مدار: 27 كانون الثاني/ يناير 2024
مشاهد تاريخية وغير مسبوقة تلك التي وصلت منذ الصباح من قطاع غزة: عشرات آلاف النازحين الفلسطينيين يسيرون في مواكب مهيبة صوب الشمال المنكوب، عائدين إلى بيوتهم المدمرة لتجديد اللقاء بالأهل والأرض.
وقف الفلسطينيون أمس بأعداد غفيرة عند معبر “نتساريم” للعودة إلى الأماكن التي هجّرتهم منها آلة الحرب الصهيونية قسرا، ولم يكن يحول بينهم وبين العبور سوى عنجهية الإسرائيلي الذي حاول افتعال أزمة جديدة لخرق صفقة تبادل الأسرى والتهدئة، غير أن المقاومة الفلسطينية سارعت إلى قطع الطريق على بنيامين نتنياهو بالتأكيد على أن التسليم سيجري وفق الاتفاق ودون تأخير.
وأظهرت الصور مشاهد الفرحة في وجوه الفلسطينيين وهم يعبرون نحو الشمال بعد تراجع القوات الصهيونية، صباح اليوم، بالرغم من المعاناة التي فرضتها الحرب ومشاهد الدمار المروع التي تركها العدوان الذي امتد لـ 471 يوما.
ويُنظر إلى عودة النازحين الفلسطينيين إلى شمال غزة، بهذه الكثافة والإصرار، على أنه إفشال مذهل لمخطط التهجير القسري من القطاع صوب أماكن أخرى، والذي كان ضمن أجندة الحكومة الصهيونية قبل السابع من أكتوبر 2023 لكنها سعت بقوة إلى فرضه خلال العدوان، من خلال حرب الإبادة الجماعية والضغط على الدول المحيطة إلى القبول بهذا المخطط.
وجاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليزيد من خطورة الوضع، بعد أن اقترح تهجير الفلسطينيين من غزة إلى الأردن ومصر، فيما اعتبره “إعادة ترتيب لمنطقة هدمت بالكامل”.
وصرّح ترامب يوم السبت قائلا “أفضّل التواصل مع عدد من الدول العربية وبناء مساكن في مكان مختلف حيث قد يكون بإمكانهم العيش بسلام”، مشيرا إلى أن نقل سكان غزة قد يكون “موقتا أو طويل الأجل”.
رد القاهرة لم يتأخر، إذ قالت الديبلوماسية المصرية في بيان إن مصر “تشدد على رفضها لأي مساس بحقوق الشعب الفلسطيني، سواء من خلال الاستيطان أو ضم الأرض أو عن طريق إخلاء تلك الأرض من أصحابها من خلال التهجير أو تشجيع نقل الفلسطينيين من أرضهم، سواء كان ذلك بشكل مؤقت أو طويل الأجل، وبما يهدد الاستقرار وينذر بمزيد من امتداد الصراع إلى المنطقة، ويقوض فرص السلام والتعايش بين شعوبها”.
من جانبه، صرّح وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، إن بلاده ترفض أي محاولة لتهجير الفلسطينيين، مضيفا إن “الأردن للأردنيين وفلسطين للفلسطينيين وحل القضية الفلسطينية على التراب الفلسطيني”.
المواقف المتناغمة بين القاهرة وعمّان بعثت مشاعر الارتياح في صفوف الفلسطينيين، الذي يتمسكون بأرضهم رغم حرب الإبادة الصهيونية.
وقال متحدث باسم حركة المقاومة الإسلامية “حماس” إن “ثبات شعبنا على أرضه وعودته إلى شمال القطاع يمثل انتهاء لحلم التهجير وتصفية قضيته العادلة”.
وأكدت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في بيان إن “مشهد عودة جماهير شعبنا إلى منازلهم في غزة والشمال هو صفعة مدوية لمخططات الاحتلال، وبداية فشل مشروع التهجير القسري الذي سعى العدو إلى فرضه بالنار والدمار والمجازر وحرب الإبادة”.
للتذكير، أفرجت المقاومة الفلسطينية عن الدفعة الثانية من الأسيرات يوم السبت، شملت أربع مجندات، وفي المقابل أطلق الإحتلال سراح 200 أسير فلسطيني، بعد أسبوع من الهدنة التي جرى التوصل إليها بوساطة قطرية ومصرية وأمريكية.
قبل ذلك تم إطلاق سراح تسعين أسيرا فلسطينيا مقابل الإفراج عن ثلاثة أسيرات.
حسب وزارة الصحة في قطاع غزة، بلغت حصيلة العدوان الصهيوني منذ السابع من أكتوبر 2023 47 ألفًا و306 شهيدا، و111 ألفًا و483 إصابة.
وللتذكير، كانت محكمة العدل الدولية وجدت أن هناك أدلة “معقولة” بأن إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة.
وفي سياق متصل، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية، وفي 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، مذكرة توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في غزة.