مدار: 06 ماي/ أيار 2021
للعام الثاني على التوالي منعت جائحة كورونا الطبقة العاملة في البلاد العربية والمغاربية من عقد التظاهرات الحاشدة تخليدا لعيدها الأممي الموافق لفاتح ماي/أيار من كل سنة، وهي المناسبة التي تبث فيها همومها وترفع مطالبها، وتحتفي بدورها في صناعة الحياة بكل مظاهرها؛ وذلك في حين تستمر حالة الغليان السياسي والاضطرابات والأزمات الاقتصادية في أغلب دول المنطقة، مثل مصر وتونس والأردن والجزائر ولبنان والسودان… مع استمرار أجواء الحرب في اليمن وسوريا، وتمادي الاحتلال الغاشم في فلسطين.
ونبدأ من لبنان التي تعيش أزمة اقتصادية خانقة، غذتها جائحة كورونا، حيث أصدر الحزب الشيوعي اللبناني بيانا لتخليد هذا اليوم، “الذي كان مستهلّه رصاصاً ودماءً وشهداءَ، دماء غسلت الشوارع الشاحبة وأرصفتها والأحياء الفقيرة والبيوت، ليس في شيكاغو وحدها بل في كل بقاع الفقر والعوز والاستغلال، حيث الجشع الرأسمالي وتقديس الربح ومراكمته على حساب العمال وصغار المنتجين بمختلف تشكيلاتهم”، وفق تعبيره.
وأضاف الحزب اليساري المعارض مخاطبا الشعب اللبناني: “لم يبق لكم من خيار سوى الوحدة؛ فساحات المواجهة تتطلب منكم أن تتقدموا الصفوف، وأن تكونوا أول المتصدّين وأصلبهم؛ انتصاراً للكادحين والعمال والأجراء، ورفضاً للسياسات المنحازة لخدمة مصالح رأس المال الكبير وشروط صندوق النقد الدولي التي تمسّ بمكتسبات الحركة النقابية ومصالح الفئات الشعبية المهمّشة؛ ورفضاً للنظام السياسي المتهالك القائم على التبعية والمذهبية والنهب الطبقي، وانتصاراً لقضيتكم الوطنية والطبقيّة، وللدفاع عن الشعب اللبناني في وجه كل التدخلات الخارجية ووصاياتها وعقوباتها، ورفضاً، في الوقت ذاته، للاعتداءات الصهيونية والهرولة نحو الترسيم والاستسلام”.
وفي الجارة فلسطين المحتلة أوردت مؤسسة “لجان العمل الصحي” تقييما عاما لوضعية عمال وعاملات البلاد، موضحة أنّ “الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني قال إنّ عدد العمال الفلسطينيين بلغ نحو 955 ألف عامل، بواقع 604 آلاف في الضفة الغربية و226 ألف في قطاع غزة و125 ألفا في الكيان والمستعمرات، منهم حوالي 690 ألف مستخدم بأجر في فلسطين (385 ألف مستخدم يعمل في الضفة الغربية و187 ألف مستخدم يعمل في قطاع غزة و100 ألف مستخدم يعمل في إسرائيل و18 ألف يعمل في المستعمرات)”.
وأشارت المؤسسة ذاتها إلى أنّ هؤلاء العمال، “نتيجة للإجراءات التي اتخذت خلال العامين الماضيين لمواجهة فيروس كورونا، كانوا الأكثر تضرراً”، بسبب “تعطل الحياة وإغلاق منشآت متنوعة في فلسطين”، وأردفت في بيان بها: “أشارت الإحصاءات إلى أن المرأة العاملة كانت أيضاً على رأس المتضررين، إذ انخفض عدد النساء العاملات في القطاع الخاص من 109 آلاف امرأة عام 2019 إلى حوالي 98 ألف امرأة عام 2020”.
كما لفت المصدر ذاته إلى أن أعداد المعطلين عن العمل ارتفعت لتصل إلى حوالي 334 ألفا عاطل في فلسطين، وزاد موضحا: “ارتفع معدل البطالة بين الأفراد المشاركين في القوى العاملة في فلسطين في العام 2020 ليصل إلى حوالي 26% مقارنة مع حوالي 25% عام 2019، وهو ما انعكس على مؤشرات الفقر وما يرتبط بها من سبل الحصول والوصول للغذاء والطبابة وتوفير متطلبات الحياة الكريمة…”، وتابع: “مازال العمال والعاملات يعانون من تدني الرواتب في فلسطين رغم الحراكات المطالبة برفع الحد الأدنى للأجور إلى 1450 شيقلاً…وفي قطاع غزة المحاصر يضرب الفقر أطنابه نتيجة للارتفاع الكبير في البطالة، وواقع النساء العاملات هناك الأسوأ منذ سنوات، كما تعتمد الكثير من الأسر على المساعدات التي تقدمها جهات مختلفة لتدبر أمور معيشتها دون الحد الأدنى”.
وفي المغرب، في الطرف الأقصى من المنطقة، حيى حزب النهج الديمقراطي بمناسبة عيد الشغل الأممي، “الطبقة العاملة وعموم الكادحين والنقابيين والمعطلين، نساء ورجالا، وسائر النقابات والتنسيقيات المناضلة”، مع متمنياته لهم بالانتصار “في كفاحهم المجيد من أجل التصدي لجشع واستغلال الرأسمالية التي لجأت كعادتها عند مواجهة الأزمات الاقتصادية إلى حل الأزمة الناتجة عن جائحة كورونا على حساب الطبقة العاملة وعموم الكادحين/ات وسائر الفئات الشعبية”.
وأضاف الحزب اليساري المغربي في حديثه عن أوضاع البلاد عامة والعمال خاصة: “تعيش بلادنا، منذ بداية مارس للسنة الماضية، أي منذ حوالي 14 شهرا، كما هو الشأن بالنسبة لمعظم بلدان العالم، تحت وطأة جائحة كورونا التي أدت في المغرب، ليس فقط إلى أزيد من نصف مليون من المصابين/ات وحوالي 9000 من الوفيات حسب المعطيات الرسمية، بل كذلك إلى إغلاق الآلاف من المؤسسات الاقتصادية وتسريح وتجويع مئات الآلاف من العاملات والعمال، والتنامي المهول للعطالة، والمزيد من هشاشة الشغل، وتقليص الأجور، وتكثيف الاستغلال، والانتشار الفظيع للفقر، وعجز المنظومة الصحية عن الاستجابة لحاجيات المواطنين/ات، ومواصلة تخريب المدرسة العمومية، خاصة عبر تشجيع الخوصصة والتوظيف بالعقدة وضرب مكتسبات الشغيلة التعليمية”.
وتابع الحزب ذاته بأنه “بقدر ما قامت الدولة بدعم الباطرونا لمساعدتهم على تجاوز الأزمة، أهملت مشاكل الشغيلة وعموم الجماهير الشعبية التي لم تعد قادرة على مواجهة أعباء الحياة اليومية رغم صمودها وتضحياتها ونضالاتها الشجاعة”.
وفي المنطقة المغاربية أيضا، أعلن بالمناسبة ذاتها نور الدين الطبوبي، الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، الإطار الذي كان له دور بارز في الثورة التونسية، في “فيديو” نقلته وكالات الأنباء الدولية، أن تونس “تعيش حالة انجذاب قوي نحو الهاوية، ولم يتبق من الآمال المعلقة على الثورة إلا الذكريات”، كما أورد أن “أزمة التعديل الوزاري وإرساء المحكمة الدستورية تنذر بتفكك أجهزة الدولة”.
وقال الاتحاد ذاته في بيان الفاتح من ماي: “نحيي هذه السنة عيد العمال العالمي والبلاد تعيش أزمة سياسية خانقة، إن لم نقل عبثية، ازدادت حدة إثر الخلافات الدائرة بين الرئاسات الثلاث، وتمر بوضع اقتصادي كارثي نتيجة الخيارات الفاشلة للحكومات المتعاقبة، ما خيم بظلاله على الواقع الاجتماعي المتردي”.
وحمل الإطار النقابي ذاته مسؤولية “عرقلة مبادرته لإنقاذ البلاد” لكل الإطراف “التي تسعى بشكل مباشر أو غير مباشر لتعطيل الحوار”، مشددا على أنه سيكون مجبرا على البحث عن خيارات أخرى “لأنه لن يظل مكتوف الأيدي إزاء المنعرجات الخطيرة التي يمكن أن يعرفها وضع البلاد”، حسبه.
وفي العراق، الذي عانى من اضطرابات متتالية زادت الجائحة من استفحال تداعياتها، قال الحزب الشيوعي العراقي بمناسبة عيد العمال الأممي، إن الظروف الصعبة التي يعيشها البلد جراء الأزمة العامة متعددة الأوجه، “والناجمة عن نهج المحاصصة والطائفية السياسية والفساد”، تؤدي إلى “تفاقم معاناة عموم الشعب العراقي، وتلقي بتداعياتها الثقيلة على كواهل العمال والشغيلة، وتسفر عن تراجع الخدمات وتدهور الأوضاع المعيشية وازدياد نسب البطالة والفقر”.
واستطرد الحزب ذاته بأن “الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعصف بالبلاد” تلحّ على “اعتماد معالجات وتوجهات مغايرة، غايتها تنويع الاقتصاد وتنمية القطاعات الإنتاجية وحماية المنتج الوطني وإعادة الحياة إلى الشركات المملوكة للدولة والمعطلة حاليا، بجانب إنشاء الصناديق السيادية”، وزاد: “كما يُتطلب مراجعة سياسة الركض وراء سراب السوق المفتوحة والليبرالية الجديدة، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بتعظيم موارد الدولة، وتجنب إلقاء تبعات الأزمة على أكتاف الكادحين والفلاحين وذوي الدخل المحدود”.
وفي الجزائر، التي يدخل فيها الحراك الشعبي عامه الثالث، أورد الحزب العمالي الاشتراكي بالمناسبة ذاتها أن العاملات والعمال الجزائريين “يحتفلون، هذا العام، باليوم العالمي لنضال العمال في ظروف تتميز بتهجم البرجوازية والنظام ضد عالم الشغل”، مردفا: “كما هو الحال في كل مكان، يريدوننا أن ندفع ثمن الأزمة؛ في حين يواصلون في منح هدايا وتسهيلات لأصحاب رؤوس الأموال، الاستحواذ، تسريحات تعسفية، الاعتداء على قانون العمل، التهرب الجبائي…الحكام ينتهجون سياسات معادية للعمال ولا اجتماعية. تخفيض قيمة العملة، تجميد الأجور والتشغيل، تعميم هشاشة العمل، خنق المؤسسات العمومية، هدم ما تبقى من قطاع الخدمات العمومية؛ حتى الصحة العمومية لم تسلم من هذه السياسة رغم الموجة الثالثة من وباء كورونا التي تهدد البلاد”.
وأضاف الحزب حديث النشأة: “نصف مليون عامل فقدوا مناصب عملهم في غضون عام واحد (2020). التسريحات الجماعية للعمال تتضاعف، والذين تمكنوا من الحفاظ على مناصب عملهم يتلقون ضغوطات رهيبة وأجورهم الرديئة لا تمكنهم من مواجهة غلاء المعيشة”، وزاد: “ظروف معيشة الجماهير تتدهور، الفلاحون والتجار الصغار ضحية المضاربة، وتحت هيمنة الملاك الكبار. أوضاع الفئات الوسطى تتدهور شيئا فشيئا إذ لم تتمكن هي أيضا من الإفلات، في حين الشباب، متمدرسون كانوا أم لا، لا يرون منفذا في الأفق، ويدفع بهم إلى زوارق الموت”.
وفي السودان، الخارج لتوه من ثورة شعبية أطاحت بحكم عمر البشير، حيت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني، في تصريح صحافي، الطبقة العاملة السودانية وعمال العالم في ذكرى أول مايو، “وهم يتصدون للاستغلال الرأسمالي البشع، متمثلا في سياسات ومخططات الليبرالية الجديدة”، كما دعت الحركة العمالية والنقابية السودانية إلى عقد جمعياتها العمومية وتكوين لجانها التمهيدية ونقاباتها المستقلة على أساس قوانين العمل الدولية، وانتزاع قانون ديمقراطي للنقابات يؤكد ديمقراطية واستقلالية الحركة النقابية.
كما أكدت اللجنة المركزية ذاتها أن “الحكومة الحالية مازالت تصر على السير في طريق الإذعان التام لشروط صندوق النقد الدولي والابتعاد عن مسار ثورة ديسمبر 2018م، بل والسعي إلى تصفيتها عبر ما تتبناه من سياسات وما تسنه من تشريعات وما تتخذه من خطوات في السياسة الداخلية والخارجية”، ووصفت السلطة الحالية بأنها “سلطة الرأسمالية الطفيلية بوجوه وشخوص جديدة وبخطة متكاملة لخدمة وحماية قوى إقليمية ودولية”، و”بالنتيجة تفاقمت معاناة المواطنين بالارتفاع المتواصل في أسعار السلع الأساسية والدواء، وفي كل مناحي الحياة، حتى وصلت الأزمة مياه الشرب”.