نيو فرايم/ مدار: 18 تشرين الأول/ أكتوبر 2021
سابو زيكود*
أشارت الإحصائيات الأخيرة إلى أن أزيد من مليوني شخص في جنوب إفريقيا يعانون من “الجوع المدقع”. من الخطأ أن تعاني الشعوب من الجوع في ظل الاقتصاد الأكثر إنتاجية على مدار تاريخ البشرية، فهناك ما يكفي من الموارد لتوفير الطعام والمسكن والتعليم للبشرية جمعاء، كما أن هذه الموارد كافية للقضاء على الفقر بشكل نهائي؛ لكنها تتم الاستعانة بها من أجل تطويع البلدان والمجتمعات والعائلات بدل أن يتم استخدامها من أجل تحقيق احتياجات الشعوب.
في جنوب إفريقيا، مازالت تُرد مبررات الوضعية المعيشية الصعبة والمتدنية التي يعاني منها سكان الأكواخ، ويكافحون في خضمها من أجل البقاء، وإجبار المهاجرين على الانتقال إلى الاختيارات السيئة في الحياة. لكن المشكلة في الواقع هي أن معظم الفقراء لا يجدون وظائف، كما أن من كانوا محظوظين من بينهم واشتغلوا يتعرضون للاستغلال ويتقاضون رواتب جد منخفضة.
كما أن أولئك الذين يعملون لحسابهم الخاص في شوارع المدن لكسب قوت يومهم تتم مصادرة تجارتهم، بالإضافة إلى أن أولئك الذين يشغلون أراضي حضرية شاغرة غير مستخدمة لبناء منازل بالقرب من فرص كسب الرزق يتم طردهم، وفي أوقات كثيرة يقتلون بدم بارد من دون أن تكون لذلك أي عواقب قانونية.
إن تجريم استغلال الأراضي الشاغرة مشكلة عويصة، لاسيما أن ذلك يجعل الحق في السكن في المدينة مقتصرا على أولئك الذين لديهم المال.
تعتمد الملايين من العائلات في جنوب إفريقيا على الإعانات الحكومية، لكنها تبقى غير كافية لتحقيق حياة كريمة، لاسيما أن العديد من أفرادها يضطرون للنوم من دون طعام.
نعلم أن الإبقاء على الجوع وسط المجتمعات هو وضع يتمتع به بعض السياسيين الذين يستغلونه كآلية من أجل السيطرة. ونعلم أن العديد من الناس بمجرد توصلهم بالإعانات يذهبون مباشرة إلى محلات الكبرى لشراء طعامهم، لكن هذه المتاجر الكبرى تقوم بامتصاص الأموال من المجتمعات الفقيرة، في حين تجعل الأغنياء أكثر ثراء.
أفاد تقرير مؤخرا بأن أكبر مساهم في محلات Shoprite سيتلقى دفعة قدرها 342 مليون راند (23.102.410 دولار أمريكي)، وهو أمر غير أخلاقي، خصوصا أن البلاد تعاني من بطالة وإفقار ومجاعة جماعية.
ويعاني ما يقرب من 50% من السكان في جنوب إفريقيا من العطالة، كما أن أكثر من 70% من الشباب عاطلون عن العمل. لقد أصبح كل من الجوع والمجاعة من قضايا اليوم في البلاد؛ ففي يوليوز/ تموز الماضي شهدت جنوب إفريقيا أكبر أعمال شغب مرت على البلاد، وواحدة من أكبر الاضطرابات في العالم بسبب الغذاء.
وتم استخدام هذه الاضطرابات التي كانت بسبب الطعام كغطاء من قبل السياسيين الفاسدين، لكن الحقيقة أن معظم الأشخاص الذين شاركوا في أعمال الشغب لم يكونوا من مؤيدي جاكوب زوما، وكانوا يبحثون عن الطعام. وقتل خلال هذه الاضطرابات أكثر من 350 شخصا. وبعد أعمال الشغب، توغلت الشرطة والجيش في المجتمعات الفقيرة واقتحمت المنازل، مصادرة الطعام تحت تهديد السلاح.
أرسلت أعمال الشغب التي اندلعت بسبب الغذاء رسالة واضحة إلى الحكومة والشركات مفادها أنه طالما يعيش الناس في فقر لا يمكن أن يكون هناك سلام واستقرار؛ كما كانت هذه الأعمال شاهدة على أنه يجب على الأمم المتحدة والشركات اليوم أن تستخلص درسا مهما حول التطورات الأخيرة في جنوب إفريقيا: بدون عدالة لن يكون هناك سلام.
كانت الجائحة وراء جعل الوضع أكثر سوءا، خصوصا مع قيود الإغلاق. خلال فترة الإغلاق، أُجبر الأشخاص الذين كانوا يعانون من الفقر المدقع ويعيشون حياة محفوفة بالمخاطر على البقاء في منازلهم دون دخل، ما خلق القلق والإحباط لدى العديد من العائلات، كما ازداد العنف القائم على النوع الاجتماعي وغيره من الأمراض الاجتماعية مثل الاغتصاب.
كان من الصعب جدا على الناس الالتزام بتدابير صحية كافية. كيف تحافظ على مسافة اجتماعية عندما تضطر إلى العيش في بيئة شديدة الازدحام؟ كيف تغسل يديك باستمرار وأنت تعيش في كوخ بدون ماء؟.
نتيجة لتخلي الدولة عن مواطنيها، اضطرت حركة “أبهلالي” إلى استغلال أراضي شاغرة وغير مستخدمة لبناء منازل للعائلات، وبدء تعاونيات للحدائق المجتمعية، وإدارة متاجر تعاونية صغيرة، ومشاركة رعاية الأطفال وإنشاء مدارس سياسية وأماكن للشعر والموسيقى والرقص.
لقد تم إثبات، من خلال هذه الأنواع من التجارب، أن الأشكال ذاتية التنظيم والمدارة بشكل ديمقراطي للسيادة الغذائية يمكن أن تقضي على الجوع وحتى الفقر، إذا ما سمحت الدولة بذلك، بل سيكون من الأفضل لو قامت الدولة بدعمها.
لقد تم تحقيق إصلاح للأراضي من الأسفل، كما تم بناء قاعات مجتمعية ودور حضانة للأطفال دون دعم من الدولة، ومع ذلك كان من الضروري الاستمرار في التنظيم والمقاومة للبقاء على هذه القطع من الأرض، التي غالبا ما لا تكون كافية لإنتاج الغذاء لعائلات كثيرة.
تم خلال الفترة الماضية اختطاف أرواح أبناء وبنات من المنتسبين إلى حركة أبهلالي، فقد قتل رجال ونساء. إن مقتل شانغازي مؤخرا على يد الشرطة في لامونتفيل في ديربان تجربة مؤلمة أخرى للفقراء الذين يُقتلون مع الإفلات من العقاب؛ لقد تركت وراءها أطفالا أيتاما لن يمكنهم اختبار حنان الأم بعد اليوم.
لقد قامت الحركة بفعل أشياء لا تصدق ضد القمع الشديد من الدولة، كما أنها خلصت من خلال تجربتها الحالية إلى أن حياة الناس ستكون أفضل بكثير إذا منحتهم الدولة المساحة لتنظيم أنفسهم بحرية، أو حتى دعمتهم لتنظيم وبناء قوتهم الجماعية.
للتعامل مع مسألة الجوع، هناك حاجة إلى الأراضي الحضرية ودعم زراعتها في شكل بذور، وري، وأدوات، وسماد عضوي وما إلى ذلك. كما أن هناك حاجة إلى نظام أسواق حيث يمكن للفقراء بيع الطعام لبعضهم البعض، والحفاظ على انتقال أموالهم بينهم.
تواجه حركة أباهلالي قوتين تضطهدانها وتحرمانها من الوصول إلى هدفها المتمثل في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطعام، الأولى يمثلها السياسيون الفاسدون الذين يريدون دائمًا السيطرة على الشعوب لكسب المال من فقرهم، والقوة الثانية هي الشركات التي كان لها دور محوري في أشكال مختلفة أثناء عمليات الإخلاء الوحشية للمجتمعات وعدم المساءلة.
يتم استخدام بعض أجهزة الدولة من قبل الشركات التي تختبئ بعد ذلك خلف الشرطة لتهجير المجتمعات من الأرض. إن الطريقة التي استولى بها السياسيون والشركات على الدولة خلقت الفقر والبؤس؛ وقد تم توضيح ذلك بشكل جيد في الأدلة المقدمة في لجنة الاستيلاء الحكومية المعروفة باسم لجنة زوندو في جنوب إفريقيا.
لا يمكن التغلب على أزمات الغذاء إلا عندما يتم وضع القيم الاجتماعية للأرض قبل قيمتها التجارية، كما يجب إلغاء تسليع الأرض ودعم الفقراء لبناء حدائق ومزارع حضرية تعاونية، وبيعها لبعضهم البعض من خلال نظام الأسواق المحلية.
يجب أن تتم إزاحة النظام الغذائي من أيدي المحلات التجارية الكبرى، وستكون لهذا أيضا فائدة من خلال توفير أشكال صحية من الطعام للأغلبية. كتدبير فوري للأزمة، يمكن فرض ضرائب كبيرة على الأرباح الضخمة التي تحققها المتاجر الكبرى للمساعدة في دفع ثمن كل هذا، لكن المتاجر الكبرى التي تبقى بعد بناء نظام السيادة الغذائية على مستوى القاعدة يجب أن يتم تسليمها لعمالها وإدارتها بطريقة ديمقراطية، وشراء معظم طعامها من مشاريع البستنة والزراعة المجتمعية الصغيرة.
من المهم أن نفهم أنه لا يمكن أن يكون هناك حل رأسمالي لأزمة الجوع، وأنه لا يمكن أن يكون هناك حل للأزمة دون بناء القوة الديمقراطية للمضطهدين من أسفل.
تطالب حركة أباهلالي من أجل تحقيق السيادة الغذائية بما يلي:
1. يجب أن يتم تخصيص الأراضي بأسرع ما يمكن للإسكان والزراعة المجتمعية ووضع حد لعمليات الإخلاء.
2. يجب دعم التعاونيات الزراعة الحضرية بالبذور والأسمدة والأدوات والأرض.
3. يجب إنشاء نظام للأسواق المحلية ودعمه حتى يتمكن الفقراء من البيع لبعضهم البعض.
4. يحتاج الاقتصاد غير الرسمي إلى الدعم، ولا يجب بعد الآن تجريم مصادرة البضائع من أجل العيش الكريم.
5. يجب أن يكون هناك برنامج جاد لخلق فرص العمل.
6. يجب على الحكومة تقديم منحة دخل أساسية ومستمرة للعاطلين عن العمل حتى يجدون وظيفة لائقة ويتم انتشالهم من وضعهم.
7. يجب تقديم منحة إغاثة كوفيد-19 معقولة للأشخاص الذين يعانون خلال هذه الفترة.
8. يجب إضفاء الطابع الديمقراطي على إدارات المدن ودعم الناس لبناء أشكال ديمقراطية للسلطة الشعبية من أسفل.
* جاءت كلمة سابو زيكود في سياق الحوار مع المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالحق في الغذاء ، وهو حدث عُقد على تزامنا مع قمة نظم الغذاء التابعة للأمم المتحدة.