تونس.. أهالي عقارب يطالبون بالحق في الصحة والعدالة البيئية

مشاركة المقال

أ ف ب: 14 تشرين الثاني/ نونبر 2021

تخرج مبروكة التي تعزو وفاة ابنتها إلى التلوث في منطقة عقارب في وسط شرق تونس، للتظاهر مثل باقي الأهالي الذين يطالبون بغلق مكب نفايات يقولون إنه يضر بصحتهم فيما امتلأ الجو بدخان الغاز المسيل للدموع.

وتقول الأم البالغة من العمر 59 عامًا “لن نتراجع عن حقنا في حياة سليمة”.

في الشارع الرئيسي لبلدة عقارب يتجمع منذ الصباح نساء وشباب وحتى أطفال للتظاهر وهاجسهم الوحيد غلق المكب لأنهم كما يقولون سئموا الأمراض والتدهور البيئي الذي تسببه النفايات.

تعيش البلدة التي يقطنها حوالي 40 ألف نسمة وتتبع محافظة صفاقس منذ نحو أسبوع على وقع احتجاجات اجتماعية تطالب بغلق ثاني أكبر مكب للنفايات في البلاد من مجموع 13 أخرى.

فقدت مبروكة بن ابراهيم ابنتها يسرى التي كانت في الحادية والعشرين من عمرها في عام 2019 بسبب لدغة بعوضة تقول انها “مسمومة ومصدرها المكب”. وهي تعتقد أن الحشرة نقلت إلى ابنتها سُما قاتلًا أو مرضًا بسبب نفايات المكب المنتشر فوق 35 هكتارًا بالقرب من محمية طبيعية.

وتضيف في حرقة وهي تحمل صورة يسرى “فقدت ابنتي ولا أريد أن تفقد عائلات أخرى أبناءها جراء أوساخ المصب”.

وتصرخ باكية “نريد العيش سالمين لماذا يريدون لنا الضرر؟”.

تنتشر رائحة النفايات في الشوارع متأتية من مكب “القُنّة” الواقع على بعد نحو ثلاثة كيلومترات من مركز البلدة ويستقبل يوميا أكثر من 620 طنًا من الفضلات حسب تقديرات منظمات ناشطة في المجال.

وتحتوي أطنان القمامة المدفونة في الموقع الذي يخدم مليون نسمة في ولاية صفاقس أيضًا على نفايات صناعية وطبية خطيرة، بحسب السكان.

ويتحدث السكان وأطباء عن أنواع معينة من السرطان ومشكلات في الرؤية والعقم تُسجل بمعدل أعلى من أي مكان آخر. وتحت الضغط الشعبي، وعدت السلطات بإغلاق الموقع. لكن أعيد فتحه يوم الاثنين بعد الفشل في العثور على مكان آخر، مما أدى إلى سلسلة من الاحتجاجات والصدامات مع الشرطة.

والثلاثاء، توفي متظاهر بسبب الغاز المسيل للدموع الذي أطلقته الشرطة وفقا لعائلته وهي رواية مختلفة عما نشرته السلطات.

عندما أُغلق مكب عقارب مؤقتًا في نهاية أيلول/سبتمبر، توقفت البلديات في المنطقة عن جمع القمامة ما أدى إلى أزمة نفايات في صفاقس التي غمرت شوارعها بعد 40 يومًا أكياس القمامة.

لذلك أعادت السلطات فتح مكب عقارب على بعد حوالي ثلاثين كيلومترًا من المدينة الصناعية الكبيرة، لكن هذا لم يؤد سوى إلى نقل المشكلة.

ويشكو السكان من المكب منذ افتتاحه في عام 2008.

ويؤكد الطبيب بسام بن عمّار لفرانس برس “بعد سنتين من إنشاء المكب وبسبب حرق الفضلات والغازات السامة التي تفرزها بدأنا نلحظ وكسبب مباشر ارتفاعًا في أمراض الحساسية والجهاز التنفسي والإجهاض المبكر والأمراض السرطانية”.

 “أعضاء بشرية وأجنّة” في المكب

ويتابع بن عمّار الذي يعمل في البلدة منذ عشرين عاما “يتم جلب فضلات من كل الأصناف لاحظنا وجود مواد طبية وأعضاء بشرية وحتى أجنّة” في حين تؤكد وزارة البيئة أن نفايات المستشفيات تُعالج بصورة منفصلة.

يقول عادل بن فرج وهو من بين المتظاهرين “طيلة العام لا يفارقنا البعوض ولا الرائحة الكريهة. نوافذ البيت لا تُفتح. … مطالبنا بيئية ومشروعة ولا علاقة لها بالسياسة”.

تونس من الدول التي لا تقوم بتدوير النفايات الاّ بنسب ضئيلة وتعتمد أساسا على الحرق أو الطمر للتخلص منها. وتنبه منظمات المجتمع المدني إلى أن ما يحدث في عقارب يشبه مناطق أخرى تفاقم الوضع فيها ولم تعد تستوعب كميات الفضلات المنزلية والصناعية.

وتقول منسقة قسم العدالة البيئية في منظمة “المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية” ايناس لبيض لفرانس برس إن “أكثر من 90 في المئة من النفايات لا يتم تدويرها في تونس وهذا بتسبب في تدهور الوضع الصحي والبيئة” بجوار المكبات.

“عدالة بيئية”

وتضيف لَبيض محذرة “اليوم في عقارب وغدا ربما في مكبات أخرى بالعاصمة، ليس هناك مكب في تونس في منأى” من ظهور احتجاجات اجتماعية.

وتقول إن “على الدولة أن تضمن الحق في بيئة سليمة ويجب إرساء منظومة حقيقية لتدوير النفايات من مرحلة الفرز وصولا إلى المعالجة. يجب أن تكون هناك عدالة بيئية في تونس. ما معنى أن تتمتع مناطق بهواء نظيف وتُحرم مناطق أخرى مهمشة من أبسط حقوق العيش؟”.

ويؤيد هذا الرأي الشاب العشريني أحمد ويقول موجها كلامه للسلطات “إنهم يتجاهلون مطالبنا لأننا مهمشين ولا يكترثون لصحتنا”.

تؤكد وزارة البيئة أن عملية انشاء أي مصب يكون من شروطها الأولية الحصول على ترخيص من الأهالي والسلطات المحلية.

ويعرب الطبيب عمّار عن خشيته من تزايد تدهور الوضع في عقارب في غياب حل مستدام. ويقول “اذا استمر الوضع على ما هو عليه فإن المستقبل الصحي للمنطقة سيكون خطيرا”.

يقول المهندس محمود العجمي (29 عاما) الناشط ضمن جمعية “مانيش مصب” (لست مصبا) لفرانس برس وهو يعرض رسمًا ساخرًا لجرذان بصدد قضم دستور البلاد الذي يضمن حق العيش في بيئة سليمة “نحن مواطنون تونسيون نريد حقنا في بيئة نظيفة”.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة