معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي/ مدار: 24 تشرين الثاني/ نونبر 2021
فيجاي براشاد
في الثامن من أيلول/ سبتمبر، أقدم عاملون في حزب “بهاراتيا جاناتا” الحاكم في الهند على مهاجمة ثلاثة مبانٍ في منطقة ميلارماث، في أغارتالا (ولاية تريپورا). استهدفت الهجمات مكاتب الحزب الشيوعي الهندي (الماركسي) والجريدة الشيوعية “ديلي ديشار كاثا”، وداريّ إعلام هما “كلام” و”PN-24″. تمت هذه الاعتداءات في وضح النهار وعلى مرأىً من الشرطة التي لم تحرك ساكناً. لكن الأمر لم يتوقف هنا، فعلى امتداد تريبورا هوجم أربعة وخمسون مكتباً أخرى للشيوعيين.
لقد كان الحزب الشيوعي ودارا الإعلام هاتان من الناقدين لحكومة الحزب الحاكم. كما كان الحزب الشيوعي قاد مع منظمات أخرى مظاهرات حاشدة ضد عدد من سياسات الحكومة.
يذكر أن الحزب الشيوعي من المكونات التاريخية البارزة للجبهة اليسارية التي حكمت ولاية تريبورا منذ العام 1978 وحتى 1988، ومجدداً منذ العام 1993 حتى 2018.
في الواقع، لم تكن اعتداءات الثامن من أيلول الأولى، فقبلها بأيام، هاجم عمال الحزب الحاكم مركبة القيادي الشيوعي مانيك ساركار وهو في طريقه للقاء مع ناخبي دائرته. مشى ساركار مع الكادر الحزبي ستة كيلومترات قاطعين متاريس الحزب الحاكم نحو هدفهم؛ وقد كان ذلك جزءاً من حملة الشيوعيين العريضة ضد الحزب الحاكم، التي هي بالذات القصد من وراء هجمات الأخير.
منذ العام 2018 أصبحت الاعتداءات على الحزب الشيوعي (الماركسي) أمراً روتينياً. يقول تقرير للشيوعيين في تريبورا إن ما بين أيار/ مارس 2018 وأيلول/ سبتمبر 2020 قُتل 18 قائداً وكادراً في الحزب الشيوعي، وأُحرق 139 مكتباً للحزب، بينما تم تخريب 346 مكتباً حزبياً أخرى و139 مكتباً للمنظمات الرديفة. كما دُمّر 190 منزلاً لأعضاء من الحزب و2871 منزلاً لعمالٍ منه، واعتدي بالضرب على 2656 عضواً.
أدانت هذه الاعتداءات على اليسار الهندي شخصيات ومؤسسات وازنة من حول العالم، من ضمنها القمة العالمية للشعوب.
ما حدث في تريبورا، وهي ولاية صغيرة يسكنها 3.6 ملايين نسمة شمال شرق الهند، أصبح جزءاً طبيعياً من ديمقراطية يومنا هذا. اعتداءات اليمين على كل من يسعى إلى إعلاء أصوات الناس أصبحت أمراً اعتيادياً.
في التاسع عشر من آب/أغسطس في جنوب إفريقيا، وعلى عتبة لجنة المصالحة والوساطة والتحكيم في روستنبرغ، استقر الرصاص في جسد ماليبونغوي مدازو فأرداه قتيلاً. ومدازو هو القائد في النقابة الوطنية لعمال المعادن الذي كان قد قاد قبل اغتياله بشهر إضراباً أجراه 7000 عامل ضد شركة إمبالا بلاتينيوم القابضة، ثاني أكبر منتج للبلاتينيوم في العالم.
أتى اغتيال مدازو بعد تسع سنين من المجزرة الفظيعة في ماريكانا في حق 34 عاملا في مناجم البلاتينيوم المستغلة من قبل شركة لونمين البريطانية. وتعاني منطقة البلاتينيوم في جنوب إفريقيا من توترات دائمة، إذ يعدّ العنف وسيلة تصفية الحسابات المعتمدة بين شركاء شركات المناجم، ومن ضمنها النقابات المتحاربة.
في ملف رقم 31 (آب/أغسطس 2020)، وعنوانه “سياسات الدم”: القمع في جنوب إفريقيا، وثقنا العنف السياسي المتصاعد هناك. نقتبس فقرتين من ذاك الملف:
إن سلسلة اغتيالات القادة النقابيين متواصلة؛ كان آخر ضحاياها بونچاني كولا، نائب رئيس نقابة العمال المتحدين والبلديات الديمقراطية (Demawusa)، المستقلة عن حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، الذي طالته يد الغدر في مدينة بورت إليزابيث في الرابع من تموز/ يوليو 2019.
إن التقاطع المشؤوم بين شركات التنقيب متعددة الجنسيات والسلطة التقليدية والنخب السياسية يرخي بظلال العنف على النشطاء المعادين للتعدين. في السادس والعشرين من كانون الثاني/ يناير 2020، اغتيل سفامندلا فنغولا وملوندولوزي زولو في دانهاوزر، بلدة منجمية في ريف كوازولو-ناتال. وفي الخامس والعشرين من أيار/ مايو 2020، اغتيل في بلدة سانت لوشيا الساحلية فيليب مخوانازي، وهو ناشط ضد التعدين وعضو في حزب المؤتمر الإفريقي. بعد ذلك بشهر، نجا مزثوليبييلا من محاولة اغتيال في منطقة تابعة لسلطة مپوكونيوني القبلية، التي تقع أيضاً على الساحل الشمالي لكوازولو-ناتال.
هؤلاء قادة سياسيون ونقابيون ومنظمون اجتماعيون كمن فيهم دافع النضال وألهبوا الروح الثورية في مجتمعاتهم؛ وإذ يسقطون، يأمل قاتلوهم أن تكون تلك نهاية الشعلة الثورية وبداية القنوط. لكن ما هذا إلا أحد الاحتمالات لما قد يتبع العنف السياسي، ومثله واقعية أن يُشعل استشهاد القادة الجرأة في قلوب الشعب فيزداد نضاله توهّجاً. فعلاً… فنغولا، زولو، مخوانازي والآن مدازو، باتت تلك أسماء يهز صداها ضمائرنا وسواعدنا، فترمي بنا إلى العمل الثوري.
حين هاجم عمال بهاراتياجاناتا مكتب الحزب الشيوعي الماركسي حاولوا تحطيم تمثال ذي رمزية خاصة، هو تمثال داشراث ديب (1916-1998) قائد نضال تريپورا ضد آخر ملوكها. لكن هذه ليست المرة الأولى، فقد حطّم عمّال بهاراتياجاناتا تماثيل عدة لديب فور وصولهم للحكم في الولاية، وخرّبوا حتى اللافتات التي تحمل اسمه. لماذا كل هذا الحقد؟ قد يسأل القارئ. ولد ديب لعائلة فلاحين فقيرة من أصلانيي تريپورا، وعاش مناضلاً شيوعياً كافح لإحقاق العدالة والديمقراطية في كافة مناحي الحياة في ولايته، خصوصاً حينما خدم كرئيس لوزرائها بين عاميّ 1993 و1998. إن نضالات ديب، ونضالات خليفته مانيك ساركار، رئيس وزراء الجبهة اليسارية، قد أتت بالعديد من الإنجازات، نذكر منها مجانية التعليم ورفع نسبة التعليم في الولاية إلى 97% (حتى عام 2018)، ومشروع الكهربة الحكومي الضخم الذي طال 90% من منازل تريپورا.
حين استلم أتباع بهاراتيا جاناتا الحكم في الولاية، دمروا عدة تماثيل لداشراث ديب وهاجموا مؤسسات تحمل اسمه. إن كون ديب قائداً قبلياً يعكس فاشيّة حزب بهاراتيا جاناتا الذي يريد أن يوصل رسالة إلى الجماعات القبلية والطبقات المضطهدة أن احنوا رؤوسكم في حضرة المجتمعات القوية تاريخياً. إن هذا عنف اجتماعي قبل أن يكون سياسياً. إن هذا هو ذات العنف الذي يواجهه قادة الچاريفونا في هندوراس والقادة المنحدرون من أصول إفريقية في كولومبيا، أولئك الذين رفعوا رؤوسهم في وجه العالم وقرروا تحقيق رؤيتهم للمستقبل. يشير تقرير جديد من چلوبال ويتنيس (Global Witness) بعنوان خط الدفاع الأخير إلى أن عدداً كبيراً من النشطاء من السكان الأصليين قد قُتلوا في عام 2020 (بالتحديد 227 ناشطاً، أي أكثر من أربعة ناشطين كل أسبوع). إن نصف هؤلاء الضحايا من ثلاث بلدان، كولومبيا والمكسيك والفلبين، وكلهم قد دافعوا عن كرامة الإنسان وحموا بأجسادهم أمانة الأرض.
قضى أحد أعظم شعراء تريپورا وأبرز قادتها الشيوعيين، أنيل ساركار، جلّ أعماله لإعلاء صوت الداليت، وهي من أكثر الطبقات المضطهدة في النظام الطبقي الهندوسي. لقد أنبأ شعر ساركار بأن هامات المسحوقين آتية لتنهي ظلم القوى الاجتماعية التقليدية. فأمام المسحوقين تراث تجارب حية، من أمبيدكار إلى ماركس واليسار عامةً. “صوت خطواته الدّانية يوقظني،” هكذا وصف ساركار اكتشافه لماركس في ماركسر براتي و “وأرى الحرمان في أرضي.” في قصيدة أخرى، أنشد ساركار لهيرا سنغهاريجان، وهو من الداليت، أن القوّة لن تمنح له هبةً بل أن “عليك أنت، بعد أن تكبر، أن تنتزعها بالقوة.”