كرونولوجيا ثورة الياسمين في ذكراها التاسعة..روح البوعزيزي لازالت في الأجواء

مشاركة المقال

مدار + وكالات: 20 يناير/ كانون الثاني 2020

تسع سنوات تامة كاملة مرت سريعا على انطلاق ثورة الياسمين التونسية، ثورة الحرية والكرامة التي اندلعت في 17 أيلول/ ديسمبر 2010 بعدما أطلق شرارتها الشاب محمد البوعزيزي، الذي لم يكن يعلم أنه بإضرام النار في جسده في اليوم نفسه تعبيرًا عن غضبه على فقره ومصادرة عربته التي كان يبيع عليها الخضار والفواكه من قبل الشرطية فادية حمدي، ليفارق الحياة يوم الثلاثاء الموافق لـ4 كانون الثاني/ يناير 2011 في مستشفى بن عروس، (لم يكن يعلم) أنه سيخرج آلاف التونسيين في سيدي بوزيد وولاية القصرين للاحتجاج على واقع القمع والتفقير والفساد السياسي المعشش في مرافق الدولة، لتنتقل المظاهرات والمواجهات مع قوات الأمن إلى البلدات والمدن المجاورة كالمكناسي والرقاب وسيدي علي بن عون، وما فتئت تعم البلاد كلها، بل امتدت إلى الأقطار المجاورة واتسعت رقعتها، لتمس كافة القطر العربي والمغاربي، معلنة زلزالا سياسيا غير مسبوق اصطلح عليه بـ”الربيع العربي”، طالت هزاته الارتدادية أصقاعا من أوروبا وأمريكا.

 ولم يزد ثورة الياسمين سقوط شهداء وجرحى إلا زخما، ولم تسهم المناورات التي أجبرت عليها الرئيس زين العابدين بن علي، كإقالة وزراء وتقديم وعود وتأكيد عدم ترشحه لانتخابات الرئاسة عام 2014، وفتح المواقع الإلكترونية المحجوبة كـ”يوتيوب”، بالإضافة إلى تخفيض أسعار بعض المنتجات الغذائية، إلا في اشتداد أوارها، إذ توسعت الاحتجاجات ووصلت إلى المباني الحكومية، ما أجبر بن علي على التنحي عن السلطة والفرار إلى السعودية يوم الجمعة 14 كانون الثاني/ يناير 2011. فأعلن الوزير الأول محمد الغنوشي في اليوم نفسه توليه رئاسة الجمهورية بصفة مؤقتة باستدعاء الفصل 56 من الدستور، مع إعلان حالة الطوارئ وحظر التجول. لكن المجلس الدستوري قرر بعد ذلك بيوم اللجوء للفصل 57 من الدستور وإعلان شغور منصب الرئيس، وبناءً على ذلك أعلن تولي رئيس مجلس النواب فؤاد المبزع منصب رئيس الجمهورية بشكل مؤقت يوم السبت 15 كانون الثاني/ يناير 2011 إلى حين إجراء انتخابات رئاسية مبكرة.

تقلبات ما بعد الثورة

عرف المشهد السياسي التونسي تقلبات جمة بعد نجاح الثورة في إسقاط نظام بن علي، نرصد عناوينها الكبرى من خلال هذا الاستعراض الموجز لأهم المحطات السياسية؛ ولعل أبرزها انتخابات “المجلس الوطني التأسيسي” (البرلمان المؤقت) المكلف بكتابة دستور جديد للبلاد، والتي انطلقت يوم 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011، وفازت فيها حركة النهضة، ليتم انتخاب المنصف المرزوقي “رئيسا مؤقتا” للبلاد.

ومن أبرز الأحداث أيضا  إقرار البرلمان دستورا جديدا في يناير/كانون الثاني 2014، ليعمل رئيس الحكومة مهدي جمعة على تشكيل حكومة تكنوقراط لتسيير الأعمال حتى إجراء انتخابات جديدة. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2014، فاز حزب نداء تونس بقيادة الباجي القايد السبسي في الانتخابات البرلمانية، متقدما على حزب النهضة. كما فاز السبسي في الانتخابات الرئاسية ضد منافسه منصف المرزوقي؛ ليقوم نداء تونس والنهضة بتشكيل ائتلاف حكومي بموجب ما يعرف بـ”وثيقة قرطاج”.

انتقال ديمقراطي يتوج بنوبل للسلام وخيبة لليسار..

 لعل مما لا يمكن إغفاله في تتبع كرونولوجيا ثورة الياسمين، ومن ثمارها الإيجابية، فوز “رباعية الحوار التونسية” في أكتوبر/ تشرين الأول سنة 2015 بجائزة نوبل للسلام لدورها في تحول البلاد من الحكم الديكتاتوري إلى مرحلة الديمقراطية الناشئة. وتتألف هذه اللجنة الرباعية من أربع منظمات هي: الاتحاد العام التونسي للشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والحرف والصناعات اليدوية، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، ونقابة المحامين التونسيين؛ وتشكلت عام 2013 “عندما كانت العملية الديمقراطية تواجه خطر الانهيار نتيجة الاضطرابات الاجتماعية والسياسية والاغتيالات”، حسب رئيستها..

لكن المظاهرات والاضطرابات ستعود لتجتاح البلاد في مايو/ أيار 2017، وذلك ضد قانون المصالحة الاقتصادية الذي يمنح العفو لفلول نظام بن علي المتهمين بالفساد؛ وهي الاحتجاجات التي ستتجدد في يناير/كانون الثاني 2018، وهذه المرة ضد الأوضاع الاقتصادية والإجراءات التقشفية الحكومية.

ومما تجدر الإشارة إليه أيضا فوز المرشحين المستقلين في مايو/أيار 2018 بأغلب المقاعد في أول انتخابات بلدية تشهدها تونس الثورة منذ عام 2011، لتعصف خلافات بحزب نداء تونس 17 يوليو/ تموز 2018، ما دفع السبسي إلى المطالبة باستقالة رئيس الحكومة الذي ينتمي إلى حزبه، لكن حزب النهضة تمسك بيوسف الشاهد.

وفي يوليو/ تموز 2019 توفي الرئيس التونسي القايد السبسي ليتم تقديم موعد الانتخابات الرئاسية من نوفمبر/تشرين الثاني إلى سبتمبر/أيلول، والتي وفاز فيها الأستاذ الجامعي قيس سعيد في الجولة الثانية على رجل الأعمال نبيل القروي. كما جرت انتخابات برلمانية لم يحقق فيها أي حزب الأغلبية البرلمانية، بينما حل حزب النهضة في المقدمة بحصوله على 54 مقعداً من أصل 217.

وتولى راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة، رئاسة البرلمان في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 بدعم من حزب “قلب تونس”؛ في حين رشحت الحركة في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 المستقل حبيب الجملي لتشكيل الحكومة التونسية، ليتقدم بعد نحو شهرين بتشكيلته الحكومية، لكنه فشل بعدما لم تحصد سوى 73 صوتاً بالبرلمان، بينما عارضها 134.

وبعد هذا الفشل أصدرت الرئاسة التونسية بيانا الإثنين  20 يناير/ كانون الثاني 2020، أعلنت فيه أن الرئيس قيس سعيّد قام بتكليف وزير المالية السابق إلياس الفخفاخ بتشكيل حكومة جديدة، لتكون أمام وزير المالية السابق مدة شهر ليشكل حكومة ائتلافية قادرة على الفوز باقتراع على الثقة في البرلمان بأغلبية بسيطة؛ وإذا لم يفلح في ذلك فستجرى انتخابات جديدة بينما تواجه البلاد قرارات اقتصادية عاجلة.

تبقى الإشارة إلى خيبة الأمل التي حملتها الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة بنتائج كارثية على اليسار التونسي، الذي فشل في إقناع الشعب بالتصويت لمشروعه البديل، بعدما فضل قادته التصارع على زعامة الجبهة الشعبية، التي ظلت تشكل البيت الجامع لأغلب قوى اليسار، ما بدا جليا من خلال تقدمها بمرشحين للرئاسيات، بدل التوحد واستثمار التذمر الشعبي من الحكومات التسع التي تعاقبت على الحكم بعد الثورة.

ووصف الكثير من المحللين النصر الذي حققه قيس سعيّد بأنه ضربة كبيرة للمعارضة التي تتزعمها أحزاب اليسار، التي لم يتجاوز أي من مرشحيها عتبة 1% من نسب التصويت، وعلى رأسهم زعيم حزب العمال حمة الهمامي، الذي جاء في آخر لائحة نتائج الانتخابات بنسبة 0.7%، وفشل للمرة الثانية في بلوغ القصر الرئاسي بعدما جاء في انتخابات 2014 في المركز الثالث بعد كل من قايد السبسي والمنصف المرزوقي.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة