علي فيصل لـ”مدار”: لا بديل عن المقاومة سوى الخضوع..واتفاقات التطبيع غيّبت حقوق الشعب الفلسطيني

مشاركة المقال

مدار: 07 كانون الأول/ ديسمبر 2021

شهدت القضية الفلسطينية تطورات هامة خلال السنوات القليلة الماضية، من مشروع الضم وصفقة القرن، مرورا بمعركة القدس التي خاضتها المقاومة، إلى عملية نفق الحرية، والنضال الشعبي الفلسطيني اليومي في الداخل والخارج، ثم تطبيع العديد من الأنظمة في المنطقة علاقاتها مع الاحتلال الصهيوني، في إطار ما عرفت بـ”اتفاقات أبراهام”، التي اكتسبت أبعادا جديدة مع شمولها اتفاقيات عسكرية وأمنية. ولتسليط الضوء على هذه القضايا، تحدث “مدار” إلى القيادي الفلسطيني علي فيصل، عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وسألناه أيضا عن المبادرات المشتركة بين الجبهة والقوى المناضلة في المنطقة، واغتنمنا الفرصة لنستفسره عن أحوال اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بعد أن اشتدت فيه الأزمة الاجتماعية والاقتصادية. وفي ما يلي نص الحوار:

مدار: ما هي أبرز التطورات التي تشهدها القضية الفلسطينية خلال المرحلة الراهنة، خصوصا على المستوى الداخلي والمواجهة مع الاحتلال الصهيوني؟.

علي فيصل: في مراجعة أبرز التطورات السياسية الفلسطينية والإقليمية، في ضوء نتائج أحداث كبيرة، كمعركة القدس وعملية نفق الحرية، يبدو واضحا أن هناك تخلفا عن استثمار هذه النتائج الإيجابية لصالح الكل الوطني. وهناك أيضا تخلف عن النهوض بالمسؤوليات الوطنية في اتخاذ الخطوات الضرورية لتوفير الغطاء السياسي للحركة الشعبية، والمساهمة في دفعها على طريق الانتفاضة الشاملة، والرد على العدوان الوحشي ضد قطاع غزة.

وتبرز المشكلة واضحة في استمرار الرهان على خيارات أكدت الأشهر، بل السنين والعقود، الماضية، فشلها وعقمها وعجزها عن تحقيق الحد الأدنى مما يطمح إليه شعبنا، ونقصد بذلك الرهان على خيار المفاوضات، في وقت لا نجد هذا الحماس إلا فقط من قبل السلطة الفلسطينية، في ظل وضع الولايات المتحدة وإسرائيل خيار التفاوض جانبا، ما يعني أن أولوية إسرائيل خلال المرحلة المقبلة هي ترجمة مشروعها على الأرض، سواء في ما يتعلق بعمليات الاستيطان، والضم والاعتقال والقتل ومواصلة حصار قطاع غزه، أو السعي إلى اتساع عمليات التطبيع مع دول عربية وإسلامية.

هذه السياسة التي تتمسك بخيار الالتزام باستحقاقات أوسلو والانضباط لقيوده، والإغراق في وهم الرهانات الخاسرة على إحياء المفاوضات العبثية، باتت تعطل الدور الريادي لمنظمة التحرير الفلسطينية كإطار قيادي تمثيلي جامع، وتتنكر لقرارات دورات مجلسيها الوطني والمركزي، وتغذي اصطناع البدائل لها، وتزيد بالتالي من تفاقم أزمة النظام السياسي الفلسطيني، وعجزه عن التقدم في مواكبة المسيرة الكفاحية لشعبنا، وفي تجاوز حالة الانقسام التي تعمق هذه الأزمة وتزيدها تعقيداً.

لذلك حذرنا من خطورة الرهان الفاشل على إمكانية إطلاق عملية سياسية لتسوية الصراع في الأمد القريب، وندعو إلى استمرار النضال في الميدان وعلى الصعيد الدولي، من أجل تغيير حاسم في ميزان القوى، يملي على العدو الإذعان لقرارات الشرعية الدولية، ونقل قضيتنا الوطنية إلى مرحلة جديدة، باتت تستوجب اعتماد سياسة وطنية جامعة، ترقى إلى مستوى التحديات والاستحقاقات التي باتت تطرحها هذه المرحلة، ما يتطلب سريعاً إعادة تنظيم الصف الوطني على أسس ائتلافية تستعيد قيم وقواعد عمل حركات التحرر الوطني، ووفق برنامج نضالي يأخذ العبرة من الدروس الغنية لـ «معركة القدس» وفي مقدمها وحدة الشعب والأرض والقضية والحقوق الوطنية، كما يُعبِّر عنها بدقة البرنامج الوطني المرحلي، الذي أتت الأحداث – مرة أخرى – لتؤكد على راهنيته.

مدار: تابعنا معكم موجة التطبيع مع الكيان الصهيوني من طرف العديد من الأنظمة بمنطقتنا، كما تعاظمت بشكل مثير مؤخرا الاتفاقات التي جمعت الإمارات والمغرب مع الاحتلال، خصوصا الصفقات ذات الأبعاد العسكرية والأمنية. كيف تنظر الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين إلى ذلك؟.

علي فيصل: إن انخراط بعض النظام الرسمي العربي في المسار الإقليمي لـ«صفقة القرن»، والذهاب نحو التطبيع، يشكل استجابة لرؤية نتنياهو، التي أعلنها منذ العام 2008 عندما قال: ‘لا نحتاج إلى التقدم في المسار التفاوضي مع الفلسطينيين لكي ننفتح على العالم العربي، بل علينا أن نخترق السور العربي وننفتح على العرب قبل التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين، وهذا من شأنه أن يشكل مساحة ضغط على المسار الفلسطيني كي يستجيب لمتطلبات عملية السلام، كما نرسم نحن الإسرائيليين محدداتها’.

وخلافاً لادعاءات عواصم التطبيع مع إسرائيل فإن الاتفاقات التي جرت لم يرد فيها بند واحد، ولا فقرة واحدة، حول الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، أو تتبناها، أو تضمنت تخفيف الإجراءات القمعية والدموية لسلطات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، أو تشير إلى ضمانات أميركية أو إسرائيلية أو حتى تعهدات بإلغاء مشروع الضم. ما حصل في الواقع هو أن الأراضي المحتلة، وبعد التوقيع على اتفاقات التطبيع، شهدت تصاعداً في إجراءات الضم بأساليب مختلفة، وشهدت حملات مسعورة لتوسيع الاستعمار الاستيطاني، وحملات مسعورة من قبل العصابات المسلحة لقطعان المستوطنين ضد المواطنين الفلسطينيين، وتغولاً في الاعتداء على الثروات الزراعية الفلسطينية، وتصعيداً في اجتياح المدن واعتقال العشرات يومياً، والزجّ بهم في المعتقلات.

لسنا أمام مجرد خطوات تطبيعية بين بعض الأنظمة العربية وبين الكيان الإسرائيلي، بل نحن أمام اتفاقات سياسية وعسكرية شاملة تجعل من الدول العربية ساحة مفتوحة أمام العدو الإسرائيلي، وهي ترسم معادلات سياسية وجيو سياسية جديدة من شأنها أن تعيد صياغة المفاهيم والقيم، وأن تعيد صياغة النظام السياسي العربي، ليقف بمعظمه إلى جانب مشاريع التحالف مع واشنطن وتل أبيب، وفك ارتباطه بالقضية الفلسطينية، وبقضايا الشعوب، لصالح حماية أنظمة التطبيع.

إن معركتنا الرئيسية كانت وستبقى ضد الاحتلال الإسرائيلي وتحالفه مع الولايات المتحدة. ونعتبر أن مهمة مناهضة التطبيع وتعطيل آلياته، وقطع الطريق عليه، هي مهمة الشعوب العربية بقواها الوطنية والقومية والديمقراطية واليسارية. وفي هذا الجانب فمقاومة التطبيع تتطلب الرهان على ثلاثة أمور متلازمة ومتفاعلة في ما بينها وهي:

أولاً: مقاومة الشعب الفلسطيني بأسره، انطلاقا من انتماء كل شعبنا إلى جبهة المقاومة. وسيظل الشعب الفلسطيني مقاوماً طالما أنه يرابط على أرض فلسطين، ويرتبط بالقضية والحقوق الفلسطينية، ويواجه مشاريع الاستيطان والتهويد، وكل مظاهر الاحتلال والقمع بمختلف أشكاله. ثانياً: قوى المقاومة على امتداد العالمين العربي والإسلامي؛ وثالثا الجماهير والقوى والأحزاب العربية في البلدان التي أقدمت على التطبيع تحدونا الثقة بأنها ستشكل الضلع الثالث لتأسيس عمل مقاوم جاد في الفترة القادمة.

مدار: شهدنا الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في قلب التنسيق والتواصل مع العديد من القوى اليسارية في المنطقة، ما هي رؤيتكم للنضال المشترك مع هذه القوى لحشد الدعم للقضية الفلسطينية؟ وهل توجد برامج ومقترحات مشتركة تخص المرحلة المقبلة؟.

علي فيصل: نعم، نحن جزء من القوى الفاعلة المنغرسة وسط شعبها على امتداد كل تجمعاته داخل فلسطين وخارجها، كما أننا جزء لا يتجزأ من التحالف العربي المعادي للاستعمار وللتدخلات الخارجية ولسياسات التبعية والإلحاق، وجزء من قوى المقاومة على امتداد منطقتنا العربية التي تناضل ضد القوى الإمبريالية التي تسعى إلى نهب خيرات وثروات شعوبنا، وأن تصادر سيادتها. ففي هذه المرحلة تقف جميع القوى الثورية، لا اليسارية فقط، أمام تحديات داخلية وخارجية كبرى تتطلب نضالا دؤوبا، سواء على مستوى القضايا الداخلية لجهة الديمقراطية والتعددية ودولة المساواة والعدالة أو على مستوى القضايا القومية الكبرى، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي مازالت تشكل العنوان الأبرز في اهتمامات الحركة الشعبية العربية بجميع مكوناتها.

نحن مطالبون اليوم بتعزيز أطرنا اليسارية لتلبية احتياجات المرحلة القادمة، وتشكيل أطر نستطيع من خلالها رفع مستوى التشاور والتنسيق بما تمليه متطلبات المرحلة، في ظل الخصوصيات والتمايزات في بلداننا العربية، خاصة أن منطقتنا، وإلى حين، ستبقى تعيش تحت وطأة السياسة الأميركية التي تنظر إلى بلادنا باعتبارها مجرد ساحة لمصالحها الاقتصادية والنفطية والإستراتيجية والسياسية.

لذلك نحن نعتبر ألا بديل عن المقاومة سوى الخضوع، بثمن التنازل عن قضايانا الوطنية وحقنا في أرضنا والسيادة عليها، والتخلي عن ثرواتنا، وجعل دولنا ومجتمعاتنا تحت سيف مظالم نظام العولمة، وفريسة للشركات ما فوق القومية ومتعددة الجنسيات، لتملي علينا إعادة مأسسة مجتمعاتنا وأنظمتنا السياسية والاقتصادية بما يخدم مصالحها، لتمارس نهبها بشكل مقونن؛ خاصة أن صفقة القرن، كما تستهدف القضية الفلسطينية بجميع عناوينها بالتصفية والإلغاء، فهي أيضا تستهدف الشعوب العربية في خيراتها وثرواتها وسيادتها وفي فرض أنظمتها السياسية والاقتصادية والتحكم في حرياتها الفردية. لذلك يصبح مطلوبا إحداث التكامل بين النضال العربي والفلسطيني، وبالتالي فإن أي إنجاز يتحقق في أي بلد وفي أي موقع هو إنجاز يسجل لجميع الجبهات..

إن قضية مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، ومشروعه العنصري، لم تعد واجب الشعب الفلسطيني، وحده؛ الذي لم تعد مهمة الشعوب العربية مجرد الوقوف إلى جانبه، والتضامن معه، بل يجب أن تتسع جبهة مقاومة الاحتلال لتطال المنطقة العربية كلها، وهذا يتطلب البحث في كيفية بناء جبهة مقاومة عربية وعالمية، تتحمل فيها شعوبنا العربية، بقواها الوطنية والقومية والديمقراطية واليسارية، مسؤولياتها التاريخية.

مدار: يعيش لبنان على وقع أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة، كيف ألقت هذه الأزمة بظلالها على اللاجئين الفلسطينيين؟.

علي فيصل: في نقاش الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للاجئين الفلسطينيين في لبنان تبدو الصورة العامة أكثر سوداوية ومأساوية؛ فإذا كان المواطنون اللبنانيون يعانون من أوضاع اقتصادية أقل ما يقال فيها إنها صعبة، فكيف هو الأمر بالنسبة للاجئين الفلسطينيين الذين لا معين اقتصاديا لهم سوى وكالة الغوث التي تتعرض لحرب إسرائيلية وأمريكية واضحة ومعلنة؟ لذلك يصبح واضحا لماذا يطالب اللاجئون بدعم اقتصادي، كما تصبح مفهومة حاجة اللاجئين الدائمة إلى خطط طوارئ اقتصادية وصحية وتربوية وإغاثية لا يوجد من هو مؤهل لها أكثر من وكالة الغوث التي درجت في مناسبات عدة على اعتماد هذا النوع من الدعم، نظرا للأوضاع المتغيرة للاجئين وعدم ثباتها على واقع معين بفعل تشعب الصراع وتعقيداته. ونتيجة ذلك فقد وصلت أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، الاقتصادية والاجتماعية، إلى حافة الانهيار، ومن شأنها أن تنعكس على المجتمع الفلسطيني بشكل عام وعلاقته بالجوار وبمكوناته المختلفة، بسبب حالة البؤس والحرمان الواسعة نتيجة اعتماد جميع العائلات على وكالة الغوث بنسبة 100%.

لقد تعرض اللاجئون الفلسطينيون في لبنان خلال وقت قصير لعدد من الأزمات السياسية والاقتصادية، وكل واحدة منها كانت كفيلة بأن تضع كل الشعب الفلسطيني أمام وضع اقتصادي يقترب من أكثر المجتمعات فقرا في العالم.. ومن بين هذه الأزمات الإجراءات الأمريكية التي قادت إلى قطع المساهمة المالية عن وكالة الغوث خلال سنوات (2018، 2019 و 2020). والوكالة تعتبر بالنسبة للغالبية العظمى من اللاجئين المصدر الأساسي في قضايا الصحة والتعليم وغيرها. والأزمة الثانية هي التحركات الشعبية اللبنانية التي استمرت لنحو عام وأدت إلى شل البلاد اقتصاديا، والثالثة تداعيات جائحة كورونا وما سببته من إغلاق طال معظم القطاعات الاقتصادية.

بات مطلوبا اليوم من كافة المرجعيات المعنية اقتصاديا واجتماعيا باللاجئين الفلسطينيين رفع مستوى تقديماتها، وتعزيز التنسيق في ما بينها، سواء على مستوى وكالة الغوث بالتعاطي مع المخيمات الفلسطينية كتجمعات منكوبة، وتبني خطة طوارئ إغاثية واقتصادية، أو على مستوى الدولة اللبنانية بشمول اللاجئين الفلسطينيين بإستراتيجيتها الاقتصادية، أو مؤسسات منظمة التحرير والمؤسسات الاجتماعية المختلفة. وإنه لمن مصلحة الجميع توفير شبكة أمان اقتصادي واجتماعي للاجئين الفلسطينيين في لبنان.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة