[بورتريه]. المفكر اللبناني الكبير كريم مروة يترجل عن صهوة الحياة

مشاركة المقال

مدار: 10 كانون الثاني/ يناير 2024

رحلته في دنيا الناس تقف هنا. المفكر والمناضل السياسي اللبناني الكبير، كريم مروة، ترجل عن صهوة الحياة، في العاشر من كانون الثاني/ يناير 2024، عن عمر يناهز الـ 93 عاما، بعد مسار نضالي حافل بالأحداث والإنجازات، مخلفا وراءه رصيدا وإرثا فكريين ثمينين.

قيادة الحزب الشيوعي اللبناني، قالت إنها تنعي القائد السياسي والمفكر كريم مروة، “من موقعه القيادي التاريخي في صفوف الحزب خلال أكثر من خمسين عاما، حيث شكّل جزءا لا يتجزّأ من التجربة الكفاحية الطويلة التي طبعت تاريخ الحزب”.

وذكّر المكتب السياسي للحزب الذي يقوده حنة غريب، بأن “الراحل الكبير” انضم إلى صفوف الحزب منذ كان شابا في مطلع الخمسينيات، وشارك في كل المعارك النضالية التي خاضها الحزب في المراحل المختلفة، وفي مجالات متنوعة.

عمل في الصحافة الحزبية وفي مجلة الطريق وفي التنظيم الحزبي وفي الصلات السياسية وفي حقل الثقافة، وأنتج عشرات المؤلفات في الفكر والسياسة والتاريخ والثقافة والأدب.

كما انتخب عضوا في المكتب السياسي للشيوعي اللبناني لأكثر من 35 سنة كما انتخب نائبا للأمين العام عام 1987.

“ربطا بهذه المرحلة الطويلة من النضال والتضحيات التي أمضاها في صفوف الحزب، تتقدم قيادة الحزب بأحر التعازي من عائلته الكريمة ومن أصدقائة ومحبيه ومن كل الذين رافقوه في مسيرة نضاله” يقول الحزب الشيوعي اللبناني، متأسفا.

“مسكون بحب لبنان”

ولد كريم مروة سنة 1930 في بلدة حاريص العاملية الجنوبية، ختم القرآن وهو في عمر الثامنة، ثم تابع دراسته على شيوخ بلدته، وعندما بلغ السابعة عشر من عمره عام 1947، أرسله والده الشيخ أحمد مروة إلى النجف لمتابعة دراسته فيها مع نسيبه المفكر حسين مروة (اغتيل في شباط 1987)، وفق صحيفة “المدن”.

وقعت سنة 1948 انتفاضة في العراق ضد معاهدة بورت سموث وشارك فيها كريم مروة وأصبح يُعدّ من الشيوعيين العراقيين أو مقرّباً منهم، وقرّر حينها أن يكون شيوعيًّا بالمعنى العام، يتابع المصدر ذاته.

بعد فشل الانتفاضة (الوثبة) عاد إلى لبنان في العام 1949 مقرباً من الحزب الشيوعي اللبناني، وحصل ذلك في خضم إعلان تقسيم في فلسطين، قبل أن يتم تعيينه معلّما لمدة سنتين في بلدة شمسطار البقاعية، تضيف “المدن”.

وفي العام 1952 دخل دار المعلمين وانتسب إلى الجامعة اللبنانية في قسم الأدب العربي.

وأورد المصدر ذاته أن “الشيوعي الكبير” ترأس في العام نفسه وفد “الشبيبة الديموقراطية اللبنانية السورية” إلى المؤتمر العالمي لـ”اتحاد الشباب الديموقراطي”، وأصبح عضواً في اللجنة التنفيذية وفي الهيئة القيادية اليومية للإتحاد.

في أواخر الخمسينيات عمل مروة في تحرير جريدة “النور” التي كان يصدرها الحزب الشيوعي في سوريا، الذي كان حينها موحداً بين سوريا ولبنان.

بعد حرب 1958، ترك سوريا والعمل في الجريدة وتوجه إلى لبنان وشارك بالأعمال العسكرية وكان مسؤولاً عن مستودعات الأسلحة في بيروت. وعندما تأسست جريدة “النداء” اللبنانية عمل فيها حتى صار رئيساً لتحريرها، يورد المصدر المذكور.

“في منتصف الستينيات، إثر انفصال الحزب الشيوعي السوري عن الحزب الشيوعي اللبناني تم تعيينه عضواً مرشحاً في المكتب السياسي، ثم أصبح عضواً أصيلاً في مكتب الحزب وفي أمانته. ويقال إنه تقرّر إرساله إلى موسكو لإعادة “تأهيله” في مدرسة الحزب الأممية هناك لأنه “تمرّد” على القرارات السوفياتية”، حسب صحيفة “المدن”.

يقول كريم مروة: “في العام 1966، وكنت قد أصبحت عضواً قيادياً في الحزب الشيوعي اللبناني، أطلقت مع الرفيق جورج حاوي وعدد من رفاق جيلنا في قيادة الحزب، ما اعتبرناه ثورة غير مسبوقة في الحركة الشيوعية العربية. كان الهدف منها تأكيد استقلالية حزبنا عن الاتحاد السوفياتي في تحديد السياسات المتعلقة بالشأن اللبناني وبالشأن العربي مع البقاء في الأممية الشيوعية برئاسة الحزب الشيوعي السوفياتي”.

أمضى الراحل عقوداً من النضال في الحزب الشيوعي اللبناني، ومنذ أواخر التسعينات بدأ تركيزه ينصب أكثر فأكثر على الكتابة والتأليف وإلقاء المحاضرات والمشاركة في الندوات والمناظرات الفكرية والسياسية والثقافية، مقابل تخليه التدريجي عن مواقعه القيادية في الحزب، حسب ما وضّحته مصادر إعلامية اللبنانية.

“مسكون بحب لبنان، ومشغول على الدوام فكرياً وعاطفياً بهموم وطنه، وهو لا يخفي شعوره بالألم والأسف العميقين، إن لم نقل الأسى، لما آلت إليه أوضاع الوطن منذ الحرب الأهلية التي مزقت كيانه وحصدت أرواح أبنائه على مدى 15 سنة”، هكذا وصفت جريدة “الأخبار” اللبنانية كريم مروة.

إرث نضالي وفكري غزير

هو من القامات الفكرية اللبنانية والعربية الذائعة الصيت، ولم يقتصر حضوره على الأوساط اليسارية فحسب، بل امتد ليصل إلى جل المثقفين والطلاب والمهتمين في المنطقة والعالم.

وعلاوة على نشاطه السياسي القيادي في حزب فرج الله الحلو، فقد “كاتباً منظراً مجتهداً في قضايا الفكر والسياسة والثقافة والاجتماع من مواقع الفكر والمنهج الماركسيين”، تاركا وراءه مكتبة غنية بالكتب في شتى القضايا.

وأنتج وشارك في إنتاج ما يناهز الأربعين مؤلفاً، “تركّزت موضوعاتها الأساسية على إعادة رصد وقراءة مسار الحركة اليسارية، والمسيرة الماضية للحزب الشيوعي اللبناني والأحزاب الشيوعية في البلدان العربية والحركة الشيوعية العالمية والتجربة الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي والبلدان الاشتراكية السابقة الأخرى، ومراجعة ونقد التيار اليساري العربي. كما احتلت أوضاع لبنان، حاضراً وماضياً ومستقبلاً، موقع الصدارة في اهتماماته الفكرية، وقد كرس العديد من مقالاته وأبحاثه لتحليل عناصر ومسببات أزمة النظام السياسي في لبنان، القائم على أساس الطائفية السياسية، كاشفاً بدقة وجرأة عن المؤثرات والعوامل الداخلية والخارجية”، توضح جريدة “الأخبار”.

نذكر من بين مؤلفات كريم مروة:

– حوار الأيديولوجيات

– اعترافات نهاية القرن

– ملامح الشخصية اللبنانيّة

– المقاومة: أفكار للنقاش عن الجذور و التجربة و الافاق

– الشيوعيون الأربعة الكبار في تاريخ لبنان الحديث

– وجوه مضيئة في تاريخنا ؛ أحداث وذكريات ومواقف

– شخصيات وتواريخ في السياسة والفكر والأدب

– الوطن الصعب – الدولة المستحيلة

– أفكار حول تحديث المشروع الإشتراكي

– نحو نهضة جديدة لليسار في العالم العربي

– التجديد في الإسلام كالتجديد في الإشتراكية – ضرورة تاريخية في شروط العصر

– عشية أفول الامبراطورية، أسئلة حول موقعنا في عالم الغد

– …

كريم مروة التحق اليوم بنقولا الشاوي، جورج حاوي، خليل الدبس، ونديم عبدالصمد، لكن إسهاماته بالتأكيد ستظل منارة تنير درب رفاقه ومن شاركوا معه الحلم والمشروع.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة