لقيت تفاعلا واسعا، ومساندة من شخصيات بارزة في الشأن العام المغربي، حملة “الحرية لولاد الشعب” التي أطلقها الشباب المغربي على مواقع التواصل الاجتماعي والمنابر الإعلامية، للمطالبة برفع أيدي السلطة عن مجال الحريات المدنية والسياسية، ولفضح الانتهاكات التي ترتكبها الدولة في هذا المجال. الحملة تمتد طيلة شهر يناير من السنة الجارية، ويقول أصحابها إنهم يريدون أن يجعلوا منها مدخلا للربط النضال على المستوى إلى الإعلامي بالنضال الميداني.
حملة الشباب من أجل الحرية
مدار: 09 كانون الثاني/ يناير 2020
أطلق شباب مغاربة حملة رقمية، تحت وسم #الحرية_لولاد_الشعب، على مواقع التواصل الاجتماعي والمنابر الإعلامية، كرد على حملة الاعتقالات الواسعة في صفوف شباب معروفين بنشاطهم المعارض لسياسات الدولة المغربية؛ بل وامتدت الاعتقالات والمتابعات لتطال مواطنين عبروا عن امتعاضهم من الأوضاع الاجتماعية التي يكابدونها، وهو ما ترتبت عنه، حسب الجسم الحقوقي المغربي، أحكام قاسية وانتقامية، وانحسار حرية التعبير وإبداء الرأي.
أصدرت الحملة منشورا مطولا، اطلع “نبض أنفو” عليه، يشرح تفاصيل السياق الذي جاءت فيه، ويعبر فيه أصحابه عن أنهم يطالبون بـ”إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، من نشطاء الحراك الاجتماعي والصحافيين والمدونين الشباب، الذين تم اعتقالهم على خلفية نشاطهم التعبيري على مواقع التواصل الاجتماعي”.
لقيت الحملة تفاعلا واسعا من طرف الشباب المغربي، ومساندة من طرف شخصيات بارزة في المجالات الحقوقية، السياسية، النقابية والجمعوية. عبد الرحيم كلي، وهو أحد الشخصيات المعارضة المحسوبة على الحركة الإسلامية، يقول في منشور تم تداوله على موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك: “الحرية لولاد الشعب صرخة شبابية شعبية في وجه الظلم والاستبداد و”الحكرة” (السلطوية).. الحرية لولاد الشعب بيان لمن أراد أن يفهم ألا استقرار بدون عدل ولا تنمية بلا حرية”.
عاد المغرب لسنوات الجمر والرصاص؟
“أغلق قوس الحرية الذي كانت حركة عشرين فبراير قد فتحته تحت الضغط، وعاد النظام بالمغرب ليشن حملات واسعة لقمع الحريات والتضييق على المنظمات الشعبية المعارضة، بعد أن استعاد عافيته من مخلفات ربيع الشعوب الذي عرفته المنطقة العربية والمغاربية، الذي تشكل حركة 20 فبراير النسخة المغربية منه. سقطت كل الوعود التي تقدم بها النظام وعاد ليتوغل في انتهاك الحريات.. لم يستفد العقل الأمني المغربي من دروس الثورات الشعبية المجاورة”، تقول حملة الحرية لولاد الشعب.
عرفت الأشهر الأخيرة تصاعد حملات الاعتقالات في صفوف الصحافيين والمدونين والمعارضين الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي.
عمر الراضي، صحافي تم استدعاؤه من طرف مصالح الفرقة الوطنية للشرطة المغربية، ليتم اعتقاله على خلفية تغريدة نشرها على “تويتر”، تعليقا على الأحكام الصادرة في حق نشطاء حراك الريف (شمال المغرب) والتي بلغت 20 سنة. تمتع الراضي بالسراح المؤقت تحت ضغط الشارع، وتمت متابعته من خلال القانون الجنائي المغربي عوض قانون الصحافة، وهو أمر جار به العمل في المغرب؛ فالسلطات لا تتوانى عن متابعة الصحافيين بالقانون الجنائي، كما هو الحال بالنسبة للصحفي حميد المهداوي الذي يقضي عقوبة ثلاث سنوات من السجن على خلفية نشاطه الصحفي. “أحلتموني ظلما وعدوانا على غرفة السجن ولكني أحلتكم عدلا وإنصافا على غرفة الضمير والتاريخ”، يقول الصحفي حميد المهداوي.
تمت متابعة الناشط الحقوقي الملقب ببودا غسان (خنيفرة – وسط المغرب)، المعروف بمساندته للحركات الاجتماعية الاحتجاجية التي يعرفها المغرب، والتهمة تتعلق بتدوينة على “فايسبوك”. وبمدينة سطات (غرب المغرب) تم اعتقال الناشط الملقب بـ”مول الكاسكيطة” (صاحب القبعة) إثر فيديوهات كان يبثها، في صفحته على “فايسبوك”، تنتقد الأوضاع القائمة بالمغرب، وعليه الآن أن يقضي عقوبة أربع سنوات في الحبس.
جرى اعتقال العديد من الأطفال إثر إعادة نشر أو نشر مواد لا تتفق وتوجهات الدولة، كما هو الحال بالنسبة للتلميذ أيوب محفوظ من مدينة مكناس (وسط المغرب) الذي أدين بثلاث سنوات سجنا وغرامة مالية، بسبب “تدوينة” شارك فيها على “فايسبوك” أغنية “عاش الشعب”، التي هي الأخرى اعتقل إثرها أحد الشبان المساهمين في غنائها، المغني الملقب بـ”السيمو لكناوي”، إضافة إلى اعتقال التلميذ حمزة أسباعر، من مدينة العيون (الصحراء) بسبب أدائه أغنية في فن الراب تصف معاناة الشباب المغربي، وحكم عليه بالسجن أربع سنوات؛ إضافة إلى حالات عديدة أخرى تأتي في نفس سياق الردة التي يعيشها الوضع الحقوقي. وفي هذا الصدد يقول رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان عزيز غالي: “كل مستعملي الأنترنيت في المغرب في حالة سراح مؤقت”.
تعتبر حملة الحرية لولاد الشعب أن السلطات تريد العودة بالمغرب إلى سنوات الجمر والرصاص، وهي مرحلة أليمة عاشها المغاربة خلال القرن الماضي، ومازالت راسخة في أذهانهم. ورغم الخطاب الرسمي الذي يتحدث عن عهد جديد، إلا أن حركات المعارضة تعتبره خطابا للاستهلاك والتسويق الخارجي، والأوضاع الحالية خير دليل.
شباب مساند..إنكار رسمي وتحركات مشبوهة!
رحب الكثير من الشباب بالحملة الرقمية، وانتشر وسم #الحرية_لولاد_الشعب على نطاق واسع، خصوصا على موقع التواصل الاجتماعي “فايسبوك”. كما نشرت الحملة تعليقات لقيادات شبيبية بارزة. إبراهيم النافعي، الكاتب الوطني لشبيبة النهج الديمقراطي، اعتبر أن “مهندسي حملة الاعتقالات يعتقدون أنهم ينفذون ضربات استباقية لتأخير الانفجار الشعبي المقبل”. كما قال أبوبكر الونخاري، المسؤول في شبيبة العدل والإحسان، إن “المخزن (التوصيف المغربي للنظام) قضم المساحات المحفوظة للحق في التعبير والتنظيم السياسي وكل الحقوق الأساسية ..حرية المغاربة حق أصيل، ولا مساومة عليها”.
تلاقي الإسلاميين المعارضين واليسار المناضل داخل حملة الحرية لولاد الشعب، والمساندة الواسعة التي تحظى بها، ملمح واضح أن مسلسل الانتهاكات يطال مختلف شرائح المجتمع.
أدلى الناطق الرسمي باسم الحكومة يوم الخميس 09 يناير 2019، بعد اختتام أشغال المجلس الحكومي، بتصريح مفاده بأنه ليست هناك أي تراجعات حقوقية.
تحركت العديد من المنابر الإعلامية المقربة من السلطات، وأصدرت مقالات تستهدف الحركة الحقوقية المغربية وشخصيات بارزة فيها، كما تستهدف منظمات معارضة كالنهج الديمقراطي والجمعية المغربية لحقوق الإنسان وجماعة العدل والإحسان، واتهمتها بأنها منخرطة في حملة منظمة لتشويه صورة البلاد وضرب الثقة في المؤسسات الرسمية.
حسب ما صرح به المسؤول الإعلامي لشبيبة النهج الديمقراطي، يونس السالمي، في حسابه الشخصي على “فايسبوك”، فإن صفحة شبيبة النهج الديمقراطي تعرضت لسلسلة من التبليغات الزائفة، وهو ما أثر على وصول منشوراتها إلى المشتركين في الصفحة. كما عوينت العديد من التعليقات الصادرة عن حسابات مزيفة. ويمكن أن تكون الصفحات المساندة للحملة عرضة للذباب الإلكتروني، ولهجمات رقمية محتملة.
الربيع قادم
عزت العديد من الشخصيات السياسية والمدنية تصاعد حملات الاعتقالات في حق الناشطين على المنصات الرقمية، إلى رعب الدولة من الأشكال الجديدة لحركات الاحتجاج. عبد الحق حيسان، المناضل في الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بالمغرب، قال إن “الاعتقالات الأخيرة التي طالت الشباب تظهر بجلاء التراجع الفظيع في مجال الحريات والحقوق. وتبين من جهة أخرى رعب الدولة من الأشكال الجديدة للاحتجاجات التي تعكس الأزمة التي تعمل في المجتمع والانفجار وشيك”.
من جهة أخرى، قالت خديجة الرياضي، الناشطة الحقوقية والسياسية، والحائزة على جائزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، إن “النظام المخزني يواجه موجة من النقد اللاذع في الفضاء الرقمي من بنات وأبناء الشعب، بعد إغلاقه كل فضاءات النقاش العمومي، وقمعه للتنظيمات المعارضة والمنتقدة”، مردفة: “لنكن في مستوى ما يتطلبه الوضع من توحيد الجهود وتقوية النضال ضد الاستبداد والفساد، بدءا بفرض إطلاق سراح معتقلي الرأي”.
اتجه معاذ الجحري، نائب الكاتب الوطني للنهج الديمقراطي، إلى اعتبار أن “الدولة البوليسية في مأزق” وأنها ليس لديها ما تقدمه سوى القمع والاعتقالات، “ليس بمقدورها وقف زحف الربيع”، حسب تعبيره.
هذا وكانت “اللجنة الوطنية من أجل الحرية للصحفي عمر الراضي وكافة معتقلي الرأي والدفاع عن حرية التعبير” أعلنت انخراطها في الحملة الرقمية “الحرية لولاد الشعب” خلال الندوة الصحافية التي نظمتها يوم 09 يناير 2019، بالمقر المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالرباط (عاصمة المغرب)، التي نظمت تحت شعار “الحرية لولاد الشعب”. التصريح باسم اللجنة جاء على لسان الرئيس السابق للعصبة المغربية لحقوق الإنسان عبد الرزاق بوغنبور، الذي أورد أن “كل المتابعات في معظمها مشوبة بعيب الانتقام وتوظيف مرفق القضاء في تصفية الحسابات السياسية مع المنتقدين والمعارضين السياسيين”.