[تقرير]. الاحتلال يعدم الحق في التعليم والحياة في فلسطين وجنوب لبنان

مشاركة المقال

مدار: 07 شباط/ فبراير 2024

كاترين ضاهر

منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حلّت أصوات المسيّرات والقصف والطيران الحربي محل رنين أجراس المدارس في قطاع غزة وجنوب لبنان، وأصبح الطلاب يصطفون في طوابير بمراكز استضافة النازحين، دون أقرانهم في جميع أنحاء العالم.

هي حرب شاملة لن تقف مأساتها عند توقف العدوان الإسرائيلي المستمر منذ عملية “طوفان الأقصى”، بل ستتخطى ذلك بعدة جوانب حسب ما تظهره المعطيات والقرائن.

يقف التعليم دليلا ساطعا على ذلك، إذ تسبب القصف الصهيوني في تحطيم وتدمير مباني المدارس والجامعات في قطاع غزة، ممّا أثّر على البيئة التعليمية ويعوق الطلاب والمعلمين عن استكمال التّمدرس.

الحرب على القطاع المحاصر، والقصف اليومي المتواصل على جنوب لبنان منذ الثامن من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والذي بات يتوسع بالرغم من “قواعد الاشتباك”، أدّيا إلى تعليق الدروس وإغلاق المدارس والجامعات لفترات طويلة، مما تسبب في انقطاع التعليم والتأثير سلبا على تحصيل الطلاب.

إضافة إلى ذلك، لهذه الحرب تأثيراتها النفسية، إذ يمكن أن يعاني الطلاب والمدرّسون من آثار نفسية جسيمة جرّاء الحروب والعنف. ويمكن أن تظهر لديهم أعراض الاكتئاب والقلق وصعوبة التركيز، مما يؤثر على تجربتهم التعليمية.

في جنوب لبنان، اضطر طلاب المدارس الخاصة إلى متابعة التعليم عن بعد (أونلاين) وسط ظروف قاسية وتدني خدمة الإنترنت وعدم توفرها في معظم الأحيان، أما طلاب المدارس الرسمية فمنهم من التحق بمدارس المناطق التي نزحوا إليها، والبعض الآخر بقي دون تعليم نظرا لصعوبة الالتحاق بمدرسة قريبة من مراكز الإيواء جرّاء تفاقم معاناة النزوح والوضع الاقتصادي.

“أم جاد” والدة لأربعة تلاميذ، أكّدت في حديثها لموقع “مدار” أن أولادها بقوا شهر ونصف دون تعليم، وأجبروا بسبب القصف على بلدتهم الحدودية للنزوح إلى قرية مجاورة آمنة منذ بداية العدوان (تبنين)، حيث تسجل الأولاد في المدرسة هناك، ولكنهم درسوا يومًا واحدًا فقط، إذ بسبب تصعيد القصف اضطروا إلى النزوح مجددًا إلى منطقة النبطية في جنوب لبنان، “كنا ننتظر أن تهدأ الأوضاع لنتمكن من العودة إلى بلدتنا والتحاق الأولاد بمدارسهم”، وبعد المعطيات وتوسيع القصف، التحق الأولاد بثلاث مدارس رسمية في منطقة كفررمان الأقرب إلى مكان الإقامة الحالية.

وأوضحت المتحدثة ذاتها أن الأولاد وجدوا صعوبة في التأقلم، إذ تأخروا عن الالتحاق بالمدرسة، ما أدى إلى خسارتهم لشرح قسم كبير من المنهج. و”اضطررت رغم الوضع المتأزم لتعيين أستاذ خاص لتعويض الأولاد عما فاتهم من شرح المواد السابقة، خصوصًا المواد العلمية، إذ أن ابنتي الكبرى في صف البكالوريا العلمي، وكذلك أخوها لديه امتحان في الشهادة المتوسطة بحال لم يتم إلغائها”.

أما عن الناحية النفسية والاجتماعية، أشارت الوالدة إلى أن أولادها المعرفون بتفوقهم الدراسي تأثروا بالعدوان والنزوح، ووجدوا فرقاً وصعوبة، خاصة لافتقادهم خصوصيتهم المعتادة في المنزل، بعد أن نزحوا قصراً إلى منزل لا تتوفر به عدة مقومات كانوا معتادين عليها، وإلى مدارس متفرقة.

في المقابل، يؤكد أحمد لـ “مدار” صعوبة التحاق ابنته بالمدرسة الرسمية، لأنها كانت مسجلة في إحدى المدارس الخاصة في منطقة مرجعيون، واليوم يتعذر عليه إحضار وثائق ضرورية من مدرستها بسبب حدّة القصف.

وضمن خطة الحكومة اللبنانية تم إلحاق أبناء القرى الحدودية في جنوب لبنان بالمدارس الرسمية في المناطق البعيدة عن منطقة الاشتباكات وأبرزها صور، لكن هناك نسبة لا تزال في قراها ونسبة أخرى نزحت نحو بيروت أو البقاع أو الجبل، وهي الآن دون تعليم لأن الأزمة اندلعت قبل أن تفتتح المؤسسات التعليمية الرسمية العام الدراسي الجديد، إذ كان من المفترض أن يبدأ في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، لكن اندلاع عملية “طوفان الأقصى” قبل ذلك بيومين رافقته توترات على الحدود الجنوبية أدت إلى اعتداءات إسرائيلية مستمرة فلم يتسن فتح المدارس، فبقي المئات من التلاميذ دون تعليم.

من ناحية أخرى، يعاني أساتذة التعليم الرسمي النازحين من قرارات وصفت بـ “المجحفة” أصدرتها وزارة التربية، ما أدى إلى اضطرار بعض أفراد الهيئة التعليمية الالتحاق بمدرسة قريبة من مكان النزوح، كي يتم احتساب لهم بدل النقل والحوافز الشهرية التي أقرتها وزارة التربية هذا العام وتقدر بـ 300 دولار وأجر الحصص التعليمية. أما البعض الآخر فرأى أنه من الأفضل عدم الالتحاق بأي مدرسة، بسبب تفاقم الوضع الاقتصادي وارتفاع كلفة المواصلات.

جنوب لبنان

بالرغم من أن القصف المباشر لم يطل المراكز التعليمية في جنوب لبنان، إلا أنه تم تسجيل خسائر مادية وبشرية، وتحولت بعض المؤسسات التعليمية في مدينة صور جنوب لبنان إلى مراكز لإيواء النازحين.

وبعد استهداف آلة القتل الإسرائيلية سيارة مدنية في بلدة عيناتا في جنوب لبنان، في 5 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، استشهد ثلاثة طالبات من مدرسة القلبَين الأقدسَين في بلدة عين إبل الجنوبية قضاء بنت جبيل، تالين (12 سنة) وريماس (14 سنة) وليان (10 سنوات) إلى جانب جدتهم سميرة عبد الحسين أيوب، وإصابة والدتهنَّ.

وتسببت الغارة الاسرائيلية على بلدة الطيبة في 22 يناير/كانون الثاني الماضي، بأضرار كبيرة في ثانوية البلدة، وقد نجا مدير الثانوية وأفراد الهيئة التعليمية من العدوان. كذلك استهدفت سابقًا مدرسة حبيش الجديدة في حارة “الشمسيات” في نفس البلدة ذاتها بقذيفة في 24 ديسمبر/كانون الأول.

وفي وقت لاحق أصيب عدد من طلاب معهد كونين بجروح بسبب تناثر الزجاج المكسور في 7 ديسمبر / كانون الأول 2023 بعد غارة جوية إسرائيلية على البلدة.

القطاع والضفة الغربية

أعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) أن جميع المدارس التابعة لها في القطاع أغلقت بسبب الحرب، مبيّنة أن 300 ألف طفل قد حُرموا من التعليم لهذا السبب.

وأكد كل من “الأونروا” ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم (اليونسكو) ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) في بيان مشترك في 24 يناير/كانون الثاني الماضي بمناسبة اليوم العالمي للتعليم، أن أكثر من 625 ألف طالب قد حرموا من التعليم منذ بدء الحرب على غزة.

وأكدت المنظمات الأممية، أن الحرب أدت إلى فقدان 22 ألف مدرس وظائفهم في قطاع التعليم، في حين تضرر 75 في المائة من المباني المدرسية في القطاع.

وحسب وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، فإن 4551 طالبًا استُشهدوا و8193 أصيبوا بجروح منذ بدء العدوان الإسرائيلي في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر على قطاع غزة والضفة.

وفي الضفة الغربية، أعلنت وزارة التربية في بيان، استشهاد 41 طالبًا وأصيب 282 آخرون، إضافة إلى اعتقال 85.

 كذلك استشهد 231 معلمًا وإداريًا في جرّاء العدوان الصهيوني، وأصيب 756 بجروح في قطاع غزة، فيما أصيب ستة واعتقل أكثر من 71 في الضفة الغربية. كما أن 281 مدرسة حكومية و65 أخرى تابعة لـ “الأونروا” تعرضت للقصف والتخريب في القطاع، ما أدى إلى تعرض 83 منها لإضرار بالغة، و7 للتدمير بالكامل، فيما تعرضت 42 مدرسة في الضفة للاقتحام والتخريب.

يذُكر أن الدوام المدرسي للفصل الثاني انطلق في الضفة الشهر الماضي وجاهيًا باستثناء 55 مدرسة تداوم إلكترونيًا لوجودها في مناطق الاحتكاك مع جيش الاحتلال والمستعمرين.

استهداف متعمد

وثّق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان قتل قوات الجيش الإسرائيلي 94 من أساتذة الجامعات الفلسطينية، إلى جانب مئات المعلمين وآلاف الطلبة في إطار جريمة الإبادة الجماعية التي يرتكبها في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر الماضي.

 وأوضح المرصد ذاته في بيان، أن الجيش الإسرائيلي نفذ هجمات متعمدة ومحددة ضد شخصيات أكاديمية وعلمية وفكرية في القطاع، العشرات منهم قتلوا في غارات مباشرة استهدفت منازلهم دون سابق إنذار، ليقتلوا سحقًا تحت الأنقاض مع أفراد عائلاتهم أو عائلات أخرى نزحت إليهم أو نزحوا إليها.

 وتضم القائمة التي وثقها المرصد 17 شخصية يحملون درجة البروفيسور، و59 يحملون درجة الدكتوراه، و18 يحملون درجة الماجستير. وهذه الحصيلة غير نهائية؛ فهناك تقديرات بوجود أعداد أخرى من الأكاديميين المستهدفين، وكذلك من حملة الشهادات العليا، ولم يتم حصرهم نتيجة صعوبات التوثيق الناجمة عن تعذر الحركة بحرية وانقطاع الاتصالات والإنترنت ووجود آلاف المفقودين ممن لم يتم حصرهم بعد.

كما أن الأكاديميين المستهدفين بالقتل الإسرائيلي موزعين على شتى علوم المعرفة، وغالبيتهم يمثلون مرتكزات العمل الأكاديمي في جامعات غزة.

وأكد التقرير أن ما يعزز احتمالية تعمد استهداف إسرائيل لكافة مقومات الحياة في قطاع غزة ما أقدمت عليه القوات الإسرائيلية من تدمير منهجي وواسع النطاق للمنشآت الثقافية، ومنها التاريخية. بحيث دمرت بشكل مباشر جميع الجامعات في قطاع غزة، عبر مراحل، تمثلت المرحلة الأولى في عمليات قصف استهدفت مبانٍ في جامعتي “الإسلامية” و”الأزهر”، ثم امتد الأمر لبقية الجامعات، وصولاً إلى تفجير بعضها ونسفها بالكامل بعد تحويلها إلى ثكنات عسكرية، مثل جامعة الإسراء جنوبي غزة، التي تم تفجيرها بعد 70 يومًا من تحويلها إلى ثكنة عسكرية ومركز اعتقال مؤقت.

وتشير التقديرات الأولية أيضًا إلى استشهاد المئات من طلبة الجامعات جراء الهجمات الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة. كما أن تدمير الجامعات وقتل الأكاديميين والطلبة سيزيد من صعوبة استئناف الحياة الجامعية والأكاديمية بعد توقف الهجوم، يمكن أن يحتاج الأمر إلى سنوات حتى تتمكن الجامعات من استئناف الدراسة في بيئة مدمرة بالكامل، بحسب المرصد.

 أما الاستهداف الإسرائيلي للمدارس فقد طال 90 في المائة من الأبنية المدرسية والتربوية الحكومية التي تعرضت للأضرار، إضافة إلى 29 في المائة من الأبنية المدرسية غير قابلة للتشغيل نتيجة تعرضها لهدم كلي أو أضرار بالغة، فيما تُستخدم 133 مدرسة حكومية كمراكز للإيواء في غزة؛ زيادة على أن 281 مدرسة حكومية و65 مدرسة تابعة لوكالة “الأونروا” تعرضت للتدمير الكلي والجزئي في قطاع غزة.

وشدّدت الوثيقة المذكورة على أن ما تنتهجه إسرائيل عبر هجومها العسكري من تدمير واسع النطاق والمتعمد للممتلكات الثقافية والتاريخية، كالجامعات والمدارس والمكتبات ودور الأرشيف، يأتي في إطار سياسات إسرائيل العلنية بجعل قطاع غزة مكانًا غير قابل للحياة والسكن، وبالتالي خلق بيئة قسرية مفتقدة لأدنى مقومات الحياة والخدمات، قد تدفع سكانه في نهاية المطاف إلى الهجرة.

إن شن الهجمات العسكرية ضد المنشآت المدنية، وبخاصة تلك التي تتمتع بحماية خاصة، كالأعيان الثقافية والتاريخية، لا يشكل فقط انتهاكًا جسيمًا لقواعد القانون الدولي الإنساني وجريمة حرب وفقًا لميثاق روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، بل يأتي أيضًا في إطار جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد سكان قطاع غزة، والتي تهدف من خلالها إلى تدمير الفلسطينيين بدنيًّا وروحيًّا، يستنتج المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة