مدار: 01 كانون الثاني/ يناير 2021
من أقصى المغرب الكبير إلى أقصاه، تلقت أنظمة الحكم هدية من السماء، تمثلت في فيروس لعين ضرب أطنابه في الشعوب، وقصم كواهل فئات واسعة من الكادحين، بعدما كانت تنوء بأزمات لا حصر لها؛ إذ هيأ للسلطات أجواء الإغلاق المناسبة لتمرير سياساتها بكل أريحية، ودونما مخافة هبات المقهورين من الرباط إلى القاهرة، الذين امتثلوا لتوصيات البقاء في البيوت واتقاء التجمهر من أجل حفظ الصحة العامة؛ وذلك تحت قصف إعلامي خلق أجواء رعب من الجائحة، لم يصمد مفعولها أمام ما تولد من ويلات إثر تنامي “جائحة الفقر”.
في الجزائر، التي كانت شوارعها ملتهبة بثورة تنادي بإسقاط كل رموز النظام العسكري، ومحاسبة المسؤولين الفاسدين، وهو ما يكثفه شعار الحراك المركزي “يتنحاو كاع”، في وقت لم يشف غليل الجماهير المنتفضة تنحي الرئيس الراحل بوتفليقة، جاء وباء كورونا ليفرض على المتظاهرين السلميين إخلاء الشوارع والالتجاء إلى منصات الأنترنيت لتصريف المواقف الرافضة للعملية الالتفافية على مطالب الثورة التي قادها الراحل القايد صالح، الذي كان بمثابة الناطق باسم السلطة العسكرية الحاكمة، وذلك عبر النداء إلى انتخابات رئاسية رفضها المحتجون.
وحملت الانتخابات الرئاسية الجزائرية عبد المجيد تبون إلى سدة السلطة بعدما عرفت مقاطعة واسعة، إذ عرفت أدنى نسبة مشاركة على الإطلاق بأقل من 40 في المائة حسب الدوائر الرسمية، فيما قال نشطاء ومراقبون إنها لم تتجاوز 15 في المائة؛ وذلك بعدما حصل الرئيس الجديد على 58.15% من الأصوات، فعمل على محاولة استدراج نشطاء الحراك إلى القبول به عبر طرح مصالحة بـ”مد اليد للجميع لتحقيق مطالب الحراك في إطار التوافق الوطني وقوانين الجمهورية”، وفق تعبيره عقب أدائه اليمين الدستورية، غير أن قادة الحراك اعتبروا انتخابه مجرد محاولة لتجديد النظام القائم الذي يطالبون بإسقاطه.
وبمجرد انتخابه استغل تبون أجواء الإغلاق التي غيبت تظاهرات الحراك لطرح تعديل دستوري قاطعه الجزائريون بشكل واسع، في غياب الرئيس صاحب المبادرة، الذي لبث في ألمانيا لمدة شهرين للاستشفاء من إصابته بفيروس كورونا، إذ أعلنت السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات بتاريخ 2 نوفمبر 2020 أن المشاركة قدرت بـ 23.72 %؛ بينما 33.20 % من المصوتين صوتوا بـ لا.
أما في المغرب فكان وضع الإغلاق الذي فرضته جائحة كورونا مناسبة للسلطات لتمرير ومحاولة تمرير مجموعة من القوانين التي لقيت استنكارا واسعا في الأوساط الشعبية، اقتصر تصريفه على وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة مع منع بعض التحركات الاحتجاجية بالقوة، باستدعاء ما يتيحه قانون الطوارئ الصحية، في مقابل السماح للتظاهرات المؤيدة لسياسات الدولة، في تناقض صارخ.
ومن أبرز ما تم تمريره في سياق “سنة كورونا” اتفاقية جمعت المملكة المغربية مع كل من إسرائيل والولايات المتحدة، تقبل بموجبها الرباط تطبيع العلاقات رسميا مع تل أبيب في مقابل اعتراف واشنطن بمغربية الصحراء الغربية المتنازع عليها، وهو ما خلف استنكارا واسعا، خاصة من القوى المدنية الداعمة للقضية الفلسطينية، إلى حد خروج مظاهرات احتجاجية في العاصمة وعدة مدن أخرى، فرقتها القوات الأمنية بالقوة، والمبرر دائما قانون الطوارئ الصحية، وذلك في مقابل السماح للتظاهرات التي خرجت ابتهاجا بقرار ترامب الاعتراف بمغربية الصحراء، بل ودعمها ونقل فصولها على القنوات العمومية.
كما حاولت الحكومة المغربية تمرير قانون وصفه مدونون مغاربة بـ”قانون تكميم الأفواه”، و”قانون الكمامة”، ويتعلق الأمر بمشروع القانون 22:20 المتعلق باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، إذ عبروا عن كونه جاء ليستهدف حرية الرأي والتعبير على الأنترنيت، إذ تنص المادة الـ14 منه مثلا على الحبس في حق “كل من قام عمدا بالدعوة إلى مقاطعة بعض المنتجات والبضائع أو الخدمات أو القيام بالتحريض علانية على ذلك، عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو شبكات البث المفتوح”.
وأمام الجدل الكبير الذي خلفه المشروع والرفض الشعبي الواسع له، خصوصا أنه جاء بعد حملة مقاطعة شعبية واسعة لمنتجات ثلاث علامات تجارية، كانت منصات التواصل الاجتماعي وقودا لها، تراجعت الحكومة المغربية وقررت تأخير النظر فيه إلى حين انتهاء “فترة الطوارئ الصحية”؛ كما قررت إدخال تعديلات وصفتها بـ”الهامة” على بنوده، “تضيق الحالات التي يمكن من خلالها تقرير المتابعة ضد النشر في وسائل التواصل الاجتماعي”، وقصرها على “حالات تكون مرتبطة أساسا بإثبات سوء النية”.
ومن القوانين التي أثارت الكثير من الجدل في الشارع المغربي، بعدما حاولت الحكومة تمريرها في فترة أزمة جائحة فيروس كورونا المستجد، القانون التنظيمي المرتبط بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، وذلك بعدما أعدته الحكومة السابقة وتمت المصادقة عليه في مجلس وزاري برئاسة الملك سنة 2016، لكنه لم يناقش أبدا في البرلمان بسبب الرفض الكبير الذي واجهته به النقابات؛ ويهدف إلى تنظيم الحق في الإضراب، الذي ورد في دستور سنة 2011 كما في الدساتير التي قبله، حيث نص الفصل 29 منه على أن “حق الإضراب مضمون”، مؤكدا على أن شروط وكيفيات ممارسة هذا الحق يحددها قانون تنظيمي.
واتهمت النقابات العمالية الحكومة الحالية باستغلال جائحة كورونا لتمرير القانون، الذي قالت إنها لم تستشر بشأن بنوده، معتبرة أن من شأنه تأزيم الأوضاع الاجتماعية للطبقة العاملة، ليبقى تشريع قانون ينظم حق الإضراب بشكل منصف غائبا منذ أكثر من 58 سنة.