مدار: 02 شباط/ فبراير 2022
مع استمرار اشتداد الأزمة في لبنان، يناضل جيل الشباب للعثور على بارقة أمل وسط اليأس المتفاقم. ويضطر الشباب والشابات، على اختلاف انتماءاتهم وخلفياتهم، إلى تحمّل مسؤوليات جمة، تتجاوز أعمارهم وقدراتهم على مواجهة الأزمة المتعددة الأبعاد؛ من انهيار اقتصاديّ شديد وتفشي جائحة كوفيد-19 وآثار تفجيرات مرفأ بيروت عام 2020، مع كل ما يترتب على ذلك من آثار ضارة على صحتهم النفسية وعلى إمكانية حصولهم على الفرص المرجوة.
ودفعت الأزمة المتفاقمة في لبنان، الشبان، إلى الانقطاع عن التعلّم، وسلبت أحلامهم ومستقبلهم، إذ يُجبرون جرّاء الوضع الاقتصادي المأزوم على ترك التعليم والانخراط في عمالة غير رسمية وغير منتظمة والقبول بأجورٍ متدنية بهدف البقاء على قيد الحياة ومساعدة أسرهم على مواجهة التحديات المتزايدة، وفقاً لتقييم جديد لـ “اليونيسف”.
وأورد تقرير “اليونيسف”، الذي صدر يوم 28 يناير/ كانون الثاني تحت عنوان “البحث عن الأمل“، نظرة قاتمة لشباب وشابات لبنان الذي يتأرجح عند حافة الهاوية ، إذ أشار إلى أنّ “4 من كل 10 شباب وشابات في لبنان تقريباً خفّضوا الإنفاق على التعليم من أجل شراء المستلزمات الأساسية من غذاء ودواء ومواد أساسية أخرى. وانقطع 3 من كل 10 عن التعليم كلياً”.
وحسب تقييم الهيئة الأممية ذاتها، الذي ركّز على الشباب فإن 31% من الشباب والشابات خارج دائرة العمل أو التعليم أو التدريب (NEET)، وانخفضت نسبة الالتحاق بالمؤسسات التعليمية من 60% في السنة الدراسية الماضية (2020/2021) إلى 43% في السنة الدراسية الحالية (2021/2022).
وتعكس هذه النتائج، حالة انقطاع الكثيرين عن التعليم والتعلّم، بما له من الأثر السلبي الشديد على مستقبل تعليم الشباب وعلى آفاق العمل الذي قد ينخرطون فيه على المدى البعيد، وبالتالي، ما لم يُصار سريعاً إلى تغيير الاتجاهات الحالية واتخاذ الإجراءات المناسبة، فستتفاقم الأمور أكثر وسيكون لذلك تداعيات خطيرة على النمو المستقبلي والتماسك الاجتماعي في لبنان، وفق ما جاء في المصدر عينه.
وتعقيباً على هذه الأرقام، أكّدت ممثلة منظمة الأمم المتحدة للطفولة بالإنابة في لبنان إيتي هيغينز، أن الأزمة تحرم فئة الشباب والمراهقين من عنصر الاستقرار الذي هو غاية في الأهمية في سنّهم، كونها تسلبهم حقهم في التعلّم والأحلام والمستقبل، مشدّدة على أنّ شباب وشابات لبنان بحاجة ماسة إلى الدعم، و”هناك حاجة ملحّة من أجل إيجاد استثمارات تحول دون أن تكون المخاوف المالية مانعاً من حصولهم على التعليم والمهارات التي يحتاجون إليها لإيجاد العمل اللائق في نهاية المطاف والإسهام في استقرار لبنان وازدهاره”.
وفي ظلِّ الأزمات التي تدفع كثيرا من الشباب والشابات إلى ترك التعليم، فإنه غالباً ما يجد هؤلاء أنفسهم غير مهيئين للمنافسة على الوظائف القليلة المتاحة، وقد ينتهي بهم الأمر، في أحيانٍ كثيرة، إلى القبول بأجر منخفض في قطاع غير نظامي.
وبيّن تقرير “البحث عن الأمل” أن متوسط دخل الشباب والشابات العاملين الشهري يبلغ 1,600,000 ليرة لبنانية، وهو ما يعادل 64 دولاراً أميركياً تقريباً، حسب سعر السوق السوداء الموازية، وبالمقابل، ففي ما يتعلق بأحوال الشباب السوري في لبنان، يتدنى دخل هؤلاء إلى النصف، مقارنة بما يجنيه الشباب اللبناني، أي ما يعادل الدولار الواحد يومياً.
ووفقاً للتقييم ذاته، فإن 13% من العائلات تعتمد استراتيجية تكيّف سلبية تتمثل بإرسال أطفالها، ما دون سن 18 عاماً، إلى العمل وهذه النسبة قد ترتفع أكثر إذا ساء الوضع أكثر، كما أن 7 من كل 10 شباب (إناث وذكور) يمكن اعتبارهم من فئة المعطلين عن العمل، إذ أن هؤلاء لم يجنوا دخلاً ما خلال الأسبوع الذي سبق إجراء التقييم.
وتتسبب الأزمة الغير المسبوقة بخسائر اجتماعية ونفسية فادحة في صفوف الشباب، الذين غالباً ما يشعرون، يوماً بعد يوم، أن آفاقهم مقفلة، ملبدة، وباهتة، وأن إمكانية وصولهم إلى حياة أفضل شبه مستحيلة.
وأدّت الأزمة اللبنانية أيضا إلى زيادة آليات التكّيف السلبية الأخرى في موازاة خفض تكاليف التعليم، وأظهرت “اليونيسف” أنه خفّض واحد من كل شابين إثنين تقريباً النفقات الصحيّة، وتلقى 6 من كل 10 شباب فقط الرعاية الصحيّة الأولية عندما كانوا في حاجة إليها، لافتة إلى أن “58% من الشباب في لبنان لم يكن لديهم أدنى أمل بإمكانية العثور على فرصة عمل، و41% يشعرون أن فرصتهم الوحيدة هي البحث عن فرصٍ في الخارج. وأيضاً 86% من الشباب والشابات في لبنان يشعرون في كثير من الأحيان بالاضطراب والقلق”.