الرئاسة في جنوب إفريقيا بين اختلاف النوع الاجتماعي وتشابه السياسات

مشاركة المقال

نيوز فرايم/ مدار: 02 حزيران/ يونيو 2022

ويسيمان زوندي

صورة: نيو فرايم، أناستاسيا إليسيفا.

إذا ما استجاب حزب المؤتمر الوطني الإفريقي لدعوة انتخاب امرأة من أجل قيادة أقدم حركة تحرر في إفريقيا فسيكون ذلك تحولا هائلا في إحدى التوجهات الكبرى للتنظيم.

عندما تم تشكيل الحزب في البداية عام 1912، لم يكن ينظر إلى النساء على أنهن عضوات كاملات العضوية، وقد كان هذا من بين الأسباب وراء الصور النمطية الأبوية كلما كان للمرأة دور في السياسة (أو أي مجال آخر تم ترميزه على أنه ذكوري)، بحيث ينظر إليهن على أنهن أقل ذكاء وأقل منطقية، ولا ينظر إليهن على أساس أنهن سياسيات لهن موثوقية في شؤون الحكم.

ونظرا لأن الحملة الانتخابية لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي عام 2014 كانت مبنية على شعار “قصة جيدة تتم روايتها”، فليس هناك قصة أفضل يمكن روايتها في جنوب إفريقيا من تتبع مدى نضج المساواة بين النوعين داخل مقاليد الحزب، ومدى قابلية أن تتولى المرأة رئاسة منظمة، لاسيما إن كانت من أكبر المنظمات في البلاد.

سيكون هذا الأمر جد ملحوظ، فرغم العيوب العديدة لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي إلا أنه مازال يتمتع بدعم انتخابي شعبي كبير. ومن الممكن سنة 2024، أن تحتفل جنوب إفريقيا 30 سنة من الديمقراطية بانتخاب امرأة للرئاسة.

ورغم كل ما تم الحديث عنه في البداية، إلا أن مثل هذه الروايات لا يمكن أن تطعم الجياع. إن وجود امرأة كرئيسة لجنوب إفريقيا من شأنه أن يدل على تحول إيجابي في العلاقات بين النوعين في حقل السياسة، لكن البلاد بحاجة إلى أكثر من امرأة كرئيسة. إننا بحاجة إلى زعيم أخلاقي فوق مستوى اللوم وذي كفاءة سياسية وقادر على التعامل الديناميات الحالية، وواع بحجم المحنة التي يعاني منها ملايين الجنوب إفريقيين الذين يحسون بأن الديمقراطية التي يتم الحديث عنها في البلاد ليس لهم فيها موطئ قدم. لذا فمن المهم وجود امرأة تشغل مناصب داخل الحكم، لكن الأهم من ذلك هو وجود امرأة تهتم بمشاكل جنوب إفريقيا؛ فالتمثيل مهم، لكن نوع التمثيل أهم بكثير.

القوة التمثيلية

لا ينبغي أن نستخف بفوائد التمثيل. إن وجود عضو من مجموعة مهمشة يشغل موقعا مهما في السلطة، لاسيما إن كانت هذه المجموعة محرومة من هذا الموقع عبر التاريخ، يعد أمرا ملهما؛ هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن إحدى العوائق الرئيسية للإقصاء المنهجي هو أنه يولد إحساسا بالدونية داخل المجموعة التي تم استبعادها.

ينتهي الأمر بأعضاء تلك المجموعة إلى إقصاء أنفسهم من خلال عدم محاولة تقديم أنفسهم لشغل مناصب مهمة، ما يؤدي إلى إدامة فكرة أن أعضاء تلك المجموعة – في هذه الحالة النساء – غير مناسبين لهذه المناصب. هذا هو السبب في أنه من المهم التخلص من عقدة الدونية الجماعية وإظهار أن أي شخص قادر على شغل مختلف المناصب في المجتمع؛ لذا فإن أكبر فائدة للتمثيل ليست الطبيعة الرمزية لما يعنيه في الوقت الحالي، وإنما باعتباره الدافع الذي يقدمه للأجيال القادمة من خلال تمكينهم من رؤية أنفسهم كقادة مستقبليين محتملين للمجتمع.

لكن الاستبعاد المنهجي لا يمكن التغلب عليه بمجرد الدافع الفردي. لا يكفي أن يرى المرء شخصا يشاركه هويته الاجتماعية يُحتفى به لصنع التاريخ، فعاجلا أم آجلا ستتوقف الكاميرات عن الدوران، وعندما يحدث ذلك ستستمر الحواجز الهيكلية في منع غالبية الأعضاء من تحقيق طموحاتهم.

إذا كانت لينديوي سيسولو، كما تقول الشائعات، سترشح نفسها لرئاسة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، ولديها كافة الإمكانيات للفوز، فإن من شأن ذلك أن يحفز النساء على رؤية أنفسهن كرئيسات في المستقبل، لكنه لن يحل المشاكل التي تمنع العديد من النساء من الوصول إلى السلطة السياسية.

سيسولو تعتبر بمثابة حالة استثنائية، لاسيما أنها سياسية من الجيل الثاني، خدمت في معظم إدارات ما بعد “الديمقراطية”، وهذا يعني أنها إذا أصبحت من كبار المنافسين على رئاسة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي أو فازت بها فسيكون ذلك أيضا بسبب امتيازاتها السياسية الأخرى، وهذه مشكلة أخرى، ليس لأنه لا ينبغي استخدام الامتيازات لمنفعة الفرد، ولكن لأن واقعها كامرأة في السياسة بعيد جدا عن تجارب معظم السياسيات.

هذا يجعلها غير مناسبة للاعتراف بها كمثال للنضالات التي تخوضها النساء في جنوب إفريقيا في حالة توليها السلطة، خصوصا أن شغلها لعدة حقائب وزارية (وهي حاليا وزيرة للسياحة) أدى إلى فشل ذريع في جنوب إفريقيا على مستوى هذه الحقائب، ولم تظهر أي دليل على أنها تتبنى أسلوبا نسويا واضحا في السياسة. من المهم ملاحظة ذلك، لأن الفكرة الجوهرية عن كون المرأة في جوهرها مؤيدة للنساء أمر خاطئ.

امرأة في مواجهة النساء

وإذا تطرقنا إلى الأمثلة، يمكن أخذ مادلين أولبرايت، التي تعتبر أول امرأة وزيرة للخارجية في الولايات المتحدة. ينظر السواد الأعظم من شعوب العالم إلى حكومة الولايات المتحدة على أنها إمبريالية ومتعطشة للحرب، وهي سمات لم يستفد منها أبدا أفراد غير مواطني الولايات المتحدة. بوجود أولبرايت كوزيرة للخارجية، كانت هناك فرصة من أجل العمل على رؤية جديدة للولايات المتحدة، والدور الذي تلعبه في نظامنا الدولي؛ لكن لم يتم ذلك، فقد حافظت أولبرايت على الوضع كما هو، وكانت في عهدها داعمة بشدة للعقوبات المفروضة على العراق، التي أدت إلى مقتل الآلاف من المدنيين؛ حتى إنها قالت في مقابلة مشهورة إن موت الأطفال العراقيين نتيجة العقوبات الأمريكية “تستحق كل هذا العناء”. وهناك العديد من الأمثلة المشابهة، إذ يمكن أيضا ذكر مارجريت تاتشر وكمالا هاريس في الوقت نفسه الذي تذكر فيه أولبرايت.

هل يمكننا بعد كل ذلك أن نسمي أولبرايت “تقدمية” و”رائدة” على الرغم من أن إرثها كان مدمرا لبقية العالم مثل وزراء الخارجية الآخرين؟ ما الذي فعلته أولبرايت للولايات المتحدة وكان مختلفا جوهريا عن أسلافها الذكور، باستثناء تقديم وهم المساواة بين النوعين؟ وهل المساواة بين النوعين شيء يجب أن ندعمه إذا كان يعني فقط تكافؤ فرص الجنسين في الاحتفال والوقوف وراء وفاة الأطفال الأبرياء؟

إن هذه الأسئلة المتعلقة بالتمثيل من الضروري أن تتم إعادة النظر فيها باستمرار إذا أردنا أي فرصة للتقدم. نعم التمثيل مهم، لكن تنشأ المشكلة عندما يستخدم الناس التمثيل كحيلة لتكديس السلطة السياسية دون أن تكون لديهم أي نية لاستخدام وضعهم لإلقاء الضوء على الأسباب المهمة التي تؤثر على المجتمع الذي يفترض أنهم يمثلونه.

سيسولو امرأة، لكنها لم تكن واضحة في أي وقت من الأوقات بشأن تبني الأخلاق النسوية المؤيدة للمرأة في سياساتها، على الرغم من كونها وزيرة للغالبية العظمى من نظامنا الحالي. كل هذه العبارات تدفعنا للقول إنه من السابق لأوانه وصف ترشيح سيسولو المحتمل لرئاسة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي بأنه “فوز للنساء”، لاسيما أنه طالما علمتنا التجارب حول قوة السرديات في الحملات السياسية: يستخدم بعض الأشخاص لغة تقدمية لبيع فكرة تتعارض مع شخصية المرشح المعني.

التحدي في كونك “الأول” يعتبر بمثابة عبء ثقيل، خصوصا أنه لا يتم الحكم عليك كفرد، ولكن كممثل لتلك المجموعة؛ لذا فإن إخفاقاتك ليست إخفاقاتك أنت فقط، بل هي إخفاقات المجموعة بأكملها، وهذا يمثل مشكلة.

إذا سألت سيسولو علنا عن رؤيتها لمجتمع جنوب إفريقي يتعامل بشكل فعال مع العنف القائم على النوع الاجتماعي، على سبيل المثال، فإن إجابتها ربما لا تفي بالمعايير المطلوبة لرئاسة البلاد؛ لن يكون ذلك لأنها امرأة، بل لأن أساس سعيها المزعوم إلى رئاسة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي لا يتعلق بتمكين المرأة. تعلمنا سيسولو درسا حاسما – التمثيل ضروري، لكنه ليس كافيا لإحراز تقدم جوهري.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة