فيضانات الهند بين الخسائر البشرية وتدمير محاصيل المزارعين

مشاركة المقال

مدار + مواقع: 30 تشرين الثاني/ نونبر 2021

عاشت الهند طيلة الأيام الماضية على وقع وضع كارثي خلفته الأمطار الغزيرة التي عرفتها البلاد، وتسببت في العديد من الخسائر المادية والبشرية.

وشهد الأسبوع الماضي أمطارا غزيرة في الهند، وخصوصا في المناطق الجنوبية، راح ضحيتها ما يزيد عن 35 شخصا، فيما مازال العشرات في عداد المفقودين. كما كانت الأمطار وراء تدمير منازل وغرق طرقات، وفقا لتصريحات السلطات الرسمية.

وكانت الأمطار في وقت سابق من هذا الشهر تسببت في وفاة 16 شخصا على الأقل في ولاية تاميل نادو، في حين غمرت المياه أجزاء كثيرة من عاصمة الولاية تشيناي. ووفق المسؤولين الحكوميين فإنهم قد استخدموا المضخات لتصريف المياه في بعض المجتمعات، حيث تقطعت السبل بالسكان.

أسباب اجتياح المياه للمدن بشكل متكرر

تعتبر مدينة تشيناي من المدن الأكثر تضررا من الفيضانات، وبشكل متكرر، فقد شهدت خلال الأيام الماضية غمر المياه لشوارعها والمناطق السكنية والطرق، كما يستمر ركود المياه في العديد من المناطق حتى بعد مرور أربعة أيام من توقف الأمطار، ما أثار لدى المواطنين والمتداخلين في المدينة جدلا حول تحديد المسؤوليات ومدى إمكانية إيجاد حل دائم.

ووجهت الاتهامات بشأن ما وصلت إليه المنطقة إلى حكومات هذه الولايات، بالإضافة إلى شركة تشيناي الكبرى (GCC). كما أثارت الأحداث الأخيرة صداما بين حزبي درافيدان (حزبان مبنيان على تجميع المؤيدين الذين يتكلمون اللغة نفسها في هذه المنطقة)، اللذين يحكمان الولاية منذ عقود.

كما يعتبر السكان أنه رغم صرف السلطات، على مدار الخمسة عشر عاما الماضية، أزيد من ملياري دولار على مياه الأمطار والبنية التحتية ذات الصلة، إلا أن الوضع لم يشهد أي تغيير لإنقاذ المدن من الفيضانات.

وفي وقت يشير الخبراء بأصابع الاتهام إلى نقص التخطيط في بناء مصارف لمياه الأمطار و تلويث المسطحات المائية، تشير منظمات مكافحة الفساد إلى ممارسات فاسدة تزيد من مشاكل سكان تشيناي.

فقدان البدائل الطبيعة لتصريف المياه

اشتهرت مدينة تشيناي في ما مضى بمسطحاتها المائية العديدة التي تمتد من الشمال إلى الجنوب، كما تلعب الأنهار الحضرية الثلاثة: Kosasthalaiyar في الشمال، Cooum في الوسط، وAdayar في الجنوب، دورا مهما في نقل مياه الأمطار؛ بالإضافة إلى تواجد قناة باكنغهام التي تمر من المدينة الرئيسية بالتوازي مع الساحل وتربط الأنهار. كل هذا بجانب أن المدينة كانت تحتوي على قنوات رئيسية وثانوية جنبا إلى جنب مع مئات المسطحات المائية.

لكن النمو السريع الذي تشهده المدينة جعل تلك المسطحات المائية ملوثة وغير لائقة أكثر فأكثر.

في هذا السياق يقول جيارام فينكاتسان، من منظمة أرابور إياكام لمكافحة الفساد، في تصريح لنيوز كليك: “لم نتعلم أي شيء حتى بعد الفيضانات الهائلة والمدمرة عام 2015، فرغم العديد من الدراسات والتقارير المقدمة للحكومة، لم يتغير شيء بعد ست سنوات”، مضيفا: “بصرف النظر عن الأنهار والقنوات، توجد بالمدينة مئات المسطحات المائية لتخزين المياه، ويمكن أن تكون بمثابة أنظمة طبيعية لتجميع مياه الأمطار. لكن ولسوء الحظ فإن الجهود المبذولة لاستعادة المسطحات المائية وفهم أهمية هذه الوحدات بالغة الأهمية غير موضوع ضمن تفكير المدبرين للشأن العام في الدولة”.

يعتقد سانداراجان، أحد الفاعلين في المنطقة، أن تشيناي فقدت نظام الصرف الطبيعي بسبب التحضر السريع، لكنه في الوقت نفسه يؤكد أنه “لا ينبغي أن نختبئ وراء تغير المناخ بسبب أنظمة الصرف السيئة”، وزاد موضحا: “بعد عام 2015، كان من المفترض إعادة تصميم جميع أنظمة الصرف لتحمل 10 سم من الأمطار في غضون ساعتين، وفي هذا الإطار زعمت الحكومة السابقة أنها أنفقت ما يقارب المليار دولار للتخفيف من الفيضانات، لكننا لا نرى أي تغيير على الأرض”.

تأثير الفيضانات على الموسم الزراعي

بعد الأمطار الغزيرة، أصبح يسود نوع من اليأس لدى المزارعين. أخبر سينغ موقع نيوزكليك أن مناطق Jind وRohtak وSonipat وPanipat وسط هاريانا شهدت هطول أمطار غزيرة في الأسابيع الأخيرة من شهر أكتوبر والأسبوع الأول من شهر نوفمبر من هذا العام، ما تسبب في أن أصابت هذه الأمطار المفاجئة المحاصيل بشدة، إلى درجة أن المزارعين لم يتمكنوا من استخراج أوقية واحدة من الأرز.

وكان رفقاء سينغ يتوقعون أن المياه ستتبدد قريبا بشكل سريع، ما سيمنحهم المجال لزرع القمح قصد تغطية خسائرهم، ومع ذلك تلاشى هذا الاحتمال الآن، إذ ظلت المزارع مغمورة.

يقول سينغ، وهو يعرض الوضع الذي ترزح تحته مزارعه، إن المشكلة بدأت عام 2014، عندما لاحظوا لأول مرة أن مياه الأمطار لم تتسرب إلى الأرض وتضر بالمحاصيل، وزاد: “عندما بدأ الأمر لأول مرة وجدنا أن عددا قليلا فقط هم من لديهم هذه المشكلة، لكن ومع مرور السنين تفاقمت المشكلة مع استمرار غمر المزيد من الأراضي. واصلنا حياتنا لأننا تمكنا من الحصول على بعض المنتجات كل عام، لكن هذا العام فقدنا جميع المحاصيل، ونظرا لأننا توقعنا تلف المحصول، قمنا بتأمينه كل عام”.

وأضاف سينغ: “حتى عندما أصابتنا الطبيعة بشدة فقد زادت الحكومة من العراقيل أمامنا بإضافة شرط عدم حصولنا على أي تعويض إذا تضررت المحاصيل بسبب التشبع بالمياه. بعد أن بذلنا الجهد واستثمرنا كل أموالنا، نواجه السخرية والإذلال المطلق الآن!”.

“بعد اعتماد مركز برادهان مانتري فاسال بيما يوجنا كهيئة تابعة لوزارة الفلاحة مكلفة أكثر بالتأمين، أصدر إخطارا عام 2019 يفيد بأن المزارعين لن يكونوا مؤهلين للحصول على أي تعويض إذا تأثرت المحاصيل بالتشبع بالمياه. وتنص الإرشادات التوجيهية لبرادهان مانتري فاسال بيما يوجنا على موقعه الإلكتروني الرسمي على أن ‘خطر الإغراق لا ينطبق في حالة المحاصيل المحبة للماء”، يورد سينغ.

سينغ، وهو من سكان قرية كارسولا في منطقة jind، يؤكد أن السكان فقدوا ما يزيد عن 2000 فدان من المزارع بسبب التشبع بالمياه، ولم يأت أي مسؤول حكومي لتقييم الوضع. “كانت لدي محاصيل في مزرعتي التي تبلغ مساحتها 30 فدانا مؤمنة، لكني لم أحصل على فلس واحد حتى الآن! أنا أدفع حوالي 700 دولار كتسبيق كل عام، إذا لم يتمكنوا من دفع التعويض، فلماذا يقتطعون الأموال من حسابي المصرفي”، يقول سينغ، مضيفا: “إن المزارعين المستأجرين هم الأكثر تضررا لأنهم يستثمرون حوالي 650 دولار في الإيجار، ومبلغ مماثل على المدخلات، بما في ذلك العمالة والمبيدات الحشرية ومبيدات الآفات ومبيدات الأعشاب والأسمدة على الأرز والقطن، ومع ذلك لا يوجد دخل. لا نعرف كيف نتعامل مع هذا الوضع، هل يجب أن نستهلك السم أم ننتحر؟”.

وتحدث الدكتور بالجيت بايان، العالم والمسؤول السابق عن البستنة في المنطقة، الذي راقب عن كثب ظاهرة التشبع بالمياه وتلف المحاصيل، لموقع نيوزكليك، عن أن تغير المناخ يدمر المحاصيل في الولاية، وعن أن الصمت المحسوب للحكومات والشركات متعددة الجنسيات يزيد من حدة الأزمة؛ ويقول: “إن تلف المحاصيل في هذه المنطقة له عاملان: التشبع بالمياه ودودة اللوز الوردية. نحن نلاحظ نمط هطول الأمطار في وقت غير مناسب في المنطقة”، وزاد موضحا أن “المياه الجوفية شديدة الملوحة في هذه المنطقة، ولا ينبغي استخدامها للزراعة، لكن ونظرا لعدم وجود مصدر آخر للمياه لأغراض الري يستخدم المزارعون المياه الجوفية من خلال بئر أنبوبي”.

ويعتبر المتحدث ذاته أن “هذه المياه أضرت بالتربة، وبالتالي فقدت قدرتها على الامتصاص، وهذا هو السبب في أن الماء لا يمكن أن يتسرب إلى أسفل الأرض”، مردفا: “لذلك سيتعين على المزارعين تغيير نمط الزراعة، سواء من خلال الري بالتنقيط أو الرش، اعتمادا على توفر مياه الري”.

وبالنسبة للسبب الثاني تحدث الدكتور بالجيت عن البذور غالية الثمن التي تباع للمزارعين على أساس أنها مقاومة للتشبع بالمياه لكنها عكس ذلك، متابعا: “لذلك يجب على الدولة أن تتدخل من أجل تنتشل المزارعين من أنياب الشركات متعددة الجنسيات التي تقوم بامتصاص أموال المزارعين، وفي نفس الوقت يجب على المزارعين أن يعوا أنهم ليسوا بحاجة لهذه البذور وبإمكانهم السيطرة على الخطر دون إنفاق الآلاف من أموالهم التي حصلوا عليها بشق الأنفس على المبيدات الحشرية ومبيدات الآفات”.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة