المراسلة 34: استيقظت هنا حينما كانت الأرض جديدة

مشاركة المقال

معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي/ مدار: 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021

فيجاي براشاد

 

“التغيير”، لأليسا سينجر. الحقوق محفوظة: المصدر: IPCC

في أواخر مارس 2021، قضى 120 من الملاك التقليديين من 40 مجموعة مختلفة من السكان الأصليين (First People) خمسة أيام داخل التجمع الوطني الشعبي الأول حول تغير المناخ في كيرنز (أستراليا). وفي حديث جافين سينجلتون، أحد مالكي جماعة الييرغانيدجي (Yirrganydji) التقليديين، عن تأثير أزمة المناخ على السكان الأصليين أوضح أن “تغير  أنماط المناخ أدى إلى تحولات في النظم البيئية الطبيعية، ما يجعل من التغيرات المناخية تهديدا واضحا وحاضرا لشعبنا وثقافتنا”.

وقالت بيانكا ماكنير، وهي إحدى الملاك التقليديين من جماعة المالغانا (Malanga) في غاثاراغودو (أستراليا)، إن “جزءاً من حديث أولئك الذين حضروا التجمع كان حول كيف تغيرت تحركات الطيور في جميع أنحاء العالم بسبب تغير المناخ، وتأثير ذلك على الطيور كمجتمع وثقافة…”، وزادت: “نحن شعب صامد وقادر على التكيف، لذلك كنا مستعدين لهذه التحديات، لكننا نواجه الآن موقفا لا يمكن التنبؤ به، فنحن أمام وضع لا يعتبر جزءا من نمطنا البيئي الطبيعي”.

أرون ميكس (أستراليا)، البادرة، 2020

يعيش الملاك التقليديون لـلييرغانيدجي على الساحل الأسترالي، حيث يتواجد الحاجز المرجاني العظيم، الذي تواجه شعابه المرجانية تهديدا بالانقراض بسبب التغيرات المناخية: شهدت الفترة ما بين 2014 و2017 تهديدات متتالية بتبييض الشعاب المرجانية، التي أدت إلى قتل أعداد كثيرة وثمينة منها، حيث تسببت التغيرات المتقلبة لدرجات الحرارة في اختفاء الطحالب التي تعتبر ضرورية للصحة الغذائية للشعاب المرجانية. لقد خلص علماء ممن استعانت بهم الأمم المتحدة إلى أن 70% من الشعاب المرجانية للأرض تحت تهديد مستمر، فيما تعرضت 20% فعليا للتدمير “بلا أمل في التعافي”. من بين الشعاب المرجانية المهددة نجد أن ربعها معرض لـ”خطر الاختفاء الوشيك”، في حين يعاني ربع آخر من المخاطر القائمة على “التهديدات الطويلة الأجل”.

وجاء في تقرير للأمم المتحدة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 بعنوان: توقعات عن تبيض المرجان في المستقبل أنه إذا لم يتم التحكم في انبعاثات الكربون فإن الشعاب المرجانية، بالإضافة إلى الأنواع التي تدعمها، من المتوقع أن تموت وتختفي. وخلصت هيئة منتزه الحاجز المرجاني البحري العظيم في ملاحظاتها إلى أن “التغيرات المناخية هي أكبر تهديد للحاجز المرجاني العظيم والشعاب المرجانية في مختلف أنحاء العالم”. هذا هو السبب الذي الذي دفع الملاك التقليديين من الييرغادينجي إلى إنشاء حراس البحر واليابسة الأصليين (Indigenous Land and Sea Rangers)، بهدف رعاية الشعاب المرجانية رغم كل العوائق.

 يقول سينجلتون: “إن معظم تقاليدنا وعاداتنا ولغتنا مستوحاة من البحر، لذا فإن فقدان الشعاب المرجانية سيؤثر على هويتنا. كنا هنا قبل أن تكون الشعب المرجانية، ومازلنا نحمل في أذهاننا قصصا توارثتها الأجيال حول الوقت الذي ارتفع فيه البحر وغمر المنطقة في ما عرف بالفيضان العظيم”، ويشير إلى أن حراس الييريغاندجي يرون في الشعاب المرجانية “قلوبهم وأرواحهم”، لكنهم يكافحون رغم كل الصعاب.

بيجاك (إسبانيا)، بقعة، 2011

لم يمض وقت طويل على حل التجمع الوطني الشعبي الأول حتى خرجت علينا الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) بتقريرها السادس الذي دق ناقوس الخطر. استناداً إلى إجماع علماء الهيئة، الذين يبلغ عددهم 234، ممثلين لأكثر من 60 دولة، فإن “العديد من الأدلة التي تم الاعتماد عليها تشير إلى أن التغيرات المناخية الأخيرة وواسعة النطاق تعتبر سابقة لم يشهد لها مثيل في الألفية الحالية، كما أنها متسببة في العديد من الظواهر التي برزت إلى السطح في الآونة الأخيرة، من فقدان للجليد في مختلف أنحاء العالم، وزيادة في معدل حرارة المحيطات، وارتفاع مستوى سطح البحر، وتحمض أعماق المحيطات. إن استمرار ارتفاع درجات الحرارة  في الوصول إلى 3 درجات مئوية بحلول 2060 و5.7 درجة مئوية بحلول عام 2100 من شأنه أن يؤدي إلى نتيجة مؤكدة، ألا وهي الانقراض البشري.

ويأتي التقرير بعد سلسلة من الأحداث المناخية المتطرفة وغير المألوفة: فيضانات في الصين وألمانيا، حرائق عبر مختلف بلدان البحر الأبيض المتوسط، وبلوغ درجات الحرارة مستويات قصوى في جميع أنحاء العالم.

وخلصت دراسة في عدد يونيو من مجلة طبيعة تغير المناخ (Nature Climate Change) إلى أن “التطرف المناخي الحالي والمحطم لكل السجلات” سيكون “شبه مستحيل في غياب الاحتباس الحراري”.

لقد تطرق التقرير السادس لـIPCC لمسألة مهمة تمثلت في أن “الانبعاثات التراكمية والتاريخية لثاني أكسيد الكربون هي التي تحدد وبدرجة كبيرة مستويات ارتفاع درجات الحرارة الآن”، ما يعني أن بلدان شمال العالم قادت العالم بالفعل إلى حافة الفناء قبل أن تتمكن بلدان جنوب العالم من تلبية أبسط الاحتياجات الأساسية مثل الكهرباء. فعلى سبيل المثال تعتبر 54 دولة في القارة الإفريقية مسؤولة فقط عن 2-3% من انبعاثات الكربون العالمية، بينما لا يستطيع  نصف سكان إفريقيا البالغ تعدادهم 1.2 مليار نسمة الوصول إلى الكهرباء، في حين أن العديد من الأحداث المناخية المتطرفة (كالجفاف والأعاصير في جنوب إفريقيا، والفيضانات في القرن الإفريقي، والتصحر في منطقة الساحل) اجتاحت مختلف أنحاء القارة.

أصدرنا في يوم البيئة العالمي (5 يونيو/ حزيران) بمناسبة الأسبوع العالمي للنضال ضد الإمبريالية البرقية الحمراء رقم 11 ، التي شرحنا من خلالها الدينامية العلمية والسياسية لأزمة المناخ و”المسؤوليات المشتركة ولكن المتباينة”، وما الذي الذي يمكن فعله من أجل وضع حد وتغيير هذا المد والجزر.

فريديريك برولي بوابر (ساحل العاج)، قَسَم ملعب التنس، 2010.

من المرتقب أن تجتمع الحكومات في تاريخين مقبلين، الأول يتعلق بالمؤتمر الخامس عشر  للأطراف (COP15) الذي سيعقد بكونمينغ (الصين) في أكتوبر/ تشرين الأول لمناقشة التقدم المحرز في اتفاقية التنوع البيولوجي (تم التصديق عليها عام 1993)، فيما يتمثل الحدث الثاني في مؤتمر الأمم المتحدة السادس والعشرون لتغير المناخ (COP26) المقرر تنظيمه في نوفمبر/ تشرين الثاني بغلاسكو (المملكة المتحدة) لمناقشة تغير المناخ. وينصب التركيز على COP26 حيث سيدفع الشمال العالمي القوي مرة أخرى في اتجاه “صافي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون صفر” من أجل رفض التخفيض العميق في مستوى انبعاثاته مع الإصرار على ضرورة تخلي الجنوب العالمي عن التنمية الاجتماعية.

في الوقت نفسه، لن يكون هناك اهتمام كبير بـCOP15 الذي سيتم التطرق في جدول أعماله لخفض استخدام مبيدات الآفات بمقدار الثلثين، والتقليل من نفايات الطعام إلى النصف، ووضع حد للتخلص من النفايات البلاستيكية. لقد أظهر تقرير عام 2019 للمنبر الحكومي الدولي للعلوم والسياسات في مجال التنوع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية أن التلوث واستنزاف الموارد كانا وراء وضع مليون نوع من الحيوانات والنباتات تحت تهديد الانقراض.

إن العلاقة بين الاعتداء على التنوع البيولوجي وتغير المناخ واضحة: فتح الأراضي الرطبة وحده ساهم في إطلاق العنان لمخازن تاريخية للكربون في الغلاف الجوي. إنه لمن الضروري تخفيض الانبعاثات وتحسين إدارة الموارد.

أمين روشان (إيران)، تجوال، 2019

إن ما يلفت النظر هو أنه في وقت أصدرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ تقريرها، طلبت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن من منظمة البلدان المصدرة للنفط أن تزيد من إنتاجها، ما يجعل من التعهد الذي قطعه بايدن بخفض 50% من انبعاثات الغازات الدفيئة في الولايات المتحدة بحلول عام 2030 مجرد سخرية.

وأظهرت ورقة بحثية حديثة من مجلة  الطبيعة (Nature) أن تمرير بروتوكول مونتريال بشأن المواد المستنفذة لطبقة الأوزون عام 1987 كان له التأثير في حظر استخدام مركبات الكلوروفلوروكربون (CFCs)، الأمر الذي أدى إلى التخلص من بخاخات الهباء الجوي والمبردات وعبوات الستايروفورم، باعتبار أن هذه المواد كانت من أٍباب استنفاد طبقة الأوزون. ويعتبر بروتوكول مونتريال مهماً للغاية – على الرغم من ضغوط المصنعين – لأنه تم التصديق عليه عالمياً. وتعطي مثل هذه المعاهدات الأمل في أن الضغط الكافي من الدول الرئيسية، بدعم وتوطيد من الحركات الاجتماعية والسياسية، يمكن أن يؤدي إلى لوائح صارمة ضد التلوث وانبعاثات الكربون، بالإضافة إلى تغيير ثقافي ذي مغزى.

سيمون ثومسون (أستراليا)، الصحوة، 2019.

تشمل الأماكن التي كانت ساحة للمفاوضات العالمية من أجل إنقاذ الكوكب مدناً مثل كيوتو (1997) وباريس (2015)، لكن من بين هذه البلدان يجب أن تتم الإحالة على كوتشابامبا (بوليفيا)، حيث عقدت حكومة إيفو موراليس أيما مؤتمر الشعوب العالمي حول تغير المناخ وحقوق أمنا الأرض في أبريل/ نيسان 2010. وحضر هذا المؤتمر التاريخي ما يزيد عن 30000 شخص يمثلون أكثر من 100 دولة، وتم اعتماد الإعلان العالمي لحقوق أمنا الأرض الذي ناقش عدة نقاط بما فيها المطالبة  بـ:

1. خفض دول شمال العالم للانبعاثات بنسبة 50% على الأقل.

2. تقديم مساعدات مهمة للبلدان النامية، للتكيف مع آثار تغير المناخ والتخلي عن الوقود الأحفوري.

3. حق السكان الأصليين في الحماية.

4. فتح الحدود الدولية أمام لاجئي المناخ.

5. تشكيل محكمة دولية تعنى بمحاكمة والنظر في جرائم المناخ.

6. الاعتراف بحق الشعوب في الحصول على الماء، وأن لها الحق في عدم التعرض للتلوث المفرط.

في أعقاب المؤتمر، عبر الرئيس السابق موراليس قائلاً: “نحن أمام طريقين، فإما أن نتخذ طريق أمنا الأرض أو نتبع طريق الشركات متعددة الجنسيات. إذا لم نحارب ذلك فسوف تنتصر أيادي الموت، وبذلك سنكون مشاركين ومذنبين في تدمير الكوكب”. يتفق كل من جافين سينجلتون وبيانكا ماكنير بالتأكيد على هذا الرأي. 

 

وكذلك الحال مع الشاعر والمعلم هولوس نويل ماريس في اتفاقه مع ما جاء في قمة بوليفيا. تثير “الأغنية الروحية للسكان الأصليين” (1978) الأمل، وتضع الموسيقى التصويرية لأولئك الذين يسيرون لإنقاذ الكوكب:

أنا من أبناء شعب دريم تايم (زمن الحلم)

جزء من هذه الأرض مثل شجرة التويا العقدية

أنا النهر، أغني بهدوء

أردد أغانينا في طريقي إلى البحر

روحي هي شياطين الغبار

سراب، تلك الرقصة في السهل

أنا الثلج والريح والمطر المنهمر

أنا جزء من الصخور وأرض الصحراء الحمراء

أحمر كالدم الذي يتدفق في عروقي

أنا نسر وغراب وثعبان يتزحلق

عبر الغابة المطيرة التي تتشابك مع سفح الجبل

استيقظت هنا حينما كانت الأرض جديدة.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة