الهند..ما يجب معرفته حول بهاجت سينغ في ذكرى ميلاده

مشاركة المقال

DR*

نيوز كليك/ مدار: 29 أيلول/ سبتمبر 2020

اليوم، وبعد مرور 90 عاما من فقدان بهاجت سينغ، أصبحت أفكاره المتعلقة بالهند ملهمة كما لم تكن من قبل، ففي الأسابيع الماضية قامت الحكومة المركزية المنتخبة بتمرير 25 مشروع قانون عبر البرلمان، بحيث تعتبر معظم هذه المشاريع مماثلة للقوانين التي تم تقديمها خلال الحكم البريطاني.

في منتصف ظهيرة يوم 8 أبريل 1929، ظهر رئيس الجمعية التشريعية المركزية في دلهي لمناقشة قانون المنازعات التجارية، وبينما الفعالية مستمرة سمع صوت مدو، فبدأ الناس في الفرار في حين امتلأ التجمع بالدخان، ولم يمض وقت طويل قبل أن يدرك الحضور أن قنبلة انفجرت. وفي غضون لحظات، بدأت منشورات بالتساقط، وإذا بشابين يرددان بنبرة صوت قوية “انكيلاب زند آباد!” “تسقط الإمبريالية البريطانية!” “يا عمال العالم اتحدوا!”. وعند انجلاء الدخان شيئا ما تم التعرف على الشابين وهما بهاغات سينغ وباتوكيشوار دوت.

وكان لدى الشابين سبيل سهل للهروب بعد الانفجار، لكنهما لم يحاولا ذلك، كانت نيتهما ​​تمزيق حجاب الحكم البريطاني ومناشدة الهنود للتحرك ضد هذه الإجراءات والمقاومة؛ ففي ذلك اليوم من عام 1929، أعلن نائب الملك سن مشروعي قانونين – قانون المنازعات التجارية ومشروع قانون السلامة العامة – على الرغم من معارضة ورفض غالبية الأعضاء. وكان الانفجار طريقة بهاغات سينغ وباتوكيشوار دوت للإشارة إلى معارضة الشعب الهندي لهذه القوانين. (تم وضع القنابل في أماكن حتى لا يقتل أو يعاني منها أحد).

اليوم، ومع حلول الذكرى 113 لميلاد بهاغات سينغ، الذي ولد عام 1907 في ليالبور، والتي أصبحت حاليا هي فيصل أباد الباكستانية، لا بد أن نستعيد مضمون المنشور الذي تم إلقاؤه في المجلس: “…بينما يتوقع الناس مزيدًا من فتات الإصلاحات من لجنة سيمون، ويتشاجرون دائمًا حول توزيع العظام المتوقعة، فإن الحكومة تضغط علينا بإجراءات قمعية جديدة، مثل مشروع قانون السلامة العامة والنزاعات التجارية، مع حجز مشروع قانون الفتنة الصحافية للدورة القادمة. إن الاعتقالات العشوائية لقادة العمال الذين يعملون في الحقول تشير بوضوح إلى أين تهب الرياح”.

أثناء أطوار محاكمته كان يطلب بهاغات سينغ في كل جلسة استماع من الهنود الوقوف والتصرف ضد الإمبريالية البريطانية. اليوم، وبعد 90 عامًا، أصبحت أفكاره لها راهنيتها، ففي الأسابيع الماضية، قامت الحكومة المركزية المنتخبة بتسريع 25 مشروع قانون عبر البرلمان. بعض مشاريع القوانين مماثلة للقوانين التي تم تقديمها خلال الحكم البريطاني، والتي تتضمن ثلاثة “قوانين” عمل أعادت صياغة العلاقات الصناعية بالكامل، وسياسة جديدة بشأن الزراعة تم تجاوزها بسرعة أمام البرلمان، على الرغم من التحريض من قبل أحزاب المعارضة والمزارعين والعمال.

قليلون قد يفوتون أن الحكومة الحالية تتبع نهجا مشابها لإصرار نائب الملك البريطاني في عام 1929 في سبيل الدفع بقانون المنازعات التجارية فلقد نوقش مشروع القانون هذا في المجلس التشريعي المركزي في ديسمبر 1928 ورفضه مجلس النواب، ثم أعيد تقديمه في مارس من العام التالي وعارضه مرة أخرى ممثلو الشعب؛ لكن عندما اتضح أنه لن يتم تمريره، طلب نائب الملك ببساطة من رئيس الجمعية أن يتبناه كمرسوم.

التاريخ يعيد نفسه، فقد تمت الموافقة على قوانين العمل على عجل في البرلمان الأسابيع الماضية، وأرسلت للحصول على موافقة رئاسية على الرغم من المخاوف الخطيرة من النقابات والعمال والمعارضة. وبالمثل، فإنه مع السياسة الزراعية الجديدة للحكومة المركزية الحالية وما لها من تأثير واسع للغاية فقد كان طرحا معقولا للمعارضة أنه ينبغي مناقشة القانون على نطاق واسع، ومع ذلك فقد تم تمريره أيضًا دون مناقشة ذات مغزى.

حظر قانون المنازعات التجارية لعام 1929 على العمال ممارسة الإضراب، كما مارس سلسلة من القيود، بحيث قام بمنع نقابة من دعم أخرى، وحرم الموظفين المدنيين من الانضمام إلى الأحزاب السياسية، ووقف في وجه دعم العمال للأحزاب السياسية ماليا. وأثناء سن هذا القانون، قام البريطانيون بقمع معارضيه بشدة من خلال قيام الشرطة باعتقالات بشكل تعسفي دون أن يكون لها أي حسيب. وبدأت اعتقالات قادة العمال والقادة التقدميين في مارس 1929، تلاها تلفيق تهم ومحاكمات تعسفية، تبقى أشهرها قضية مؤامرة ميروت…كان هدف الحكومة بوضوح هو سحق الحركة الثورية المناهضة للإمبريالية، وتجلى ذلك بعد قتل الشرطة للزعيم العمالي لالا لاجبات راي في نوفمبر 1928، أي قبل بضعة أشهر من بدء المحاكمات.

كل هذا يتبادر إلى الذهن عندما يعود المرء إلى جلسات البرلمان في الأسابيع الماضية، فقد تم إلغاء جلسة الأسئلة والأجوبة، وتجاهل مقترحات المعارضة وتعديلاتها على مشاريع القوانين الحكومية، إضافة إلى عزل أعضاء البرلمان ووصم المزارعين والعمال المهتاجين خارج البرلمان بـ”الخونة”. وفي مواجهة هذا السيناريو القاتم، أقرت الحكومة المركزية قانون العلاقات الصناعية وقانون السلامة والصحة المهنية وقانون ظروف العمل، وقانون الضمان الاجتماعي؛ والنتيجة هي أن أرباب العمل الذين لديهم 300 موظف يمكنهم الآن فصل عمالهم دون إذن من الحكومة، في حين كان هذا الإجراء متاحا للشركات التي لا يتجاوز عدد موظفيها 100 موظف.

حاليا، إذا أراد العمال الإضراب فسيتعين عليهم تقديم إشعار مسبق قبل 60 يومًا من الحدث، وفي وقت سابق، كانت المدة محددة في ستة أسابيع. إن التغييرات التي تم إجراؤها على قانون السلامة المهنية وظروف العمل تمكن أصحاب العمل من التحكم في تمديد فترة التوظيف التعاقدي من عدمه، ما يعني أنه يمكن فصل الموظفين دون سابق إنذار، كما يمكن أيضا لأصحاب العمل تحويل موظفيهم الدائمين بدوام كامل إلى موظفين تعاقديين. ومع كل هذه الأحكام، هل ستصبح البلاد تدريجياً مثل شركة الهند الشرقية؟ هذا السؤال بالتأكيد يتبادر في أذهان العمال الهنود اليوم. (حتى السياسات الثلاث الجديدة المتعلقة بالزراعة تضع المزارعين في موقف ضعيف للغاية مقابل قطاع الشركات).

الحكومة نفسها التي ليست لديها إحصائيات مقنعة حول عدد العمال الذين عادوا إلى منازلهم خلال أزمة كوفيد -19، والذين كان معظمهم من القطاع غير المنظم (ولا عدد الذين ماتوا خلال هذه الرحلة)، تقوم الآن بإجراء تغييرات في قانون العمل مع تجاهل للمعارضة. وللتذكير، حتى اليوم، يعمل أكثر من 90٪ من العمال الهنود في القطاع غير المنظم. علاوة على ذلك، مازالت سبل عيش 70٪ من الهنود مرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بالزراعة. إن سياسة الحكومة في إنكار الحقائق الأساسية عن الاقتصاد، تظهر أنها تحاول التنصل من المسؤولية ويبرز موقفها المعادي للعمال والمزارعين.

وطالما أن مثل هذه المواقف مستمرة، سيظل صدى أفكار بهاغات سينغ قائما. لقد عبر بهاغات سينغ عن رؤيته لأوضاع العمال، موردا: “على الرغم من كونهم جزءا رئيسيا في المجتمع، فإنهم محرومون من حقوقهم الأساسية ويتم اغتصاب الأموال التي تحصلوا عليها بشق الأنفس من قبل الرأسماليين الاستغلاليين”.

أدى استشراء عدم المساواة والتمييز بالعالم إلى أزمة كبرى. ففي 1939-1940، عندما كانت الهند تحت الحكم البريطاني، قيل إن 1٪ من الأثرياء يمتلكون 20.7٪ من إجمالي ثروة البلاد، وفي عام 2019، ووفقًا لمنظمة “أوكسفام” فإن 1٪ من الهنود يستحوذون على 73٪ من الثروة المتولدة في البلاد. السؤال إذن هو هل هناك عدم مساواة اقتصادية وما الذي جعلها تتفاقم في الهند المستقلة؟.

تعيش الهند في الوقت الحالي وضعا مترديا، وجبت معه صياغة السياسات لضمان التوزيع العادل للثروة، لكي لا يجد عامة الشعب أنفسهم مضطرين للانتحار بسبب الفقر أو البطالة أو الديون الزراعية. يجب أن يحصل الجميع على الطعام والملبس والمأوى والصحة والتعليم، ويعتبر هذا في خانة الممكن إذا ما تبنت الحكومة سياسة مناصرة للفقراء. لن تسود المساواة في الهند حتى نقبل أفكار بهاغات سينغ عن الحرية الاجتماعية.

لقد تم شنق بهاغات سينغ عندما كان يبلغ من العمر 23 عاما فقط، في سبيل أن يتم دحر فكره الذي عالج معظم جوانب المجتمع، والذي كان يتجاوز السعة المعتادة لسنه أو وقته. خلال الحكم البريطاني، كانت هناك طبقتان، الأغنياء والفقراء، في حين تشكلت الطبقة الوسطى في فترة ما بعد الاستقلال. ولكن، منذ عام 1991، نشأت طبقة متوسطة جديدة. وتأتي الصعوبة الرئيسية من الدور الذي يلعبه هذا القسم في المجتمع، فإلى جانب أنه أصبحت لهذه الطبقة الجديدة وسائل إعلام خاصة بها، فقد تبنت باستمرار موقفا متساهلا بشأن السياسات الحكومية تجاه العمال والمزارعين؛ ونتيجة لذلك لم يتم إجراء أي نقاش حول القضايا الحقيقية التي تهم الغالبية العظمى من الهنود. وأصبحت هذه الطبقة هي المتنفس الذي يلجأ له النظام من أجل دفع تأثير التغييرات الجذرية في قوانين العمل والسياسة الزراعية إلى الهامش.

يمكن للوحدة بين العمال والمستغلين والمحرومين إنهاء الاستغلال، كما يمكن للطبقة الوسطى أن تلعب دورا مهما في هذه الوحدة الواسعة. ومع ذلك، كلما كانت هناك إمكانية لمثل هذه الوحدة، فإن الحزب الحاكم يدفع إلى الواجهة بوعي وعن طيب خاطر بالورقة التي يعتبرها منقذه في كل مرة، وهي النزاعات المتعلقة بالهوية. اعتاد بهاغات سينغ على التصدي في كل مرة لهذه الممارسة عندما كانت تحدث في أيامه، معبرا عن ذلك بالقول: “ما لم ننس اختلافاتنا وطوائفنا وأدياننا ولغاتنا ومناطقنا فلن نكون قادرين على تحقيق الوحدة الحقيقية، حتى نتحرك نحو الحرية … المعنى الحقيقي لحريتنا ليس فقط التحرر من العبودية البريطانية، ولكن أيضًا أن يعيش الناس معًا ويتحرروا من العبودية المعششة في عقولنا”.

السؤال الذي يطرح نفسه، هل ناقشت وسائل الإعلام بشكل كافٍ مشاريع القوانين التي أقرها البرلمان، وغطت جميع جوانبها المهمة؟ لا..تعتقد وسائل الإعلام أن الحياة الخاصة لصانعي الأفلام أكثر أهمية من العمال والمزارعين. هذا يعيد إلى الأذهان ما قاله بهاغات سينغ في تعبيره عن دور وسائل الإعلام: “إن الواجب الحقيقي لوسائل الإعلام هو التثقيف وإزالة اللبس من أذهان الناس، والقضاء على المشاعر العنصرية، وبناء الثقة المتبادلة والقومية الهندية الموحدة. لكنهم جعلوا من واجبهم الرئيسي نشر الجهل، وتعزيز ضيق الأفق والعنصرية وخوض الحروب وتدمير التماسك الاجتماعي للهند محور تغطيتهم المستمرة. بالنظر إلى الوضع الحالي، دموع دامية تتدفق من العيون، وبالتالي يطرح السؤال المحير ماذا سيحدث للهند؟”. تعتبر هذه القراءة قائمة إلى وقتنا هذا ويمكن أن تنطبق على وسائل الإعلام في الهند المستقلة. تحتاج وسائل الإعلام لدينا إلى التأمل من وجهة نظر بهاغات سينغ.

إن حركات اليوم المطالبة بالعدالة والمساواة بحاجة ماسة إلى نفس الولاء والمثابرة والتفاؤل والتصميم والتفاهم مثل بهاغات سينغ. يجب على جميع الأحزاب السياسية أن تتبع أفكاره عن الوطنية بدلاً من الأفكار القديمة حول القومية الدينية. حوكم بهاغات سينغ لإعلانه التمرد على ملك إنجلترا. لكننا، ونحن نعيش في الهند المستقلة، يجب أن تكون لنا حرية التحدث والكتابة والتحريض وفقًا لدستورنا. ومع ذلك فإن الكتاب والمحرضين الذين يتحدثون ضد الحكومة يتعرضون للسجن يتم توجيه التهم ضدهم بموجب قوانين مثل UAPA –  ولكن ما هو تبرير قوانين “الخيانة” في الهند الحرة؟ هذا سؤال يجب على كل هندي طرحه في عيد ميلاد الشهيد بهاجت سينغ.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة