انسحاب القوات الفرنسية من مالي.. ومساع إلى استمرار تواجدها في المنطقة

مشاركة المقال

بيبلز ديسباتش/ مدار: 04 شباط/ فبراير 2022

تزايدت الدعوات المنادية في مالي بمغادرة القوات الفرنسية للبلاد منذ عام 2020، الأمر الذي دفع الحكومة الانتقالية إلى اتخاذ موقف اعتبره كثيرون تحديا في علاقة مع الوجود الفرنسي.

تسقط فرنسا! تسقط الإمبريالية! كانت من ضمن الشعارات التي دوت في ساحة الاستقلال في باماكو، عاصمة مالي، حيث تجمع الآلاف يوم السبت 19 فبراير/ شباط للاحتفال بالإعلان عن انسحاب القوات الفرنسية، وسط أجواء تميزت بحرق أعلام وصور القادة الذين كانوا قائمين على مصالح المستعمر، حسب المتظاهرين.

لقد خرجت المظاهرات بطريقة عفوية، وقال حسن ياتار، الناشط المالي في حركة الاحتجاج المناهضة لفرنسا، لموقع بيبلز ديسباتش: “حالما سمعنا قرار دعوة القوات الفرنسية إلى المغادرة من دون تأخير علمنا أننا سنجتمع من أجل الإحتفال بذلك”.

وجاء هذا الانسحاب بعد تكرر المظاهرات الجماهيرية المطالبة بسحب القوات الفرنسية من مالي، وتزايد رقعتها منذ عام 2020، إذ تم حشد مئات الآلاف في باماكو على فترات متقطعة؛ وبعد هذه الضغوطات تم تبني موقف أكثر حزما من قبل المجلس الانتقالي في مالي بقيادة أسيمي غويتا تجاه التواجد الفرنسي.

وكان غويتا حاز تأييدا في غشت/ آب 2020 بعد الإطاحة بالرئيس آنذاك إبراهيم بوبكر كيتا، الذي كان في نظر الكثيرين، ومن بينهم المتظاهرون الذين كانوا يطالبون برحيله، فاسدا وخاضعا لفرنسا، بالإضافة إلى عدم كفاءته وقدرته على تغيير الوضع الأمني المتدهور في البلاد؛ ليلي ذلك انقلاب عسكري في ماي/ أيار 2021 تولى إثره غويتا منصب الرئيس المؤقت.

منذ ذلك الحين، وبالأخص في الأشهر الستة الأخيرة، حقق الجيش المالي انتصارات كبيرة في الحرب التي يقودها على الانفصاليين المسلحين وحركات التمرد الإسلامي، معتمدا في ذلك على المساعدات العسكرية التي حصلت عليها من كل من روسيا وتركيا.

وهذا ما يثير عديد علامات الاستفهام حول الدور التي كانت تقوم به القوات الفرنسية طيلة المدة التي عمرت فيها بمالي، لاسيما أن التدخل الفرنسي جاء عام 2013 ضمن ما سميت عملية سيرفال، التي كانت تهدف حسب الجانب الفرنسي إلى طرد الجماعات الإسلامية المسلحة من المراكز الحضرية التي احتلتها في الشمال.

ارتفاع منسوب العنف

أملا منها في مواجهة تنظيم القاعدة في المنطقة، قامت الولايات المتحدة بالاعتماد على حركة الطوارق المسماة الحركة الوطنية لتحرير أزواد، لكن بعد فترة قصيرة اصطدمت بانضمام هذه الحركة إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي (إرهابية: ملاحظة مدار).

وظلت القوات الفرنسية طيلة فترة تواجدها في مالي تحاول تطوير تواجدها، لتنتقل عام 2014 إلى عملية أخرى تحت اسم برخان، أعطتها تفويضا موسعا لبناء الجيش المالي وتحقيق الاستقرار في المنطقة، كما مكنتها من تجنيد قوات كندية لتوفير دعم إضافي للقوات الفرنسية المقدرة بـ2400 جندي، قبل أن تستعين في ما بعد بقوات من 14 دولة أوروبية تم تسجيلها ضمن فرقة العمل توكوبا التي تم إنشاؤها عام 2020.

ورغم كل هذه المخططات، إلا أنه طيلة الفترة التي كانت فيها القيادة بيد الفرنسيين، زادت حوادث العنف لتنتقل من 115 في 2014 إلى 1007 في 2021؛ بالإضافة إلى انتشار العنف في دول الساحل المجاورة، مع ارتفاع القوات الفرنسية المنشورة من 2000 إلى 2500 في إطار عملية برخان.

وهو الأمر الذي تسبب في فقدان فرنسا وحلفائها الغربيين في مالي الصورة التي روجوها لأنفسهم، على أنهم حصن منيع ضد تهديدات حركات التمرد الإسلامية، فيما يتهمون بأنهم هم صناعها في المنطقة من خلال الوقوف خلف الحرب على ليبيا عام 2011 قبل أن تتغير نظرتهم إليها.

لكن، وبعد تدهور الأوضاع في مالي، اندلعت احتجاجات كبيرة في البلاد، ليعزز بذلك غويتا سلطته من خلال انقلابين متتاليين ساهما في تحقيقه مكاسب مهمة عبر الابتعاد عن الاعتماد على فرنسا، والتطلع إلى شراكات أمنية بديلة، لاسيما مع روسيا وتركيا.

وقال ياتارا: “إن خطط الروس مبنية على المساعدة في بناء جيش وطني مالي قوي وموحد، في حين يريد الفرنسيون أن يقاتل جيشنا في ظلهم وتحت إمرتهم للدفاع عن مصالحهم المتمثلة في استغلال ثروات مالي. إن وجود جيش وطني قوي يتعارض مع مصالحهم الاستعمارية”.

الفرنسيون غير مهتمين

في ظل القلق المتزايد بشأن تطور العلاقات بين مالي وروسيا، وصف وزير الخارجية الفرنسي، جون إيف لودريان، في يناير/ كانون الثاني، المجلس العسكري الانتقالي بأنه “غير شرعي”، مبديا رفضه إجراء الانتخابات في شباط/ فبراير 2022.

ووفق تصريح سفير غانا في مالي، نابليون عبد اللاي، لبيبلز ديسباتش، فإن “70% من البلاد لا يمكن أن تجرى فيها انتخابات حرة ونزيهة بسبب انعدام الأمن”، معتبرا أنه لا يمكن إجراء انتخابات مجدية إلا بحلول العام المقبل، بعد أن يتم توفير الاستعدادات الأمنية الكافية، وتنظيم حوارات سياسية واسعة من أجل تأمين السلام مع مختلف المجموعات.

وأضاف ياتارا: “الفرنسيون لا يهتمون بالديمقراطية في مالي، فهم يستخدمون ورقة الانتخابات من أجل الابتزاز فقط”، مردفا: “إن ما تحتاجه البلاد في الوقت الحالي هو الأمن، لاسيما أننا خرجنا من حرب استمرت على مدار السنوات التسع الماضية”، وتابع: “إن تأمين البلاد من أجل الاقتراع، سيستغرق من ستة إلى ثمانية أشهر، لكن ما أنا متأكد منه هو أننا من سنقرر إجراء الانتخابات، لا الفرنسيين”.

وبعد تصريحات لودريان التي اعترضت عليها الحكومة المالية ووصفتها بأنها “معادية ومشينة”، تم طرد السفير الفرنسي جويل ماير من مالي في 31 يناير/ كانون الثاني. وفي أعقاب هذه التطورات، أعلن ماكرون في 17 فبراير/ شباط عن قراره سحب القوات من مالي بطريقة “منظمة”.

وأعلنت باريس في بيان لها: “نظرا للعقبات المتعددة من قبل السلطات الانتقالية المالية فإن كندا والدول الأوروبية التي تعمل جنبا إلى جنب من خلال عملية برخان، وداخل فرقة العمل تاكوبا، ترى أن الظروف السياسية والعملية والقانونية لم تعد مستوفاة لمواصلة المشاركة العسكرية الحالية بشكل فعال”. وقال ماكرون إن القواعد الثلاث في جوسي وميناكا وغاو ستغلق في غضون أربعة إلى ستة أشهر.

في اليوم التالي، أصدرت الحكومة الانتقالية المالية بيانا للرد على القرار الذي اتخذته فرنسا وحلفاؤها الأوروبيين دون التشاور مع مالي، جاء فيه: “تدعو الحكومة السلطات الفرنسية إلى سحب قواتها من على الأرضي المالية دون تأخير وتحت إشراف السلطات الرسمية في البلاد”.

سابقة في تاريخ مالي

يتم الاحتفال بهذا الانسحاب باعتباره حدثا تاريخيا، وقال ياتارا: “نحن مستعمرة فرنسية قديمة، ولم ننل استقلالنا مطلقا، كما أنه رغم المشاعر المعادية للقوات الفرنسية إلا أن القادة لم يعكسوا في أي وقت من الأوقات هذه الرغبة، وظلوا مطيعين للمستعمر. لكن ما فعلته الحكومة في الوقت الحالي لم يسبق له مثيل في مالي، الأمر الذي جعلها تنال الدعم الشعبي”، وأضاف: “تحاول وسائل الإعلام الدولية تسليط الضوء على أننا نعيش في ظل ديكتاتورية عسكرية أخذت السلطة من الدولة الديمقراطية وقامت بطرد القوات الفرنسية”.

ووفق المتحدث ذاته فإن المظاهرات المناهضة للوجود الفرنسي يمكن أن تعطي مؤشرا على اتجاه الرغبة الشعبية في الوقت الحالي.

وفي وقت يتم استحضار مخاوف من مستقبل الحرب ضد الإرهاب في المنطقة، جاء في بيان الحكومة الانتقالية: “تذكر حكومة مالي أنه… لم يكن هذا القلق ضروريا لو لم يتدخل الناتو في ليبيا عام 2011. إن هذا التدخل هو الذي أدى إلى تغيير جذري للوضع الأمني في المنطقة، لعبت فيه فرنسا دورا محوريا. إن هذا هو أصل المشاكل الأمنية الحالية في مالي على وجه الخصوص وفي منطقة الساحل بشكل عام”.

ورغم التضييق والتشكيك في السلطات الانتقالية، إلا أنها وفي تعبير عن الثقة في قدرتها على محاربة الجماعات المسلحة دون دعم فرنسي، تطرق البيان إلى أن “السلطات الانتقالية، ومن خلال ممارسة حقها السيادي، اتخذت إجراءات استباقية لتنويع الشراكات وبذلت جهودا هائلة، ما مكنها من الزيادة في القوة المالية للقوات المسلحة في ظل الوضع الأمني على الأرض، ومن أجل تحضير الظروف الملائمة لإجراء الانتخابات”.

مناهضة تواجد القوات الفرنسية تتمدد في مختلف دول القارة

اعتمادا على وضع المسلحين والسكان المحليين فإنه حسب سفير غانا في مالي من المستبعد أن يتم الانسحاب بشكل منظم مثلما عبر عن ذلك الرئيس الفرنسي ماكرون؛ وفي معرض حديثه تطرق لحركة وانتقال الإمدادات الفرنسية الأخيرة، التي انطلقت من أبيدجان وصولا إلى النيجر عبر بوركينا فاسو، والاحتجاجات التي صاحبت مرور هذه القوات من خلال هذه المناطق.

وبعد خروج العديد من القوات من مالي، اتجهت نحو نيامي، عاصمة النيجر، التي ينوي ماكرون نقل العديد من قواته إليها. وتبين ذلك من خلال تصريح الرئيس الفرنسي: “لن تكون مالي قلب هذه العملية العسكرية، بل ستكون النيجر، وربما بطريقة أكثر توازنا عبر جميع دول المنطقة التي تريد ذلك”.

هذا التصريح لاقى آذانا صاغية في النيجر، حيث دعا رئيس البلاد محمد بازوم، وسط الاحتجاجات المتزايدة في البلاد، إلى الدخول من مالي واتخاذ مواقع على طول حدودها مع النيجر، موردا: “هدفنا أن تكون حدودنا مع مالي آمنة”، ومعللا ذلك بأنه وبعد الانسحاب الفرنسي ستكون مالي أكثر عرضة لانتشار الجماعات الإرهابية.

وفي المقابل، أورد مايكل زودي، أحد قادة الحراك الاحتجاجي في النيجر، أنه “من غير المقبول وغير المحتمل الإذعان لإعادة انتشار هذه القوات على أراضي النيجر”، مشددا على أنه سيتم التعامل معها باعتبارها قوة احتلال.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة