فنزويلا.. هذه مفاتيح فوز اليسار في الانتخابات المحلية والإقليمية

مشاركة المقال

مدار: 25 تشرين الثاني/ نونبر 2021

لم تكشف نتائج الانتخابات المحلية والإقليمية في فنزويلا عن أي مفاجئات، لكنها أكدت هشاشة موقف المعارضة المدعومة أمريكيا، وأضفت الشرعية على السياسات الاجتماعية لحكومة مادورو. في هذا التحليل، يستعرض “مدار” مفاتيح فوز اليسار الفنزويلي في استحقاقات وصفها متابعون بمربط الفرس في ما يخص السياسات المستقبلية للحكومة البوليفارية.

ودعي الناخبون الفنزويليون إلى الإدلاء بأصواتهم في الاستحقاقات المحلية والبلدية يوم الأحد 21 تشرين الثاني/ نونبر، وحسب المجلس الوطني الانتخابي، حصل الحزب الاشتراكي الموحد على رئاسة 20 ولاية من أصل 23، بالإضافة إلى العاصمة كاراكاس، بنسبة مشاركة تجاوزت الـ 41 بالمائة، أي ما يناهز 8151793 مواطنا، وفق ما أشار إليهمدارسابقا؛  وبذلك يكون الشعب الفنزويلي وضع الثقة في القطب الوطني الكبير، وهو ائتلاف واسع للقوى الشعبية الفنزويلية، يقوده حزب نيكولاس مادورو.

هذه الاقتراعات اكتسبت طابعا خاصا، ليس لأنها أجريت في ظل أزمة صحية عالمية بالغة التعقيد فحسب، وما يطرحه ذلك على المنظمين من تحديات كبيرة للحيلولة دون انتشار فيروس كورونا، بل لأنها أيضا تهم انتخاب 23 حاكما و335 رئيس بلدية و253 مشرعًا و2471 مستشارا، وما تتطلبه من استعدادات تنظيمية وسياسية؛ دون نسيان تأثيرات الحصار الأمريكي أحادي الجانب على الجمهورية البوليفارية.

وفي تصريح خاص لـ “مدار”، أخبرنا مانولو دي لوس سانتوس، الباحث في معهد القارات الثلاث للبحوث الاجتماعية، والمتابع لقضايا أمريكا اللاتينية، أن هذه الانتخابات شهدت “أكبر مشاركة لأحزاب المعارضة منذ سنة 2006”. وبالنسبة لمخاطبنا فإن النتائج وقعت على “انتصار تاريخي لليسار”، بعد فوز الاشتراكي الموحد برئاسة 20 ولاية من أصل 23.

وبالنسبة لليوناردو فلوريس، الخبير في سياسات أمريكا اللاتينية، والناشط في حركة كود بينك، فإن السياسة الرشيدة للحكومة الفنزويلية في قطاعات الصحة والسكن والغذاء كانت هي المفتاح الأول الذي مكن الاشتراكي الموحد من تصدر الانتخابات، إذ كان التعامل من طرف الحكومة مع أزمة كورونا جيدا، فبينما كانت تتوقع واشنطن أن يغرق النظام الصحي الفنزويلي، المرهق بالعقوبات، في وحل الفيروس التاجي، إلا أن فنزويلا سجلت 15 ألف حالة إصابة و180 حالة وفاة لكل مليون نسمة؛ ولفهم دلالات هذه الأرقام يمكن مقارنتها مع تلك التي تم تسجيلها في الولايات المتحدة، إذ سجلت 146 ألف إصابة و2378 حالة وفاة من كل مليون نسمة، أما البرازيل فسجلت 103 آلاف إصابة و2854 حالة وفاة من كل مليون نسمة.

وبخصوص الإسكان، قامت الحكومة البوليفارية بتشييد 3.7 ملايين منزل، موجه لعائلات الطبقة العاملة، على مدى السنوات العشر الماضية، تم تسليم معظمها إلى أصحابها من طرف إدارة مادورو، رغم وطأة الحصار. أما التغذية فكانت فنزويلا لتنهار لولا البرنامج الاجتماعي الأكثر أهمية خلال السنوات الأخيرة، ويتعلق الأمر ببرنامج “الكلابس”، وهو سياسة لتوزيع صناديق تضم المواد الغذائية الأساسية بشكل شهري على ما يناهز 07 ملايين عائلة، في بلد يناهز عدد سكانه الـ 30 مليون نسمة؛ إذ ساهم هذا الصندوق في توفير الغذاء للمواطنين، وفي الآن نفسه إعادة تنشيط القاعدة الاجتماعية لـ “التشافيستا”، وعزز أواصر الترابط بين الحكومة والقواعد الشعبية، خصوصا بعد الهزيمة الانتخابية للحزب الاشتراكي الموحد خلال الانتخابات التشريعية لسنة 2015.

وحسب المصدر ذاته فإن المفتاح الثاني هو أن الوضع الاقتصادي “آخذ في التحسن”. وحسب مسح أجرته مؤسسة “داتا أناليسيس” في آب/ غشت من السنة الجارية، يرى 50 في المائة من الفنزويليين أن حياتهم تحسنت مقارنة بالسنتين الماضيتين، رغم العقوبات الأمريكية التي خفضت الدخل الحكومي بنسبة 99 بالمائة؛ ومع ذلك فإن اقتصاد هذا البلد الأمريكي اللاتيني “آخذ في الاستقرار”، إذ انخفض معدل التضخم برقم واحد لأول مرة منذ أربع سنوات، وتوقع بنك “كريدي سويس” نموا بنسبة 5.5 بالمائة خلال السنة الجارية و4.5 بالمائة سنة 2022. كما سجل إنتاج النفط أعلى مستوى له في 18 شهرا في تشرين الأول/ أكتوبر، منتعشا باتفاق تجاري بين كاراكاس وطهران.

المفتاح الثالث ليس سرّا أيضا، إذ يرى ليوناردو فلوريس أن الحزب الاشتراكي الموحد “لم يفز في الانتخابات لوحده”، بل جاء ذلك نتيجة وحدة قوى اليسار، في إطار ائتلاف القطب الوطني الكبير الذي يضم ثمانية أحزاب يسارية. وكان حزب مادورو هو الوحيد الذي أجرى انتخابات تمهيدية داخلية خلال شهر آب/ غشت، بينما كان أكثر من نصف مرشحي القطب الوطني الكبير من النساء بمعدل بلغ 52 بالمائة، في حين شكّل الشباب 43 في المائة من المرشحين. كما لم يسبق لـ 90 في المائة من المترشحين أن شغلوا مناصب من قبل، ما يبرز أن اليسار جدد قاعدته الشعبية. ومع ذلك، لم يكن اليسار الفنزويلي موحدا بالكامل، إذ دخل الحزب الشيوعي غمار الانتخابات بقائمته الخاصة.

وعلى العكس اليسار، بينت نتائج هذه الاستحقاقات مدى هوان المعارضة، إذ صرح مانولو دي لوس سانتوس لـ “مدار” بأن المعارضة “فقدت قاعدتها الانتخابية إلى حد كبير”، والسبب في ذلك هو “دعواتها على مدى سنوات عديدة إلى فرض عقوبات والتدخل الأمريكي والتحريض على الاحتجاجات العنيفة” في فنزويلا، وهذا هو المفتاح الرابع الذي منح الامتياز لليسار الفنزويلي.

نقطة يتفق معها ليوناردو فلوريس، إذ أبرز أن المعارضة “منقسمة”، كما أنها “لم تشتهر بوحدتها”، إذ عانت من انقسام كبير نتيجة اختيار بعض الأحزاب مقاطعة الانتخابات ومحاولة الإطاحة بالحكومة، بينما فضل جزء آخر من المعارضة العودة إلى مسار التنافس الديمقراطي. ورغم مشاركة جميع الأحزاب الرئيسية في الانتخابات الأخيرة، إلا أنها كانت منقسمة إلى معسكرين، الأول هو “المائدة المستديرة للوحدة الديمقراطية – MUD”، والثاني هو “التحالف الديمقراطي”، ونظرا لأن هذين الاتجاهين أكلا من أصوات بعضهما البعض فإن ذلك فوت عليهما فرصة الفوز على الأقل في ست ولايات.

وفي السياق ذاته أوضح المحلل نفسه أن “المعارضة مرفوضة شعبيا بشكل عميق”، وهذا هو المسمار الخامس الذي يدق على نعش المعارضة المدعومة أمريكيا، إذ تتمتع “المائدة المستديرة للوحدة الديمقراطية” بالدعم السياسي والمالي واللوجستي من طرف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في حين تمت معاقبة أعضاء أحزاب معارضة أخرى من طرف واشنطن، لأنها فضلت التفاوض مع حكومة نيكولاس مادورو. وفي الصدد قال ليوناردو فلوريس: “يجب أن تضع هذه الانتخابات إدارة بايدن على علم بأن الاستمرار في دعم MUD، وعلى وجه الخصوص  تخيل غوايدو كـ ‘رئيس مؤقت’، هو سياسة فاشلة”. وأما الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، فيرى أن هذا الفوز الانتخابي لليسار هو “نتيجة عمل مجتهد”.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة