مدار: 05 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024
ظلت الكونغو تعاني على مدار العقود الماضية صراعا مستمرا، سواء على المستوى الداخلي بسبب المجموعات المسلحة المختلفة، التي وصلت حسب تقارير إلى 200 مجموعة، أو في علاقة بالبلدان المجاورة، وبالأخص رواندا وغامبيا، بسبب الجراح القديمة التي لم تتم لملمتها إلى حدود الآن.
وترتبط الكونغو بعلاقة قديمة مع رواندا، لكن في غالب الأوقات كانت هذه العلاقة عبارة عن صراع مسلح مستمر تتم فيه الاستعانة بالمجموعات المسلحة التي لها امتداد في البلدين، وهو الأمر الذي جعلهما غير قادرين على الجلوس إلى طاولة واحدة لنقاش الوضع، الأمر الذي اضطر بلدان الجوار إلى التوسط في هذه المساعي.
واقع الصراع الجاري بين الكونغو ورواندا
تجمع الكونغو ورواندا علاقات تاريخية، على اعتبار أن البلدين الجارين يشتركان في العديد من الأمور، لاسيما إذا أخذنا بعين الاعتبار أن القبائل المكونة لكل بلد (الهوتو والتوتسي على سبيل المثال) تجد امتدادا لها في البلد الآخر. لكن هذا الوضع يعتبر أيضا عائقا باعتبار الحرب الأهلية التي شهدتها رواندا وأجزاء من الكونغو، وراح ضحيتها أكثر من مليون شخص، ولم تلتئم جراحها بعد.
وبقيت هذه المأساة عالقة في ذهون سكان المنطقة، واستغلتها الجماعات المسلحة كذريعة من أجل إدامة الصراع، لما تتوفر عليه المنطقة من موارد معدنية، وهو ما جعل الكونغو ورواندا يدخلان في صراع غير ذي أفق، رغم محاولات الصلح العديدة التي باءت بالفشل.
في إطار مسار رأب الصدع بين البلدين اجتمعت الرئاسة الأنغولية العام الجاري من خلال الرئيس جواو لورينسو، “لقيادة جهود دؤوبة لتحقيق السلام في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية”، حسب مكتب الرئاسة، مع وزيري خارجية الكونغو الديمقراطية ورواندا. وكان الهدف من الاجتماع هو الاستمرار في النقاشات الثنائية التي تمت قبله، حيث تم التوصل إلى اتفاق لإطلاق النار، على أن يدخل حيز التنفيذ في 4 غشت/ آب 2024.
لكن ما يمكن أن يعطينا فكرة عن مستوى التصعيد بين البلدين هو أنه في وقت كانت تجري القمة بين الطرفين برعاية أنغولية كان القتال مستمرا بين تحالف القوى الثورية الذي يضم حركة “م 23″ و”تحالف نهر الكونغو” والجماعات المسلحة المتحالفة مع الجيش الكونغولي، رغم تأكيد وزيرة خارجية الكونغو الديمقراطية، تيريز واغنر كايكووامبا، أن وقف إطلاق النار تم الالتزام به “إلى حد كبير”، وهو ما أظهر حجم التحديات التي تواجه جهود الوساطة.
وكان هدف الوساطة هو تقريب وجهات النظر والعمل على تذويب الخلاف بين البلدين، لاسيما في ما يخص وقف إطلاق النار، لكن ما يجعل التوصل إلى توافق صعبا هو أن رواندا متشبثة بأن الخطوة الأولى نحو السلام تتمثل في تحييد “القوات الديمقراطية لتحرير رواندا” (FDLR)، وهي القوة العسكرية الكبرى في المنطقة، في وقت تطالب الكونغو الديمقراطية وأنغولا بتنفيذ وقف إطلاق النار، وتحييد القوات بشكل متزامن. هذا التباين في المواقف أدى إلى عرقلة المفاوضات، بالنظر إلى أن كل طرف متشبث بالحل المناسب له.
ويلقي كل طرف، سواء رواندا أو الكونغو، اللوم على الطرف الآخر في ما يخص الوضع المتأزم، ففي وقت تعبر الحكومة الكونغولية عن أن الجارة رواندا ومعها أوغندا تدعمان القوات المسلحة المتواجدة غرب البلاد، وهو الأمر ذاته الذي عبرت عنه المنظمات الدولية، بسبب الثروة المعدنية الموجودة في المنطقة، تنفي رواندا هذه المزاعم، معتبرة أن الكونغو هي التي تقف وراء الصراع، لأنها تؤوي جماعات من الهوتو ممن كانوا مساهمين في الإبادة التي استهدفت التوتسي في رواندا.
المجموعات المسلحة في الكونغو
تعتبر الكونغو، وبالأخص الجزء الشرقي للبلاد على الحدود مع رواندا، ساحة للمجموعات المسلحة، أولا بسبب الإرث الذي تركه الاحتلال البلجيكي من انقسام وصراع، وثانيا لما تحويه المنطقة من معادن، مثل القصدير والتنتالوم والتنغستن والذهب، ما جعلها تربة خصبة للصراع المسلح.
وأنتج الوضع في شرق الكونغو العديد من الجماعات المسلحة الموالية لدول في المنطقة، من بينها “حركة م 23” الموالية لرواندا، التي تعمل تحت غطاء الدفاع عن مواطني الهوتو، وتلقى دعما من الحكومة الرواندية التي تعتبر أن الحل لا يمكن أن يكون فقط بحل الحركة، بل بوقف إطلاق النار أولا ثم بعد ذلك الحديث عن أي حلول أخرى.
هذا في وقت تواجه القوات الرواندية بمعية الجماعات الموالية لها في التراب الكونغولي مجموعات مسلحة أخرى، مثل القوات الديمقراطية لتحرير رواندا، وتعتبر أنها كان لها دور في الحرب الأهلية في البلاد. وحسب الجانب الرواندي فإن السلطة في الكونغو تدعم هذه المجموعات وتقف وراءها.
هذا الصراع يأخذ شكلين، ففي وقت يعتبر البعض أنه قائم على الموارد الطبيعية في المنطقة، يعتبر آخرون أنه من مخلفات الذاكرة الجماعية للمنطقة وما مرت به من مآس، ما يجعل الكثيرين يتحدثون عن أنه لا يمكن تصفية الأجواء دون حل المشكلة القبلية الموجودة بين التوتسي والهوتو.