مدار: يوم الأرض الفلسطيني 2024
منذ بداية العدوان على قطاع غزة، تشهد ساحات الأردن تحركات شعبية متواصلة، داعمة للمقاومة وداعية لمناهضة التطبيع وإقرار قانون تجريمه.
وارتفعت وتيرة الانتفاضة الشعبية في المملكة، بتنظيم مسيرات واعتصامات يومية لمحاصرة سفارة الكيان الصهيوني في الرابية، رافعة شعارات مندّدة بحرب الإبادة الجماعية على القطاع، ومطالبة الحكومة الأردنية بقطع العلاقات مع المحتل وإلغاء كافة اتفاقيات التطبيع كافة.
وشهدت هذه الاحتجاجات حضوراً جماهيرياً واسعاً، قابلتها السلطات بالقمع والاعتداء على المتظاهرين السلميين بالضرب والاعتقال وإلقاء قنابل الغاز المسيل للدموع.
وعلى ضوء هذه الأحداث التطورات، شدّد عصام الخواجا، نائب الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية وعضو الملتقى الوطني لدعم المقاومة، في تصريح خص به “مدار” إن “السمة الغالبة في هذه الاحتجاجات كانت السماح بإقامتها وحمايتها لكن من الملاحظ أن أي تحرك يتوجه نحو مقر السفارة الكيان الصهيوني في منطقة الرابية في عمان كان يواجه بالمنع والاحتكاك مع القوى الأمنية مما يسفر عن وقوع حالات توقيف واعتقالات بحق بعض المتظاهرين والتي تجاوزت الألف منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول”.
وحسب المتحدث، تتراوح مدة التوقيف بين ساعات إلى أيام وأحياناً عدة أسابيع، وفي الغالبية الساحقة يتم إطلاق سراح الموقوفين بموجب كفالات عدلية دون صدور أحكام بحق الموقوفين. وترتبط إجراءات المنع بالمكان وعنوان الفعاليات سواء كانت مسيرة أو اعتصام.
عصام الخواجا قدم مثالا على أنه لا يُسمح بأي شكل من الأشكال وصول المعتصمين أو المتظاهرين إلى مقر سفارة الكيان رغم تكرار المحاولات، كذلك منعت المسيرات من الوصول إلى جسر الشيخ حسين في منطقة الأغوار الشمالية للإيقاف الجسر البري ومنعه توريد السلع والخضار للكيان الصهيوني وجيشه الذي يرتكب جرائم الإبادة كل يوم، وفقاً للمتحدث.
وتابع إن القوى الأمنية تمنع أيضاً تنفيذ الاعتصامات أمام سفارات الدول التي تدعم الاحتلال مثل سفارة الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا وألمانيا. إضافة إلى تشديد إقفال كافة الطرقات المحيطة بمقر الحكومة وبعض الوزارات.
وأكد الخواجا أن الاحتجاجات الشعبية العارمة كانت بدأت منذ الساعات الأولى للسابع من أكتوبر/تشرين الأول المنصرم، وشملت مناطق مختلفة في البلاد، وأولها أمام ساحة مسجد الكالوتي في الرابية حيث محيط سفارة الاحتلال، ثم امتدت الاعتصامات المتواصلة حتى الساعة إلى كافة ساحات المملكة، تحت شعارات “دعم المقاومة الفلسطينية والتضامن مع غزة ومناهضة التطبيع والمطالبة بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني، وإلغاء كافة المعاهدات والاتفاقات التطبيعية، كاتفاقية الغاز والماء مقابل الكهرباء، وكافة أشكال التطبيع منها الأكاديمي والثقافي والرياضي والزراعي.. إلخ”.
غضب شعبي ومطالب مشروعة
أكد الشباب الأردني في دعواتهم للتحركات الشعبية على أن نضالهم يشمل ثلاثة محاور أساسية؛ الأول داخلي، حيث يؤكدون على ضرورة الضغط على الحكومة الأردنية للاضطلاع بمسؤولياتها تجاه القضية الفلسطينية، والتحرك الفوري والعاجل للضغط من أجل إيقاف العدوان على قطاع غزة المحاصر، ووقف مخطط تهجير الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية باتجاه الأردن.
إضافة إلى التحرك لمنع تصدير الخضار عبر إيقاف الجسر البري، وإلغاء اتفاقيات التطبيع كافة بما يشمل “وادي عربة” واتفاقيات المياه والغاز وقطع العلاقات نهائياً مع الكيان الصهيوني.
أما المستوى الثاني من هذه النضالات، فيهم مساندة غزة، إذ انطلق الشباب الأردني بصوت موحد للتأكيد على الدعم الكامل للشعب الفلسطيني في القطاع والإشادة بدور المقاومة الفلسطينية والضغط على المؤسسات الدولية المعنية بفك الحصار عن الغزاويين.
يتمحور الهدف الثالث لتحركات الشباب الأردني على استنهاض الشعوب العربية، في كل أنحاء المنطقة، سواء في الداخل الفلسطيني بما يشمل الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس والداخل المحتل، أو في مصر والعواصم العربية كافة.
وقول المؤطرون لهذه التظاهرات إن تحركاتهم تهدف لدعم فلسطين أولاً، ومن جهة أخرى لحماية الأردن وأمنها القومي، مسلطة الضوء على إدراك الشعب لمطامع الكيان الصهيوني في البلد، كونها شملت في مخطط ما تمسيه دولة الاحتلال بـ “إسرائيل الكبرى”.
وبخصوص اعتقال النشطاء المتكرر بسبب تعبيرهم عن رأيهم أو توجهات أحزابهم، أكّد المتحدث ذاته أن ذلك “يعتبر إجراءً تعسفياً، ويشكل تعديًا صارخًا على حرية الرأي والتعبير وهي من حقوق الإنسان الأساسية التي كفلتها المواثيق الدولية التي وقعت عليها والتزمت بها الدولة الأردنية وكفلها الدستور وفق نص المادة (15) البند (1) التي تشير على أنه “تكفل الدولة حرية الرأي، ولكل أردني أن يعرب بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير ..”.
وكان أصدر الملتقى الوطني لدعم المقاومة بياناً يستنكر فيه “الاستهداف والاعتقال التعسفي” بحق الشباب الأردني الثائر والداعم للمقاومة، داعياً إلى “الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين السياسيين، ومطالباً الجماهير الأردنية باستكمال حصار السفارة والخروج في كل الميادين بمختلف المحافظات”.
نائب الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية شدّد على ضرورة السماح بأوسع مساحة للتضامن مع فلسطين وغزة تحديداً، ومناهضة كل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني، مبيناً أن هذا “في صلب المصالح الوطنية الأردنية، لأن كيان الاحتلال لا يستهدف فلسطين فقط، بل يستهدف الأردن أرضاً وشعباً وكياناً، فدعم هذا الموقف الشعبي الجارف المتضامن والداعم للمقاومة وفلسطين وغزة يقع في عين الدفاع عن الاردن وسيادته ومنعته”.
وشدد المسؤول السياسي نفسه على أن “منع فعاليات مناهضة التطبيع تصب في خانة الاحتلال ومصالحه، كالمصالح الحيوية للتحالف الاستعماري الأمريكي الصهيوني الذي يسعى لتكريس وتعزيز هيمنته وتبعية الأنظمة العربية له ولسياساته وإملاءاته”.
واعتبر الخوجا أن السلطة التنفيذية بمكوناتها المقررة هي أسيرة نهج سياسي اقتصادي “يكرّس التبعية والارتهان لسياسات ومصالح الحلف الامبريالي الصهيوني “، مضيفا أن “أي نشاط أو فعالية جماهيرية مناهضة للتطبيع، وحكماً هي داعمة للمقاومة تشكل إحراجاً وتغريداً خارج سرب السياسات التطبيعية الرسمية التابعة”.
وتطرق المناضل السياسي لموضوع فعالية حملات المقاطعة وضرورة تعزيز سياسة المقاطعة للبضائع والسلع التي ينتجها الكيان الصهيوني وكل الدول الغربية الاستعمارية الداعمة له، والتي وصلت نسبتها حسب استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية لتتجاوز نسبة 95%، أي أن 95% من الشعب الأردني مقاطع، وقد تكون من أعلى النسب في العالم، وظاد: “نحن أمام ثقافة مقاطعة شعبية واسعة وراسخة يحميها ويحرسها ويكرسها الأطفال قبل الكبار”.
وعن قمع حرية الرأي، أضاف المصدر ذاته، إلى أن التهم وجهت لعدد من المحتجين للمثول أمام القضاء، رغم مشاركتهم في احتجاجات سلمية، أو لمجرد التعبير عن رأيهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي. شارحاً “هنا كان يتم استخدام بعض القوانين التي تم تعديلها مؤخراً ومن ضمنها قانون الجرائم الإلكترونية، الذي أبدينا اعتراضنا على مشروع هذا القانون حينها، لأنه تضمن نصوصاً ستكون مسلطة على المعارضين المؤثرين حزبيين أو مستقلين،، ويمكن استخدامها لإدانة النشطاء عند التعبير عن وجهة نظرهم، أو إبداء رأيهم المخالف لموقف الحكومة وسياساتها، أو بسبب توجيه انتقادات للسلطة التنفيذية وسياساتها وأدائها أو أي من مؤسساتها، تحت بند مخالفة نص قانون الجرائم الإلكترونية”.
وسلّط الخوجا الضوء في هذا السياق على “ملف الاعتقال الإداري” الذي يتم تطبيقه على الناشطين السياسيين على خلفية مشاركتهم في وقفات داعمة لغزة وفلسطين، والذي زادت وتيرته مؤخراً بشكل ملحوظ. وكان حزب الوحدة وجّه رسالة إلى المنظمة العربية لحقوق الإنسان، الخميس 28 آذار/ مارس الجاري، أكّد خلالها على تمسك الحزب بحقه وحق أعضائه في العمل تحت سقف الدستور والقانون، ورفضه لكل أشكال التضييق والضغط والتخويف ومن ضمنها الاعتقال، كما عبّر عن رفضه” كافة كل أشكال الضغط والتضييق والاعتقال”، وفق تعبيره.
وأثار الحزب المذكور قضية اعتقال مجد الفراج، معتبرا إياه “انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان”.
دعم فلسطيني وعربي
وتحظى المظاهرات في الاردن بمتابعة واهتمام كبيرين في فلسطين والبلدان العربية، بل وتفاعل مصريون مع الأردنيين في في وقفة “الخبز والماء” أمام مقر نقابة الصحفيين المصريين في القاهرة والتي طالبت بإسقاط معاهدة “كامب ديفيد ” وفتح معبر رفح.
الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين حيّت في بيان هذه التحركات العارمة، واصفة أنها تُمثّل “أبلغ وأقوى رسائل التضامن مع الشعب الفلسطيني والوقوف بشكلٍ مبدئي مع المقاومة الفلسطينية”، معتبرة أن هذا الغضب الشعبي “يشكل ورقة ضغط في يد السلطات الأردنية الرسمية على الكيان الصهيوني وحلفائه من الغرب لا يجب تبديدها”.
ودعا الحزب الفلسطيني السلطات الأردنية إلى وقف أشكال الملاحقة والاعتقال بحق الناشطين السياسيين، داعيا إلى الاستجابة لنبض الشارع ومطالبه المشروعة، والإفراج عن المعتقلين السياسيين.
وتتواصل الحملات الإلكترونية الداعمة للتحركات الشعبية في الأردن، إذ لاقت دعماً فلسطينياً وعربياً، في الميادين، وعلى منصات التواصل الاجتماعي أيضاً.