الهند.. الخصوصية إلى أين بعد بيغاسوس؟

مشاركة المقال

نيوز كليك + مدار: 06 أغسطس/ غشت 2021

يقوم النظام الدستوري في الهند، الذي يفترض أنه يتحكم في السلطة التنفيذية، على مجموعة من الوعود: استقلالية القضاء، حرية الصحافة، الحق في الاحتجاج السلمي والخضوع للمساءلة من خلال انتخابات حرة ونزيهة؛ لكن كل ذلك ضُرب عرض الحائط بعد أن كشفت تسريباتمشروع بيغاسوس أنه تم استهداف العديد من الصحافيين والنشطاء وقادة المعارضة الهنود ببرامج تجسس تقوم بتجميع تفاصيل دقيقة عن حياتهم وعملهم، ما يجعلهم ضحايا التجسس الذي يهددهم بعدم القيام بمهامهم بحرية، وهو الأمر الذي يجعل ضوابط وتوازنات الدستور تشهد شللا. فكيف يكون القاضي عادلا إذا علم أنه يتم تتبع كل حركة له على الإنترنت؟ كيف يمكن للصحافيين حماية المصادر إذا تم تسريب المعلومات الموجودة على أجهزتهم سرا إلى مستمعين ومشاهدين مجهولين؟ إذا كان تلاشي الضوابط والتوازنات يغذي الميول الاستبدادية، فإن التطفل على وزراء في الحزب الحاكم يجعل هذه الاتجاهات تبدو حقيقية.

قبل عقد من الزمان، قدمت الحكومة الهندية بطاقات آدهار دون أن تكون لها بنية محددة لحماية الخصوصية، وفي ردها على التماسات المحكمة التي طعنت في المنصة قالت إن آدهار تعمل بشكل طوعي. ومع ذلك، من الناحية العملية، أصبحت آدهار أهم وثيقة للوصول إلى المخططات الحكومية. لقد تم تنفيذ آدهار دون قانون حماية البيانات، لأن قانون حماية البيانات الشخصية (PDP) معلق في البرلمان إلى غاية وقتنا هذا؛ ومن أجل تجاوز ذلك يتم تنظيم البيانات بموجب قانون تكنولوجيا المعلومات.

يسمح القسم 28 من مشروع قانون PDP – المقترح – للأفراد بتعريف أنفسهم “طوعا” على منصات وسائل التواصل الاجتماعي باستخدام الهوية الحكومية، وهو الأمر الذي اعتبر غير ضروري وتجاوزا لا يوجد في أي قانون خصوصية في البلدان الأخرى، ما يخلق إمكانية تحديد الهوية الإجباري، كما حدث مع آدهار، مشرعا الباب أمام الحكومة من أجل التطفل بطريقة قانونية، ما يثير المزيد من المخاوف بشأن الخصوصية.

حصل مشروع قانون PDP، الذي تم وضعه انطلاقا من توصيات لجنة سريكريشنا، على موافقة مجلس الوزراء في دجنبر 2019، ومع ذلك، قال القاضي سريكريشنا، الذي ترأس اللجنة التي صاغت مشروع القانون، إن نسخة الحكومة من القانون المقترح بها أحكام “خطيرة” تشير إلى تبني مسار قائم على تدمير كل ما يمكن أن يساهم في تطوير رفاهية العيش؛ كما أشار إلى أن المقترحات المثيرة للقلق في المسودة تتعلق بالتغييرات في دور الوكالات المركزية مقارنة بما أوصت به لجنته.

تريد الحكومة التحكم في إعفاء وكالات معينة من قواعد معالجة البيانات الشخصية بناء على مخاوف تتعلق بالأمن القومي والنظام العام والعلاقات الودية مع الدول الأجنبية، في حين أن هذه المخاوف لا يتم الحديث عنها على الورق، خصوصا أن مشروع القانون الذي قدمته يفتقر إلى الإجراءات والضمانات والآليات اللازمة للإشراف على منح الإعفاءات. وفي هذا الإطار قال القاضي سريكريشنا، في تصريح لصحيفة إيكونوميك تايمز: “لجنة الاختيار لديها الحق في تغيير هذا. إذا اتصلوا بي فسأخبرهم بأن هذا هراء”، مضيفا: “أعتقد أنه يجب أن يكون هناك إشراف قضائي على وصول الحكومة”.

التصويت السري مقابل القوة والمال في الانتخابات

يعد الاقتراع السري معيارا ديمقراطيا حاسما، لكن علينا الآن فحص هذا الحق في سياق الكشف عن بيغاسوس والممارسات السابقة لكامبريدج أناليتيكا، خصوصا أنه يمكن للأول إجراء تطفل على أي شخصية مستهدفة، بينما يمكن للأخير التلاعب بسلوك الناخب باستخدام البيانات الضخمة. إن الحكم الديمقراطي مقبول لأنه يضمن الحق الطبيعي في الحرية للأفراد، بحيث يتمتع المواطنون بحرية اختيار ممثليهم من خلال الانتخابات، ففي الديمقراطية تكمن السلطة في الممثلين المنتخبين، ويتم ضمان كل ذلك من خلال الضوابط والتوازنات والمساءلة. لهذا السبب يحتاج القادة بشكل دوري إلى الحصول على موافقة شعبية.

تمنح الديمقراطية السليمة المواطنين الحق في الاقتراع السري لكبح التخويف الذي يتم تسليطه من قبل أصحاب القوة والمال. إذا كان الاقتراع السري يضمن انتخابات حرة ونزيهة في عصر ما قبل العصر الرقمي، فماذا لدينا في عصر المعلومات؟ الآن تسمح التكنولوجيا بتحليل البيانات للتأثير على خيارات الأشخاص.

حالة بيغاسوس

تقول NSO، الشركة الإسرائيلية التي أنشأت بيغاسوس، إنها لا تبيع برامج التجسس الخاصة بها لكيانات غير حكومية، موردة أيضا أنها قد تشتريها الحكومات للقبض على الجريمة المنظمة والشبكات الإرهابية. في الهند، الحق في الخصوصية ليس مطلقًا، بحيث يسمح قانون التلغراف لعام 1885 وقانون تكنولوجيا المعلومات لعام 2000 للحكومة بإجراء عمليات المراقبة. وبموجب قانون التلغراف، لا يمكن للحكومة اعتراض المكالمات إلا في مواقف معينة: لحماية سيادة الدولة وسلامتها وأمنها، الحفاظ على العلاقات الودية مع الدول الأجنبية، الحفاظ على النظام العام ومنع التحريض على الإجرام. وتنطبق القيود نفسها على حرية التعبير بموجب المادة 19 (2) من الدستور. ومن أجل خفض مستويات اللغط الذي رافق هذا القانون تم إعطاء ضمانات إضافية في ما يتعلق بحرية الصحافة، بحيث يصبح بإمكان ضباط رفيعي المستوى فقط من إدارات الداخلية في المركز أو الولايات التصريح بالتنصت (على الهواتف)، والضباط الذين لا تقل رتبهم عن سكرتير في حالة وجود ظروف حتمية.

إن الاعتماد على قواعد تقنية المعلومات (إجراءات اعتراض المعلومات ومراقبتها وفك تشفيرها) لعام 2009، التي تم سنها بموجب المادة 69 من قانون تكنولوجيا المعلومات، كإطار قانوني، إضافة للمراقبة الإلكترونية، يسمح بالتجسس على نطاق أوسع من خلال اعتراض المعلومات الرقمية ومراقبتها وفك تشفيرها “للتحقيق في جريمة”. كما أنه بموجب قانون تكنولوجيا المعلومات، يمكن اعتراض جميع عمليات النقل الإلكترونية للبيانات، وبالتالي يسمح بمراقبة أوسع من قبل الحكومة.

من خلال السوابق التي لدى الحكومة الهندية مع التجسس، فلم يعد لها مشكل مع هكذا نوع من التجسس، وأبرز مثال على ذلك تصريح وزير تكنولوجيا المعلومات السابق، رافي شانكار براساد، الذي تساءل: “إذا كانت 45 دولة استخدمت بيغاسوس فلماذا علينا استهداف الهند فقط؟”؛ كما أنه لم يكلف نفسه عناء إنكار حصول السلطات الهندية على البنامج. بينما صرح وزير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الحالي، أشويني فايشناو، بأن المراقبة غير القانونية مستحيلة في الهند، على الرغم من أنه لم ينكر نشر بيغاسوس في البلاد.

كامبريدج أناليتيكا

استخدمت كامبريدج أناليتيكا بيانات الملايين من مستخدمي “فيسبوك” عبر البلدان لتصميم إستراتيجيات انتخابية لقائمة عملاء عالمية، بحيث أثرت على الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016 وساهمت في فوز دونالد ترامب، كما عملت مع القادة والأحزاب عبر الطيف السياسي في الهند.

واستخدمت كامبريدج أناليتيكا البيانات الفردية لدراسة توجهات الشعوب الإيديولوجية، واستهدافهم بالمسوحات والأخبار. وفي مثال الولايات المتحدة عرض على الناخبين المترددين الذين يمكن أن يكون لهم وجود كبير في الدوائر الانتخابية محتوى على الإنترنت يضرب الموقف الديمقراطي ويفضل الموقف الجمهوري، وهكذا أثرت في السلوك الانتخابي للكثيرين في الاستطلاع الأمريكي لصالح الجمهوريين وضد المرشحين الديمقراطيين. علاوة على ذلك، تم إرسال بيانات المستخدمين إلى كامبريدج أناليتيكا من “فيسبوك” للمصلحة التجارية، دون موافقة من الأفراد.

لقد رأينا أن البيانات نقطة ارتكاز للاقتصاد السياسي، وتستخدم للإعلانات التي تستهدف المستهلك، والتي تخلق القرارات الفردية وتؤثر عليها، بما في ذلك السلوك السياسي. يمكن أن يؤدي جمع البيانات واستخدامها ونقلها بشكل غير منظم إلى إضعاف الديمقراطية بشدة، كما حدث في الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة. ومن أجل حرمة التصويت، يجب أن يحصل الفرد على مساحة خاصة للتفكير في القرارات والخيارات. إن التلاعب بسلوك التصويت باستخدام المحتوى المستهدف يعيق حرية التفكير والاختيار، إنه إنكار للحرية وسبب أهمية قانون حماية البيانات لعملية انتخابية حرة ونزيهة.

الحق في الخصوصية والعمل الديمقراطي

عندما لا يتمتع الشخص بحقوق، يتم انتهاك كرامته. ميز جون ستيوارت ميلز بين “العمل المتعلق بالذات” و”العمل المتعلق بالآخر”. في الحالة الأولى، لا ينبغي للدولة أن تتدخل إلا إذا كان الفرد يضر نفسه، ومع ذلك، فإن التطفل المستهدف على غرار بيغاسوس ينتهك الحقوق والكرامة الفردية؛ ويترتب عن ذلك أن العمل المتعلق بالآخر – على سبيل المثال، في مجال النشاط السياسي – يحتاج أيضا إلى الحرية للسماح للناس بالتعبير عن أنفسهم وتنظيمهم. لذلك، من جميع النواحي، فإن الخصوصية ليست مجرد منفعة فردية، بل هي أيضا منفعة عامة في الديمقراطية.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة