) والمكسيك (2021). وتعليقا على ذلك، قالت لاورا كابوت وأوغوستينا بيتيس، عن حركات ألبا: “إنها جزء من الإستراتيجيات المنتشرة في المنطقة لوقف أو اجتثاث المقترحات التحررية. في الأمريكتين، نواجه مواقف يومية مثل حالة الطفلة البرازيلية البالغة من العمر 10 سنوات، التي كانت حاملا بعد تعرضها للاغتصاب، وحاول وزير المرأة والأسرة وحقوق الإنسان في حكومة بولسونارو منعها سنة 2020 من الوصول إلى الإجهاض القانوني”.

إن هذه التشكيلة الواسعة من حراس المعبد مجرد ملمح من الفكرة السائدة عن أن عقول وأجساد النساء يجب أن تخضع للسيطرة في ظل نظام رأسمالي ونيوليبرالي، وهذا ما يجعل أن حقوق النساء تشكل تهديدا كبيرا للنظام العالمي الحالي. ولهذا السبب تكاثف الكثيرون معًا في هذا النضال، فكل انتصار في أي مكان في العالم، مثل ما تحقق في الأرجنتين خلال السنة الماضية، أو المكسيك في سبتمبر/ أيلول، حيث التشريع الجديد للإجهاض ينص على أن “الاستنكاف الضميري” لا يمكن أن يعيق حقوقنا، كما أن تأييد 77 بالمائة للإجهاض خلال استفتاء في سان مارينو الإيطالية أعطى زخما أكبر لهذا الكفاح العالمي.

تجريم الإجهاض لا يمنع حدوثه

إن عدم شرعنة الإجهاض لا يعني أن الإجهاض لن يحدث. وعلى سبيل المثال، يتم إجراء ما بين 500 و800 عملية إجهاض سرية كل يوم بشكل غير قانوني في المغرب، وما يترافق مع ذلك من مخاطر. ويعبّر الشعار الأرجنتيني “التربية الجنسية لاتخاذ القرار، منع الحمل لتجنب الإجهاض، والإجهاض القانوني لتجنب الموت” عن ثلاثة مطالب رئيسية للنساء في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، هناك حاجة إلى تحليل أعمق لفهم وبالتالي مواجهة جذور الاعتداءات على حقوق النساء والأشخاص من باقي الهويات الجنسية. يجب أن تكون الحركات النسائية عبر العالم جزءًا من التحالف العالمي الذي يناضل من أجل تحويل مركز المجتمع من السوق نحو الحق في الحياة والتحرر والحرية.

* تمت كتابة هذا المقال بشكل مشترك من طرف نساء من جميع أنحاء العالم، في إطار المجموعة النسائية للقمة العالمية للشعوب.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة