مدار: 09 كانون الأول/ ديسمبر 2025
تجددت المواجهات العسكرية، منذ ليلة الأحد-الإثنين، بين الجارتين كمبوديا وتايلاند، مما أدى إلى سقوط عسكريين ومدنيين ونزوح عشرات الآلاف.
لم يمض سوى أقل من شهرين على اتفاق وقف إطلاق النار بين البلدين بوساطة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حتى عادت المواجهات وسط تبادل الاتهامات بخرق بنود الاتفاق الهش.
وقد ارتفع عدد الضحايا المدنيين في كمبوديا إلى تسعة قتلى، وأصيب 20 شخصاً، خلال المواجهة الجديدة، بينما تقول القوات التايلاندية إن ثلاثة من جنودها قُتلوا وأُصيب 68 شخصاً.
وأُجلي عشرات الآلاف من السكان الذين يعيشون على طول المناطق الحدودية إلى الملاجئ.
وحثّت الصين تايلاند وكمبوديا على “التحلي بضبط النفس” لمنع المزيد من التصعيد، بينما أدانت فرنسا وأستراليا الاشتباكات ودعتا إلى وقف إطلاق النار، تزامنا مع اجتماع أكثر من 30 سفيراً أجنبياً وممثلين عن الأمم المتحدة في جلسة إحاطة عاجلة مع قادة كمبوديا.
ويعود هذا الصراع الدموي إلى تفسيرات متباينة لخريطة حدودية رسمها المستعمر الفرنسي عام 1907، تغطي حدوداً بطول 800 كيلومتر. ويشتد الخلاف حول معبد “برياه فيهير” الهندوسي الأثري ومعبد “تا موين توم”.
ورغم أن محكمة العدل الدولية حكمت مرتين (1962 و2011) لصالح سيادة كمبوديا على معبد “برياه فيهير”، إلا أن المناطق المحيطة به ظلت بؤرة توتر، حيث يرفض كل طرف التنازل عن “شبر واحد” من الأراضي.
ويبدو أن الاتفاق الذي وقع في أواخر تشرين الأول، أكتوبر الماضي في كوالالمبور برعاية أميركية، والذي دفع بكمبوديا لترشيح ترامب لجائزة نوبل للسلام، لم يلامس جوهر الأزمة، إذ يكشف التصعيد الأخير هشاشة الحلول الدبلوماسية السطحية أمام جذور صراع تاريخي معقد تغذيه خرائط الحقبة الاستعمارية وحسابات السياسة الداخلية المحمومة في كلا البلدين.
اتفاق وقف إطلاق النار المنهار ركز على صورة الإنجاز السياسي أكثر من معالجة أصل الداء، الذي يتمثل في الترسيم الحدودي الملتبس. المفاوضات التي أدت إلى الهدنة، والتي هدد ترامب خلالها بانسحاب أميركي من اتفاقيات جمركية، كانت أشبه بفصل ملاكمين داخل الحلبة دون حل سبب القتال.
وتلقي الأجندات السياسية الداخلية، بثقلها في هذا النزاع العسكري، ففي تايلاند، يواجه رئيس الوزراء أنوتين شارنفيراكول، المحسوب على المؤسسة العسكرية المحافظة، انتخابات مرتقبة مطلع العام المقبل، وقد تكلفه أي “ليونة” في الملف الحدودي غالياً أمام تيار محافظ متشدد أطاح سابقاً برئيسة الوزراء باتونغتارن شيناواترا بعد تسريب صوتي انتقدت فيه الجيش وخاطبت رئيس الوزراء الكمبودي هون سين بـ”عمي”، لذلك، يبدو أنوتين مدفوعاً لتبني نهج متشدد لكسب الشرعية القومية وتثبيت أركان حكمه.
أما على الجانب الكمبودي، فتلعب المشاعر القومية دوراً مشابهاً في تعزيز تماسك الجبهة الداخلية، خاصة مع استخدام تايلاند لتفوقها الجوي والبري. ويحاول هون سين الظهور بمظهر “المدافع العاقل” الذي اضطر للحرب، في رسالة موجهة للداخل والخارج معاً.

