الجائحة تفاقم الجوع بالبرازيل: حوالي %30 من السكان يعتمدون على التبرعات لإطعام أنفسهم

مشاركة المقال

مدار: 19 آب/ غشت 2021

بقلم دانييل جيوفاناز وبيدرو ستروباسولاس*

إن تخلي البرازيل عن السياسات الرامية إلى مكافحة الفقر من المتوقع أن يدفع البلاد إلى حجز مكان في خريطة الأمم المتحدة للجوع مرة أخرى. في الواقع وصلت البلاد إلى مستويات عالية ضمن مؤشر انعدام الأمن الغذائي كانت سببا لوضعها في البداية على خريطة الجوع، رغم أن منظمة الأمم المتحدة لم تحين وضعها بعد.

وفقا للبيانات التي قامت “جامعة برلين الحرة” بنشرها فإن 125.6 مليون برازيلي يعانون من انعدام الأمن الغذائي، أي ما يعادل 59.3% من سكان البلاد.

تقول جاكلين فيليكس، من ساو باولو، التي اعتادت على العمل في التنظيف والاشتغال كموظفة مبيعات لكنها الآن فقدت الأمل في الحصول على وظيفة: “نستيقظ يوميا بلا أمل في تناول الخبز، الفطور والأرز، وبدون معرفة ما إذا كان لدينا شيء لنأكله في اليوم التالي”.

تتلقى جاكلين ذات 22 ربيعا 327 ريال برازيلي في إطار المساعدات الطارئة المقدمة من قبل حكومة جاير بولسونارو، كما تعتمد على التبرعات من أجل البقاء.

“حزمة حفاظات بالإضافة إلى رزمة من الحليب تكلف 50 ريالا برازيليا، وهي لا تتناسب مع الميزانية”

ليس باستطاعة جاكلين وابنيها تناول سوى وجبتين في اليوم: الإفطار عند الاستيقاظ ووجبة غذاء متأخرة ليتم دمجها مع العشاء.

منذ ظهور الوباء ، لا تستطيع جاكلين وأبناؤها تناول الطعام إلا مرتين في اليوم. الصورة: بيدرو ستروب أسولاس

البرازيل كانت ذات يوم نموذجا ذهبيا

كان أحد الأهداف الأساسية للرئيس السابق، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، من حزب العمال البرازيلي عندما تولى منصبه عام 2003، ضمان حصول جميع البرازيليين على وجباتهم الثلاث في اليوم.

قبل عدة أشهر، تناول تقرير للأمم المتحدة أن الجوع يزداد سوءا، وأنه لا توجد إستراتيجية لدى الدولة البرازيلية من أجل معالجته.

لقد كانت لدى لولا استجابة سريعة من خلال برنامج القضاء على الجوع، استهدفت أربعة عناصر متعلقة بالأمن الغذائي، كما أنه سبق للحركات الشعبية في ذلك الوقت أن ناقشت الأمرين الأولين: توافر الطعام والوصول إليه، في حين تعلق الجانب الثالث بالاستقرار والاستمرارية، التي قال عنها الاقتصادي بيليك، أحد مبتكري البرنامج: “يبقى الهدف الأساس هو تنزيل والحفاظ على كل هذا، وليس مجرد مناقشة لإعطاء سلة من المقترحات”. كما كانت في صلب الأهداف مناقشة كيفية الحفاظ على جودة الطعام.

بفضل هذه البرامج والسياسات الرامية إلى زيادة الحد الأدنى من الأجور وتوزيع الثروة، تمكنت البرازيل من الخروج من خريطة الجوع عام 2014. ويوضح بيليك: “من الناحية الإحصائية، كان هناك عدد قليل جدا من العائلات التي عانت من الجوع في العقد الماضي”.

طابور البقاء على قيد الحياة

بالنسبة لحارس الأمن إيمرسون بافاو، ذو الـ50 عاما، فإن الإنجازات التي تم تحقيقها في الماضي لم تعد قائمة، فهو الآن عاطل عن العمل ومضطر بسبب ظروفه الاقتصادية إلى مغادرة منزله الذي كان يعيش فيه، لقضاء لياليه، لما يزيد عن عام، في نزل في ساو باولو.

“هناك منظمات غير حكومية تأتي لتقدم لنا الطعام، ولكن ليس كل ليلة، الأمر الذي يضطرنا في مرات كثيرة إلى إذلال أنفسنا من أجل الأكل كما لو كنا بشرا هُجّنا”.

أحد أهم الأماكن التي تتبرع بالطعام في ساو باولو: شركة المستودعات والمخازن العامة لولاية ساو باولو (Ceagesp).

“إنه خط البقاء”، هكذا عرفت الوضع سونيا دي جيسوس، ذات الـ55، التي تعيش مع ابنها خريج الاقتصاد والعاطل عن العمل أيضا، وهي التي سبق لها أن اشتغلت كمنظفة وخادمة في دار لرعاية المسنين حتى بداية عام 2020 قبل أن يتم تسريحها.

قبل أن تقوم (Ceagesp) بتنزيل برنامج التبرعات، كانت لحظة فتح الثلاجة أحد أكثر الأوقات حزنا في اليوم، وهو الأمر الذي عبر عنه عامل، يتلقى 150 ريالا برازيليا كمساعدات طارئة بالقول: “كان هناك ماء فقط”، مضيفا: “قبل عشر سنوات، اعتدت ملء عربتي في السوق. لكن اليوم تغير الوضع، فعندما أذهب، أغادر بحقيبة صغيرة”.

امرأة خارج Ceagesp ، أحد أهم أماكن التبرع بالأغذية في ساو باولو. الصورة: بيدرو ستروباسولاس

الغذاء هو الأولوية مرة أخرى

قبل ثمانية وعشرين عاما، قام عالم الاجتماع هربرت دي سوزا، المعروف باسم Betinho (1935-1997)، وهو أحد رموز الكفاح ضد الجوع في البرازيل، بإنشاء منظمة غير حكومية تحت مسمى Ação da Cidadania ، لها لجان محلية في كل ولاية وتعمل على تنظيم المجتمعات في الكفاح من أجل الحقوق الاجتماعية.

كان الاقتراح الأولي للمنظمة غير الحكومية هو جمع وتوزيع الطعام، وهو الأمر الذي حافظ عليه خلفاء Betinho، الذين ساروا على الخطة نفسها، القائمة على Fome Zero  (صفر حالة جوع) من خلال البحث عن آفاق جديدة.

تقول آنا باولا دي سوزا، وهي منسقة في المنظمة غير الحكومية “Citizenship Action”: “عندما انضممت إلى Citizenship Action عام 2010، كنا نعمل بالفعل على قضية ‘سجل الجوع’ و’الجوع في أوساط المواطنين'”.

لقد عاد الطلب على الغذاء إلى الظهور عام 2017 بعد التعديل الدستوري 95، الذي تمت الموافقة عليه في العام نفسه، وكان الغرض منه تجميد الاستثمارات في المجالات الاجتماعية لمدة 20 عاما. وتم التصديق على هذا التعديل من قبل ميشيل تامر الذي تولى الرئاسة بعد إقالة ديلما روسيف (حزب العمال).

تقول آنا باولا: “تم إغلاق المطاعم الشعبية والمطابخ المجتمعية في جميع أنحاء البرازيل”، مضيفة في الآن نفسه: “تعرضت الصحة والأمن الغذائي للخطر في الفترة التي شهدت استشراء الوباء، وهو بالضبط الوقت الذي كان الناس فيه بحاجة إلى مناعة قوية”.

تجفيف

لقد بدأ تفكيك السياسات العامة لمكافحة الجوع خلال إدارة ديلما. ويتذكر والتر بيليك، الأستاذ المتقاعد من معهد الاقتصاد بجامعة ولاية كامبيناس (يونيكامب): “كان الوضع السياسي غير مستقر، وبدأ معه اعتماد منظور التقشف وخفض الإنفاق العام”.

بعد الانقلاب البرلماني عام 2010، تم استبدال روسيف بنائب الرئيس ميشال تامر (MDB)، وهي الفترة التي شهدت معاناة الميزانية من تخفيضات أكبر. لقد كان انعكاس منحنى الجوع فوريا، فوفقًا لمسح ميزانية الأسرة 2017-2018، شهد انعدام الأمن الغذائي زيادة بنسبة 33.3% مقارنة بعام 2003 و62.2% مقارنة بعام 2013.

اليوم، ونحن في خضم الوباء، بات حتى أولئك الذين يحصلون على حد أدنى للأجور في بداية كل شهر يواجهون صعوبة عند التسوق. هذه هي حالة فيرا لوسيا سيلفا دوس سانتوس، البالغة 66 عاما، التي تعيش في حي ساو جوداس منذ عام 2019، وأصبحت دائمة التردد على Ceagesp لتلقي الطعام.

“نحن ندفع 3 ريالات برازيلية في حزمة خس، وهذا عبث كبير، كما أن البيض الذي كان أرخص شيء لدينا لم نعد قادرين على شرائه في الوقت الحالي، ناهيك عن اللحوم”، هكذا قالت فيرا بكل أسف، بينما تنتظر تلقي تبرعات من فواكه وخضروات تحت الشمس.

خط خارج Ceagesp ، أحد أهم أماكن التبرع بالطعام في ساو باولو. الصورة: بيدرو ستروباسولاس

المزيد والمزيد من الاحتياجات الأولية

حسب الأب جوليو لانسلوتي، وهو أحد المسؤولين عن توزيع الطعام في السقيفة الكبيرة لمركز ساو مارتينهو دي ليما الاجتماعي الواقع في حي بيليم في ساو باولو، فإنه أصبح واضحا تزايد البؤس في البلاد.

في أوقات الوباء، ومع وجود 14 مليون شخص يبحثون عن عمل، تكون الاحتياجات أولية أكثر فأكثر.

ويصف الأب الوضع قائلا: “يبحث الناس باستمرار عن الغاز لأغراض الطهي، إنه مؤشر على أزمة إنسانية، كما أن الغالبية وجدوا أنفسهم مضطرين للعودة إلى صنع الطعام باستخدام الإيثانول، ولا يستطيع الناس حتى القيام بذلك، لأن الكحول باهظ الثمن أيضا”.

فقدت سيدة التنظيف لوزيا جاناينا دا كونها وظيفتها بسبب الوباء، وتعيش في نزل غير قادرة على توفير قوت يومها، وتقول: “لن أتمكن أبدًا من إعالة نفسي بدفع 25 ريالا برازيليا في عبوة أرز [5 كجم]، لأنني الآن لا أعمل ولا أكسب شيئًا”.

يقدر والتر بيليك أن 60 مليون برازيلي، أي ما يعادل 27% من السكان، يعتمدون على التضامن لإطعام أنفسهم أثناء الوباء، كما أنه وفقا لمنظوره فمن الممكن تخفيف المشكلة من خلال الاستثمار في تنظيم المخزون الوطني، ويوضح قائلاً: “عندما ترتفع الأسعار بشدة، ستعمل الحكومة على زيادة العرض وخفض السعر. وعندما يكون السعر منخفضًا للغاية، ما قد يتسبب في خسائر للمزارعين، تشتري الحكومة المحصول من أجل الحفاظ على السعر”.

لقد كان برنامج توفير الطعام (PAA)، بناء على المشتريات من الزراعة الأسرية، وراء تزويد مراكز الرعاية النهارية والمدارس والمستشفيات بالغذاء، بحيث تجاوزت ميزانية البرنامج 1 مليار ريال برازيلي في 2014، لكنها انخفضت الآن بنسبة 90% منذ مغادرة ديلما.

توضح سونيا دي جيسوس، وهي والدة أحد الخبراء الاقتصاديين، أن انعدام الأمن الغذائي الذي يؤثر على عائلتها مرتبط بديناميات الأعمال التجارية الزراعية، معتبرة أن “البرازيل غنية بالمواد الغذائية والفواكه والخضروات، لكنها تصدر الكثير إلى الخارج، وعندما تصدر للخارج يعود السعر بالدولار، وهو أكثر تكلفة”، بناء على ما تعلمته من ابنها.

ترسيخ التضامن

تشير منسقة المنظمة غير الحكومية Ação da Cidadania، آنا باولا، إلى أن التبرعات مهمة، لكنها لا تحل مشكلة الجوع الهيكلية، مضيفة: “إنه لأمر جيد إعطاء سلة من المواد الغذائية الأساسية لشخص يحتاج إلى مساعدة طارئة في لحظة معينة، لكن من المحزن أن ترى المزيد والمزيد من العائلات تدخل في حالة دائمة من الحاجة إلى الغذاء”.

يتفاعل الأب لانسلوتي بدوره بطريقة جدلية: “بيد واحدة نعطي الخبز، ومن ناحية أخرى نحارب. لا أستطيع أن أقول للجياع الآن: دعونا ننتظر حدوث الثورة والتحول الاجتماعي وتحقيق العدالة، فبحلول ذلك سيكون قد مات، لكن علي أن أستمر في النضال -لا يمكنني أن أفقد الغرض من النضال”.

واحدة من أكثر حملات التضامن التي عرفتها البرازيل هي Periferia Viva، نظمها منتسبون من منظمات مثل حركة الفلاحين من دون أرض (MST) وحركة العمال من أجل الحقوق (MTD).

من خلال توفير الغذاء الصحي والزراعي البيئي يساعد الفلاحون في محاربة الجوع وفتح نقاش مع المجتمع حول الإصلاح الزراعي والسيادة الغذائية.

يقول لانسلوتي، وهو في اتصال دائم مع العمال الذين يعانون من الجوع، إن البرازيل بحاجة إلى إطلاق دورة جديدة من الأمل ويؤكد: “أشعر أن الناس متعبون للغاية، ولا يمكنهم التحمل أكثر، الجوع هو من أجل الطعام والشعور بالحياة”، مسترسلا: “إذا كان لدي القليل من الطعام فأنا آكل حزينا ومحطما، وهذا لا يدعمني. أحتاج إلى تناول الطعام بأمل”.

*: “الجوع في العالم” هو سلسلة ساهم في إنتاجها كل من: “آ إر جي ميديوس“، “برازيل دي فاتو“، “بريك ثرو نيوز“، “مدار“، نيو فرايم” “نيوز كليك” و “بيبلز ديسباتش“.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة