مدار: 17 شباط/ فبراير 2024
تنكشف كل يوم تفاصيل المخطط الصهيوني لتهجير سكان قطاع غزة إلى سيناء على الأرجح، إذ بات هذا المشروع أقرب الآن إلى الواقع أكثر من أي وقت مضى.
الأمر لا يتعلق بمخاوف ولا تحذيرات، بل يتم تنزيله على الأرض، وهذا ما تظهره الوقائع والتطورات.
جريمة الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني في القطاع المحاصر، خلّفت حتى الآن 28 ألفا و858 شهيدا، و68 ألفا و677 مصابا، حسب ما أعلنته وزارة الصحة في غزة، في حين لا يُعرف مصير الآلاف من المفقودين.
في منطقة هي الأكثر كثافة في العالم، دفع العدوان وسياسة الأرض المحروقة بما يقارب المليوني شخص إلى النزوح جنوبا، لجأ نحو 1,5 مليون منهم إلى مدينة رفح المجاورة لمصر.
لما بدأت قوات الإحتلال هجومها البري على القطاع، طلبت من السكان التوجه إلى الجنوب تحت ذريعة أنه سيكون “منطقة آمنة”، وبعد ذلك طلبت منهم التوجه إلى منطقة رفح الضيقة.
على الأرض، لا يوجد مكان آمن، ولا يوجد أي قسم لم تطله الهجمات الإسرائيلية، وحسب ما تؤكده أحدث صور بالأقمار الاصطناعية الخاصة بالأمم المتحدة فإن حجم الدمار هائل، بل ووصفته منابر إعلامية عبرية بـ “بما بعد القنبلة الذرية”.
ويصرّ المستوى السياسي الإسرائيلي على مواصلة الحرب إلى غاية “القضاء” على المقاومة و “تحرير جميع الأسرى”، وهي أهداف لا يؤمن بها حتى القادة العسكريون في دولة الاحتلال، وبعد 134 من الحرب لم يتحقق منها شيء ذي وزن، وسط استمرار احتجاجات عارمة داخل الأراضي المحتلة تطالب بالهدنة والوصول إلى صفقة تبادل.
الاحتلال أعلن أنه سيشن عملية عسكرية برية في محافظة رفح، باعتبارها “المعقل الأخير” لحركة حماس حسب ما يدعيه بنيامين نتنياهو.
وترى قراءات سياسية وعسكرية أن الإسرائيليون يرغبون في الدخول في هذه الخطوة لتعزيز موقفهم التفاوضي، على أرضية محادثات باريس، كما يسابقون الزمن قبل حلول شهر رمضان الذي لن يخلو من تصعيد كبير في الضفة الغربية و”باقي الجبهات” (بما فيها لبنان، اليمن والعراق)، وحركة التضامن الدولي في العالم الإسلامي على وجه الخصوص.
بالنسبة للأمم المتحدة فإن الهجوم على المدينة ستكون له “عواقب مدمرة “، حسب ما ذكره الأمين العام للمنظمة الأممية أنطونيو غوتيريس، الثلاثاء الماضي.
ووسط استمرار الغارات الإسرائيلية الجوية المكثفة على المحافظة، اضطر بعض الناس إلى التوجه إلى وسط القطاع في دير البلح غير الآمن أيضا، وفق ما أكده مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.
الولايات المتحدة، وهي الداعمة الأكبر للاحتلال الصهيوني في حرب الإبادة التي يشنها في غزة، منحت ضمنيا الضوء الأخضر لاجتياح رفح، بعد أن اشترط الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن ما وصفه بـ “خطة لضمان سلامة المدنيين”.
الجانب المصري الرسمي عبّر عن رفضه للعملية العسكرية البرية في رفح، وحذّر من “عواقبها الوخيمة”.
وقالت الدبلوماسية المصرية في بيان إن “استهداف رفح، واستمرار انتهاج إسرائيل لسياسة عرقلة نفاذ المساعدات الإنسانية، بمثابة إسهام فعلى فى تنفيذ سياسة تهجير الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته”.
وكالة “الأسوشيتيد برس” للأنباء نقلت، قبل ستة أيام من الآن، عن مسؤولين مصريين أن القاهرة ستعلق اتفاقية “كامب ديفيد” إذا اجتاح جيش الاحتلال مدينة رفح، وهو التهديد الأول من نوعه منذ توقيع المعاهدة سنة 1978.
وتخشى القاهرة من نزوح جماعي لمئات الآلاف من الفلسطينيين إلى الأراضي المصرية، والذين قد لا يسمح لهم بالعودة أبدا إلى قطاع غزة، في سيناريو محتمل جدا، يعيد إلى الأذهان نكبة 1948 حين أجبر أكثر من 750 ألف من الفلسطينيين على مغادرة وطنهم.
وكانت الفصائل الفلسطينية اعتبرت في بيان أن تهديدات الكيان الصهيوني بـ “توسيع العدوان والحرب على رفح” يمثل “تهديدا لسيادة مصر وأمنها القومي”.
القوى الفلسطينية سطّرت على أن “الحكومة النازية المتطرفة” مصرّة على تنفيذ مخططات “الضم والتوسع والتهجير القسري، وتصفية قضية اللاجئين”، مذكرة في هذا السياق بـ “الاستهداف الممنهج” الذي تتعرض وكالة غوث وتشغيل لاجئي فلسطين (الأونروا)، بعد أن قامت دول من الشمال العالمي بتعليق تمويل الوكالة التابعة للأمم المتحدة.
وكانت مؤسسة سيناء المصرية لحقوق الإنسان أفادت هذا الأسبوع بأن السلطات المصرية بدأت في “إنشاء منطقة معزولة محاطة بأسوار على الحدود مع قطاع غزة بهدف استقبال لاجئين [حال حدوث عملية نزوح جماعي من سكان القطاع]”.
مخطط التهجير كان موضوع دعوات صريحة من مسؤولين كبار في حكومة الاحتلال، إذ سبق لإيتمار بن غفير وهو وزير الأمن القومي الإسرائيلي، وبتسلئيل سموتريتش وزير المالية، أن دعيا إلى تهجير سكان القطاع وإعادة بناء المستوطنات فيه.
محكمة العدل الدولية، قالت عن التطورات الأخيرة في رفح، إن من شأنها أن “تزيد بشكل كبير ما يعتبر بالفعل كابوسا إنسانيا ذا عواقب إقليمية لا تحصى”.
ورغم أن أعلى هيئة قضائية في الأمم المتحدة شددت على “التنفيذ الفوري والفعال” للتدابير المؤقتة التي أمرت بها في 26 كانون الثاني/ يناير 2024، في سياق القضية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل بتهمة ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في حق الفلسطينيين في القطاع، إلا أنها لم تصدر قرارا “خاصاً ومباشراً وواضحاً بشأن التهديدات الصهيونية بالاجتياح البري لمدينة رفح”، حسب ما لاحظته الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
سبق لفيليب لازاريني، المفوض العام لوكالة “الأونروا” أن أوضح بأن آثار الحرب على المدنيين في قطاع غزة “لا يمكن تخيلها”.
وكان لممدوح حبشي، أمين لجنة العلاقات الخارجية وعضو الهيئة العليا في حزب التحالف الشعبي الاشتراكي بمصر، أكد في حوار خاص مع “مدار”، أن سيناء كانت تعد لاستقبال الفلسطينيين المهجّرين، منذ إفصاح السيسي عن “”صفقة القرن” مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، مضيفا أنه “بدأت فعليًا عملية تشييد المشاريع المطلوبة لتحقيق ذلك”.
حبشي شدّد على أن “إجبار الفلسطينيين على الهجرة من أرضهم بعد حرب السابع من أكتوبر هو أسوأ السيناريوهات بالنسبة للقضية الفلسطينية”.