انتخابات مغربية بطعم المقاطعة الشعبية والتراجعات الحقوقية

مشاركة المقال

مدار: 07 أيلول/ سبتمبر 2021

المغاربة مدعوون يوم غد 08 أيلول/ سبتمبر 2021 إلى الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات التشريعية (البرلمانية) والجماعية والجهوية. وبينما تلقي جائحة كورونا بثقلها على الاستحقاقات الثالثة بعد إقرار دستور 2011، تقض المقاطعة الشعبية مضجع السلطات المغربية، في حين أن الديمقراطية هي الغائب الأكبر حسب المعارضة الغاضبة.

ومن أصل 25.226 مليون مواطن مغربي بلغ سن التصويت القانوني (18 سنة)، دعي 17.509 ملايين مواطن مسجلين في اللوائح الانتخابية للإدلاء بأصواتهم في هذه الاستحقاقات الانتخابية. وخصصت السلطات العمومية حيزا وجهدا كبيرين لحث المواطنين على التصويت، غير أن الحملات الانتخابية للأحزاب السياسية بدت باهتة، جراء تراجع الحريات الديمقراطية والآثار الاجتماعية الثقيلة لجائحة كورونا.

وسنة 2011 شهد المغرب نسخته الخاصة من ربيع الشعوب، جسدتها حركة 20 فبراير التي طالبت بمحاربة الفساد، وفصل السلطات، وإرساء نظام ديمقراطي، يبتدئ من الدستور وينتهي إلى تشييد مغرب المؤسسات.

وتحت ضغط الحركة انحنى العاهل المغربي أمام عاصفة الاحتجاجات الواسعة التي شهدتها المملكة، وأعلن إثرها عن إجراء إصلاحات، من خلال تغيير الدستور، الذي وعد بأنه سيكون ديمقراطيا.

ورغم ذلك رفضت الحركة الاحتجاجية الدستور الجديد، واعترضت على مضامينه ومنهجية إقراره، بسبب “عدم استجابته لطموحات الشعب، خصوصا في إقرار الديمقراطية وفصل السلطات”. وفي الوثيقة الجديدة احتفظ الملك بقوته فوق السلطات التشريعية والحكومية والقضائية؛ بينما تنص القوانين المغربية على نفوذ هائل للولاة والعمال التابعين لوزارة الداخلية والملك مباشرة، في حين تبقى سلطات المنتخبين مكبلة وغير ذات تأثير ملحوظ، وفق محللين.

وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية التي أجريت سنة 2016 نحو 43 بالمائة من عدد المسجلين في اللوائح المنتخبة، وهي نسبة ضعيفة مقارنة مع مجموع المواطنين البالغين سن الرشد القانوني.

وتراهن الدولة المغربية على أن تكون انتخابات هذه السنة فرصة لإعطاء إشعاع لمشروع إقرار “النموذج التنموي الجديد”، الذي تم تخطيطه من طرف لجنة عينها الملك وترأسها سفير المملكة لدى فرنسا ووزير الداخلية السابق شكيب بنموسى.

وترى فئات واسعة من المواطنين أن المنظومة السياسية والمؤسساتية الحالية لا تستجيب لتطلعاتها، في ظل استشراء الفساد، وتمادي الدولة في إقرار سلسلة من السياسات التقشفية والنيوليبرالية، من قبيل التراجع عن الوظيفة العمومية والاستعاضة عنها بالتعاقد، في حين شجعت قطاعات التعليم الخصوصي وسط تراجع مؤشرات المدرسة العمومية المغربية؛ كما عرّت جائحة كورونا مدى ضعف المنظومة الصحية.

وتبدو الحركة الحقوقية منشغلة بما تصفه بالتراجع الخطير على مستوى الحريات الديمقراطية، مع تنامي الحصار المفروض على الحركات المناضلة أو المعارضة. وتشتكي الجمعية المغربية لحقوق الإنسان من الحصار المفروض عليها منذ أكثر من 6 سنوات، ومنعها من تجديد أو تأسيس فروع لها، بينما تعرضت العديد من الحركات الاجتماعية، خصوصا حركة “الأساتذة المتعاقدين” والطلبة والمعطلين، للقمع والمنع من الاحتجاج في كثير من الحالات.

وتوقفت العديد من المنابر الإعلامية عن الصدور، من ضمنها جريدة “أخبار اليوم” التي كانت تزعج بعض الأوساط النافذة في الدولة المغربية، بينما اعتقل وحوكم مدير نشرها الصحافي توفيق بوعشرين بـ 15 سنة نافذة في قضية تتعلق بالاتجار بالبشر، وهي اتهامات رفضتها أوساط واسعة للحركة الحقوقية المغربية والدولية واعتبرتها ذات خلفيات سياسية.

وفي السياق نفسه، اعتقل وحوكم الصحافي سليمان الريسوني، رئيس تحرير الجريدة نفسها، وأدين بالسجن خمس سنوات في قضية تتعلق بـ”هتك العرض والاحتجاز”؛ وهي تهم ظل الريسوني ينفيها باستمرار، في حين اعتبرت منظمات حقوقية محاكمته انتقامية جراء عمله الصحفي وافتتاحياته القوية في جريدة “أخبار اليوم” المتوقفة عن الصدور.  وعلى الميزان نفسه، اعتقل الصحافي الاستقصائي عمر الراضي في قضية تتعلق بمزاعم اغتصاب ظل ينفيها ويقضي الآن عقوبة سجن لستة أعوام.

ويرى متابعون أن المحاكمات في ملفات جنسية وأخلاقية أصبحت الأداة الأساسية للدولة المغربية في مواجهة المعارضين والصحافيين المستقلين.

وكشفت العديد من المؤسسات الإعلامية المرموقة ومنظمة “قصص ممنوعة”، في تحقيق “مشروع بيغاسوس”، تورط السلطات المغربية في التجسس على الآلاف من المواطنين المغاربة والأجانب، باستخدام برنامج بيغاسوس الذي طورته شركة “إن إس أو” الإسرائيلية، وهي مزاعم نفتها السلطات المغربية واعتبرتها استهدافا للمغرب.

وواجهت السلطات “حراك الريف” الذي انطلق سنة 2016 على خلفية طحن المواطن محسن فكري في شاحنة لجمع الأزبال بالقمع، واتّهمته بخدمة أجندة انفصالية والتآمر للمسّ بأمن الدولة؛ وطالب الحراك بالتنمية و”رفع العسكرة” عن منطقة الريف شمال المغرب، واعتقل عدد كبير من قيادات الحركة الاحتجاجية، ويقضي العديد منهم عقوبات ثقيلة، مثل ناصر الزفزافي ونبيل أحمجيق المدانين بالسجن 20 عاما، وتطالب أوساط واسعة في المغرب بإطلاق سراحهم.

وفي سياق ما يعرف محليا بالانتكاسة الحقوقية، تأتي الانتخابات الحالية في سياق ما بعد تطبيع النظام المغربي مع الاحتلال الإسرائيلي، الذي وقع على نص اتفاقه رئيس الحكومة عن الحزب الإسلامي العدالة والتنمية، سعد الدين العثماني، الذي انهارت صورته أمام المغاربة وانهارت معه مواقف الحزب الذي يقود الحكومة الذي ادعى باستمرار مساندته للقضية الفلسطينية ومناهضة التطبيع.

وبدت برامج الأحزاب السياسية الـ 31 المشاركة في الانتخابات متشابهة، في ظل وعود ذات سقف عال، دون الإشارة إلى طريقة إنجازها، بينما التفت كلها حول “النموذج التنموي الجديد” الذي يقدم وعودا وردية.

ويقاطع هذه الانتخابات حزب النهج الديمقراطي المعارض، الذي اعتبر أن السلطات المغربية ستعمل خلال هذه الاستحقاقات على “الترويج لديمقراطية مزيفة ووعود كاذبة، ومحاولة الإقناع بمزايا المشاركة في التصويت لتزكية خريطة سياسية مطبوخة سلفا”.

وأبرز التنظيم السياسي اليساري، في نداء وجهه إلى الشعب المغربي، أن الألوان والرموز تتعدد “لكن البرنامج واحد، وهو محدد سلفا من طرف دار المخزن والمؤسسات الإمبريالية العالمية”.

كما قال التنظيم السياسي الذي يقوده مصطفى براهمة إن “النهج الديمقراطي قرر مقاطعة هذه الانتخابات لكونها تجري على أساس دستور 2011 الممنوح، الذي يكرس الاستبداد والحكم الفردي المطلق، ويجمع السلطات الأساسية في يد الملك ويجرد المؤسسات المنتخبة من سلطاتها”، وزاد أنها تهدف إلى “تلميع صورة المخزن وإعطاء الشرعية لسياسات الاستغلال والقهر والتهميش والتبعية خدمة لمصالح كبار البرجوازيين ملاكي الأراضي الكبار والمافيا المخزنية بشكل خاص”؛ كما تجري في أجواء “تتميز باستمرار قمع كافة الفئات والقوى المناضلة”.

ونظم النهج الديمقراطي عدة حملات لإبراز موقفه من الانتخابات بالعديد من المدن في جميع أنحاء المغرب، غير أن السلطات الأمنية واجهت مناضليه بالحصار والقمع والاعتقالات، وفق ما أعلنه الحزب عبر منصاته الإعلامية الرسمية.

ودانت القمة العالمية للشعوب، وهي تنسيق دولي كبير للحركات المناضلة، اعتقال النشطاء السياسيين في المغرب، ودعت إلى دعم عالمي للنضالات الديمقراطية للشعب المغربي، وفق ما جاء في بيان أممي صدر أمس 05 أيلول/ سبتمبر، على خلفية الاعتقالات التي طالت أعضاء النهج الديمقراطي، حصل “مدار” على نسخة منه.

ووصفت جماعة العدل والإحسان الإسلامية العملية الانتخابية بـ “العبثية”، وقال نائب أمينها العام فتح الله أرسلان في شريط مصور إن “العدل والإحسان لا يمكنها أن تشارك في العبث”، وزاد: “من المفروض في الانتخابات أن تكون فيها أحزاب تتنافس على الحكم لتطبق برامجها، أما عندنا فنحن بعيدون عن هذا الواقع، والتنافس لا يكون إلا لخدمة الحاكم”، موضحا أن “الحكومات في المغرب لا تحكم”.

وقبيل الانتخابات بقليل، انقسمت فدرالية اليسار الديمقراطي، وهي تحالف لثلاثة أحزاب يسارية ديمقراطية تدعو إلى الملكية البرلمانية، على نفسها بسبب خلافات داخلية، نتج عنها دخول الحزب الاشتراكي الموحد المنافسات بلوائحه الخاصة، واتجه حزب المؤتمر الوطني الاتحادي وحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي وتيار غاضب من داخل الحزب الذي تقوده نبيلة منيب إلى خوض غمار الانتخابات تحت رمز الرسالة.

ورغم الخطاب الديمقراطي الذي تروج لهذه الأطراف اليسارية إلا أن فرصها في تحقيق نتائج إيجابية تبقى ضئيلة، مقارنة بالأحزاب المقربة من الدولة، خصوصا التجمع الوطني للأحرار الذي يقوده الملياردير عزيز أخنوش، وحزب الاستقلال الذي يقوده نزار بركة. أما حزب العدالة والتنمية الذي تصدر تشريعيات الولاية السابقة فيبدو أنه أحرق جناحيه لما قبل بشروط ما سمي “البلوكاج السياسي”.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة