[تقرير]. وسط دعم متزايد.. جنوب إفريقيا تجرّ إسرائيل إلى محكمة العدل الدولية

مشاركة المقال

مدار: 12 كانون الثاني/ يناير 2024

تزايدت حملات الدعم والتأييد الرسمي والشعبي للدعوى التي أقامتها دولة جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية لاتخاذ إجراءات ضد الاحتلال الإسرائيلي المتهم بارتكاب “أعمال الإبادة ضد الشعب الفلسطيني” في قطاع غزة خاصة والأراضي المحتلة بشكل عام، وسط مطالبات بإعلان دول وعلى رأسها المجاورة لفلسطين، للانضمام إلى الدعوى.

في 29 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، رفعت جنوب إفريقيا دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية، تتهم فيها الاحتلال الإسرائيلي بارتكاب “جرائم إبادة جماعية” في قطاع غزة الذي يتعرض للعدوان منذ أكثر من 3 أشهر.

وقالت المحكمة التي يتواجد مقرها في لاهاي بالأراضي المنخفضة، في بيان، إن “الطلب المقدم يتعلق بانتهاكات إسرائيل المزعومة لالتزاماتها، بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، والمعاقبة عليها، فيما يتعلق بالفلسطينيين في قطاع غزة”.

اليوم الجمعة انعقدت الجلسة الثانية في محكمة العدل الدولية للاستماع إلى المتهم، بعد جلسة أمس الخميس التي تحدثت فيها جنوب إفريقيا.

رسميا، أعلنت عدد من الدول والمنظمات الحكومية الدولية، دعمها لدعوى جنوب إفريقيا من بينها، فنزويلا، وبوليفيا، والبرازيل، وتركيا، وإيران، والأردن، والعراق، والمالديف، وماليزيا، وإندونيسيا، وكولومبيا، ونيكاراغوا، ومنظمة التعاون الإسلامي، والجامعة العربية، وغيرهم.

في فرنسا وكوستاريكا ومفوضية الاتحاد الأوروبي، خرجت تصريحات تفيد بأنها ستدعم عملية التقاضي في محكمة العدل الدولية وقرار المحكمة، دون الإدلاء ببيانات تدعم جنوب إفريقيا بشكل مباشر؟

على الطرف النقيض، ودون أي مفاجآت ، وقفت الولايات المتحدة والمجر وباراغواي وغواتيمالا ضد الدعوى القضائية “غير العادلة” من منظورها.

وفي 21 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، قطعت جنوب إفريقيا علاقاتها مع إسرائيل، احتجاجا على العدوان على غزة؟.

فلسطينيا، أكدت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أن المؤسسات الدولية أمام اختبار حقيقي وأخلاقي في جدية التعامل مع طلب جنوب إفريقيا بمحاكمة الاحتلال الصهيوني بتهمة ارتكاب إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني.

وشدّدت الجبهة أن الأولوية الآن لفرض إجراءات طارئة لإلزام الاحتلال الصهيوني بوقف حرب إبادته المتواصلة بحق شعبنا الفلسطيني في القطاع بموجب المادة التاسعة من اتفاقية “تحريم جريمة الإبادة الجماعية”، داعيةً الدول العربية والصديقة إلى تَحمّل مسؤولياتها في المتابعة الجدية لهذه القضية العاجلة، انتصاراً للعدالة ووفاءً لدماء الشعب الفلسطيني.

وختمت الجبهة  بيانها بالتأكيد على أن محكمة العدل الدولية أمامها مسؤوليات كبيرة وأخلاقية في المتابعة الجدية لهذه الدعوى المُقدمة من قبل جنوب إفريقيا، “بعيداً عن سياسة التلكؤ والمماطلة أو الرضوخ للضغوط الأمريكية والغربية”.

 “آن الأوان أن تتخلى هذه المؤسسات عن تقاعسها وتواطئها عبر اتخاذ قرارات نافذة لوقف العدوان، ومحاكمة قادة الاحتلال الصهاينة كمجرمي الحرب أمام محكمة الجنايات الدولية، وكل من شاركهم وساندهم وأعطاهم الضوء الأخضر في مواصلة حرب الإبادة بحق الشعب الفلسطيني”، يضيف الحزب الفلسطيني اليساري في تصريح صحفي، حصل “مدار” على نسخة منه.

“لقد رأينا نيلسون مانديلا يبعث اليوم حيا في لاهاي؛ ويؤكد مقولته الشهيرة: أن تحرر جنوب إفريقيا لا يكتمل إلا بتحرر فلسطين”، هكذا عقب بسام الصالحي عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية والأمين العام لحزب الشعب؛ على جلسة محكمة العدل الدولية المنعقدة في لاهاي.

الصالحي وجه “التحية لأرواح شهداء شعبنا ولصموده الباسل ولغزة العزة؛ والتحية والاحترام والتقدير لجنوب إفريقيا؛ لوفائها لتجربة تحررها وقيمها الإنسانية”.

من جانبه، قال القيادي في حركة حماس عزت الرشق إن “الحركة تثمن وتقدر عاليا المرافعة التي أدلى بها الفريق القانوني لدولة جنوب إفريقيا في محكمة العدل الدولية، وما جاء فيها من حجج وأدلة وبراهين موثقة، تثبت أمام العالم أجمع على تورط الاحتلال الإسرائيلي في ارتكاب جرائم إبادة جماعية وتطهير عرقي لشعبنا في قطاع غزة”.

وأضاف الرشق أن “دولة جنوب إفريقيا تثبت مجددا أصالة موقفها المبدئي في دعم شعبنا الفلسطيني وعدالة قضيته، ورفضها جرائم الاحتلال الوحشية ضد شعبنا وحقوقه الوطنية المشروعة”.

في السياق ذاته، أعلن 200 بروفيسور وخبير في القانون الدولي معظمهم من جامعات أميركية عريقة، تأييدهم الدعوى التي رفعتها حكومة جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية ضد حكومة إسرائيل، لانتهاكها اتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1948.

مطالبة مصر بدعم جنوب إفريقيا

أطلقت أحزاب وكيانات سياسية وشعبية وشخصيات عامة في مصر حملة توقيعات تحت عنوان “مصر وجنوب إفريقيا.. قضية واحدة لوقف العدوان على غزة”، للمطالبة بإعلان القاهرة انضمامها إلى دعوى جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية ودعم طلبها في اتخاذ إجراءات مؤقتة عاجلة بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، وأهمها إجراءات وقف إطلاق النار وإنهاء جرائم الإبادة الإسرائيلية ضد غزة بشكل خاص والأراضي الفلسطينية المحتلة بشكل عام.

وأوضح المتضامنون في عريضة التوقيعات، اطلع “مدار” على مضمونها “أن الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا إلى محكمة العدل الدولية يجب ألا تبقى قضية جنوب إفريقيا فقط، ويجب أن تتبناها مصر وتنضم إليها وتدافع عنها بكل قوة، سياسيا ودبلوماسيا وقضائيا”.

وأكدوا أنه: “إذا كانت دولة جنوب إفريقيا قد رفعت هذه القضية انتصارا لكفاح شعبها المرير ضد نظام الفصل العنصري الذي خلقه الاستعمار، وكذلك تطبيقا عمليا لما قاله زعيمها التاريخي نيلسون مانديلا بأن تحرير جنوب إفريقيا لن يكتمل إلا بتحرير فلسطين، فأولى بمصر التي اكتوى شعبها مباشرة من جرائم هذا العدو الإسرائيلي، أن تنضم لهذه القضية، انتصارا لشهداء مصر من العمال في مصنع أبو زعبل، وانتقاما لدماء أطفال بحر البقر، وتمهيدا للمحاسبة على أرواح ودماء أسرانا في حرب 67”.

ومن بين القائمين على إطلاق عريضة التوقيعات قافلة “ضمير العالم”، ومن الأحزاب، التحالف الشعبي الاشتراكي، والعيش والحرية – تحت التأسيس – والدستور، ومن منظمات المجتمع المدني “مركز النديم”، ومن الحركات السياسية، الحملة الشعبية لمقاطعة إسرائيل “BDS”، و”الاشتراكيون الثوريون”، وصحفيات مصريات، ومجموعة “ضد الإبادة”.

كما دعت الحركة المدنية الديمقراطية الحكومة المصرية بشكل خاص وعاجل، وكذلك كل الحكومات العربية والأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، الانضمام بشكل رسمي للدعوى القضائية التي تقدمت بها دولة جنوب إفريقيا  أمام محكمة العدل الدولية والتي توثق فيها ارتكاب العدو الصهيوني لجريمة الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، مطالبة المحكمة بإصدار قرار بالوقف الفوري للحرب كإجراء عاجل، بينما تواصل النظر في الاتهامات الخاصة بجريمة الإبادة الجماعية. 

قالت الحركة المدنية، في بيان لها الاثنين 8 يناير 2024، إنها إذ “تحيي هذا الموقف المشرف لدولة جنوب إفريقيا صاحبة التاريخ النضالي العريق في مناهضة العنصرية والاستعمار “، كما ترى أن انضمام مصر رسميا وكذلك الدول العربية والإسلامية وتلك التي تدعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وتدين المجازر التي ترتكب بحق المدنيين الفلسطينيين، هو “أقل إجراء يمكن اتخاذه للتعبير عن الرفض المطلق لتلك الجرائم الممنهجة والضغط نحو الوقف الفوري للعدوان الصهيوني”. 

وجاء في الرسالة التي يجري التوقيع عليها من الخبراء: “باعتبارنا باحثين وممارسين في القانون الدولي، ودراسات الإبادة الجماعية، والدراسات الدولية، والمجالات المماثلة المتعلقة بالعدالة العالمية، فإننا نؤيد طلب جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية كخطوة نحو وقف إطلاق النار الضروري في غزة، وتحقيق العدالة في فلسطين”.

بدورها، قالت المقررة الأممية لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية فرانشيسكا ألبانيز إن “الدعوة إلى وقف لإطلاق النار في غزة هي الحد الأدنى من القرارات التي يجب على محكمة العدل الدولية اتخاذها لمنع قتل مزيد من المدنيين في غزة”.

والخميس، نظم ناشطون في كيب تاون وقفة تضامنية مع الفلسطينيين في غزة قبيل جلسة محكمة العدل الدولية، كما شهد محيط محكمة العدل وقفة تضامنية لتأييد دعوى جنوب إفريقيا ضد الاحتلال الإسرائيلي، رافعين شعارات ومرددين هتافات داعمة لفلسطين، وداعية لوقف الإبادة الجماعية، وكان جلهم يرتدي الكوفية الفلسطينية كرمز لهذا التضامن.

كما تَجمع عشرات الفلسطينيين في رام الله بالضفة الغربية المحتلة لـ “شكر جنوب إفريقيا”.

وحمل المتظاهرون في ميدان نيلسون مانديلا الأعلام الفلسطينية وأعلام جنوب إفريقيا ولافتات كتب عليها “شكرا جنوب إفريقيا” و”أوقفوا الإبادة الجماعية”.

وقال القائم بأعمال مكتب تمثيل جنوب إفريقيا في الضفة الغربية المحتلة فويو منغواني للصحافة بعد خطابه أمام المتظاهرين إن “الرسالة تهدف إلى التذكير بأننا دائما أصدقاء فلسطين، والقول إن فلسطين ليست وحدها”.

كما قال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية: “اليوم تقف إسرائيل متهمة بارتكاب إبادة جماعية بحق أهلنا وشعبنا في غزة والمدعي عليها جنوب إفريقيا، شكرا لجنوب إفريقيا، باسم قيادة الشعب الفلسطيني وباسم فصائل منظمة التحرير وباسم شعبنا الفلسطيني ورئيس الشعب الفلسطيني أحييكم بفخر أيها المدافعون عن الكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان، الذين هزمتم نظام الفصل العنصري هنا نقول لكم سوف نهزمهم أيضا”.

جاء ذلك، خلال كلمته، في وقفة تقدير لخطوة جنوب إفريقيا اليوم الخميس في ميدان نيلسون مانديلا، بحضور عدد من أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وأعضاء اللجنة المركزية، وعدد من الشخصيات الرسمية والاعتبارية والوطنية، والمواطنين.

 وأضاف محمد اشتية: “إسرائيل اليوم تقف متهمة أمام محكمة العدل الدولية، ومتهمة أمام المحكمة الجنائية الدولية، ومتهمة في شوارع جنوب إفريقيا، وفي شوارع لندن وباريس وبرلين وواشنطن ومدريد وبروكسل، إسرائيل متهمة من كل عربي حر وشريف، ومن كل أفريقي وكل انسان حر على هذه الأرض”.

كما تجمع متظاهرون أمام سفارة جنوب إفريقيا في العاصمة التونسية، للتعبير عن دعمهم لقضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية.

وحمل المتظاهرون لافتات تشكر جنوب إفريقيا على تحركها، ورددوا شعارات منها “فلسطين حرة” و”أوقفوا الحرب”.

وأعربت العديد من منظمات المجتمع المدني، بما في ذلك الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، عن دعمها لموقف جنوب إفريقيا.

“لم أشعر قط بالفخر الذي أشعر به اليوم”

قال رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا في كلمات معبّرة، إنه “لم يشعر قط بالفخر الذي يشعر به اليوم”، وذلك تعليقا على ترافع بلاده في قضية الإبادة جماعية ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية.

وأوضح رامافوزا في كلمة أمام حزب المؤتمر الوطني الأفريقي أن هدف بلاده من هذه الدعوى هو وقف الإبادة الجماعية في قطاع غزة.

وأضاف، “بينما كان محامونا يدافعون عن قضيتنا في لاهاي، لم أشعر قط بالفخر الذي أشعر به اليوم وأنا أرى رونالد لامولا، ابن هذه الأرض، يدافع عن قضيتنا في المحكمة”.

وبشأن ما قد تتعرض له بلاده بسبب القضية، صرّح الرئيس جنوب إفريقي إن “الخطوة التي اتخذناها محفوفة بالمخاطر، نحن بلد صغير ولدينا اقتصاد صغير قد يهاجموننا، لكننا سنظل متمسكين بمبادئنا”، وقال “لن نكون أحرارا حقا ما لم يتحرر الشعب الفلسطيني أيضا”.

وقدمت جنوب إفريقيا الطلب المؤلف من 84 صفحة في 29 ديسمبر/كانون الأول، أي اليوم الرابع والثمانين للقصف الإسرائيلي على القطاع المحاصر. وفي الوثيقة، تؤكد جنوب إفريقيا على التزام جميع الدول الأطراف في اتفاقية عام 1948 باتخاذ “جميع التدابير المعقولة التي في حدود سلطتها لمنع الإبادة الجماعية”. وعلى هذا النحو، فقد حثت المحكمة على الاعتراف بأن إسرائيل قد انتهكت هذا الالتزام.

استشهادًا بالمادة الثانية من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، يقول: “إن الأفعال والتقصيرات التي تقوم بها إسرائيل (..) هي إبادة جماعية في طابعها لأنها تهدف إلى تدمير جزء كبير من المجموعة الوطنية والعنصرية والإثنية الفلسطينية”.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة