الوجه الآخر لتسريبات “وثائق باندورا”.. أو الجانب المظلم من القمر

مشاركة المقال

مدار: 08 تشرين الأول/ أكتوبر 2012

 كانت تسريبات “وثائق باندورا” من بين العناوين البارزة التي احتلت المشهد الإعلامي العالمي خلال الأيام الماضية، الأمر يتعلق بواحدة من أكبر التحقيقات الصحافية في تاريخ مهنة الإعلام، وسلطت الضوء على واحدة من أكثر الممارسات المالية المنبوذة، وهي التهرب الضريبي وإخفاء الثروات والأموال في الجنان الضريبية، عبر الاستعانة بالشركات الخارجية (أوفشور) والطرق الملتوية، وخلال ذلك سقطت أقنعة أكثر من 330 من السياسيين الحكوميين الكبار من 90 بلدا، نالت فيها المنطقة العربية والمغاربية قسطا وفيرا؛ ناهيك عن الشخصيات الاقتصادية، الرياضية والفنية.

ورحبت الأوساط الشعبية والحقوقية بكشف هذه الوثائق وإخراجها إلى دائرة الضوء. وبالنسبة للكثيرين، تشكل هكذا تحقيقات أداة أساسية لتعزيز الشفافية والممارسات المنسجمة مع الديمقراطية وسيادة القانون.

واكتسى هذا التحقيق طابعا تاريخيا، نظرا للعدد الهائل من الوثائق التي تضمنها، إذ بلغ 11.9 مليون ملف. وشارك في الاستقصاء 600 صحافي وما يناهز 150 منبرا إعلاميا.

وبيّن الاستقصاء كيف يقوم رؤساء دول، ورؤساء وزراء، وأفراد من العائلات المالكة أو الحاكمة، ومسؤولون منتخبون، وفنانون ومشاهير، (كيف يقومون) بتخزين أصول في نظام مالي سري، عبر الاستعانة بشركات متخصصة في هذا المجال.

وكشف التحقيق كيف قام سرّا ملك الأردن، عبد الله الثاني، بشراء 14 منزلا فخما في المملكة المتحدة والولايات المتحدة، مقابل مبلغ يزيد عن 106 ملايين دولار أمريكي، كما ظهرت في رادار التحقيقات شخصيات أخرى مثل رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، وأمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ومن قطر أيضا الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، ناهيك عن الشيخ محمد بن راشد بن سعيد آل مكتوم، نائب رئيس الإمارات المتحدة ووزير دفاعها، وحاكم إمارة دبي، وكذلك الأمير السابق للكويت، صباح الأحمد الصباح، إضافة إلى الأميرة حسناء، شقيقة ملك المغرب محمد السادس، وآخرين، من الشخصيات السياسية العربية والمغاربية النافذة التي تهربت من الضرائب وأخفت أملاكا عن شعوبها.

التحقيق أنجز بإشراف وتنسيق من الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين، وهو شبكة دولية مقرها في واشنطن تأسست عام 1997، على يد المركز الأمريكي للنزاهة العامة، وأصبح كيانا مستقلا منذ سنة 2017؛ بينما شاركت فيه العديد من المؤسسات الإعلامية المرموقة، من قبيل الواشنطن بوست الأمريكية، الغارديان البريطانية، البي بي سي، وغيرها. وجاءت “وثائق باندورا” لتتمم سلسلة تسريبات سابقة مثل “وثائق بنما” و “أوراق الجنة“.

ورغم الأسئلة الكبيرة التي توجه إلى العديد من المسؤولين الذين تأتي أسماؤهم في هكذا تسريبات، والحيوية التي تكتسبها مواضيع العدالة الضريبية والشفافية والفساد على المستوى العالمي، إلا أن هذه تسريبات لها جانب آخر، قد يكون مظلما.

“الجانب المظلم من القمر”

في عمود على موقع “نيوز كليك“، وجد الكاتب الهندي أنيندا دي، في ألبوم “الجانب المظلم من القمر” لفريق الروك الإنجليزي بينك فلويد، صدر عام 1973، مثالا مجازيا للتعبير عن ثنائية “هم” و”نحن” حين يتعلق الأمر بخضوع المواطن الهندي البسيط، الذي ينتمي إلى الـ “نحن”، للنظام الضريبي الوطني، فهذا المواطن قد يجد في تكديس بعض الأموال في بيته وسيلة كلاسيكية للتهرب من دفع الصكوك إلى “اللفياثان”، أما “الهم” والقصد هم رجال السياسة والاقتصاد الأقوياء، الذين كشفت تسريبات “وثائق باندورا” بعضا من حقيقتهم، فإنهم سرعان ما يجدون طرقا لإخفاء أموالهم في الجانب المظلم من القمر، والقصد هو الجنان الضريبية مثل جزر العذراء البريطانية، بنما، هونغ كونغ.. إلخ، بعد الاستعانة بالأداة ذات الصيت الذائع: “الأوفشور”.

والاستعانة بالجنان الضريبية عبر “الأوفشور” عادة ما تتم من رجال ونساء الأعمال والأغنياء للتهرب من أداء الضرائب في بلدانهم، كما يمكن أن يكون وسيلة لنهب المال العام، خصوصا حين يتعلق الأمر بقادة سياسيين يتولون المناصب الحكومية ويضعون أيديهم على الأموال العمومية لشعوبهم. إضافة إلى ذلك، يمكن أن تستخدم كوسيلة لتبييض الأموال التي تدرها التجارة غير القانونية، كالاتجار بالبشر أو المخدرات، الأسلحة، وغيرها.

ورغم الترحيب والهالة التي أحيطت بها تسريبات “وثائق باندورا”، إلا أن ذلك لم يسلم من النقد. وليس المقصود بالانتقادات تلك الصادرة عن حراس المعبد، المدافعين عن فضائح أصحاب المال والسلطة، بل أخرى تتعلق بعلاقة هكذا “تسريبات” مع المنظومة العالمية المبنية على الفساد وعدم المساواة.

وبالنسبة لمنصة “فنزويليان أناليسيسز” فإن “وثائق باندورا”، التي وجدت فيها وسائل الإعلام الغربية الكبيرة فرصة لـ”نفخ عضلاتها”، لن تجعل العالم “يهتز”. وعلى عكس تسريبات مؤسسة ويكيليكس، التي كشفت أمام العالم المخالفات التي ارتكبتها القوى المهيمنة على العالم، فإن “وثائق باندورا” وعلى غرار باقي الوثائق، تم نشرها بعد أن مرت عبر “الجهاز الهضمي” للمقاولات والشركات الإعلامية التي قامت بـ”كشفها”.

وبالنسبة للمنبر نفسه فإن وسائل الإعلام مثل نيويورك تايمز والواشنطن بوست والغارديان “قامت بتشجيع كل حرب إمبريالية في التاريخ الحديث”، وأبرز أن هذه المنابر  هي “حراس النظام الرأسمالي العالمي”، ومهمتها هي “حمايته من الخطر”، وفق ما جاء في سلسلة تغريدات صاخبة، كتبتها هيئة تحرير المنصة المتخصصة في الشؤون الشؤون الإستراتيجية وقضايا أمريكا اللاتينية وفنزويلا.

وأوضح المصدر نفسه أنه لو كان الأمر يتعلق بالشفافية والمساءلة لأتيحت للجميع إمكانية الوصول إلى قاعدة البيانات هاته بكل حرية، وليس بالاعتماد على صحافيين لدى شركات إعلامية نصفها يخدم الحكومات الغربية والنصف الآخر يخدم وكالات المخابرات الغربية.

ولم تستغرب المنصة الفنزويلية أن يركز هذا “التحقيق” على البحث عن ربط بوتين وفاعلين آخرين بهذه التسريبات. وعلى سبيل المثال، لم يكن نشر المعلومات المتعلقة بملك الأردن عبد الله الثاني (وهو صديق للغرب) ليأتي من قبيل الصدفة، بل “تمت التضحية به” لمنح هذه التحقيقات المصداقية والصرامة المطلوبتين.

وقال المنبر نفسه إن الهدف مما وصفها بـ”الحيلة” هو “تغيير كل شيء بحيث يبقى كل شيء على حاله”، دليله على ذلك أن يصرح الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن بـأنه سيتم اتخاذ إجراءات صارمة ضد المخالفين. إذن الأمر مشابه لـ “رئيس عصابة يتملكه القلق من المقامرة غير القانونية”، توضح سلسلة التغريدات.

نعلم أن “الملاذات الضريبية ليست مجرمة بموجب القانون، فالرأسمالية تشجع الأفراد والشركات على عدم دفع الضرائب”، تقول “فنزويليان أناليسيسز”، مشيرة إلى أن عمليات “وثائق باندورا” هي عبارة عن فقاعة لتوجيه الأنظار نحو بعض “التفاح الفاسد”، في حين أن “النظام” كله مبني على الاستغلال وعدم المساواة.

إن الفساد أمر بالغ الأهمية بكل تأكيد، لكن مصدرنا يعارض أن تتم إحاطة السرقة “غير القانونية للثروة” بكل هذه الهالة، في حين يتم تجاهل جميع الطرق التي يتم بها سرقة الثروة العامة بطريقة “قانونية”.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة