مدار: 01 حزيران/ يونيو 2021
بقلم الفنان سليمان منصور، القدس*
في سنوات سبعينات القرن الماضي وقبل استعمال التراكتور الصغير في نقل البضائع داخل البلدة القديمة في القدس كان العتال هو الذي يقوم بهذه المهمة حيث أصبح جزء من المشهد العام ولا بد أن تراه حاملا أشياء ضخمة على ظهره وسائراً بثقة وثبات وتأني في أزقة وحارات القدس القديمة.
شدني منظر العتال وكنت دائما استغرب من قوته وجلده وهو يحمل أحياناً أضعاف حجمه وزاد استغرابي أنه وفي كثير من الأحيان كان يبدو كبير السن وضعيف البنية. بدأت أفكر في رسم هذه الشخصية وقمت بعدة محاولات حيث كنت أحمله أشياء كبيرة كثلاجة أو خزانة وكانت نتيجة هذه المحاولات لوحة عادية لعتال في أحد أزقة القدس. وبقيت أفكر في العتال وكيف لي أن أرسم لوحة مميزة انطلاقاً من هذا الموضوع. ولمعت في راسي بعد تفكير عميق فكرة أن أحمله القدس. ووضعت القدس في البداية في دائرة ولكن كانت تبدو أنها قد تتدحرج منه في أية لحظة مما اضطرني إلى إضافة شكل مخروطي لكلا الطرفين لتعطي الحمل شيئاً من الثبات وكانت النتيجة شكل يشبه العين وبداخله منظر القدس يتوسطها قبة الصخرة.
كان هذا في أواخر عام ١٩٧٣. في عام ١٩٧٥ تم تأسيس رابطة الفنانين التشكيليين في الأرض المحتلة وتقرر إقامة اول معرض لها في جمعية الشبان المسيحية في القدس وكانت مشاركتي في هذا المعرض من خلال هذه اللوحة مع عدد آخر قليل من اللوحات. شدت هذه اللوحة بالذات انتباه الجمهور وكان من زوار المعرض أشخاص يعملون في مكتب للنشر في شارع صلاح الدين وعرضوا على طباعتها كملصق (بوستر). وافقت وأخذوا اللوحة بعد انتهاء المعرض وبدأوا بالتحضير لعملية الطباعة وكان لا بد أن نضع اسم لهذا العمل. كان الكاتب المعروف إميل حبيبي صدفة في هذا المكتب وسمع النقاش وتدخل مقترحا اسم “جمل المحامل” حيث وافقنا جميعا وبحماس على هذا الاسم. طُبعت اللوحة وانتشرت من خلال الحزب الشيوعي في كافة المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية وانتشرت بسرعة كبيرة تقريباً بين الناس ووصلت غالبية البيوت.
في عام ١٩٧٦ أقمنا معرضاً في الأردن وكانت اللوحة موجودة في المعرض وكذلك نسخ مطبوعة منها حيث انتشرت كذلك بسرعة هائلة في الأردن. اتصل بي حينها شخص من طرف أبو جهاد طالباً صورة جيدة لها لطباعتها كغلاف لمجلة فلسطين الثورة. أعطيته حينها نسخة بجودة جيدة، وهكذا انتشرت في بيروت ومن هناك انتشرت في العالم العربي والإسلامي ومن ثم في أوروبا والعالم.
اللوحة الأولى فقدتها بظروف غامضة وعملت نسخة منها وهي اللوحة التي عرضت في عمان عام ١٩٧٦ حيث انتقل المعرض إلى لندن حيث تواجد هناك السفير الليبي الذي اشتراها لكي يهديها للرئيس الليبي العقيد معمر القذافي بمناسبة عيد ميلاده.
في تسعينات القرن الماضي بدأنا ضمن نشاطات مركز الواسطى في القدس بمشروع توثيق للفن الفلسطيني وشعرت أنه من الضروري توثيق هذا العمل. واتصلت بالسفير الليبي في عمان لكي اسأل عن اللوحة واتضح لي أنها فُقدت أو دمرت خلال القصف الأمريكي لقصر القذافي في العام ١٩٨٦، بعد تلك الحادثة بعشرين عام تقريباً أي بحدود العام ٢٠٠٥ وكنت قد فقدت الأمل بالعثور على اللوحة قمت – وبعد تشجيع بعض الأصدقاء – بإنتاج لوحة جديد للمرة الثالثة على التوالي وكانت مع بعض التعديلات الطفيفة: كحجم اللوحة الذي تضاعف، كما قمت بتغيير شكل الحبل من مبروم إلى حبل يشبه شريحة القماش وأضفت شكل كنيسة بجانب قبة الصخرة مع أن الأخيرة ظلت مسيطرة بالكامل على منظر القدس، النسخة الأخيرة هذه بيعت في مزاد علني إلى متحف رمزي دلول في بيروت حيث تتواجد هناك لغاية الآن.
* نشر المقال في البداية على مدونة خزائن (الرابط المباشر)، ونشره موقع مدار نقلاً عن مؤسسة خزائن ضمن مشروع توثيق مع الفنان سليمان منصور، وبعد موافقة مسبقة.