مدار: 19 أيلول/ سبتمبر 2021
تختلف الأساليب التي تنتهجها القوى السياسية للتعبير عن احتجاجها على الأنظمة السياسية ورفضها لها أو لسياساتها، والتعبير عن مواقفها وإيصالها إلى أوسع شريحة ممكنة؛ وذلك باختلاف التكتيكات الخاصة بكل حزب وتوجهاته وقراءته للمرحلة والزمن السياسي المناسب.
ومن الأحزاب ما تختار اللجوء إلى الاحتجاج والتظاهر السلمي كما حدث في موجات “الربيع العربي” سنة 2011، حين التحقت قوى سياسية وفاعلون بالشباب الثائر في الميادين على الأنظمة الحاكمة بعدد من الدول العربية والمغاربية، بدءا من تونس، ومصر، والمغرب، وليبيا…
إلا أنه في فترات أخرى يكون امتناع الأحزاب السياسية عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية أو الاستفتاءات الشعبية والدعوة إلى مقاطعتها آلية من آليات الاحتجاج والتظاهر لتحقيق التغيير السياسي المنشود، ووسيلة للتعبير عن مواقف المعارضة وفرصة للتعريف بها.
وكما يبدو، لا يروق خيار المقاطعة الأنظمة الحاكمة، التي تختار التضييق على القوى المعارضة ونشطائها وتحاول ما أمكن التعتيم على دعوات المقاطعة، كما يمكن أن يصل بها الأمر إلى حد قمع حملات المقاطعة واعتقال الداعين لها والتشويش عليهم.
ولعل ما يدعم هذا الطرح هذا ما حصل مؤخرا بالمغرب ويحصل بالعراق، إذ شهدت الانتخابات التشريعية والجماعية الأخيرة التي أجريت يوم 08 سبتمبر 2021 بالمغرب تعتيما وتضييقا واسعين على مناضلي/ات حزب النهج الديمقراطي المغربي (حزب يساري معارض) الذي يدعو إلى مقاطعة الانتخابات.
وحسب ما ورد في بيانات “حزب النهج”، وما تداولته مواقع التواصل الاجتماعي من فيديوهات توثق التضييق الذي طال مناضليه، فإن السلطات المغربية تعاملت بتشنج وعنف مع حملة مقاطعة الانتخابات، ما دفع العديد من القوى على المستوى الجهوي والدولي إلى إصدار بيانات تضامنية تدعو إلى حماية الحق في التعبير عن الرأي وحماية النشطاء المعارضين.
وبالعراق أيضا، أعلن الحزب الشيوعي العراقي موقفه القاضي بمقاطعة الانتخابات التشريعية المزمع تنظيمها في تشرين الأول من هذه السنة؛ وذلك بعد إجرائه استفتاء داخليا أفضى إلى تصويت الأغلبية الساحقة لصالح مقاطعة الانتخابات.
وقد انطلقت منذ أسابيع حملة “الشيوعي العراقي” الداعية إلى مقاطعة الانتخابات عبر مسيرات ينظمها مناضلو/ات الحزب للتواصل مع المواطنين /ات والتعريف بموقف التنظيم وحيثياته، مع توزيع المنشورات ونسخ عن جريد “طريق الشعب” الخاصة بـ”الشيوعي العراقي”، خاصة الأعداد التي تتحدث عن مقاطعة الانتخابات.
وفي هذا السياق، وحسب ما أفاد به الحزب ذاته، عبر صفحاته وجريدته الرسمية، فقد تعرض عدد من مناضليه للتضييق والاعتداء خلال قيامهم بحملتهم الإعلامية.
وأفادت المصادر ذاتها بأن قوة من الجيش اعترضت مساء السبت الماضي 11 سبتمبر فريقا من نشطاء الحزب الشيوعي العراقي في حي الجامعة ببغداد، أثناء توزيعهم منشورات “طريق الشعب” التي تتحدث عن مقاطعة الانتخابات؛ وذلك “بحجج غير واقعية ومن دون مسوغ قانوني”.
وصرح عبد الرزاق إبراهيم، سكرتير اللجنة المحلية للحزب بمنطقة الكرخ، لـ”طريق الشعب” بأن المعنيين “قدموا للضباط نسخة من إجازة الحزب وهويات تعريفية، وأوضحوا حق الحزب دستورياً وقانونياً في التعريف بمواقفه للجماهير، وبأن هذا النشاط جزء من الأنشطة اليومية التي تقوم بها منظمات الحزب في جميع مناطق العاصمة وبقية المحافظات”.
وأضاف المتحدث ذاته أن القوة الأمنية تلقت تعليمات من قيادة العمليات بمنع النشطاء من مواصلة توزيع المنشورات، وأن أفرادها أشاروا إلى منع النشاط السياسي لأنه يهم مقاطعة الانتخابات.
وفي وقت لاحق أصدر المكتب السياسي للهيئة ذاتها يوم 15 سبتمبر 2021 تصريحا إعلاميا يفيد بـ”احتجاز شيوعيين، بينهم قيادي في الحزب”، ووصف هذا الفعل بأنه “انتهاك لحقهم الدستوري والقانوني”.
وفي تفاصيل الواقعة أوضح التصريح أن قوة من الجيش منعت مرة أخرى، مساء الأربعاء في المحمودية، “مجموعة من النشطاء الشيوعيين من تعريف المواطنين بموقف الحزب من الانتخابات البرلمانية المقبلة، واحتجزت عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي الرفيق الدكتور عزت أبو التمن، إلى جانب مسؤول منظمة الحزب في المحمودية الرفيق سعدون غاوي، مدة تزيد عن ساعتين قبل إخلاء سبيلهما”.
وتعليقا على واقعة الاحتجاز أكد التصريح أن ذلك “يعكس موقفا خطيرا إزاء حق العمل السياسي وحرية التعبير لحزبنا وغيره من الأحزاب والقوى والشخصيات، وهو ما يتوجب التوقف عنده من قبل الحكومة والجهات الأخرى المعنية بالانتخابات”.
وأضاف المصدر ذاته أن “من حق أي حزب أن يحدد موقفه من الانتخابات، سواء بالمشاركة أو بالمقاطعة، ومن حقه أن يعبر سلمياً عن ذلك، وحجب هذا الحق هو انتهاك لنصوص الدستور وقانون الأحزاب”، وزاد أن “على الجهات الرسمية اتخاذ موقف إزاء هذا الإجراء التعسفي”.
تجدر الإشارة إلى أن الحزب الشيوعي العراقي اختار خيار المقاطعة استنادا إلى عدة أسباب في تقديره، سبق أن وضحها بشكل رسمي في مناسبات عدة وعبر جريدته أيضا، وتتلخص في “عدم توفر بيئة سياسية آمنة، وغياب المنظومة الانتخابية المحايدة والكفأة والمستقلة حقا، واعتماد قانون انتخابي فُصّل على مقاسات الكتل المتنفذة ويكرس المناطقية والولاءات الفرعية على حساب المواطنة العراقية الجامعة، كما يتيح فرصا غير متكافئة لصالح أصحاب النفوذ والمال والسلاح”؛ إضافة إلى “عدم الاستجابة لمطالب المنتفضين والمحتجين بكشف قتلة المتظاهرين والنشطاء وأصحاب الرأي، والتصدي الفاعل والشامل لملفات الفساد صغيرها وكبيرها”، وزاد: “كما يستمر تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والخدمية، ويبقى السلاح المنفلت يصول ويجول ويحصد الأرواح، فيما يظل الجناة طلقاء”.
كما أشار الحزب ذاته إلى أنه “لا يعارض العملية الانتخابية كممارسة ديمقراطية، لكنه مقتنع بعدم توفر الظروف التي تضمن أن تكون انتخابات تشرين 2021 ذات صدقية ونزيهة وعادلة، وتؤمن التمثيل الحقيقي لإرادة المواطنين وخياراتهم الحرة، وبالتالي تكون أداة للتغيير الذي يريده المنتفضون وغالبية الشعب”؛ وذلك في مقال نشر على “طريق الشعب” بتاريخ 05 سبتمبر 2021.