صورة: DR
نيو فريم / مدار: الجمعة 27 تشرين الأول / أكتوبر2020
كونك من أصل أفريقي في إيطاليا فهذا مرادف لتعرضك لموجة من العنصرية المنهجية، بغض النظر عما إذا كنت لاجئا أو مهاجرا وصل مؤخرا، أو حتى إذا كنت قد ولدت وترعرعت في البلاد.
في الساعات الأولى للسادس من شتنبر/ أيلول تم قتل شاب على يد أربعة رجال إيطاليين بيض أثناء محاولته إنقاذ صديق تعرض للضرب خارج ناد في كوليفيرو ضواحي روما؛ وكان هذا الشاب أسود البشرة واسمه إيلي مونتيرو دوارتي ويبلغ 21 ربيعا، وينحدر من عائلة هاجرت إلى إيطاليا قادمة من الرأس الأخضر وتقطن في باليانو، وهي بلدية صغيرة تبعد حوالي ساعة عن روما.
وحتى إن كان من غير المؤكد أن مقتل مونتيرو دوارتي جاء نتيجة دوافع عنصرية، خصوصا أن عائلته لا تتفق مع هذا الطرح، ولكن موته تسبب في موجة من الاحتجاجات المناهضة للعنصرية في جميع أنحاء إيطاليا، حيث كان أول شخص أسود يقتل في البلاد بعد وفاة جورج فلويد في الولايات المتحدة.
بعد أسابيع قليلة من الاحتجاجات الاجتماعية المستمرة، سواء عبر الإنترنت أو في الشوارع، لوحظ أن الاهتمام العام بما أدى إلى وفاة مونتيرو دوارتي تلاشى تدريجيا. لكن هذا الحادث أعاد إلى الواجهة مرة أخرى النفاق الذي يطغى على المجتمع الإيطالي والقائم على: حياة السود مهمة فقط عندما تنتهي بعيدا قدر الإمكان خارج البلاد.
وقعت المأساة في وقت بدا أن ضمير الإيطاليين قد استيقظ بعد الاحتجاجات الغفيرة التي تلت مقتل فلويد، ما يطرح التساؤلات حول سبب عدم وجود رد الفعل نفسه عندما يموت شخص أسود أو يعاني من عنف جسدي ونفسي في إيطاليا.
هذا هو السؤال نفسه الذي طرحته أنجليكا بيساريني، الأستاذة الإيطالية السوداء التي تدرس علم الاجتماع في جامعة نيويورك بفلورنسا، من خلال مقال نُشر في 6 يونيو على موقع LavoroCulturale.org، وخلصت فيه إلى أن “العديد من طالبي اللجوء السود أو المهاجرين من إفريقيا أو المهاجرين غير الشرعيين يمكن التسامح معهم عند الخروج من السوبر ماركت ومصادفتهم يطلبون منك عملة معدنية، ولكن هذا التسامح ينقلب إلى حقد وشعور بالريبة وعدم ثقة إذا كانوا وراءك في طابور سحب المال من أجهزة الصراف الآلي”.
مازال السود في إيطاليا، سواء الإيطاليون أو المهاجرون، يعانون من هذا التمييز في كثير من الأحيان، وربما كان هذا هو السبب في أن الجماعات المناهضة للعنصرية، بغض النظر عن الدافع وراء مقتل مونتيرو دوارتي، يبدو أنها اتخذت وفاته كذريعة للحديث عن الظروف المعيشية للسود في إيطاليا، ورفع صوتهم ضد التمييز والعنف الذي يعانون منه كل يوم.
قائمة قتلى عار إيطاليا
قتل مونتيرو دوارتي هو الأحدث في قائمة طويلة من الضحايا السود المنسيين في إيطاليا. بدأ الأمر بوفاة اللاجئ الجنوب إفريقي جيري إيسان ماسلو في 24 غشت/ آب 1989، وحظيت قضية مقتله بتغطية إعلامية ضخمة في ذلك الوقت. وتزامن الحادث مع بدء إيطاليا في التعامل مع التدفقات الكبيرة للمهاجرين القادمين من القارة الإفريقية، كما أن مقتله أدى إلى انطلاق أول مظاهرات مناهضة للعنصرية في البلاد، وفي الآن نفسه داعية إلى إصلاحات القوانين التي تعترف بوضع اللاجئ، والتي كانت تحرم من قبل الشعوب الإفريقية من الاستفادة من “وضع لاجئ”.
كان ما يسمى قانون مارتيلي لعام 1990 أول محاولة لمعالجة قضايا الهجرة في بلد اكتشف أنه لم يعد أرضا تصدر المهاجرين، بل مكانا يعيش فيه آلاف المهاجرين – في ذلك الوقت تجاوز عددهم النصف مليون – قرروا الانتقال من أجل تحسين ظروفهم المعيشية.
منذ ذلك الحين لم يتغير شيء يذكر، وتعرض العديد من السود في إيطاليا للقتل أو الاعتداءات الجسدية؛ وفي تجسيد لما يعانونه قُتل عبد وليام جيبري، ذو الأصول البوركينابية، في 14 شتنبر/ أيلول، بأنبوب رصاص على يد أب وابنه، نتيجة اتهامه من طرف صاحب أحد المقاهي بسرقة بعض البسكويت، وفي حادث آخر في 13 دجنبر/ كانون الأول 2011، قُتل السنغاليان ديوب مور وسامب مودو رميا بالرصاص في فلورنسا على يد متطرف يميني، كما أصيب في اليوم نفسه ثلاثة سنغاليين آخرين أثناء فرارهم من الشرطة.
في 3 فبراير/ شباط 2018، حاول متطرف يميني تنفيذ عملية قتل جماعي للسود في مقاطعة ماشيراتا، ما أدى إلى إصابة ستة مهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء ببندقيته، كما أنه في 5 مارس/ آذار 2018 قُتل سنغالي آخر، وهو البائع المتجول إيدي دييني، في فلورنسا، بسبب لون بشرته. وفي 2 يونيو/ حزيران 2018، قُتل العامل الزراعي والنقابي المالي سومايلا ساكو بالرصاص بينما كان يرافق صديقين لجمع بعض الخردة المعدنية لكوخهم في منطقة كالابريا. وفي 16 يونيو/ حزيران 2018، قتل الحارس السنغالي أساني ديالو بالرصاص في ميلانو على يد رجل ادعى أنه ابن شقيق موسوليني قبل إطلاق النار. والقائمة تطول وتطول ومن يدري كم عدد المفقودين الذين لم يتم جردهم.
مواطنون من الدرجة الثانية
منذ وفاة ماسلو، لم يكن هناك أي تغيير يذكر، خاصة من وجهة النظر الثقافية، ما دفع العديد من السود إلى التفكير في مغادرة إيطاليا. ولم تأخذ الإصلاحات القانونية في الحسبان أبدا الواقع الحالي الذي يشعر فيه آلاف المهاجرين من الجيل الثاني بأنهم إيطاليون، كما أن البلاد مازالت ترفض التصالح مع ماضيها الاستعماري، ومازال الإيطاليون البيض يرفضون التشكيك في امتيازاتهم، فيما مازال يُنظر إلى السود على أنهم غرباء، حتى لو ولدوا وترعرعوا في إيطاليا.
إن ما يزيد الطين بلة أن إصلاح قانون المواطنة مازال غير محوري في الأجندة السياسية – هناك حوالي مليون شخص ينتظرون منذ سنوات الحصول على الجنسية.
وصرح أحد أفراد عائلة أحد قتلة مونتيرو دوارتي المزعومين: “ماذا فعلوا؟ لقد كان مجرد مهاجر”. يعكس هذا التبرير اللاإنساني للقتل مناخ التعصب والكراهية التي يواجه بها الأجانب، والذي أصبح يمثل الموقف السائد في إيطاليا، الذي تفاقم في السنوات القليلة الماضية من قبل الأحزاب اليمينية المتطرفة، مثل ماتيو سالفيني رابطة الشمال.
وأظهر مقتل مونتيرو دوارتي أيضًا عدم قدرة جزء كبير من وسائل الإعلام الرئيسية على التعامل مع السود بسبب الأفكار المسبقة والصور النمطية المتأصلة في الثقافة الإيطالية، كما وصفت العديد من وسائل الإعلام دوارتي بأنه “مندمج جيد”، مسقطة عنه صفة المواطن، ومتناسية على ما يبدو أنه ولد ونشأ في إيطاليا، وبالتالي يجب اعتباره إيطاليا لا يحتاج إلى الاندماج.
دور السود في الحياة السياسية
قالت أبريل موفومبي، وهي سياسية تبلغ من العمر 23 عامًا من مدينة إيمولا الشمالية الشرقية، وكانت مرشحة في انتخابات المجالس المحلية في بلدتها، إن “التغيير الحقيقي يمر بالضرورة من خلال تمثيل ومشاركة أكبر للسود في الحياة السياسية، لأنه لا أحد يضع مطالبنا في الصميم”، مضيفة: “أدركت أنه من الجيد أن يكون لدينا ناشطون سود، لكن هناك أيضًا حاجة إلى سياسيين إيطاليين سود. يحتاج النشطاء إلى بناء حوار مع السياسة، لذلك إذا لم يجدوا أي شخص يمكنه فهمهم والاهتمام بهم حقا، فلن ينجحوا “.
ورثت موفومبي شغفها بالسياسة من والدها، الرئيس السابق للمجتمع الكونغولي في إيطاليا، ما جعلها تدرك أهمية وجود سياسيين سود، خصوصا بعد عملها في بروكسل مع وزيرة الاندماج الكونغولية السابقة سيسيل كينجي، التي كانت أول وزيرة سوداء في الحكومة في تاريخ إيطاليا، والتي اشتهرت بقولها: “من المهم أن أكون هناك، وأن يتم تمثيل السود. يجب علينا نحن السود أن ننضم إلى الأحزاب السياسية وأن نرفع أصواتنا داخلها حتى يتمكن الجميع من فهم أهمية التغيير”.
“هناك أيضًا منحدرون من أصول إفريقية يمينيون، وهذا جيد، لأنه يوضح أننا لا نتشارك جميعًا نفس الرؤية وأننا لسنا جميعًا يساريون؛ فأصلك لا يحدد توجهك السياسي، كما أن طريقة التفكير هذه هي نفسها شكل من أشكال التمييز”، هكذا عبرت موفومبي، مضيفة: “لذلك، قد يحدث بشكل سخيف في المستقبل أن يبدأ حزب العصبة في قبول المزيد من المنحدرين من أصل إفريقي في صفوفه، وينفذ إصلاح قانون الجنسية [لأنه سيصبح أولوية في ذلك الوقت]”.
العمل على تطوير العمل
في مقالة للكاتبة بيساريني، أوضحت أن جزءا من الحركة المناهضة للعنصرية في إيطاليا تعاني تماما بسبب بعدها الأدائي. ينطبق هذا بشكل خاص على الإيطاليين البيض الذين مازالوا يكافحون للتشكيك في امتيازاتهم.
قال أنتوني شيما، وهو ناشط يبلغ من العمر 30 عامًا من أصل نيجيري، وعضو في النسخة الإيطالية من مجموعة Black Lives Matter التي تأسست في يونيو من العام الماضي في بولونيا الإيطالية، والتي تعتبر الأكثر حساسية تجاه العدالة الاجتماعية: “أوافق ما قالته بيساريني، كانت الحركة المناهضة للعنصرية في إيطاليا ضعيفة لأنها تفتقر إلى ممثلين في مؤسسات صنع القرار. اليوم أصبح الأمر أسهل وأكثر فاعلية، ما يفتح لنا المجال إذا ما استمرت وسائل الإعلام الرئيسية في تجاهلنا لإنشاء قنواتنا الخاصة لنشر قضيتنا”.
وتابع شيما: “العنصرية دائما ما تختلط بالسياسة والهجرة، كما أن صناع القرار في إيطاليا يحاولون دائما مزجها بالسياسة والمماطلة، لأنهم غير قادرين على معالجة هذه القضية.. إنهم لا يريدون معالجتها، لكن الأجيال الجديدة مستعدة أن يكون لها تأثير، خصوصا على مستوى التواصل والتعبئة، لذلك لم يعد بإمكان إيطاليا المماطلة لأن الأشخاص الذين يتمردون ويحتجون هم إيطاليون مثلهم وسيجعلون أصواتهم مسموعة. العنصرية نظامية، لذلك نحن النشطاء بحاجة لأن نصبح منظمين أيضًا ونخترق تلك المناطق التي يتم فيها تجاهل الظاهرة”.
أثناء تسليط الضوء على حركة Black Lives Matter تم التوصل إلى أنها تتعلق أولا وقبل كل شيء بمسألة الحياة والضمير المدني والتعاطف مع الآخرين. وقال شيما إنه من أجل تغيير عقليتهم، “يجب على الأشخاص المتميزين الاستماع والدراسة لفهم سبب خروج الناس إلى الشوارع للاحتجاج”، وزاد: “يجب أن يضعوا أنفسهم في مكاننا للتشكيك في امتيازاتهم وإدراك أنه لا ينبغي أن توجد معاملة خاصة”.