المراسلة 14: زامبيا هي انعكاس لأحوال العالم

مشاركة المقال

معهد القارات الثلاث للبحوث الاجتماعية/ مدار: 01 حزيران/ يونيو 2021

فيجاي براشاد

صورة: من اليسار إلى اليمين: فيجاي براشاد، فريد ميمبي، دييغو سيكيرا ، وإريكا فارياس في كاراكاس، 2019. بعدسة: ييمي ساليناس.

سيصوت شعب زامبيا في 12 أغسطس/ غشت 2021 لانتخاب رئيس جديد، وفي حال خسارة الرئيس الحالي سيكون الرئيس الجديد هو سابع شخص يتم انتخابه لهذا المنصب منذ حصول البلاد على استقلالها عن المملكة المتحدة عام 1964. إن الرئيس الحالي إدغار ولونجو يواجه منافسة قوية من فريد مبيمبي، وهو المرشح الرئاسي عن الحزب الاشتراكي الزامبي.

يعرف مبيمبي أهمية التحدي، فقد واجه التحرش والاضطهاد السياسي لفترة طويلة كمحرر لصحيفة ذا بوست (The Post) منذ إنشائها عام 1991. إن صوت مميمبي في ذا بوست صدح بقول الحقيقة حتى تم إسكاته عام 2016، ثم ولدت الجريدة من جديد تحت اسم ذا ماست (The Mast).

وصفت افتتاحية  ذا بوست عام 2009 كيف أن زامبيا، وعلى الرغم من عقود من الاستقلال،  ظلت تقبع بين براثن نظام عالمي غير عادل. كتبت الجريدة في حينها أنه “من الناحية الاقتصادية فإن زامبيا هي طرف ذيل كلب العالم.. عندما يكون الكلب سعيداً نجد أنفسنا ننتقل بمرح من جانب إلى آخر؛ وعندما يكون الكلب بائسًا نجد أنفسنا ملفوفين في مكان معتم وكريه الرائحة”. فلا عجب إذاً أن كل الحكومات بدءاً بفريدريك تشيلوبا (1991-2002) وانتهاءاً بالرئيس الحالي إدغار لونجو حاولت تكميم أفواه الصحيفة ومحررها، وهو الذي سلط الضوء على استسلام النخبة السياسية الزامبيّة الفظيع للشركات متعددة الاستيطان وأصحاب الأصول الأجانب. إن محرر صحيفة ذا بوست هو الآن مرشح رئاسي.

مابوبا ماندا (زامبيا)، حالِم، 2019

إن فريد مبيمبي رجل متواضع أعلن ترشحه للرئاسة بابتسامة دافئة؛ حين حدثني عن الحزب الاشتراكي الذي انطلق في مارس عام 2018 قال: “إن قيادتنا هي قيادة جماعية”.

 يتعهد البيان الرسمي للحزب بأن يناهض انزلاق زامبيا نحو الخصخصة وتدمير التصنيع، وهي عمليات اجتماعية ضرّت الحياة الاجتماعية في البلاد وخلقت شعوراً باليأس بين الجماهير. إن قراءة هذا البيان في وقت يخيّم شبح فيروس كورونا على العالم أمر تقشعر له الأبدان: “نظراً لسوء حالة المياه والصرف الصحي فإن المناطق الحضرية معرضة للإصابة بالأمراض المنقولة عن طريق المياه التي تتفشّى كل عام تقريباً”، وذلك في ظل ندرة المياه وكون نصف السكان يعيشون دون اتصال بشبكات الصرف الصحي.

كانت السياسات النيوليبرالية التي تم فرضها منذ نهاية حكم أول رئيس لزامبيا كينيث كاوندا (1964-1991) كارثيةً على الزامبيين. أخبرني مبيمبي إن “هذه السياسات تخلق قنبلةً موقوتةً هائلةً في بلدنا. ينبغي أن لا نستسلم للجوع والبطالة والقذارة والمرض والجهل واليأس. إن النضال من أجل زامبيا أفضل يحمل في طياته بناء زامبيا أفضل”.

لوتاندا موامبا (زامبيا) بقالة تشوما، 1993.

إن زامبيا بلد غني لكن سكّانه فقراء، حيث يقدّر معدل الفقر بين 40٪ و 60٪ (لدى الدولة إحصائيات فقط حتى عام 2015). وقد وجد استطلاع أجراه البنك الدولي في أوائل حزيران/ يونيو 2020 أن نصف الأسر التي تعتمد على الزراعة  تكبدت خسارة كبيرة في الدخل، وأن 82% من الأسر التي تكسب دخلها من الشركات غير الزراعية تقلصت سبل معيشتها. كما وجد البنك أن تدفقات التحويلات من المغتربين إلى زامبيا هي أيضاً في انخفاض متسارع.

بسبب الانخفاض في الدخل، اضطرت الأسر إلى تخفيض استهلاكها من السلع، وخاصة المواد الغذائية. ففي عام 2019 قبل الوباء، وجد مؤشر الجوع العالمي أن حالة الجوع في زامبيا “مقلقة”. لكن لا توجد بيانات موثوقة عن تنامي الجوع الناجم عن الوباء، وهو ما حال دون قيام المؤشر بتقييم الوضع بشكل صحيح؛ بدلاً من ذلك فإنه قيّم الوضع على أنه “جدّي”. وقال لي مبيمبي إن “زامبيا تقف على شفا كارثة كبرى”.

في تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2020 تعثرت زامبيا في دفع 42.5 مليون دولار أمريكي مقابل سندات أوروبية. منذ ذلك الحين، تجري حكومة الرئيس لونغو محادثات مع صندوق النقد الدولي على أمل الحصول على خطة إنقاذ دون إجراءات تقشف صارمة. إن مثل هذه التدابير التقشفية – بما فيها التخفيضات في الخدمات العامة التي لا تستطيع الدولة تحملها أثناء الوباء – ستهدد فرص لونغو بالفوز في انتخابات أغسطس/ غشت 2021. في أوائل شهر آذار/ مارس، خلصت زيارة موظفي صندوق النقد الدولي إلى أنه تم إحراز “تقدم كبير” باتجاه “صفقة سياسات ملائمة”، لكن لم يتم الكشف عن أي تفاصيل أو جدول زمني.

مولينغا شافليوا (زامبيا)، نقطة نقطة نقطة، 2014

قبل شهر من لقاء فريق صندوق النقد الدولي مع مسؤولين زامبيين، أعلن وزير التعدين ريتشارد موسوكوا أن إنتاج النحاس في البلاد وصل إلى 882061 طنا. وهذه الزيادة بنسبة 10.8 ٪ عن أرقام عام 2019 هي بحسب موسوكوا “ارتفاع تاريخي”. ونظراً إلى النقلة نحو السيارات الكهربائية والمزيد من الأجهزة عالية التقنية فمن المؤكد أن الطلب على الأسلاك النحاسية مرتفع، ولهذا السبب تأمل زامبيا في إنتاج أكثر من مليون طن سنويًا في السنوات القليلة المقبلة. إن أسعار النحاس آخذة في الصعود (4 دولارات للرطل) نحو مستواها العالي لعام 2011 (4.54 دولار للرطل). هناك الكثير من الأموال التي يمكن جنيها من النحاس، خاصة بالنسبة لشعب زامبيا.

وتهيمن أربع شركات على النحاس الزامبي: باريك لوموانا التابعة لشركة باريك غولد الكندية، وشركة كانسانشي لتعدين النحاس فيرست كوانتوم FQM التابعة لشركة التعدين فيرست كوانتوم الكندية، وشركة موباني التابعة لشركة جلينكور السويسرية، وشركة نحاس كونكولا التابعة لشركة فيدانتا في المملكة المتحدة. هذه هي شركات التعدين الكبرى التي تستنزف موارد زامبيا من خلال وسائل مبتكرة كسوء تسعير التحويل والرشوة.

 تحدث معهد القارات الثلاث عام 2019 إلى غييكي تانوه، رئيس وحدة الاقتصاد السياسي في شبكة العالم الثالث وأفريقيا ومقرها في أكرا (غانا)، عن حالة “السيادة على الموارد”.. تستحق تعليقاته عن زامبيا القراءة مرة أخرى:

“لأن زامبيا الآن تعتمد كلياً على صادرات النحاس فإن تغيرات أسعار النحاس الدولية لديها تأثير كبير على سعر صرف كواشا (العملة في زامبيا). ويؤثر هذا التشوه والإيرادات المحدودة من صادرات النحاس على القدرة التنافسية للصادرات الأخرى غير النحاسية وقابليتها للحياة نتيجة تقلبات الكواشا. كما تؤثر التقلبات أيضًا على القطاع الاجتماعي. وأظهرت دراسة أجريت عام 2018 أن التغيرات في أسعار الصرف تتأرجح بين -11.1٪ و13.4٪ + في الفترة بين 1997 و2008. وبلغت خسارة الأموال من الجهات المانحة لوزارة الصحة في زامبيا 13.4 مليون دولار أمريكي أو 1.1 مليون دولار أمريكي كل سنة. وبسبب انهيار كواشا بين عامي 2015 و2016، انخفض نصيب الفرد من الإنفاق الصحي في زامبيا من 44 دولارًا (2015) إلى 23 دولارًا (2016)”.

أخبرني ميمبي بأن مستويات الفقر في مقاطعة كوبربيلت، وهي قلب ثروة زامبيا، مرتفعة للغاية. من اللافت للنظر أن 60٪ من الأطفال في هذه المنطقة الغنية بالنحاس لا يستطيعون القراءة. “إن الشركات الأجنبية متعددة الاستيطان كانت المستفيد الرئيسي”. إن العلاقات الدافئة لهذه الشركات مع النخب في زامبيا تمكن الشركات من دفع ضرائب منخفضة ووضع أرباحها خارج البلاد، فضلا عن استخدام تقنيات مثل الاستعانة بمصادر خارجية والتعاقد من الباطن للالتفاف على قوانين العمل في زامبيا. وقال ميمبي إن هذه الصناعة “مازالت تعمل وفق العقلية الاستعمارية”. في الواقع هذا ما أوضحته فيليس دين في كتابها  المحاسبة الاستعمارية الاجتماعية (1953)، حيث بينت أنه في روديسيا الشمالية – وهو اسم زامبيا خلال الحكم الاستعماري – ذهب ثلثا الأرباح إلى الخارج لصالح المساهمين الأجانب، في حين ذهب ثلثا ما تبقى إلى العمال الأوروبيين، والفتات المتبقي إلى الغالبية العظمى من عمال المناجم الأفارقة.

رسم لعمال المناجم الزامبيين

وأوضح ميمبي أن “الاعتماد على الموارد غير المتجددة مثل المعادن من أجل النمو هو بحكم التعريف أمر غير مستدام”. إن أي حكومة في زامبيا سوف تضطر إلى الاعتماد على النحاس – وفقط ثلثه تم استخراجه حتى الآن – إلى حين تنوّع اقتصاد البلاد والمجتمع بشكل صحيح. واقترح الحزب الاشتراكي مجموعة من السياسات لتسخير موارد النحاس، بدءاً من عقد صفقات أفضل مع المالكين الحاليين إلى التأميم الشامل (وهي سياسة يتم فرضها حاليًا على زامبيا، حيث خفضت شركتا First Quantum Glencore استثماراتهما، ما يجبر الحكومة على التدخل).

 وحدد ميمبي سبع نقاط لسياسة تعدين عادلة للفترة الحالية:

  1. سوف تعلن الحكومة الاشتراكية أن المعادن هي ثروات إستراتيجية وستوفر بيئة قانونية حمائيه لاستخراجها. وسيتم حظر تصدير المركزات وتنسيق تسويق المعادن من قبل الدولة.
  2. ستعزز القوانين والإرادة السياسية قوة العمل في زامبيا.
  3. سيتعين على شركات التعدين الحصول على ما لا يقل عن 30٪ من مدخلاتها الصناعية من زامبيا، ما سيشجع التصنيع.
  4. ستمتلك شركة زامبيا الموحدة لمناجم النحاس المحدودة الاستثمار القابضة  (ZCCM-IH)، وهي شركة مملوكة للدولة، حصة مسيطرة في جميع المناجم الجديدة.
  5. سيتم إدخال إيجار الموارد أو ضريبة الدخل المتغيرة لتأمين إيجارات معدنية إضافية.
  6. سيتم إيداع جميع عائدات مبيعات المعادن أولاً في حسابات بنك زامبيا – وهو جانب أساسي من جوانب إدارة واستقرار العملة وميزان المدفوعات.
  7. يجب أن تلتزم المناجم بأحدث التقنيات والممارسات والمعايير البيئية.

وفي ما هو أبعد من ذلك، ستشجع الحكومة الاشتراكية إنشاء تعاونيات عمال المناجم، لاسيما بالنسبة لمعدن المنغنيز الذي هو أرخص استخراجاً.

موامبا مولانجالا (زامبيا)، الإستراتيجيات السياسية، 2009

هناك أهداف جدية في أجندة الحزب الاشتراكي لزامبيا. مبيمبي يسافر في البلاد طولاً وعرضاً ليتحدث عن هذه الأجندة. “يجب أن نفوز بسبب ما نؤمن به”، هكذا قال لي.. إنه يعتقد أن كل طفل في زامبيا يجب أن يكون قادراً على القراءة وأن يتمكن من النوم دون أن يعاني آلام الجوع. هذا اعتقاد يجب أن يتشاركه كل البشر.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة