عقد على رحيل البوعزيزي.. ثورة الياسمين لم تزهر خبزا بعد

مشاركة المقال

مدار: 17 آذار/ مارس 2021

 مضت أكثر من عشر سنوات على إشعال بوعزيزي النار في جسده احتجاجا على المعاملة غير اللائقة التي قوبل بها هذا البائع المتجول، حادث كان كفيلا بأن يدفع بالأمور إلى مستوى أعلى ويجعل التونسيين يخرجون مطالبين بإسقاط النظام. فما الذي تحقق بعد هذه المدة التي اجتازتها تونس؟.

مرت أكثر من عشر سنوات منذ أن أضرم بائع الفاكهة والخضروات محمد البوعزيزي النار في نفسه في مدينة سيدي بوزيد، بدافع اليأس من الطريقة التي عومل بها التاجر الشباب من قبل الشرطة، ما أثار موجة من التحركات في مختلف أنحاء تونس، في ما عرف لاحقا بالربيع التونسي.

وتعيش تونس في الظرفية الحالية مجموعة من الانتكاسات التي جعلت حياة التونسيين أكثر صعوبة، فرغم أن الأوضاع كانت متدهورة قبل الجائحة، إلا أن كوفيد-19 زاد من معاناتهم وفاقم الأوضاع بشكل رهيب، ما جعل من أمر الخروج للشارع والاصطدام مع السلطة الحاكمة مسألة وقت فقط.

وبعد مرور كل هذه السنين، أصيب العديد من التونسيين بخيبة أمل وعادوا إلى الشوارع – حيث لم يتحسن الوضع الاجتماعي والاقتصادي كما كانوا يأملون- في رد فعل منهم على الأوضاع المتأزمة التي وصلت إليها البلاد.

توالي الحكومات منذ “الربيع التونسي” وتأزم الوضع

بعد انقشاع ضباب الأحداث التي رافقت سقوط بنعلي، تنبأ الكثيرون بأن الأمور ستعرف انفراجة على كل المستويات، بعد عقود من القمع والانفراد بالسلطة. وقد رافقت ذلك تغيرات كثيرة في الأوضاع السياسية التونسية، ففي لحظات تعطي الأمل في مستقبل مشرق وفي فترات أخرى تمحي كل أمل في تغيير يحسن الواقع، بل عكس ذلك يقع حدث أو فاجعة تجعل البعض يتحسر على الأيام الخوالي.

شهدت الفترة التي تلت ما يطلق عليه “الربيع التونسي” مجموعة من الأحداث السياسية، من أبرزها تولي تسع حكومات مقاليد تسيير البلاد في السنوات العشر الأخيرة، ابتدأت بحكومة محمد الغنوشي، وها هي الآن تتقلدها حكومة المشيشي.

وطفت الخلافات السياسية إلى السطح بعد مدة قصيرة من استتباب الهدوء في الشارع التونسي، فظهرت مجموعة من المعيقات التي كانت كفيلة بإجهاض كل المبادرات الرامية إلى الدفع بالأمور السياسية إلى مستوى يتم القطع فيه مع الممارسات التي كانت تميز الوضع السياسي إبان فترة حكم زين العابدين بنعلي. وكانت أولى هذه العقبات كيفية تشكيل الحكومة التي ستتولى الفترة الانتقالية، بحيث تم التوافق فيها على استحضار صيغة الائتلافات ريثما يتم إخراج دستور جديد للبلاد إلى الوجود.

وأسفر الربيع التونسي عن نهاية عقود من الحكم الاستبدادي، وتم بذلك التسطير لمرحلة جديدة بدأت تتشكل ملامحها مع إجراء الانتخابات التي تلت إسقاط بنعلي، والتي أعطت نتائجها انتخاب حكومة ائتلافية مكونة من الحزب الإسلامي التونسي المهيمن – النهضة – إضافة إلى التكتل والمؤتمر من أجل الجمهورية؛ ائتلاف عصفت به مجموعة من المعيقات التي تميز العمل السياسي في تونس، فرغم تشكل الحكومة إلا أن المناخ السياسي يتسم بانقسامات وتناقضات عميقة برزت للوجود بسبب التباين في الرؤية لما بعد بنعلي بين التحالف الحكومي والتيارات الموجودة في المعارضة.

ورغم أن الثورة أطاحت ببن علي ورفعت من سقف الحريات إلا أنها كانت سببا في بروز تيارات وجدت مرتعا لها في الاقتيات على مشاكل النظام البائد.

وبعد عام واحد تبنت الدولة دستورا جديدا، واستبدلت الحكومة التي كانت متواجدة بأخرى تكنوقراط. وتكلفت الحكومة الجديدة بتنزيل الانتخابات الوطنية الديمقراطية الثانية؛ وفي ما بعد تكلفت اللجنة الرباعية للحوار الوطني، وهي مجموعة من نشطاء حقوق الإنسان وقادة النقابات العمالية والمحامين الذين ساعدوا الأطراف السياسية المتصارعة على تحقيق توافق في الآراء، وحصلوا في ما بعد على جائزة نوبل للسلام لعام 2015.

إن إحدى الأمور اليقينية التي لا يتجادل عليها اثنان في الوضع التونسي هي أن سقف الحريات ارتفع، فرغم الممارسات القائمة إلا أنه أصبح هناك حد أدنى للعمل، وبالخصوص للممارسة السياسية. لكن هذا الوضع يتطلب التأقلم معه وإيجاد صيغ للعمل تستحضر الواقع الحالي، وهو الأمر الذي لم يحضر وفق الفاعلين السياسيين البعيدين عن السلطة الحاكمة.

إن الوضع السياسي وما تعانيه بعض التيارات، خصوصا تلك المحسوبة على اليسار، ليس سوى دليل على أن الخطاب السياسي لم يكن قادرا على التكيف مع الواقع الجديد، ولم يستطع إيجاد الخيط الذي بإمكانه أن يقرب وجهات النظر مع الشعب والفئات الهشة التي لم يشهد وضعها أي تحسن، بل ازداد تقهقرا.

ويؤكد الوضع الاجتماعي والاقتصادي للشعب التونسي أن السنوات العشر الماضية لم يكن لها التأثير المباشر على الحياة اليومية للعامة، وبالأخص الفئات الهشة، التي ترى نفسها تغرق يوما بعد يوم في دوامة ارتفاع معدلات البطالة، وضعف القدرة الشرائية واستحالة تحسن الأوضاع في ظل تباطؤ النمو الاقتصادي.

ولم تعرف القدرة الشرائية للمواطنين التونسيين أي ارتفاع بل بالعكس شهدت تقهقرا عما كان من قبل، فالتغييرات التي يفتخر بها بعض الساسة لم يكن للمواطن البسيط أي نصيب منها؛ وبالرغم من أنه واع بأن التغيير لا بد وأن تواكبه بعض التضحيات، لكن السنين تمر وهو يشاهد أن الوضع لم يبارح مكانه دون أن يكون هناك أي تحسن ولو بسيط.

وفي حين أن ما سمي في فترة حكم بنعلي بالفرز الأمني قد انتهى بشكل تقريبي، إلا أن تونس عانت في السنوات القليلة الماضية من فرز آخر، هو الفرز المجتمعي، الذي جعل فئة معينة ممن هم مقربون من الساسة وأصحاب القرار يغتنون فيما يعاني السواد الأعظم من التبعات الاقتصادية وما تواكبها من مشاكل تطفو كل يوم إلى السطح.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة