زيمبابوي..مستجدات الأزمة

مشاركة المقال

الأفريقانية اليوم/ مدار: 11 أغسطس/غشت 2020

 أغرقت سنوات عديدة من القمع المتجذر للدولة ومزيج من السياسات الليبرالية الجديدة وبرامج التقويم الهيكلي زيمبابوي في وضع مزر لفترة طويلة من الأزمة الإنسانية والاقتصادية التي تتكشف اليوم. كان الفساد جزءًا متأصلًا في النظام المفترس للاتحاد الوطني الأفريقي الزيمبابوي – الجبهة الوطنية‏، الذي لطالما اعتبر خزائن الدولة فريسة له. وكشف انتشار فيروس كورونا المستجد عن نظام فاشل بالفعل، ما أدى إلى تفاقم الأزمة السياسية والاقتصادية.

السياق

 تشير التقديرات، في عام 2019 وحده، إلى انكماش اقتصاد زيمبابوي بنسبة 7.5 بالمائة، وتجاوز معدل التضخم 500 بالمائة. ودفع هذا بـ 5.7 ملايين شخص نحو الفقر المدقع. اليوم، تجاوز معدل التضخم 730 بالمائة، وتسبب الأثر الانهيار الاقتصادي الحالي في عواقب وخيمة على الفقراء. ويتلقى العمال بزيمبابوي أجورا غير محترمة على الإطلاق، كما أن تغير الأسعار بسبب التضخم المفرط يعني أن التجار العاديين لا يكسبون ما يكفي من المال لإطعام أنفسهم، وهكذا يُترجم التدهور الاقتصادي وانتكاس الاقتصاد الزيمبابوي، على المستوى البشري، في الجوع والفقر المدقع والتشرد وظروف العمل الاستغلالية والشعور المتزايد باليأس. أصبح انعدام الأمن الغذائي في زيمبابوي اليوم معيارًا مقبولًا بشكل صادم.

 تتخطى الأزمة في زيمبابوي التصدع التاريخي الذي أصاب الطبقة العاملة، ذلك لأن العاطلين عن العمل والموظفين، والعمالة الماهرة وغير الماهرة، والأطباء والمزارعين، تأثروا بشكل كبير بانهيار اقتصاد زيمبابوي.

 في أبريل 2020، تم تحديد خط الفقر الغذائي عند 596.96 دولارا للفرد الواحد. وكان من المتوقع أن يتزايد انعدام الأمن الغذائي عام 2020.

 الأزمة الحالية لا تبشر بخير، فسكان زيمبابوي البالغ عددهم 14.8 مليون نسمة من المتوقع أن يعاني 3.3 مليون منهم في المناطق الحضرية من انعدام الأمن الغذائي بحلول نهاية العام، علاوة على 5.5 ملايين من المتوقع أن يعانوا من انعدام الأمن الغذائي في ريف زيمبابوي.

وصل وباء كورونا في خضم أزمة عميقة بالفعل

 في هذا السياق، وصلت جائحة كورونا إلى أعتاب زيمبابوي في وقت سابق من فبراير 2020. ويتقاضى المدرس الأعلى أجرًا 4000 دولار زيمبابوي (ما يناهز 11.5 دولار أمريكي). وفي أعقاب احتجاج الجنود والممرضات على الاقتطاعات غير المعلنة للرواتب من قبل الحكومة، تمت زيادة رواتب جميع موظفي الخدمة المدنية في منتصف يونيو بنسبة 50 بالمائة، والتزمت الحكومة كذلك بدفع علاوات خاصة بوباء كورونا المستجد غير خاضعة للضريبة لموظفي الخدمة المدنية والمتقاعدين، هذه على التوالي ما يناهز 75 دولارًا و 30 دولارًا أمريكيا في الشهر، لذلك سيحصل المدرس الأعلى أجراً على 91.58 دولارًا أمريكيا شهريًا، مع مراعاة الزيادة والمخصصات الحكومية. ومع ذلك، ليس من المستغرب أن تكون هذه الإجراءات غيركافية.

فساد

 في خضم هذه الأزمة، هناك من أنشأ واستفاد من فرص العمل من خلال العقود الحكومية المرتبطة بجائحة كورونا. وكان الوباء نقطة لتفاقم المحسوبية واختلاس الموارد العامة، كما اعتقلت حكومة الاتحاد الوطني الأفريقي الزيمبابوي – الجبهة الوطنية بعض قادة المعارضة، الذين سلطوا الضوء على موضوع الفساد في البلاد، بموجب مزاعم بالتحريض على العنف العام.

ويتزامن التدهور السريع للاقتصاد الزيمبابوي مع نقص في البيانات الموثوقة المتعلقة بنسب البطالة؛ غير أنه تشير التقديرات إلى أن أكثر من 95٪ من السكان يعتمدون على العمل غير المهيكل.

 وتتعرض الحكومة مؤخرًا لانتقادات واسعة النطاق، لأن حظر التجول الذي فرضته مع انتشار فيروس كوفيد-19في 21 يوليو / تموز، تم استغلاله من طرف الدولة لقمع المعارضة المتنامية، حسب النقاد. وبسبب الإجراءات القمعية التي اتخذتها الحكومة لإخراس المعارضة، قامت هذه الأخيرة بتنسيق مع المنظمات غير الحكومية والمجموعات المجتمعية والنشطاء بتنظيم يوم للنضال الجماهيري في 31 يوليو، وهو ما عمق التناقضات بين النخبة الحاكمة وقوى المعارضة في البلاد.

 وأدى الفساد المتغلغل وشبكة المحسوبية للنخبة الحاكمة في زيمبابوي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية التي أغرقت غالبية الزيمبابويين في براثن الفقر، وتم اعتقال واتهام وزير الصحة السابق في زيمبابوي، عوبديا مويو مويو، وطرده من منصبه وتوجيه اتهامات له بالفساد على خلفية منحه لعقد توريد مواد خاصة بمواجهة كوفيد-19 خارج إطار القانون، إلى جانب ثلاثة مسؤولين تنفيذيين من الشركة الوطنية للأدوية المملوكة للدولة، والممثل المحلي لشركة دراكس إنترناشيونال (Drax International)؛ وهو ما أثبت صحة الانتقادات الواسعة التي وجهت لتعامل الحكومة مع الوباء.

ورغم ذلك، تبين أن وزير الصحة ومن معه من المتهمين ليسوا من الأشخاص المقربين من للرئيس إيمرسون منانانغواغوا. ولم يتم القبض على اثنين من الأمناء الدائمين الموالين لمنانانغواغوا الذين وقعوا الصفقة غير القانونية، في ما يؤشر على تعامل انتقائي في ملفات الفساد من طرف النظام. ورغم أن حكومة الاتحاد الوطني الأفريقي الزيمبابوي – الجبهة الوطنية‏ فشلت في تحقيق الاستقرار في اقتصاد زيمبابوي، فقد منحت العقد المتنازع عليه لشركة ضخمت الأسعار، إذ أصدرت الحكومة فاتورة بقيمة 28 دولارًا زيمبابويا للأقنعة التي تستخدم لمرة واحدة، في حين تقدر قيمتها الحقيقية بأقل من 4 دولارات زيمبابوية.

 وقبل اعتقال وزير الصحة، كان المسؤولون الحكوميون يخضعون للتدقيق العام بعد أن تبين أن الجزء الأكبر من النفقات المخصصة لمواجهة جائحة كورونا تم إنفاقها على سفريات وإقامات لكبار المسؤولين الحكوميين؛ بينما يتقاضى العاملون في مجال الرعاية الصحية رواتب منخفضة، وتعاني البنية التحتية للرعاية الصحية من نقص شديد في الموارد والتجهيزات.

نظام رعاية صحية ممزق

 شهد شهر مايو، من هذه السنة، نهاية تفشي الملاريا في زيمبابوي، وفي الأشهر الأربعة الأولى من العام تم الإبلاغ عن تسجيل 262968 حالة إصابة بالملاريا و246 حالة وفاة. وفي وقت سابق من أبريل، أعلن وزير الصحة منح الأولوية لمواجهة فيروس كوفيد-19 على حساب الأمراض الموجودة مثل الملاريا. وتبلغ الوفيات السنوية بسبب بفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز 22000 حالة، إذ إن مرضى الإيدز يتخلفون عن تناول الأدوية المضادة للفيروسات القهقرية لأنهم لا يستطيعون تحمل تكاليف الوجبات التي تعتبر شرطًا أساسيًا لتناول الأدوية المضادة للفيروسات القهقرية. كما أدى الجفاف المستمر إلى ندرة المياه النظيفة الصالحة للشرب، وبالتالي زيادة مخاطر الإصابة بالأمراض المعدية.

 ولم يكن مفاجئا أن تصنف منظمة الصحة العالمية دولة زيمبابوي ضمن البلدان ذات الاستعداد المتوسط لمواجهة جائحة كورونا، ففي بلد يبلغ تعداد سكانه 14.9 ملايين نسمة لا توجد سوى ثلاث وحدات للعزل، ولا توجد مختبرات لإجراء التحاليل، وتنعدم أسرة العناية المركزة. وفي انتظار الطفرة الحتمية في عدد الحالات المصابة بالوباء تتوفر البلاد على أقل من 100 جهاز للتنفس الأسطناعي فقط.

 وتستمر المخاوف بشأن قدرة إفريقيا على توفير بيانات دقيقة حول عدد الحالات المصابة بفيروس كورونا المستجد. وحسب مجلس البحوث الطبية في جنوب إفريقيا، تشير تقارير الوفيات الأسبوعية إلى زيادة كبيرة في عدد الوفيات المبلغ عنها على أنها وفيات طبيعية، في حين لا تتطابق هذه المعطيات مع المؤشرات العلمية، على عكس المعطيات في جنوب إفريقيا.

 وحتى الآن، أكدت زيمبابوي تسجيل 104 حالات وفاة بسبب كوفيد-19، وسجلت بوتسوانا المجاورة حالتي وفاة مؤكدة، في حين لا توجد بيانات عن نسب الاختبارات. وبلغ عدد الفحوصات التي أجريت في زيمبابوي 67374، وهي أقل بكثير من العدد الذي أجرته الجارة الجنوب إفريقية، والذي بلغ 3.25 مليون.

 وتعرض العاملون في الرعاية الصحية لضغوط شديدة العام الماضي، مع احتجاج الأطباء والممرضات على تدني الأجور. وفي يناير 2020، أنهى الأطباء في زيمبابوي إضرابًا استمر لأكثر من 4 أشهر، بعد تدخل الملياردير الزيمبابوي المقيم في بريطانيا، سترايف ماسييوا، الذي خصص 5.9 ملايين دولار أمريكي للأطباء على شكل مخصصات تبلغ 300 دولار أمريكيا شهريًا، على مدى 6 أشهر. واستمرت الممرضات في الإضراب خلال الجائحة احتجاجا على الأجور المنخفضة، وعدم تغطية هذه الأجور للمصاريف المعيشية اليومية البسيطة، مع نقص معدات الحماية من قبل حكومة زيمبابوي.

 ويحد حظر التجول الحالي، الذي تم إقراره في إطار إجراءات مواجهة تفشي الفيروس، من الحركة بين الساعة 6 صباحًا و6 مساءً، ويقيد ساعات العمل الرسمية للخدمات غير الأساسية بين الساعة 8 صباحًا و3 مساءً، وهي إجراءات تسببت بأضرار بليغية للعاملين في القطاع غير المهيكل؛ كما مازالت وسائل النقل العام محظورة في القرى والبوادي على حد سواء.

خاتمة

 ستزيد أزمة الرأسمالية من تفاقم أوضاع هذا النظام السياسي والاقتصادي المنهار بالفعل. وتتمتع الأنظمة الرأسمالية في جميع أنحاء العالم بسجل حافل، ليس فقط لعدم قدرتها على حل أزماتها، ولكن أيضًا في اللجوء إلى القوة الغاشمة لسحق أي دعوات شرعية وديمقراطية من قبل الشعوب لتغيير الأنظمة. ويقع حل الأزمة في زيمبابوي على عاتق الشعب، وهو ما يستلزم الوحدة بين التقدميين في جميع المجالات – من النقابات العمالية إلى الحركات الاجتماعية والعامل والعاطلين عن العمل.

 لقد عُرفت زيمبابوي تاريخيًا باسم سلة خبز إفريقيا، والمفارقة أن سلة الخبز هاته هي نفسها تحطم الأرقام القياسية من حيث مستويات الجوع. إن التحرير الحقيقي لشعب زيمبابوي هو سؤال موجه لجميع الأفراد والمنظمات التقدمية والمحبة للعدالة. إنها مهمة للمنطقة والقارة والعالم.. إننا ننضم إلى شعب زيمبابوي في كفاحه ضد الأزمات المتعددة..إن النصر مؤكد وضروري على قدر ضرورة مواصلة كفاحنا من أجل إنهاء كل أشكال القمع والاستغلال.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة