عمال شركة أمازون الشباب في جزيرة ستاتن يهزون عروش رأس المال

مشاركة المقال

بيبلز وورلد/ مدار: 07 نيسان/ أبريل 2022

توجت الجهود التنظيمية لعمال شركة أمازون في جزيرة ستاتن بتحقيق مكسب تاريخي تمثل في إنشاء أول نقابة على الإطلاق في الولايات المتحدة داخل شركة رأس مالها مليارات الدولارات.

وتمكن عمال أمازون في منشأة JFK8 بجزيرة ستاتن من إنشاء أول مكتب نقابي على الإطلاق في الشركة بالولايات المتحدة، وهو انتصار لا يمثل فقط ثمرة أسبوع كامل من التصويت الذي أجراه العمال، بل هو أيضا دافع من أجل استمرار النقابة التي عملت منذ عام 2020 في سبيل تحقيق هذا الإنجاز، وذلك بعد مشاركة 4785 عاملا من أصل 8000 المتواجدين داخل منشأة JFK8 في الفترة ما بين 25 و30 مارس/ آذار. وشكلت الأصوات الموافقة على الخطوة الأغلبية الساحقة.

هذا الانتصار، بالإضافة إلى آثاره الكبيرة على نجاح الجهود التنظيمية في باقي مستودعات أمازون الأخرى في البلاد، سيلهم بالتأكيد العمال الآخرين في الشركات الكبرى المتعددة من أجل تنظيم أماكن عملهم وإعادة بناء قوة الطبقة العاملة.

أرباح أمازون والاستغلال الذي تمارسه

تعتبر أمازون واحدة من أكبر الشركات في العالم، بحيث حققت عام 2021 إيرادات عالمية وصلت إلى 469.82 مليار دولار، أي أكثر من نصف الميزانية العسكرية للولايات المتحدة، كما أن رئيسها التنفيذي السابق، جيف بيزوس، هو ثاني أغنى شخص على وجه الأرض، وجنى هذه المليارات على حساب عمال مستودعات أمازون، ومن خلال هضم حقوقهم وتخفيض أجورهم.

لقد صنف مستودع جزيرة ستاتن في الكثير من الأحيان كأعلى مستودعات البلاد تحقيقا للأرباح، في وقت عانى العمال من أجل كسب ما يكفيهم قصد البقاء على قيد الحياة. استخدمت الشركة جميع احتياطاتها وخططها من أجل تجميع الأرباح في أيدي القلة وسحق جهود أي عامل ترى فيه تهديدا.

في العام الماضي، تجنبت أمازون تأدية 5.2 مليارات دولار ضرائب الدخل الفيدرالي المفروضة على الشركات، التي تمثل أموالا مسروقة من العمال؛ كما تتوفر على عقود تجمعها بالقوات العسكرية الإسرائيلية، نظير تزويدها بطائرات من دون طيار يتم الاعتماد عليها في مهاجمة الفلسطينيين على الحدود.

ووفقا لتقرير أخرجته The Nation فإنه “منذ العام 2015، قامت شركة الصناعة والطيران المملوكة للدولة،Israel Aerospace Industries  (IAI)، بتقديم خدمات لأسطول شركات الشحن التابع لشركة أمازون، بحيث وصل في الوقت الحالي إلى تغطية 80% من طائرات أمازون.

إن التجارب التي تعتمدها الصناعات الجوية الخاصة بالجيش الإسرائيلي ترتكز في الأساس على “القناصة الآليين والطائرات من دون طيار المنتشرة على طول الحدود”.

رسالة من كريس سمولز

في الـ24 من مارس الماضي، وفي أعتاب الانتخابات التاريخية، قام اتحاد عمال أمازون بإرسال رسائل إلى كل عامل في JFK8، حملت الكلمات التالية: “بالنسبة لأولئك الذين لا يعرفونني، اسمي كريس سمولز، وأنا الرئيس المؤقت لاتحاد عمال أمازون، كما أن جذوري في هذه الشركة تعود لسنوات عديدة. لقد تأثرت حياتي طيلة الفترة الأخيرة لتواجدي في الشركة، سواء كان بالسلب أو الإيجاب، وهو الأمر الذي دفعني للانضمام إلى النقابة”.

رسالة سمولز جاءت بعد صراع دام 7 سنوات نتجت عنه ساعات مطولة من المعارك القانونية بينه وبين الشركة، وهو ما رافقه فقدانه لوظيفته وشن حملة تشويه لصورته العامة من خلال العديد من التصريحات العنصرية التي استهدفته.

لقد عبر العديد من العمال عن أن أمازون شركة قمعية، واصفين العمل في المستودعات بأنه أقرب لظروف الاستغلال التي تتم في “المزارع”. وفي هذا الإطار قام العمال بمشاركة العديد من القصص التي تبرز معاناتهم في الحصول على الماء أو الذهاب إلى الحمام، نظرا لأنهم معرضون للطرد أو عقوبات شديدة إذا ما تأخروا في تأدية العمل. ومن أبرز الأمثلة على ذلك عمال طلبوا الاستفادة من إجازة لحالات الطوارئ الطبية أو الولادة، لكن طلبهم قوبل بالطرد.

 كما أنه بسبب سياسة عدم السماح باستعمال الهاتف أثناء المناوبة، يعيش العمال على وقع القلق المستمر بشأن عدم قدرتهم على الوصول لعائلاتهم في حالة حدوث حالات طوارئ. وحتى في خضم الأحداث الخطيرة التي واكبت الإعصار في إدوارد سفيل إلينوي، لم يكن العمال على علم بمستجدات الوضع بسبب عدم قدرتهم على استخدام هواتفهم، ما أدى إلى مقتل ستة أشخاص داخل المنشأة.

إن مثل هذه الكوارث تحدث بشكل مستمر لأنه بدون نقابة للدفاع عن العمال لن تهتم الشركة بأي من مطالبهم، في ظل اهتمامها المنصب على الحفاظ على الإنتاج وتراكم الأرباح. في ظل وجود نقابة، لن تتوقف هذه الكوارث فحسب، بل لن يكون بمقدور أرباب العمل منع العمال من المطالبة بظروف أكثر أمانا وإنسانية أثناء العمل.

تاريخ أمازون في استهداف الاتحاد

حتى قبل الإعلان الذي جاء في الـ26 من يناير/ كانون الثاني الماضي عن أن اتحاد ALU مؤهل لانتخابات النقابة، استخدمت واستعانت أمازون بكل الوسائل من أجل تدمير أي إمكانية للنجاح. من الأمور التي اعتمدت عليها الشركة إبلاغ العمال بشكل يومي، مرتين في اليوم، من خلال اجتماعات تحدثت فيها إليهم، بالآثار السلبية للانضمام إلى النقابة، بالإضافة إلى عرضها عروضا تحمل رسائل من أجل قول “لا” للنقابة، ودعايات مناهضة لها تم تثبيتها على جدران المستودع.

عندما يطرح أحد العمال داخل الاجتماعات أسئلة تعتبر “مؤيدة للنقابات” يطلب منه المغادرة، كما تم التعاقد مع كل من ثبت عداؤه للنقابات، وتم مكافأتهم بمبالغ تتراوح بين 2000 و3500 دولار يوميا، نظير نشر الأكاذيب حول الاتحاد. لقد أنفقت الشركة الملايين على الإعلانات وعلى إرسال مناديب الموارد البشرية لتوضيح “العواقب السلبية” للانضمام للاتحاد.

وفي ظل مساعي استهداف الجهود النقابية، قامت أمازون باستئجار شركات اقتراع واستشارات قصد تدمير جهود النقابات، ونشر مواد مناهضة لها، مثل غلوبال إستراتيجي غروب، GSG، التي عملت كشريك استطلاعي لـ PAC المؤيدة لبايدن قبل انتخابات 2020، وهي الآن تعمل لشركة أمازون منذ أواخر العام الماضي من أجل إنتاج مواد مناهضة للنقابات، حسب وثائق اطلعت عليها CNBC.

لقد حاولت مقاطع الفيديو والمواد المطبوعة التي وزعتها GSG ثني الموظفين عن التصويت للانضمام للنقابة، وقد استخدموا عبارات مثل “فريق واحد، نعمل معا”، و”فككها: احصل على الحقائق حول النقابات”، وهي شعارات تكررت على موقع أمازون المناهض للنقابات – unpackjfk8.com – كما شوهدت إحدى عملاء الموارد البشرية، معروفة باسم “تامي”، على شريط وهي تنعت اتحاد ALU بأقبح الأوصاف مرارا وتكرارا، وعندما تمت مواجهتها بذلك نفت أن تكون لديها أي مشاعر سلبية أو نوايا سيئة تجاه النقابة.

لم يتم طرد العمال المرتبطين بالنقابة فحسب، بل تم اعتقالهم من قبل شركة نيويورك خارج الأبواب الأمامية للمستودع في JFK8، في محاولة من أجل ترهيب وتخويف النقابة ومنعها من الاستمرار.

من أكثر أمثلة التضييق تطرفا تلك التي تم من خلالها إقالة كل من كريس سمولز ودايكان سميث، انتقاما لجهودهما التنظيمية، في حين تلقى العمال الآخرون تهديدات ورسائل تحذير ردا على أنشطتهم النقابية.

بعد إقالته في مارس/ آذار 2020، كان على سمولز تحمل حملة تشهيرية استهدفت اسمه، فقد تحدث المسؤولون التنفيذيون في أمازون عنه مستخدمين قوالب نمطية عنصرية، واصفين إياه بـ “السفاح”، وادعوا زورا أنه ينتمي إلى عصابة.

الجهود التضامنية وجمع التبرعات من أجل ALU

كانت الركيزة الأساسية لتنظيم ALU هي جمع التبرعات. بشكل عام تم تجميع 112000 دولار على مدار 11 شهرا من التبرعات، وقد تم استخدام هذه الأموال في تحضير قمصان وأزرار وغيرها من المواد التي قدمها اتحاد ALU، بالإضافة إلى الخدمات الأساسية، مثل الطعام للعمال وأشكال أخرى من المساعدات المتبادلة للعمال والدعم المالي، وبالطبع الكثير من النشرات، زيادة على ذلك تم استعمال الأموال لدفع تكاليف قاعدة البيانات ليتمكن الاتحاد من الاتصال بجميع العمال في المستودع.

كان الصندوق بمثابة وسيلة لحماية عمال ALU الذين تم اعتقالهم أو أولئك الذين يواجهون معارك قانونية أخرى، ففي 23 فبراير/ شباط، عندما اتهم كريستيان سمولز وعاملان حاليان، هما جيسون أنتوني وبريت دانيلز، بالتعدي على ممتلكات الغير وعرقلة الإدارة الحكومية ومقاومة الاعتقال (بتهمة إحضار الطعام إلى عمال آخرين)، كان صندوق التضامن موجودا للمساعدة في ما يخص المصاريف القانونية لحماية حقوقهم كعمال.

كما ساعد الصندوق العمال التابعين لـ ALU من خلال دعم من تم فصلهم من مناصبهم في أمازون، الذي يتم في الغالب من دون أي تحذيرات رسمية أو تمثيل للموارد البشرية.

تشجيع العمال على التصويت بنعم للنقابة

بعد الإعلان عن ملف ALU في 26 يناير/ كانون الثاني، كان أمام المنظمين خمسة أسابيع فقط للاتصال بالعمال والتحدث معهم بشأن النقابة. بسبب NLRB (الهيئة الوطنية لتنظيم العمل)، اضطرت أمازون إلى الكشف عن أسماء جميع الموظفين في مستودع JFK8، ومن هنا بدأت الاتصالات واسعة النطاق.

سمع القائمون على الاتصالات العديد من قصص الموظفين الذين كان لديهم يقين بأن الشركة لا تعطي أي أهمية لمصالحهم، كما تطرقوا لعمليات الطرد التي لم تراعي الطرق القانونية، بالإضافة إلى حديثهم عن اضطرارهم لتحمل مسافات طويلة بين العمل ومنازلهم.

عبر بعض العمال الذين لديهم تردد في ما يخص النقابة عن أنهم لا يعرفون ما الذي تريده النقابة، أو أنها غير قادرة على تحقيق أهدافها، لكن معظمهم كانون حريصين على الاطلاع على المزيد، وهو الأمر الذي ساهم في تعزيز الثقة لدى القوى العاملة اتجاه الاتحاد.

تعبير العمال عن حماسهم تجاه النقابات

تم في اليوم الأول من التصويت، الذي صادف الـ25 من مارس/ آذار، وضع خيمة كبيرة في الساحة الخاصة بالسيارات في مستودع JFK8، حيث بدأ ممثلو NLRB في إدارة التصويت وهم يحملون قوائم بـ8000 عامل، في حين كان العمال يراقبون المشهد منتظرين دورهم.

تشكلت بعد ذلك طوابير طويلة من العمال الذين كانوا مصرين على كتابة تاريخ جديد، فقد أعرب العديد منهم عن حماسهم وتفاؤلهم طوال الخط. لقد كان العمال المشاركين في التصويت مطمئنين للعملية وهم يشاهدون زملاءهم في العمل من يسهرون على سير عملية التصويت.

ازداد حماس العمال وجرأتهم مع استمرار الانتخابات؛ ومن المواقف الذي ميزت العملية قيام العديد ممن كانوا قلقين بشأن التعبير عن أفكارهم تجاه الاتحاد خلال الأشهر الماضية بالتوجه نحو منظمي ALU للتعبير عن تضامنهم، في حين لجأ آخرون إلى طرق أخرى للتعبير عن سعادتهم، فصاح أحد الموظفين: “سنفعل ذلك! وإذا حاولوا العبث معنا أثناء المفاوضات، اللعنة عليهم، سنقاوم”، وقال آخر: “إذا لم نفز، يمكننا المحاولة مرة أخرى”.

المستودع التالي للنقابة: LDJ5

أمام أمازون 7 أيام للطعن في النتائج عن طريق التقدم لجلسة استماع بعد الانتخابات، فرغم أنها ستفعل كل ما في وسعها لمنع العمال من الحفاظ على حقوقهم القانونية، إلا أنه من غير المرجح أن تكون قادرة على تحدي هذا الفوز التاريخي. بمجرد اعتماد الاتحاد، سيبدأ ALU أيضا في عملية التفاوض على عقد مع الشركة.

هناك دروس رئيسية تم استخلاصها من تجربة JFK8 التي يتم استخدامها في التنظيم في LDJ5، وهو عبارة عن مرفق للفرز في أمازون، يقع أيضا في جزيرة ستاتن، حيث سيصوت العمال على العمل النقابي من 24 إلى 29 أبريل/ نيسان المقبل.

ولا يتطلع اتحاد ALU فقط إلى تأمين ظروف عمل أفضل وأجور أعلى لزملائهم في نيويورك فقط، بل ينظر إلى بنفس الرؤية إلى العاملين في جميع أنحاء البلاد. خلال انتخابات اتحاد جزيرة ستاتن، اتصل 20 مستودعا من مستودعات أمازون من جميع أنحاء البلاد بـ ALU، موضحين أن لديهم نوايا ورغبة في تكوين مكاتب نقابية.

اتحاد ALU يلهم الحركة النقابية

شهدت النقابات في مختلف القطاعات طفرة في النشاط، الأمر الذي دفع المالكين الرأسماليين إلى الشعور بالقلق من تعرض شركاتهم للتهديد. يمكن ملاحظة ذلك ليس فقط في أمازون، ولكن في الشركات متعددة الجنسيات الأخرى التي تعتبر نفسها محصنة ضد العمل المنظم.

خلال فترة ما قبل الانتخابات، أظهرت العديد من النقابات دعمها الملموس لاتحاد ALU، بحيث جاء الدعم من جميع أنحاء الحركة العمالية، بما في ذلك من اتحاد عمال الغذاء والتجارة (UFCW) واتحاد عمال الصلب (USW) وعمال الاتصالات في أمريكا (CWA)، الذين عرضوا المساعدة في التحدث إلى موظفي أمازون حول فوائد النقابات. ومن المحتمل أن يكون هناك جهد جماعي مستمر لمحاربة الرؤساء المضطهدين وظروف العمل القمعية.

وقال أحد العمال الذين شاركوا في عملية تكوين النقابة: “تريد أمازون اغتيال شخصية نضالنا من أجل الحرية. بالعزيمة سنصنع التاريخ. سيتحدث الناس وستضطر أمازون إلى الدخول في مفاوضات جماعية، وستكون تلك معركة أخرى سنكون مستعدين لها”، مضيفا: “يتفق جميع المهاجرين الذين تحدثت معهم تقريبا على أن الوضع يجب أن يتغير، وهذا هو السبب في أن الغالبية تدعم ALU. أنا شخصياً أعتقد أننا سننتصر من المنظور الاقتصادي لجميع العمال، وأولئك الذين يريدون تحسين ظروفهم سيصوتون بالتأكيد لـ ALU”.

ووفقا لما أعلن عنه اتحاد ALU فإنه سيواصل النضال من أجل العمال داخل جزيرة ستاتن وجميع مستودعات أمازون، مع توفير الخبرات للنقابات الأخرى في الوقت نفسه لبدء تحركاتها.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة